الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصة أبي سفيان مع الملك هرقل
وكان أمر ظهور النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الملك هرقل وهو بالقدس فكان لذلك يتوق بتلهف إلى معرفة الحقيقة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما هي. ليتأكد ما إذا كانت أوصافه تتفق مع الصفات المطلوب توفرها في التوراة والإنجيل للرجل الذي سيختاره الله من العرب ولابد ليكون رسولًا للعالمين.
ولا أدل من اهتمامه بهذا الأمر أنه منذ بلغته مختلف الأخبار المتناقضة عن ظهور النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث برجال من استخباراته وشرطته إلى مختلف مناطق الشام لعلهم يجدون من أهل مكة نفسها ممن يرتادون الشام دائما للتجارة. من يحدثه بأمانة عن حقيقة محمد وجوهر دعوته.
وشاء الله أن يظفر رجال الملك هرقل (من قواته الخاصة) في غزة بسيد من سادات العرب. وهو أبو سفيان بن حرب. قائد عير قريش التي كانت في رحلتها الصيفية التجارية إلى الشام.
فطلبوا منه أن يصحبهم من غزة إلى القدس. حسب رغبة الإمبراطور فأجابهم أبو سفيان إلى ذلك فاحتملوه وبعضا من رجاله وهناك في القدس اجتمعوا بالإمبراطور فاسستجوبهم بشأن حقيقة الرسول صلى الله عليه وسلم وحذَّرهم من أن يكذبوه الحديث.
ولنترك أبا سفيان بن حرب نفسه ليروى لنا ذلك اللقاء التاريخي الذي تم بينه وبين الإمبراطور (هرقل) وذلك الاستجواب الذي أجراه الإمبراطور معه بنفسه.
قال أبو سفيان: كنا قومًا تجارًا، وكانت الحرب بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حصرتنا حتى أنهكت أموالنا، فلما كانت الهدنة بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نأمن إلا أن نجد أمنًا، فخرجت في نفر من قريش تجارًا إلى الشام، وكان وجه متجرنا (غزة) فقدمناها حين ظهر (هرقل) على من كان بأرضه من فارس وأخرجهم منہا.
وأثناء إدلاء أي سفيان بحديثه عن استجواب الإمبراطور (هرقل له) عن حقيقة النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن (هرقل) رأى في المنام رؤيا وهو في بيت المقدس.
جعلته يضاعف اهتمامه بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم فقال .. إنه أخبر أن (هرقل) لا انتهى إلى بيت المقدس وقضى فيه صلاته. أصبح "ذات غداة مهمومًا يقلب طرفه إلى السماء. فقال له بطارقته .. والله لقد أصبحت أيها الملك الغداة مهمومًا. قال: أجل أُريت في المنام أن ملك الختان ظاهر. قالوا: ما نعلم أمة تختتن إلا يهود، وهم في سلطانك، فابعث إلى كل من لك عليه سلطان في بلادك فمره فليضرب أعناق كل من تحت يديه من يهود واسترح من هذا الهم.
قال أبو سفيان إنهم والله لفى ذلك من رأيهم يديرونه، إذا أتاهم رسول صاحب بُصرى (1) برجل من العرب، فقال: أيها الملك إن هذا الرجل من العرب من أهل الشاء والإِبل ويحدث عن أمر حدث ببلاده فسَله عنه.
فلما انتهى به إلى هرقل رسول صاحب بُصرى. قال هرقل: لترجمانه سله ما كان هذا الحَدث الذي كان ببلاده؟ فسأله: فقال: خرج بين أظهرنا رجل يزعم أنه نبي، قد اتبعه ناس وخالفه ناس. وقد كانت بينهم ملاحم في مواطن كثيرة فتركتهم على ذلك.
ويذكر أبو سفيان فيقول: وعندها أمر (هرقل) بتفتيش الرجل. فإذا هو مختون. فقال (هرقل): هذا والله الذي رأيت، لا ما تقولون، أعطوه ثوبه، ثم دعا الإِمبراطور صاحب شرطته. وقال له .. قلب لي الشام ظهرًا وبطنًا حتى تأتينى برجل من قوم هذا الرجل (يعني النبي صلى الله عليه وسلم). قال أبو سفيان: فوالله إنا (لبغزة) إذ هجم علينا صاحب شرطته. فقال: أنتم من قوم هذا الرجل الذي بالحجاز؟ قلنا: نعم. قال: فأيكم أمس به رحمًا؟ قلت: أنا، فنقلنا في الحال إلى بيت المقدس حيث الملك (هرقل).
فلما انتهينا إليه. قال: أنتم من رهط هذا الرجل؟ (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) قلنا: نعم. قال: فأيكم أمس به رحمًا قلت: أنا (2).
(1) بصرى (بضم الباء وسكون الصاد) مدينة تجارية شهيرة في المنطقة الجنوبية في الشام قريبة من الجولان.
(2)
قال أبو سفيان: أنا. لأنه يلتقى بالنبي (صلى الله عليه وسلم) في الجد الخامس (عبد مناف).
ويتحدث أبو سفيان عن هيبة (هرقل) فيقول: وأيم الله ما رأيت من رجل كان أنكر من ذلك الأغلف - يعني هرقل - فقد قال لرئيس شرطته: أدنه منى، فأقعدني بين يديه، وأقعد أصحابي خلفى. ثم قال: إني سأسأله، فإن كذب فردوا عليه. قال أبو "سفيان: فوالله لو كذبت ما رُد على ولكنى كنت امرأ سيدًا، أتكرم عن الكذب، وعرفت أن أيسر ما في ذلك إن أنا كذبته أن يحفظوا ذلك على، ثم يحدثوا به عنى، فلم أكذبه. وقد كان استجواب الإِمبراطور لأبي سفيان على النحو التالي.
فقد بدأ الإِمبراطور استجوابه لأبي سفيان بقوله .. أخبرني عن هذا الرجل الذي خرج بين أظهركم يدَّعى ما يدعى.
فقال أبو سفيان: فجعلت أزهِّد له شأنه وأصغر له أمره وأقول: أيها الملك ما يهمك من أمره؟ إن شأنه دون ما يبلغك.
ولم يُعجب الإِمبراطور هذا التهرب وتهوين أبي سفيان من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك انتهره. وقال: أنبئنى عما أسألك عنه من شأن صاحبكم، قال أبو سفيان: قلت: سل عما بدا لك.
فقال كيف نسبه فيكم؟
قلت: محض (أي خالص). هو أوسطنا نسبًا.
قال: فأخبرني هل كان أحد من أهل بيته في الماضى يقول مثل ما يقول فهو يتشبه به؟ قلت: لا.
قال: فهل كان له فيكم ملك فاستلبتموه إيّاه فجاء بهذا الحديث لتردّوا عليه ملكه؟ ؟ .
قلت: لا.
فقال: أخبرني عن أتباعه منكم. من هم؟
قال: قلت: الضعفاء والمساكين والأحداث والغلمان والنساء. وأما ذوو الأسنان والشرف من قومه فلم يتبعه منهم أحد.
قال: فأخبرني عمن يتبعه، أيحبه ويلزمه؟ .
قلت: ما تبعه رجل ففارقه.