الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: في علوم الرواة التاريخية
ويشمل هذا المبحث الأنواع الآتية من علوم الحديث:
1 -
تواريخ الرواة
2 طبقات الرواة
3 -
التابعون
4 -
أتباع التابعين
5 -
الأخوة والأخوات
6 -
المدبج ورواية الأقران
7 -
الأكابر الرواة عن الأصاغر
8 -
السابق واللاحق
9 -
رواية الآباء عن الأبناء
10 -
رواية الأبناء عن الآباء
1 -
تواريخ الرواة:
التاريخ عند المحدثين هو (1): "التعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال في المواليد والوفيات ويلتحق به من الحوادث والوقائع التي ينشأ عنها معان حسنة من تعديل وتجريح ونحو ذلك".
(1) كما قال السخاوي في فتح المغيث: 459.
وهذا النوع كالأصل بالنسبة للأبحاث التاريخية في رواة الحديث، لأنها مبنية على ما يثبته التاريخ من المواقيت في حياة الراوي.
وقد احتل التاريخ عند أهل الحديث مكانة هامة جدا لمعرفة اتصال الأسانيد وانقطاعها، وفي الكشف عن أحوال الرواة وفضح الكذابين.
قال سفيان الثوري: "لما استعمل الرواة الكذب استعلمنا لهم التاريخ".
وقال حفص بن غياث: "إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين". يعني احسبوا سنه وسن من كتب عنه.
قال عفير بن معدان الكلاعي: "قدم علينا عمر بن موسى حفص، فاجتمعا إليه في المسجد، فجعل يقول: حدثنا شيخكم الصالح، فلما أكثر قلت له: من شيخنا هذا الصالح؟ سمه لنا نعرفه. قال فقال: خالد بن معدان. قلت له: في أي سنة لقيته؟ قال لقيته سنة ثمان ومائة. قلت فأين لقيته؟ قال لقيته في غزاة أرمينية، قال: فقلت: اتق الله يا شيخ ولا تكذب! مات خالد بن معدان سنة أربع ومائة، وأنت تزعم أنك لقيته بعد موته بأربع سنين! "(1).
وقال الحاكم: لما قدم علينا محمد بن حاتم الكشي وحدث عن عبد بن حميد سألته عن مولده، فذكر أنه ولد سنة ستين ومائتين. فقلت لأصحابنا: سمع هذا الشيخ من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة.! !
وزعم أبو خالدج السقاء في سنة تسع ومائتين أنه سمع أنس بن مالك ورأى عبد الله بن عمرز فقال أبو نعيم "ابن كم يزعم أنه؟ قالوا:
(1) أسنده في الكفاية: 119، ورواه أيضا عن إسماعيل بن عياش الحمصي.
"ابن خمس وعشرين ومائة سنة" فقال أبو نعيم: "على زعمه مات ابن عمر قبل أن يولد بخمس سنين"(1).
ولذلك أوجب العلماء على طالب الحديث تقديم الاهتمام بالتاريخ، ومعرفة وفيات الشيوخ لأنه من أهم علوم الحديث. ولا سيما ما يتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم وأكابر أصحابه وأئمة علماء الدين فلا يجوز أن يغفل عنها مسلم فضلا عن طالب العلم، فإن من ارتبط بفكرة تعلق قلبه بداعيتها ورجالها الذين جاهدوا في سبيلها والمسلم أحق بذلك (2).
ومن أعظم المؤلفات في تاريخ الرواة:
1 -
"التاريخ الكبير"، للإمام البخاري. تكلم فيه بإيجاز عن الراوي، وذكر شيوخه وتلامذته، وتعرض أحيانا للجرح والتعديل، وسكت في الأكثر عن بيان ذلك. طبع في ثمانية أجزاء.
2 -
"التاريخ"، لابن أبي خيثمة، كتاب كبير، قال فيه ابن الصلاح:"وما أغزر فوائده".
3 -
مشاهير علماء الأمصار"، لأبي حاتم محمد بن حبان البستي، تكلم فيه عن كل راو بإيجاز شديد في سطرين أو ثلاثة، وذكر تاريخ وفاته. والكتاب مطبوع في جزأين.
(1) المغني رقم 7429.
(2)
وقد ذكر الإمام ابن الصلاح ومن تبعه أسماء أعلام من الصحابة وأهل الحديث ووفياتهم، بمناسبة الكلام على تواريخ الرواة اقتصروا فيه على ذكر الأسماء والوفيات فقط. وقد أوردنا لكل منهم ترجمة مفصلة في كتابنا هذا في الأدوار التاريخية لعلم الحديث، ثم في مصادر الحديث الصحيح والحسن بما يكمل ثقافة القارئ في هذا الجانب العلمي الحيوي.
وانظر كذلك فصل "تراجم أعيان الحفاظ" في شرح علل الترمذي لابن رجب 162 - 233 وفصل "معرفة مراتب أعيان الثقات الذين تدور عليهم غالب الأحاديث الصحيحة" في شرح العلل أيضا: 472 - 552، فإنهما على غاية الأهمية جديران بالحفظ عن ظهر قلب.
2 -
طبقات الرواة:
الطبقة في اللغة: القوم المتشابهون في صفة من الصفات.
وفي اصطلاح المحدثين: القوم المتعاصرون إذا تشابهوا في السن وفي الإسناد "أي الأخذ عن المشايخ" فهي بمعنى كلمة "جيل" مع ملاحظة الاشتراك في الأساتذة.
وربما اكتفوا بالاشتراك في التلقي. وهو غالبا ملازم للاشتراك في السن (1).
والباحث الناظر في هذا الفن يحتاج إلى معرفة المواليد والوفيات. ومن أخذوا عنه، ومن أخذ عنهم (2).
ويختلف اعتبار الراوي من أي طبقة هو باختلاف الجهة والأمر الذي نصنفه على أساسه، وعند هذا فرب شخصين يكونان من طبقة واحدة لتشابههما بالنسبة إلى جهة، ومن طبقتين بالنسبة إلى جهة أخرى لا يتشابهان فيها.
فأنس بن مالك الأنصاري وغيره من أصاغر الصحابة دون أبي بكر ونحوه من أكابر الصحابة بطبقات، إذا نظرنا إلى تفاوتهم في السبق إلى
(1) فتح المغيث: 495.
(2)
علوم الحديث: 358.
الإسلام. لكنه يعد معهم من طبقة واحدة هي عموم الصحابة إذا نظرنا إلى اشتراكهم في أصل صفة الصحبة، وعلى هذا فالصحابة بأسرهم طبقة أولى، والتابعون طبقة ثانية، وأتباع التابعين طبقة ثالثة، وأتباع أتباع التابعين طبقة رابعة، وأتباع أتباع أتباع التابعين طبقة خامسة.
وهذه الطبقات الخمس هي طبقات الرواة حتى نهاية القرن الثالث، وهو نهاية عصر الرواية.
وقد قسمها الحافظ ابن حجر بحسب تقارب رجالها في الإسناد، أو تشابههم في الشيوخ والمعاصرة إلى اثنتي عشرة طبقة، ثم بين الزمن التقريبي لأفراد كل طبقة، في كتابه تقريب التهذيب (1).
ومعرفة الطبقات لها أهمية كبيرة، إذ يتوصل بها إلى التمييز بين الرواة المتشابهين، والأمن من التداهل بينهم كالمتفقين في الاسم، والكنية، كما يتوصل به إلى الاطلاع على تبيين التدليس، والوقوف على المراد من العنعنة "أي قول الراوي: عن فلان" أهي على سبيل الاتصال، أم الانقطاع.
ولأهمية هذا الفن عني به المحدثون وصنفوا فيه الكتب الكثيرة. طبع منها كتابان:
أ- "الطبقات الكبرى" للإمام الحافظ محمد بن سعد.
وهو كتاب حفيل غزير الفوائد فاق سائر كتب الطبقات شهرة، ومؤلفه حافظ ثقة، غير أنه كثر الرواية فيه عن الضعفاء، منهم محمد بن عمر الواقدي شيخه، ويذكره باسمه واسم أبيه:"محمد بن عمر"،
(1): 1: 5 - 6.
دون أن ينسبه. ومنهم شيخه هشام بن محمد بن السائب الكلبي، فقد أكثر عنهما في كتابه.
ب- "الطبقات" للإمام خليفة بن خياط.
وهو كتاب نافع مفيد مختصر جدا، يقع في جزأين، طبع بدمشق.
3 -
التابعون:
المختار في تعريف التابعي عندنا ما قاله الحاكم (1) وهو: "من شافه (2) أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي مع كونه مؤمنا.
ولهذا العلم فائدة عظيمة فإنه إذا "غفل الإنسان عن هذا العلم لم يفرق بين الصحابة والتابعين، ثم لم يفرق أيا بين التابعين وأتباع التابعين".
(1) في معرفة علوم الحديث: 42.
(2)
وعبر عنه العراقي في الألفية وشرحها: 4: 52 ن بقوله: "من لقي واحدا من الصحابة فأكثر"، فلم يشترط المشافهة، أي الأخذ عن الصحابي، واخترنا تعريف الحاكم لأنه أوفى بأغراض المحدثين التي منها اتصال السند، فإن من لم يأخذ عن الصحابي لا يكون سنده إلى الصحابي متصلا إلا بالواسطة. أما الصحبة فكتفوا فيها باللقاء لعظمة شرفها وبركة النبي صلى الله عليه وسلم. وإن كان سند من لقي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه مرسلا من قبيل مراسيل كبار التابعين. انظر مطلع الإصابة، وفتح المغيث:368.
وجعل الحاكم التابعين خمس عشرة طبقة، ذكر منها ثلاث طبقات فقط، في مقدمتها: الذين لحقوا العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، مثل قيس بن أبي حازم، سمع العشرة وروى عنهم، وليس في التابعين أحد روى عن العشرة سواه.
وآخر طبقات التابعين من لقي أنس بن مالك من أهل البصرة، ومن لقي عبد الله بن أبي أوفى من أهل الكوفة، ومن لقي السائب بن يزيد من أهل المدينة
…
وهؤلاء آخر الصحابة موتا رضي الله عنهم.
ومن هذه الطبقة الإمام أبو حنيفة على الأصح، لأنه لقي من الصحابة عبد الله بن أنيس، وعبد الله بن جزء الزبيدي، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وعائشة بنت عجرد، وروى عنهم.
ويمكن تقسيم التابعين إلى ثلاث طبقات شاعت في كتب العلم، وهي: طبقة كبار التابعين، وهم الذين رووا عن كبار الصحابة، وهؤلاء يقع حديثهم موقع حديث متأخري الصحابة، اكثر ما يوجد عند تابعي. وطبقة متوسطي التابعين، وهم الذين أدركوا هؤلاء الأئمة وأمثالهم ورووا عن الصحابة وعن التابعين. وطبقة صغار التابعين وهم الذين حدثوا عن صغار الصحابة الذين تأخرت وفاتهم فأدركهم في حال صغر سنهم وكبر سن الصحابة الذين كانوا صغارا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وأول التابعين موتا أبو زيد معمر بن يزيد، قتل سنة ثلاثين وآخرهم موتا خلف بن خليفة، مات سنة ثمانين ومائة.
ومن التابعين: المخضرمون، وهم الذين أدركوا الجاهلية في حياة
(1) مسألة العلو والنزول لابن طاهر المقدسي: ق 7 آ.
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلموا، ولا صحبة لهم. وعدهم بعض العلماء من الصحابة.
ذكرهم مسلم فبلغ بهم عشرين نفسا، منهم سويد بن غفلة " (80) هـ"، وعمرو بن ميمون الأودي " (74) " وأبوعثمان النهدي عبد الرحمن بن مل وهو من المعمرين توفي سنة " (95) "، جمع منهم البرهان الحلبي في تأليف خاص (1) فزاد على خمسين ومائة، وعني الحافظ ابن حجر يإيرادهم في كتابه الاصابة.
فضل التابعين:
وقد خلف التابعون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في حمل العلم، وقاموا بالدعوة من بعدهم، فكان لهم الفضل من بعدهم وقد ورد الثناء عليهم في القرآن: قال الله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} .
وذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم (2) عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".
واختلفوا في أفضل التابعين من الرجال ففضل أهل كل مصر إمامهم من التابعين. واختار كثير من العلماء سعيد بن المسيب.
وقيل: أويس القرني. قال العراقي (3) إنه "الصحيح بل الصواب
…
لما روى مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب قال
(1) هو تذكرة الطالب المعلم بمن يقول إنه مخضرم انظر ص 2 - 6 للتوسع في تعريف المخضرم.
(2)
في الفضائل: 7: 185.
(3)
في شرح الألفية: 4: 55.
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن خير التابعين رجل يقال له أويس
…
".
وسيدات النساء من التابعين: حفصة بنت سيرين "بعد (100) "، وعمرة بنت عبد الرحمن "قبل (100) "، وأم الدرداء الصغرى " (81) ".
وهذه الطبقة لها الفضل في نشر العلم في الأمصار ففي مكة رويت الفتيا في الفقه والحديث عن عطاء بن أبي رباح " (114) " وطاوس بن كيسان " (106) ". وفي المدينة عن جماعة من أكابر التابعين هم "الفقهاء السبعة" من أهل المدينة، وهم: سعيد بن المسيب " (90) "، والقاسم بن محمد " (106) "، وعروة بن الزبير " (94) "، وخارجة بن زيد " (100) "، وأبو سلمة بن عبد الرحمن " (94) "، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة " (94) "، وسليمان بن يسار "بعد المائة". فهؤلاء هم الذين أطلق عليهم:"الفقهاء السبعة" عند الأكثر من علماء الحجاز.
وفي الكوفة حمل الناس العلم عن علقمة بن قيس النخعي "توفي بعد سنة (60) "، ومسروق بن الأجدع الهمداني " (62) ". وفي البصرة عن الحسن البصري " (110) " ومحمد بن سيرين " (110) "، وفي الشام عن أبي إدريس الخولاني " (80) " وقبيصة بن ذؤيب الخزاعي "بعد (80) "، وبمصر عن يزيد بن أبي حبيب " (128) " وبكير بن عبد الله الأشج " (120) "(1).
أخطاء في هذه الطبقة:
وقعت في طبقة التابعين أخطاء نذكر نبذا منها تنبيها لطالب العلم:
(1) المختصر في علم رجال الأثر لأستاذنا الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف: 41.
آ- قال الحاكم (1): "طبقة تعد في التابعين ولم يصح سماع أحمد منهم من الصحابة، منهم إبراهيم بن سويد النخعي، وبكير بن أبي السميط، وثابت بن عجلان".
ب- وقال أيضا: "طبقة عدادهم عند الناس في اتباع التابعين وقد لقوا الصحابة. منهم: أبو الزناد عبد الله بن ذكوان، لقي أنس بن مالك وأبا أمامة بن سهل. وهشام بن عروة وقد أدخل على عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله".
جـ- قال ابن الصلاح: "قوم عدوا من التابعين وهم من الصحابة، ومن أعجب ذلك عد الحاكم أبي عبد الله: النعمان وسويدا ابني مقرن المزني من التابعين، (2) وهما صحابيان معروفان مذكوران في الصحابة (3) ".
4 -
أتباع التابعين:
ويمكن استخراج تعريفهم مما سبق فيقال:
"تابع التابعي هو من شافه التابعي مؤمنا بالنبي صلى الله عليه وسلم"(4).
(1) في المعرفة: 45، وذكر أسماء أخرى خطأه فيها العراقي في النكت: 284 - 285.
(2)
في نوع الأخوة والأخوات: 154. وانظر علوم الحديث: 276.
(3)
انظر ترجمتيهما في الاستيعاب: 2: 112 و 3: 516. وأسد الغابة: 2: 381 و: 5: 30، والإصابة: 2: 99، و: 3: 535.
(4)
هذا النوع ذكره الحاكم في المعرفة: ص 46 - 48، لكنه لم يعرفه،
قال الحاكم في أهمية هذا النوع وضرب الأمثلة له:
"فإن غلط من لا يعرفهم يعظم أن يعدهم من الطبقة الرابعة، أو لا يميز فيجعل بعضهم من التابعين
…
وقد ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
فهذه صفة اتباع التابعين إذ جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم خير الناس بعد الصحابة والتابعين المنتخبين، وهم الطبقة الثالثة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وفيهم جماعة من أئمة المسلمين، وفقهاء الأمصار، مثل مالك بن أنس الأصبحي، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وسفيان بن سعيد الثوري وشعبة بن الحجاج العتكي، وابن جريج.
ثم فيهم أيضا جماعة من تلامذة هؤلاء الذين ذكرناهم، مثل: يحيى بن سعيد القطان وقد أدرك أصحاب أنس، وعبد الله بن لمبارك، وقد أدرك جماعة من التابعين، ومحمد بن الحسن الشيباني ممن روى الموطأ عن مالك، وقد أدرك جماعة من التابعين".
ومن مصادر معرفة رجال التابعين وتابعيهم الكتب المصنفة على الطبقات، مثل: طبقات ابن سعد، وطبقات خليفة بن خياط، والثقات للذهبي، وتذكرة الحفاظ للذهبي أيضا.
5 -
الإخوة والأخوات:
وهو علم عزيز من معارف أهل الحديث المفردة بالتصنيف.
ومن فائدته فيما نرى أنه قد يشتهر أحد الأخوة بالرواية فلا يظن الباحث إذا وجد الرواية عن بعض إخوته أنها وهم.
فمن أمثلة الأخوين من الصحابة: عبد الله بن مسعود، وعتبة بن مسعود، هما أخوان. زيد بن ثابت ويزيد بن ثابت، أخوان.
ومن التابعين: عمرو بن شرحبيل أبو ميسرة، وأخوه أرقمن كلاهما من أصحاب ابن مسعود.
ثلاثة إخوة: علي، وعقيل، وجعفر، بنو أبي طالب، إخوة ثلاثة من الصحابة ومن أهل البيت (1). سهل وعباد وعثمان بنو حنيف إخوة ثلاثة من الصحابة، عمرو بن شعيب، وعمر، وشعيبن بنو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو إخوة ثلاثة من التابعين.
وأكثر ما ذكروا من الأخوة تسعة، على ما أفاد السيوطي.
وقد صنف في هذا النوع جماعة من الحفاظ، منهم: علي بن المديني، ومسلم وأبو داود والنسائي، وغيرهم.
(1) تسمية الأخوة الذين روي عنهم لأبي السجستاني ق 216 آ.
6 -
المدبح ورواية الأقران بعضهم عن بعض:
الأقران هم الرواة المتقاربون في السن والإسناد، واكتفى بعضهم بالتقارب في الإسناد فقط.
وقد ذكروا قسمين لرواية القرين عن القرين:
الأول: المدبج، وهو أن يروي القرينان كل واحد منهما عن الآخر، مثل: أبي هريرة وعائشة، روى كل منهما عن الآخر، والزهري وعمر بن عبد العزيز، ومالك والأوزاعي.
القسم الثاني: غير المدبج، وهو أن يروي أحد القرينين عن الآخر ولا يروي الآخر عنه، مثاله رواية سليمان التيمي عن مسعر، وهما قرينان، ولا نعلم لمسعر رواية عن التيمي.
ومن فائدة هذا النوع ألا يتوهم الناظر أن ذكر أحد المتقارنين وقع في السند خطأ، وألا يفهم أن "عن" خطأ، وأن صوابها واو العطف التي تدل على أنهما اشتركا في رواية الحديث عن الراوي الذي ذكر في الإسناد قبلهما.
وقد صنف الدارقطني في المدبج كتابا، وهو أول من سماه به، وصنف الحافظ أبو الشيخ في رواية الأقران.
7 -
الأكابر الرواة عن الأصاغر:
قد يروي الكبير القدر أو السن، أو الكبير فيهما معا عمن دونه، كما قيل:"لا ينبل الرجل حتى يأخذ عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه".
ومن الفائدة فيه ألا يتوهم انقلاب السند، أو يتوهم أن الراوي دون المروي عنه، نظرا إلى ان الأغلب كون المروي عنه أكبر من الراوي، وقد روي عن عائشة رضي الله عنها قالت:"أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم"(1).
وقد ذكروا مما يندرد تحت هذا النوع رواية الصحابي عن التابعي، كرواية العبادلة وغيرهم من الصحابة عن كعب الأحبار بعض ما كان يحدث به من أخبار السابقين.
وهذا قد استند إليه بعض الملاحدة فزعم -تبعا للمستشرقين- أن الصحابة سمعوا من كعب الأحبار أشياء ونسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه دعوى فاجرة، قامت على تحريف كلام العلماء، فإن العلماء لم يقولوا أبدا إن الصحابة نسبوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا وقع ذلك من الصحابة، وإنما نبهوا إلى هذا النزول في السند دفعا للتوهم.
(1) أخرجه أبو داود في الأدب: 4: 261، وأعله بالانقطاع، وتساهل الحاكم فحكم بصحة الحديث، في المعرفة، وتابعه على ذلك ابن الصلاح وابن كثير، ونبه الحافظ العراقي على ضعف الحديث في نكته: 425 طبع حلب
ومن ذلك قولهم في عبد الله عمرو "أصاب زاملتين من كتب أهل الكتاب، وكان يرويها للناس عن النبي". ونسب الطاعن ذلك إلى فتح الباري 1: (166).
وهذا خيانة وخداع، حيث دس الطاعن في كلام الحافظ كلمة ليست فيه، وهي "عن النبي" فزادها كذبا، ونسبها للحافظ ابن حجر بهتانا
…
! ! (1).
ومن رواية الأكابر عن الأصاغر نوع طريف هو رواية صحابي عن تابعي عن صحابي، وإن كان نادرا (2) مثل حديث السائب بن يزيد الصحابي عن عبد الرحمن بن عبد القاري التابعي عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل". رواه مسلم في صحيحه (3).
ومنه أيضا رواية التابعي عن تابع التباعي، كرواية الزهري ويحيى ابن سعيد الأنصاري عن مالك.
ومن مقاصد الأئمة في الرواية عمن دونهم التنويه بذكرهم، ولفت الناس للأخذ عنهم (4).
(1) انظر في الموضوع دراسة قيمة لفضيلة أستاذنا الشيخ محمد السماحي في قسم التاريخ: 2209 - 257.
(2)
وقد جمع الحافظ العراقي من هذا نحو عشرين حديثا في شحر الألفية. وانظر توضيح الأفكار والتعليق عليه لفضيلة أستأذنا الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد: 2: 474.
(3)
ج 1: ص 208. وقارن بالباحث الحثيث: 196.
(4)
فتح المغيث: 405.
8 -
السابق واللاحق:
وهو أن يشترك في الرواية عن الراوي راويان: أحدهما متقدم الوفاة، والآخر متأخر في الوفاة، بينهما أمد بعيد.
ومن فوائد ذلك تقرير حلاوة الإسناد في القلوب، ورفع توهم الخطأ في الإسناد.
وهذا إنما يقع عند رواية الأكابر عن الأصاغر ثم بعد زمن يسمع من المروي عنه الصغير راو متأخر.
ومن أمثلته أن الزهري روى عن تلميذه الإمام مالك بن أنس، وقد توفي الزهري سنة 124. وممن روى عن مالك أحمد بن إسماعيل السهمي، وهو من أهل الصدق، مات سنة 259. فبين وفاتي الزهري والسهمي خمس وثلاثون ومائة سنة "135".
وقد صنف الخطيب البغدادي في ذلك كتابا اسماه "السابق واللاحق".
9 -
رواية الآباء عن الأبناء:
وفائدة هذا النوع أمن الخطأ الذي ينشأ عن توهم الابن أبا، أو توهم انقلاب السند.
ومن أمثلته في الصحابة أن العباس بن عبد المطلب روى عن ابنه الفضل بن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين بالمزدلفة"(1).
وفي التابعين رواية وائل عن ابنه بكر بن وائل ثمانية أحاديث، منها وائل عن بكر عن الزهري عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على صفية بسويق وتمر"(2).
ومن بعدهم رواية أبي عمر حفص بن عمر الدوري المقرئ عن ابنه أبي جعفر محمد بن حفص ستة عشر حديثا، أو نحو ذلك. وهذا أكثر ما روينا لأب عن ابنه.
وقد صنف الخطيب البغدادي في هذا النوع كتابا قيما، نقل م نه المؤلفون أمثلة كثيرة.
(1) الحديث رواه هكذا الخطيب في كتابه "رواية الآباء عن الأبناء" وأصله في الصحيحين وغيرهما.
(2)
أبو داود في الأطعمة" استحباب الوليمة عند النكاح": 3: 34. وقارن بالترمذي في النكاح: 3: 403. وابن ماجه: 615.
10 -
رواية الأبناء عن الآباء:
رواية الأبناء عن الآباء قسمان:
أولهما: رواية الابن عن أبيه فقط، وذلك كثير جدا.
ومن الأمثلة المشهورة لذلك رواية أبي العشراء عن أبيه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة
…
(1).
أبو العشراء لم يأت في الأسانيد إلا مكنيا، ووالده لم يسم في شيء من طرق الحديث، والأشهر أن أبا العشراء هو أسامة بن مالك ابن قهطم، بكسر القاف.
الثاني: رواية الابن عن أبيه عن جده، وهي كثيرة أيضا، لكن دون كثرة الأول. ورواية الرجل عن أبيه عن جده مما يفخر به بحق، ويغبط عليه الراوي، يقول أبو القاسم منصور بن محمد العلوي:"الإسناد بعضه عوال وبعضه معال، وقول الرجل: حدثني أبي عن جدي من المعالي". أي المكارم التي يعتز بها.
وهذا أربعة أسانيد مشتهرة من هذا القسم (2):
(1) أخرجه الترمذي في الذبائح: 4: 75. والذكاة: الذبح الشرعي.
(2)
ذكرها النووي في "المبهمات في علم الحديث". ق 35 ب-36 من المخطوط بحلب: والعراقي في المستفاد: ق 98 واستوفى هذا القسم القطب القسطلاني في المبهمات: ق 3 ب -11.
1 -
عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبيه عن جدهز يروى بهذا السند نسخة كبيرة حسنة الحديث، أكثرها فقهيات جياد في المسند للإمام أحمد بن حنبل وفي السنن الأربعة.
وهذه السلسلة قد اشتجر فيها الخلاف بين المحدثين، وطعن فيها بعضهم بعدم الاتصال.
والمختار الذي جرى عليه أكثر المحدثين هو الاحتجاج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا صح السند إليه، قال البخاري:
"رأيت أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وأبا عبيد، وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين. قال البخاري: من الناس بعدهم! ! "(1).
2 -
بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده. روي بهذا السند نسخة كبيرة حسنة في مسند الإمام أحمد، وبعض حديثه في السنن الأربعة، وروى له البخاري معلقا لأنه ليس على شرطه.
3 -
طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب اليامي عن أبيه عن جده، وطلحة ثقة فاضل، وجده عمرو بن كعب يقال فيه: كعب بن عمرون وهو صحابي عند الجمهور، لكن أباه مصرفا مجهول، روى له أبو داود.
4 -
كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عبد الله عن جده عمرو. روى له الترمذي خمسة أحاديث حكم لها بالحسن
(1) انظر تفصيل البحث فيه في الميزان، والتهذيب، وكتابنا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخاصة: 117 - 118.
لتعضدها بالرواية من طرق أخرى، لكن كثيرا ضعفه الأكثرون، ومنهم من تركه ورماه، ومشاه الباقون (1).
ورواية الأبناء عن آبائهم مما يحتاج لمعرفته، فإن المشاهد في الكثير من الأحيان أن لا يذكر اسم الأب أو الجد في السند، ويخشى أن يخفى على الناظر فيه.
وفي بعضها ما يحتاج إلى التبيه على حقيقته:
كما في نسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فإن الضمير في جده يرجع إلى أبيه شعيب، أي أن السلسلة هكذا عمرو بن شعيب عن أبيه شعيب عن جده أي جد شعيب وهو عبد الله بن عمرو، وقد قيل إن شعيبا لم يسمع من جده، لكن التحقيق أنه سمع منه، وإن هذا السند حجة.
وكرواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، فإنه لم يسمع أباه (2).
وقد صنف العلماء في هذا النوع لتحقيق مثل هذا الغرض كتبا كثيرة، كابن أبي خيثمة، وأبي نصر الوائلي السجزي، ثم الحافظ العلائين وكتابه أجمع مصنف في ذلك. نقل عنه العلماء أشياء كثيرة.
(1) طعن بعض المحدثين على الترمذي لتحسينه أحاديث كثير بن عبد الله. وقد أزلنا الشبهة في كتابنا الإمام الترمذي في فصل المكانة العلمية لعلم الترمذي في صناعة الحديث.
(2)
نبه على ذلك الترمذي في "زكاة البقر": 3: 21. وانظر أطروحتنا: 108.
وقد عني الحافظ أبو موسى المديني في كتابه "اللطائف من علوم الحفاظ الأعارف" بالأسانيد المنقطع من رواية الأبناء عن الآباء، واستقصى هذا النوع فصل خاص فجمع نحوا من مائة إسناد، معظمها لم يذكر في كتب المراسيل. والكتاب مخطوط في الظاهرية، انظر ورقة 78 إلى آخره.