الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: في علوم أسماء الرواة
ويشمل هذا المبحث الأنواع الآتية من علوم الحديث:
1 -
المبهمات
2 -
معرفة من ذكر بأسماء متعددة
3 -
الأسماء والكنى
4 -
الألقاب
5 -
المنسوبون إلى غير آبائهم
6 -
النسب التي على خلاف ظاهرها
7 -
المالي من الرواة والعلماء
8 -
أوطان الرواة وبلدانهم
9 -
الأسماء المفردة والكنى
10 -
المتفق والمفترق
11 -
المؤتلف والمختلف
12 -
المتشابه "يتركب من النوعين قبله"
وسنتكلم عنها بإيجاز واحدا فواحدا.
1 -
المبهمات:
أي معرفة اسم من أغفل ذكر اسمه في الحديث من الرجال والنساء.
ويعرف ذلك بوروده مسمى في بعض الروايات، وبتنصيص أهل السير على كثير منهم، وبغير ذلك، وكثير منهم لم يوقف على أسمائهم. وقد قسمه ابن الصلاح أقساما بحسب نوع الإبهام، ذكر منها:
1 -
ما قيل فيه "رجل" أو"امرأة"، وهو من أبهمها.
2 -
ما أبهم بأن قيل "ابن أو ابنة فلان" أو"ابن الفلاني".
3 -
عم فلان أو عمته.
4 -
زوج فلانة، أو زوجة فلان (1).
5 -
وأرى أن نقسم الإبهام بحسب موضعه إلى قسمين:
1 -
الإبهام في السند.
2 -
الإبهام في المتن.
(1) لا خلاف بين المحدثين في تسمية هذه الأقسام بالمبهم، وكتبهم في المبهمات ناطقة بذلك، فليحرر قول بعض الكاتبين: "أن الحافظ ابن حجر يفرق بين المجهول عينا وبين المبهم من حيث الاصطلاح
…
أما غير ابن حجر فقد اعتبر مجهول العين المبهم لم يسم، ومن سمي وانفرد راو واحد بالرواية عنه". ففي النفس منه شيء.
قال ابن كثير: "وأهم ما فيه ما رفع إبهاما في إسناد، كما إذا ورد في سند: عن فلان بن فلان، أو عن أبيه، أو عن عمه، أو أمه، فوردت تسمية هذا المبهم من طريق أخرى، فإذا هو ثقة أو ضعيف أو ممن ينظر في أمره، فهذا أنفع ما في هذا".
ومن فوائد رفع الإبهام في المتن (1): تعيين من نسبت إليه فضيلة أو ضدها، أو أن يكون الحديث واردا بسببه وقد عارضه حديث آخر، فيعرف التاريخ إن عرف زمن إسلامه، فيتبين الناسخ من المنسوخ.
وهذه أمثلة حيوية لهذا النوع:
روى أبو داود (2) قال: حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن منصور عن ربعي بن حراش عن امرأته عن أخت لحذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر النساء، أما لكن في الفضة ما تحلين به، أما إنه ليس منكن امرأة تحلى ذهبا تظهره إلا عذبت به". أخت حذيفة بن اليمان اسمها فاطمة، وقيل خولة. وامرأة ربعي لم تعرفز مما يضعف الحديث (3).
وأخرج الخطيب البغدادي في كتاب الرحلة بسنده: عن معن بن عيسى حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد قال: سمعت ابن الديلمي يقول: بلغني حديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص فركبت إليه إلى الطائف أسأله عنه
…
".
(1) انظرها مفصلة في كتاب المستفاد، ق 1 - 2 آ. والتدريب: 500 نقلا عنه.
(2)
في كتاب الخاتم "الذهب للنساء" وأخرجه النسائي أيضا.
(3)
المستفاد: ق 38 آ. وانظر تحقيق البحث في هذا الحديث وأحاديث تحلي النساء بالذهب في كتاب "ماذا عن المرأة؟ " للمؤلف: 89 - 100 و 186 - 200.
ابن الديلمي هذا هو عبد الله بن فيروز، وهو ثقة (1).
ونسوق إليك هذا المثال استقصيناه من مراجع هذا الفن الخاصة.
وهو حديث ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أختي حلفت أن تمشي إلى البيت
…
" الرجل: عقبة بن عامر الجهني (2) ". أخرج الشيخان (3) عن عقبة قال: نذرت أختى أن تمشي إلى بيت الله حافية، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"لتمش ولتركب".
وأخت عقبة من المبهم أيضا، فقال العراقي وقطب الدين القسطلاني (4):"هي أم حبان بنت عامر". وهذا وهم منه، تعقبه الحافظ أبو ذر الحلبي (5) ثم قال: "إنما هي أم حبال
…
".
وللعلماء مصنفات كثيرة في هذا النوع، كالحافظ عبد الغني بن سعيد المصري، والخطيب البغدادي، وأحسن ما صنف في هذا النوع كتاب "المستفاد من مبهمات المتن والإسناد" للحافظ ولي الدين أحمد العراقي " (826) ".
(1) الرحلة: 136 - 137. وتسمية عبد الله بن الديلمي وردت في المسند من طريق آخر برقم 6644 والمستدرك: 1: 30 - 31، وقال صحيح، وقال الذهبي: "صحيح على شرطهما ولا علة له". وانظر التعليق على المستند: 10: 167 - 171.
(2)
المبهمات للنووي ق 21 آ.
(3)
البخاري آخر الحج: 3: 20. ومسلم في النذر: 5: 79.
(4)
المستفاد: ق 38 ب. والمبهمات ق 15.
(5)
في توضيح مبهمات الجامع الصحيح ق 49 آ، لكن قال ابن حجر في الفتح: 4: 75: "لم يعرف اسم أخت عقبة بن عامر الجهني". وانظر مدي الساري: 2: 25.
2 -
من ذكر بأسماء مختلفة أو نعوت متعددة:
هذا فن عويص، والحاجة إليه حاقة. ومن فوائده: الأمن من جعل الواحد اثنين، والتحرز من توثيق الضعيف وتضعيف الثقة، وفيه إظهار تدليس المدلسين، فإن أكثر ذلك إنما نشأ من تدليسهم، يغربون به على الناس. فيذكرون الرجل باسم ليس هو مشهورا به، أو يكنونه ليبهموه على من لا يعرف.
مثاله (1): محمد بن السائب الكلبي صاحب التفسير، هو أبو النضر الذي روى عنه محمد بن إسحاق بن يسار حديث تميم الداري وعدي بن بدَّاء في قصتها التي نزل فيها قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} الآية في الوصية في السفر (2). وهو حماد بن السائب الذي روى عنه أبو أسامة حديث "ذكاة كل مسك دباغه"(3). وقد وهم فيه حمزة بن محمد ووثقه، حيث لم يعرف أنه الكلبي المتروك. وهو أبو سعيد الذي يروي عنه عطية العوفي
(1) بإيجاز عن موضع أوهام الجمع والتفريق: 2: 354 - 359.
(2)
أخرجه الترمذي في تفسير سورة المائدة: 2: 131 وأصل الحديث من غير طريق محمد بن السائب عند البخاري آخر الوصايا ج 4 ص 12 وأبي داود في الأقضية: 3: 307.
(3)
أخرجه الحاكم في المستدرك "كتاب الأطعمة" وقال: صحيح، ووافقه الذهبي: 4: 124. فلعل الحكم بالصحة لأصل المتن. أما هذا السند فليس بصحيح.
التفسير يدلس به، موهما أنه أبو سعيد الخدري. وهو أبو هشام الذي روى عنه القاسم بن الوليد الهمداني.
وقد صنف في هذا النوع الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي كتابا نافعا سماه "إيضاح الإشكال". وصنف فيه الخطيب البغدادي كتابا كبيرا قيما سماه "موضح أوهام الجمع والتفريق". تناول فيه بالتفصيل كل راو من هذا النوع، وما وقع فيه من الأوهام بسبب ذلك.
3 -
الأسماء والكنى:
المراد بهذا بيان أسماء ذوي الكنى، وكنى المعروفين بالأسماء.
وفائدته تسهيل معرفة اسم الراوي المشهور بكنيته، ليكشف عن حاله، والاحتراز عن ذكر الراوي مرة باسمه ومرة بكنيته فيظنهما من لم يتنبه لذلك رجلين، أو ربما ذكر بهما معا فيتوهم رجلين سقط بينهما حرف "عن" أو غيره.
ومن أمثلة الوهم في ذلك: ما روي عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن أبي الوليد عن جابر مرفوعا: "من صلى خلف الإمام، فإن قراءته له قراءة". وهذا وهم، عبد الله بن شداد هو أبو الوليد (1).
(1) شرح الألفية: 4: 79، والتدريب ص 45 وفيه تصحيف.
وعكس ذلك وقع للنسائي حيث قال: عن أبي أسامة حماد بن السائب، والصواب عن أبي أسامة عن حماد (1).
وهذا فن مطلوب لم يزل أهل العلم بالحديث يعنون به، ويتحفظونه ويتطارحونه فيما بينهم، ويتنقصون من جهله.
وقد ابتكر ابن الصلاح فيه تقسيما حسنا بلغ فيه العشرة، نكتفي منها بهذه الخمسة:
القسم الأول: من ليس له اسم سوى الكنية، مثاله: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي (2) عده بعضهم من فقهاء المدينة السبعة. وأبو بلال الأشعري الراوي عن شريك وغيره، روي عنه أنه قال: ليس لي اسم، اسمي وكنيتي واحد.
ومن أمثلته: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، يقال: اسمه أبو بكر وكنيته أبو محمد، فكأن لكنيته كنية، وهذا طريف عجيب.
القسم الثاني: من لا يعرف بغير كنيته. ولم يعرف اسمه، كما أنه لم يعرف هل كنيته هي اسمه أم له اسم غيرها: مثاله من الصحابة: أو أناس، وأبو مويهبة. ومن غير الصحابة: أبو الأبيض الراوي عن أنس بن مالك، أو حرب بن أبي الأسود الدبلي، أو حريز الموقفي، روى عنه ابن وهب.
القسم الثالث: من له كنيتان أو أكثر: كابن جريج كان يكنى
(1) موضح الأوهام: 2: 358 وانظر المرجعين السابقين.
(2)
لكن قال الذهبي في المقتنى: ق 12 آ "يكنى أبا عبد الرحمن". وقال مسلم في الكنى والأسماء ق: 47 ب: "يقال اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن". فلم يجزم به.
بأبي خالد وبأبي الوليد. وكان عبد الله العمري يكنى بأبي القاسم فتركها واكتنى بأبي عبد الرحمن.
القسم الرابع: من عرفت كنيته واختلف في اسمه: مثاله من الصحابة: أبو هريرة رضي الله عنه اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا جدا، وذكر ابن عبد البر (1) أن فيه ن حو عشرين قولا في اسمه واسم أبيه، واختار ابن إسحاق أنه عبد الرحمن بن صخر، وصحح ذلك أبو أحمد الحاكم. وجزم به الذهبي في المقتنى (2).
ومن غير الصحابة: أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، أكثرهم على أن اسمه عامر، وعن ابن معين أن اسمه الحارث.
القسم الخامس: من اشتهر بالامس دون الكنية: فممن يكنى بأبي محمد من هذا القسم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين: طلحة بن عبيد الله التيمي، عبد الرحمن بن عوف الزهري، الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي، ثابت بن قيس بن الشماس، عبد الله بن زيد صاحب الأذان، كعب بن عجزة، عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عبد الله بن عمرو بن العاص، .... الخ.
وهذا القسم جعله ابن الصلاح نوعا منفردا، لكنا أدرجناه في هذا النوع لأن ابن الصلاح نفسه قال: "يصلح لأن يجعل قسما من أقسام ذاك
…
". ويشهد لنا في ذلك أن الدولابي في كتابه "الكنى والأسماء" قد تعرض لبيان كنى المعروفين بالأسماء من الصحابة رضي الله عنهم (3).
"وقد جمع الحفاظ كتبا كثيرة، ومن أجلها وأطولها كتاب
(1) الاستيعاب والإصابة: 4: 200.
(2)
ق 76 - ب.
(3)
: 1: 63 - 94.
النسائي، ثم جاء بعده أبو أحمد الحاكم -محمد بن محمد " (378) "- فزاد وأفاد، وحرر وأجاد، -قال الذهبي- فرتبته واختصرته وزدته وسهلته" (1).
ومن الكتب القيمة في هذا الفن كتاب "الكنى والأسماء"، لأبي بشر الدولابي محمد بن أحمد " (310) "، وهو كتاب نفيس في مجلد.
4 -
ألقاب المحدثين:
اللقب هو ما يطلق على الإنسان مما يشعر بمدح أو ذم.
وهو نوع هام، فإن في الرواة جماعة لا يعرفون إلا بألقابهم، ومن لا يعرفهم يوشك أن يظنها أسامي، وأن يجعل من ذكر اسمه في موضع وبلقبه في موضع آخر شخصين، كما اتفق لكثير ممن ألف. ومنهم ابن المديني، فرقوا بين عبد الله بن أبي صالح وبين عباد بن أبي صالح. وإنما عباد لقب لعبد الله، لأ أخل له، باتفاق الأئمة (2).
قال الحاكم (3): "وفي الصحابة جماعة يعرفون بألقاب يطول
(1) اللفظ للذهبي في ديباجة المقتنى في الكنى، بتصرف يسير.
(2)
تدريب الراوي: 458.
(3)
في المعرفة: 211.
ذكرهم، فمنهم ذو اليدين، وذو الشمالين، وذو الغرة، وذو الأصابع، وغيرهم. وهذه كلها ألقاب، ثم بعد الصحابة في التابعين وأتباعهم من أئمة المسلمين جماعة ذوو ألقاب يعرفون بها".
ونسوق لك فيما يلي أمثلة لطيفة من ألقاب المحدثين:
1، 2 - قال الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري:"رجلان جليلان لزمهما لقبان قبيحان: معاوية بن عبد الكريم الضال، إنما ضل في طريق مكة، وعبد الله بن محمد الضعيف، إنما كان ضعيفا في جسمه لا في حديثه".
3 -
غندر: لقب محمد بن جعفر البصري أبي بكر، وسببه أنه أكثر على ابن جريج من الشغب، فقال له: اسكت يا غندر. والغندر هو المشغب عند الحجازيين. ثم كان بعده جماعة لقبوا بذلك.
4 -
بندار: لقب محمد بن بشار البصري شيخ البخاري ومسلم، وروى عنه الناس، لقب بهذا لأنه كان بندار الحديث أي مكثرا منه.
5 -
مطين: لقب أبي جعفر الحضرمي، قال: كنت ألعب مع الصبيان وقد تطينت، إذ مر بنا أبو نعيم الفضل بن دكين، فقال:"يا مطين، يا مطين، قد آن أن تحضر المجلس لسماع الحديث". فلما حملت إليه بعد ذلك بأيام فإذا هو قد مات.
وتنقسم الألقاب إلى ما يجوز إطلاقه، وهو مالا يكرهه الملقب. وإلى ما لا يجوز، وهو ما يكرهه الملقب.
وإذا ذكر المحدثون لقبا مكروها إلى صاحبه، فإنما يذكرونه على سبيل التعريف للشخص والتمييز عن غيره، لا على وجه الذم واللمز والتنابز (1) كالأعمش، والأعرج.
(1) اختصار علوم الحديث: 220.
وقد صنف في الألقاب غير واحد، منهم: أبو الفضل بن الفلكي الحافظ. وأفضل تأليف هو تأليف شيخ الإسلام أبي الفضل ابن حجر العسقلاني (1).
5 -
المنسوبون إلى غير آبائهم:
معرفة الأب الذي ينتسب إليه الراوي ضرورية لتمييزه عن غيره، إلا أن بعض الرواة قد ينسب إلى غير أبيه، فالحاجة لمعرفة هؤلاء حاقة، وتسمية آبائهم هامة جدا لدفع توهم التعدد عند نسبتهم إلى آبائهم.
وهذا النوع بالنسبة لمن ينسب إليهم الرواة على ضروب:
الأول: من نسب إلى أمه: كمعاذ ومعوِّذ ابني عفراء، وهما اللذان أثبتا أبا جهل يوم بدر، أبوهم الحارث بن رفاعة الأنصاري، ومثل: ابن أم مكتوم الأعمى المؤذن، وكان يؤم الناس أحيانا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غيبته، قيل: اسمه عبد الله بن زائدة، وقيل: عمرو بن قيس.
ومن التابعين فمن بعدهم: محمد ابن الحنفية واسمها خولة، وأبوه علي بن أبي طالب. إسماعيل ابن علية الحافظ، هي أمه وأبوه إبراهيم، وكان يكره النسبة إلى أمه.
(1) التدريب: 458 - 459.
الثاني: من نسب إلى جدته، مثل بشير ابن الخصاصية، أبوه معبد، والخصاصية أم جده الثالث، وابن تيمية، هي أم أحد أجداده الأبعدين.
الثالث: من نسب إلى جده، كأبي عبيدة ابن الجراح أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو عامر بن عبد الله بن الجراح. ومن غير الصحابة: ابن جريج الإمام الحافظ المحدث، هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. وأحمد ابن حنبل الإمام المبجل، هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني.
الرابع: من نسب إلى رجل غير أبيه هو منه بسبب، كالمقداد ابن الأسود الصحابي، هو المقداد بن عمرو الكندي، كان في حجر الأسود بن عبد يغوث الزهري زوج أمه، فتبناه فنسب إليه.
6 -
النسب التي على خلاف ظاهرها:
معرفة أنساب الرواة هامة ومفيدة لتمييز الراوي عن غيره، ومن لم يتنبه لهذا وقع في الخطأ، مثل ما وقع لابن حزم حيث ضعف حديث:"لا يمس القرآن إلا طاهر" لأن في سنده سليمان بن داود، وهو متفق على تركه. وهو وهم فإن المتفق على ترك حديثه سليمان بن
داود اليماني، وهذا الحديث من رواية سليمان بن داود الخولاني وهو ثقة (1).
لكن الراوي قد ينسب إلى غير قبيلته أو غير بلدته أو صنعته.
ولا يكون هذا النسب مرادا حقيقة، بل نسب إليه لسبب عارض كنزوله في ذلك المكان، أو تلك القبيلة ونحو ذلك مما ينبغي التنبه له، حتى لا يقع الباحث في الوهم.
ومن أمثلة ذلك:
سليمان بن طرخان التيمي، لم يكن من تيم، وإنما نزل فيهم فنسب إليهم، وقد كان من موالي بني مرة.
أبو خالد الدالاني، دالان بطن من همدان، نزل فيهم أيضا، وإنما كان من موالي بني أسد.
مقسم مولى ابن عباس، هو مولى عبد الله بن الحارث، لزم ابن عباس، فقيل له: مولى ابن عباس.
خالد الحذاء، لم يكن حذاء، ووصف بذلك لجلوسه في الحذائين.
وقد صنف العلماء في الأنساب كتبا جمة، أكثرها نفعا كتاب "الأنساب" للسمعاني، لخصه ابن الأثير في كتاب قيم سماه "اللباب في الأنساب".
(1) سبل السلام: 1: 70 وانظر نيل الأوطار: 7: 20. وفي الحديث بحث من غير هذا الجانب، استوفيناه في دراسات تطبيقية ص 99 - 102 وانظر التلخيص الحبير ص 336 - 337 ونصب الراية ج 1 ص 196 - 199.
7 -
الموالي من الرواة والعلماء:
الأصل في نسبة الراوي إلى قبيلة أن يكون منهم صليبة، كقولهم: قرشي أي من أولاد قريش، وإذا نسبوا إليها من ينتمي إليها بالولاء أضافوا كلمة مولى، فقالوا: مولى قريش، أو القرشي مولاهم.
والولاء أقسام (1) منها: ولاء العتاقة، وولاء الإسلام، وولاء الموالاة أي الحلف. إلا أن المولى ربما نسب إلى القبيلة دون التنبيه الذي ذكرناه، فيعتقد المرء أنه منهم صليبة، لذلك عني العلماء بمعرفة الموالي حتى لا يختلط من ينسب إلى القبيلة بالولاء مع من ينسب إليها من صلبها، وليتميز عن سميه المنسوب إليها صليبة.
ومن الأمثلة على ذلك:
أبو البختري الطائي: سعيد بن فيروز التابعي، هو مولى طيء لأن سيده كان من طيء فأعتقه.
عبد الرحمن بن هرمز الأعرج الهاشمي، هو مولى بني هاشم بالعتاقة.
الإمام محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، مولى الجعفيين لإسلام جده الأعلى على يد بعض الجعفيين.
(1) استوفاها فضيلة شيخنا الجليل محمد السماحي في قسم الرواة: 207 - 209.
الإمام مالك بن أنس الأصبحي التيمي، هو أصبحي صليبة، وتيمي بولاء الحلف، لأن جده مالك بن أبي عامر كان حليفا لبني تيم.
والبحث في الموالي يقدم إلينا صورة مشرقة عن أثر الإسلام في إنهاض الشعوب ومحو الفروق بين الطبقات، إذ رفع من شأنهم مع أن أعراف سائر الأمم تعتبر أمثالهم طبقة دنيا لا يسمح لها أن تطمع بمساواة ساداتها، فضلا عن أن تطمح إلى المعالي والسيادة.
لكن ديننا الإسلامي جعل سيادة الفرد وكرامته ما يتحلى به من الفضائل والخير، كما قرر القرآن:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} .
وهذه قصة قصيرة يرويها لنا الزهري تفصح عما بلغه هؤلاء في ظل الإسلام:
قال الزهري: "قدمت على عبد الملك بن مروان، فقال: من أين قدمت يا زهري؟ قال: قلت: من مكة.
قال: فمن خلفت بها يسود أهلها؟ قلت: عطاء بن أبي رباح. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ ، قلت: من الموالي. قال: وبم سادهم؟ قلت: بالديانة والرواية! ! . قال: إن أهل الديانة والرواية ينبغي أن يسودوا.
قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قال: قلت: طاوس بن كيسان، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال وبم سادهم؟ قلت: بما سادهم به عطاء. قال: إنه لينبغي.
قال: فمن يسود أهل مصر؟ قال: قلت: يزيد بن أبي حبيب. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي.
قال: من يسود أهل الشام؟ قال: قلت: مكحول. قال: فمن العرب أم من الموالي قال: قلت: من الموالي، عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل.
قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قال: قلت: ميمون بن مهران. قال فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي.
قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قال: قلت: الضحاك بن مزاحم. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي.
قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قال: قلت: الحسن بن أبي الحسن. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي.
قال: ويلك فمن يسود أهل الكوفة؟ قال: قلت: إبراهيم النخعي. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من العرب. قال: ويلك يا زهري فرجت عني، والله لتسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها! ! .
قال: قلت: يا أمير المؤمنين، إنما هو أمر الله ودينه، من حفظه ساد ومن ضيعه سقط.
8 -
أوطان الرواة وبلدانهم:
وهو ما يعتني به كثير من علماء الحديث، يفتقرون إليه في كثير من تصرفاتهم.
وقد كانت العرب إنما تنتسب إلى قبائلها، فلما جاء الإسلام وغلب عليهم سكنى القرى والمدائن حدث فيما بينهم الانتساب إلى الأوطان، كما كانت العجم تنتسب.
والمقرر في العرف في هذا أن من كان من قرية فله الانتساب إليها بعينها، وإلى مدينتها إن شاء أو إقليمها. ومن كان من بلدة ثم انتقل منها إلى غيرها فله الانتساب إلى أيهما شاء. والأحسن أن يذكرهما، فيقول مثلا الشامي ثم العراقي.
وهذا العلم تترتب عليه فوائد مهمة، منها: معرفة شيخ الراوي، فربما اشتبه بغيره فإذا عرفنا بلده تعين بَلَدِيُّه غالبا. وهذا مهم جليل، فضلا عن تعيين شخص الراوي أيضا وتمييزه عمن يشابهه في الاسم. وقد يتعين به المهمل، ويظهر الراوي المدلس، ويعلم تلاقي الرواة (1). وقد يتبين به ما وقع من ضعف في حديث الراوي، مثل معمر بن راشد الإمام: قال يعقوب بن شيبة: "سماع أهل البصرة من معمر حين قدم عليهم فيه اضطراب لأن كتبه لم تكن معه"(2).
9 -
الأسماء المفردة والكنى والألقاب:
كثيرا ما نجد الاسم يطلق على أكثر من شخص، مثل: علي، وسعد، وكذلك الكنية واللقب.
(1) قسم الرواة: 210 - 212.
(2)
شرح العلل: 602، ونحوه عن أبي حاتم في المغني:6365.
أما هذا النوع فقد خص المحدثون به الأسماء والكنى والألقاب التي لا يوجد في الرواة من يحملها إلا واحد فقط، وهو نوع مليح عزيز. لكن الحاكم فيه على خطر من الخطأ والانتقاض، فإنه حصر في باب واسع شدسد الانتشار.
وهذا أمثلة لهذا النوع:
صُدَيّ بن عجلان هو أبو أمامة الصحابي، شَكَل بن حميد صحابي، شَمْغُون بن زيد أبو ريحانة صحابي، سَفينة لقب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أوسط بن عمرو البجلي، أبو السليل البصرين أو العشراء الدارمي تابعيون.
ومن المسائل الطريفة: رجل لا يوجد مثل أسماء آبائه فمن هو؟
هذا هو: "مسدد بن مسرهد بن مسربل".
وفائدة حصر هذه الأسماء أنه بمجرد ذكرها نعرف الراوي المقصود، لعدم من يشاركه في اسمه أو كنيته أو لقبه، وضبط ما تدعو إليه الحاجة مخافة التصحيف والتحريف.
ومن أشهر المصنفات فيه كتاب "الأسماء المفردة" للإمام أحمد بن هارون البرديجي.
10 -
المتفق والمفترق من الأسماء والأنساب ونحوها:
وهو ما يتفق لفظا وخطًّا، أي أن يكون الاسم الواحد قد أطلق على أكثر من راو، فهم متفقون في اسمهم مفترقون في شخصهم، وهو فن مهم جدا، لا غنى عن معرفته للأمن من اللبس، فربما يظن الأشخاص شخصا واحدا، وربما يكون أحد المتفقين ثقة والآخر ضعيفا، فيضعف ما هو صحيح، أو يصحح ما هو ضعيف.
وقد ذكر له أبو عمرو بن الصلاح أقساما، نذكر منها:
القسم الأول: من اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم. مثاله: أنس بن مالك، عشرة. روى منهم الحديث خمسة: الأول خادم النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني كعبي قُشَيري روى حديثا واحدا، والثالث والد الإمام مالك، والرابع حمصي، والخامس كوفي.
القسم الثاني: من اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم وأجدادهم:
مثاله: أحمد بن جعفر بن حمدان، أربعة: القطيعي راوية المسند والبصري، والدينوري، والطرسوسي.
القسم الثالث: ما اتفق في الكنية والنسبة معا:
مثاله: أبو عمران الجوني، اثنان: أحدهما عبد الملك بن حبيب التابعي، الثاني اسمه موسى بن سهل، بصري، سكن بغداد.
القسم الرابع: المشترك المتفق في النسبة خاصة:
ومن أمثلته: "الآملي"و"الآملي". الأول إلى آمل طبرستان، والثاني إلى آمل جيحون. قال أبو سعد السمعاني:"أكثر أهل العلم من أهل طبرستان من آمل". وأكثر من ينسب إليها يعرف بالطبري. وشهر بالنسبة إلى آمل جيحون عبد الله بن حماد الآملي شيخ البخاري (1).
"السروي" و"السروي" الأول منسوب إلى بلدة "سارية" من طبرستان، منهم محمد بن صالح السروي الطبري، ومحمد بن حفص السروي. الثاني: منسوب إلى مدينة بأردبيل يقال لها "سرو"، منها نصر السروي الأردبيلي (2).
ثم إن ما يوجد من المتفق والمفترق غير مقرون ببيان فالمراد به قد يدرك بالنظر في رواياته فكثيرا ما يأتي في بعضها، وقد يدرك بالنظر في حال الراوي والمروي عنه.
وقد زلق بسبب الاتفاق بين الرواة في الاسم أو غير واحد من الأكابر، ولم يزل الاشتراك من أسباب الغلط في كل علم.
وللخطيب فيه كتاب "المتفق والمفترق" وهو كتاب نفيس.
وصنف الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المتوفى سنة (507) هجرية كتابا في القسم الأخير فقط سماه "الأنساب المتفقة"، نبه فيه على فوائد مهمة. وصنف أبو الحسن محمد بن حيوية في قسم من هذا النوع سماه "من وافقت كنيته كنية زوجته من الصحابة" مثل أم أيوب الأنصارية زوج أبي أيوب، أم معقل الأسدية زوج أبي معقل (3).
(1) الأنساب المتفقة ص 4. واللباب: 1: 16.
(2)
الأنساب المتفقة: 72.
(3)
ق 124 آو 129 من الكتاب المذكور.
11 -
المؤتلف والمختلف من الأسماء والأنساب وما يلتحق بها:
وهو ما تتفق في الخط صورته، وتختلف في النطق والتلفظ صيغته.
وهو منتشر لا ضابط في أكثره يعول عليه، وإنما يضبط بالحفظ تفصيلا.
والضبط في الأسماء التي أمكن ضبطها من هذا النوع على قسمين نذكرهما مع الإيضاح بالمثال:
القسم الأول: الضبط على العموم أي ضبط الاسم بالنسبة لكافة الرواة الذين يسمون به من غير اختصاص بكتاب معين.
من ذلك: "حزام" بالزاي والحاء المكسورة في قريش، "حرام" بالراء وفتح الحاء في الأنصار (1).
أبو عبيدة: كله بضم العين. قال الدارقطني: لا نعلم أحدا يكنى أبا عبيدة بالفتح.
الأذرعي: بالذال المعجمة، إسحاق بن إبراهيم الأذرعي، والأدرعي بالدال المهملة جماعة ينسبون إلى الأدرع وهو أبو جعفر محمد بن عبيد الله من أشراف آل البيت قتل أسدا أدرع فسمي به (2).
(1) المراد بذلك ضبط ما في قريش والأنصار فقط وهذا لا يمنع وجود الاسمين في غير المكيين والمدنيين كما نبه في شرح الألفية: 4: 89. وانظر هذه المادة في المشتبه للذهبي: 24.
(2)
الإكمال: 1: 137 - 138.
عيسى بي أبي عيسى الحناط، بالحاء المهملة والنون، نسبة إلى بيع الحنطة. والخباط بالمعجمة مع الموحدة نسبة إلى بيع الخبط الذي تأكله الإبل، والخياط بالخاء المعجمة مع الياء نسبة إلى الخياطة، كلها جائزة في هذا الرجل، لأنه باشر هذه الحرف الثلاث، وأولها أشهر (1).
القسم الثاني: الضبط على الخصوص أي ضبط ما كان من هذا النوع في كتاب معين أو كتابين، كضبط ما في الصحيحين مع ذلك، أو فيهما مع الموطأ، أو في أحد هذه الثلاثة. وقد خص ضبط ألفاظها وشرحها، وضبط رواتها القاضي عياض بكتاب سماه "مشارق الأنوار على صحاح الآثار".
ومن أمثلة ما جاء فيه قوله: "فيها- أي الكتب الثلاثة المذكورة- بريد بن عبد الله بن أبي بردة: بضم الباء وفتح الراء بعدها ياء التصغير لا غير، ومحمد بن عرعرة بن البرند هذا بكسر الباء والراء وبعدها نون ساكنة، وعلي بن هاشم بن البريد هذا بفتح الباء وكسر الراء بعدها ياء باثنتين تحتها ساكنة. وما عدا هؤلاء الثلاثة فيها "يزيد" بياء باثنتين تحتها، بعدها زاي"(2).
"حصين: كله بالضم والصاد المهملة، إلا أبا حصين عثمان بن عاصم فبالفتح، وأبا ساسان حضين بن المنذر فبالضم والضاد المعجمة، وحضير والد أسيد بن حضير أحد النقباء ليلة العقبة"(3).
وغير ذلك من أمثلة القسمين كثير توسع فيها ابن الصلاح وذكر جملة مهمة لو رحل فيها طالب العلم لما كان كثيرا".
(1) علوم الحديث وغيره. وانظر المشتبه: 252 والمغني رقم 4821.
(2)
مشارق الأنوار: 1: 100.
(3)
مشارق الأنوار: 1: 222.
وفائدة هذا النوع منع وقوع الوهم في اسم الراوي، أو خلطه بغيره، ومن لم يعرفه كثر عثاره ولم يعدم مخجلا.
وقد صنفت في هذا الفن كتب كثيرة جدا (1). نذكر منها هذه الكتب المطبوعة الهامة:
1 -
"الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب"، لابن ماكولا علي بن هبة الله المتوفى سنة (475) هـ ويبلغ بتمامه ثمانية أجزاء، قال في مطلعه (2):"آثرت أن أعمل في هذا الفن كتابا جامعا لما في كتبهم وما شذ عنها، وأسقط ما لا يقع الإشكال فيه مما ذكروه، وأذكر ما وهم فيه أحدهم على الصحة".
2 -
المشتبه" للإمام الذهبي جمع فيه كتاب ابن ماكولا والكتب التي استدركت عليه وغيرها وقال (3): "العمدة في مختصري هذا على ضبط القلم .. فأتقن يا أخي نسختك، واعتمد على الشكل والنقط، وإلا لم تصنع شيئا".
3 -
"تبصير المنتبه بتحرير المشتبه"، للحافظ ابن حجر، وهو أحسن الكتب حيث إنه مضبوط ضبطا مبينا بالكتابة، كما أنه استدرك ما فات الذهبي رحمهما الله.
(1) ذكر منها العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني ستة وعشرين كتابا في تقدمته لكتاب الإكمال وعرف بها.
(2)
ج 1 ص 2.
(3)
ج 1 ص 2.
12 -
المتشابه:
هذا النوع يتركب من النوعين السابقين، وهو: أن يتفق اسم شخصين أو كنيتهما التي عرفا بها، ويوجد في نسبهما أو نسبتهما الاختلاف والائتلاف الذي عرفناه، أو على العكس من هذا، بأن يختلف ويأتلف اسماؤهما، ويتفق نسبتهما أو نسبهما اسما أو كنية.
ويلتحق بالمؤتلف، والمختلف فيه ما يتقارب ويشتبه، وإن كان مختلفا في بعض حروفه في صورة الخط.
فمن أمثلة الأول: موسى بن علي بفتح العين، يطلق على جماعة، وموسى بن علي -بضم العين وفتح اللام- ابن رباح اللخمي، عرف بضم العين في اسم أبيه.
ومنه: محمد بن عبد الله المخرمي. ومحمد بن عبد الله المخرمي. ومنه: أبو عمرو الشيباني، وأبو عمرو السيباني.
ومما يتقارب ويشتبه مع الاختلاف في الصورة: ثور بن يزيد الكلاعي، وثور بن يزيد الديلي.
ومن أمثلة القسم الثاني: الذي هو العكس: عمرو بن زرارة، وعمر بن زرارة. حين الأسدي، وحنان الأسدي.
وقد صنف فيه الخطيب كتابا سماه "تلخيص المتشابه في الرسم" هو من أحسن كتبه.
13 -
المشتبه المقلوب:
ونوضحه لك بأنه: أن يكون اسم أحد الراويين مثل اسم أبي الآخر خطًا ولفظًا واسم الآخر مثل اسم أبي الأول، فينقلب على بعض المحدثين.
مثاله: يزيد بن الأسود، والأسود بن يزيد، وكذلك الوليد بن مسلم ومسلم بن الوليد. وقد انقلب هذا الثاني على البخاري في تاريخه إذ ذكره فيه فقال:"الوليد بن مسلم" ونبه على هذا الوهم الإمام ابن أبي حاتم الرازي (1). وللخطيب في هذا النوع كتاب سماه "رفع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب"(2).
نتيجة الفصل:
من هذه الدراسة لأنواع الحديث المبينة لشخص الراوي نخلص إلى نتيجة جوهرية، هي شمول أبحاثه كل ما يتوصل به إلى معرفة شخص الراوي وتحديده من جميع النواحي الزمانية، والمكانية، والأسمية.
(1) انظر هذا في تاريخ البخاري: 4/ 2/ 153، والتنبيه عليه في كتاب "خطأ البخاري في تاريخه": 130 وفي "الجرح والتعديل": 4/ 1/ 1971.
(2)
وهذا النوع يذكر في أقسام الحديث المقلوب سندا، فنكتفي بالتنبيه عليه هنا عن إعادته هناك.
ففي الناحية الزمنية درس المحدثون موقع الراوي من الأجيال السابقة واللاحقة، ومن جيله الذي عاش فيه، "المدبج ورواية الأقران".
وتعمقوا حتى عرفوا موقعه في الرواية من أسرته في فنون الأخوة، والآباء، والأبناء.
وفي الناحية المكانية عنوا بأوطان الرواة، وتنقلاتهم، وتبينوا ما قد يطرأ منها على الراوي مما يؤثر في حديثه.
وفي أسماء الرواة شملوا كل ما يتصل بها حيث عنوا بإزالة الإبهام وتعيين أسماء الرواة وآبائهم وكناهم وألقابهم وأنسابهم، وضبطوا ذلك بغاية الدقة، وبينوا ما هو ظاهره من الأنساب وما ليس على ظاهره.
ثم قاموا بجهود عظيمة في مقابلة أسماء الرواة وكناهم وألقابهم وأنسابهم لتمييز ما يتشابه منها عن بعضه ودرسوها من جميع أوجه التشابه: من التماثل كتابة ونطقا "المتفق والمفترق"، أو كتابة لا نطقا "المؤتلف والمختلف"، أو ما يقع فيه الأمران طردا أو عكسا "المتشابه"، ثم "المتشابه المقلوب".
وهكذا أتوا على كل أوجه البحث، وتوصلوا إلى نتائج هامة فيما يقبل من حديث الراوي وما يرفض وما يتصل من سنده وما ينقطع، وميزوا كل راو عما سواه تمييزا بالغا دقيقا ليوضع تحت منظار الجرح والتعديل، وينزل في موضعه المناسب.