الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدور الثالث: دور التدوين لعلوم الحديث مفرقة
وذلك من القرن الثالث الهجري إلى منتصف القرن الرابع.
والقرن الثالث وهو عصر التدوين عصر السنة الذهبي دونت فيه السنة وعلومها تدوينا كاملا. في مطلع هذه الدور ارتأى العلماء إفراد حديث الرسول بالتصنيف، فابتكروا لذلك "المسانيد" جمعوا فيها الحديث النبوي مرتبا بحسب أسماء الصحابة، فالأحاديث عن أبي بكر مثلا تجمع كلها في مكان واحد تحت عنوان مسند أبي بكر وكذا أحاديث عمر وهكذا.
ثم جاء البخاري فرأى إفراد الحديث الصحيح وأن يرتب على الأبواب لتسهيل الوصول إليه وتسهيل الفقه فيه، فوضع كتابه الجامع الصحيح. وجاء بقية السنة وهم -عدا النسائي- من تلامذته فوضعوا كتبهم على الأبواب، وراعوا حسن الاختيار، وإن كان أصحاب السنن لم يشترطوا الصحة، وهكذا كان لمدرسة البخاري الفضل العظيم على السنة بما صنفت في رواية الحديث وفي علوم الحديث ثم تبع الشيخين في اشتراط الصحة ابن خزيمة "311 هـ". ثم ابن حبان "354 هـ".
وفي هذا العصر أصبح كل نوع من أنواع الحديث علما خاصا مثل علم الحديث الصحيح، وعلم المرسل، وعلم الأسماء والكنى، وهكذا، فأفرد العلماء كل نوع منها بتأليف خاص.
كتب يحيى بن معين "234 هـ" في تاريخ الرجال، ومحمد بن سعد "230" في الطبقات، الذي فاق كتب الطبقات وأحمد بن
حنبل " (241) هـ""العلل ومعرفة الرجال" .. والناسخ والمنسوخ، ونبغ في التأليف والكتابة الإمام العلم علي بن عبد الله المديني " (234) هـ" شيخ البخاري، فقد ألف في فنون كثيرا جدا، حتى بلغت مؤلفاته المائتين (1). وكان له السبق في تصنيف كثير منها، حتى قيل: إنه ما من فن من فنون الحديث إلا ألف فيه كتابا.
وأصبح التصنيف أمر متبعا لا ينفك عنه إمام في الحديث، والأئمة أصحاب الكتب السنة كلهم لهم تآليف كثيرة في علوم الحديث، وكذلك فعل غيرهم وكانت تآليفهم تحمل اسم العلم الذي دونت فيه. حتى شمل التدوين كل نوع من أنواع علوم الحديث وجعل في كتاب مفرد (2)، وصار يقال لهذه العلوم المتفرقة "علوم الحديث" كما يقال للفقه والأصول والتفسير والتوحيد: علوم الإسلام.
واستوفى العلماء المتون والأسانيد دراسة وبحثا، واشتهرت الاصطلاحات الحديثية لكل نوع من أنواع الحديث واستقرت بين العلماء، كما يلاحظ ذلك من كتاب الترمذي وغيره.
لكن لم يوجد في هذا الدور أبحاث تضم قواعد هذه العلوم وتذكر ضوابط تلك الاصطلاحات، اعتمادا منهم على حفظهم لها وإحاطتهم بها، سوى تأليف صغير هو كتاب "العلل الصغير" للإمام الترمذي " (279) هـ" فإنه وإن جعله مؤلفه خاتمة لكتاب الجامع فقد أفرده بالتحديث وحمله عنه العلماء جزءا مستقلا، لما اشتمل عليه من الفوائد (3).
(1) الرسالة المستطرفة: 95.
(2)
انظر الرسالة المستطرفة تجد فيها أشهر ما صنف في كل فن حديثي.
(3)
ويشابه عمل الترمذي هذا مقدمة مسلم صحيحه، ورسالة أبي داود إلى أهل مكة، لكنا لم نعدهما تأليفا في فن "علوم الحديث" لقصورهما الشديد عن الشمول الذي في كتاب الترمذي.