الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورواية الزيادة من باب المزيد في متصل الأسانيد (1).
ويمكن حل هذا الإشكال -في رأينا- بمنهج دقيق تتبعه، وهو أن نلاحظ في المزيد في متصل الأسانيد ثبوت السماع تاريخيا بين الراويين المتواليين في الإسناد المحذوف، أما المرسل الخفي فليس لدينا ما يثبت أنه قد وقع السماع بين الراويين اللذين حكمنا على رواية أحدهما عن الآخر بالإرسال.
وفرق آخر يتعلق بصيغة الرواية، فإنها في المزيد في متصل الأسانيد تثبت سماع الراوي للحديث ممن فوقه في الإسناد الخالي من الزيادة صراحة، أو بالقرائن الدالة على السماع. أما صيغة الرواية في المرسل الخفي فإنها لا تثبت سماعه منه في الإسناد الناقص، فإذا جاءت رواية بزيادة واسطة بينهما كان الحكم لها. والله تعالى أعلم.
(1) كما سبق الإشارة إليه في ص 365 فانظره لزاما.
نتائج مهمة:
هذه أنواع الحديث المتفرعة عن البحث في الإسناد من حيث اتصال حلقاته أو انقطاعها، درسناها في هذا الباب مقترنة ببعضها البعض على وفق منهج النظرية التي قام عليها هذا الكتاب، وقد بدت من هذه الطريقة نتائج هامة جدا تتصل بموضوع هذا العلم وغايته اتصالا وثيقا، نسجل هنا أهمها فيما يلي:
أولا: إن دراسة إسناد الحديث من حيث الاتصال قد وضعت له قواعد تلقي الضوء على كافة أحوال الاتصال، وتتناول بالبحث سائر
وجوهه، فلم يكتف المحدثون بنوع عام واحد هو "المتصل"، لكن جعلوا في موضوع البحث أنواعا خاصة لها سمتها المميزة، ولها أثرها في القبول والرد، فنظروا إلى السند المتصل من حيث انتهاؤه، فأفردوا الحديث الذي ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بنوع خاص هو "المسند" لأهمية الحديث المرفوع. ونظر المحدثون إلى صيغة الاتصال، فخصوا بالدراسة ما كان متصلا بصيغة محتملة "المعنعن"، و"المؤنن"، وما يشابههما، وبينوا شرط الاتصال في هذه الصيغ، وهو شرط كفيل بأن يدرأن احتمال الانقطاع الذي قد ينطوي في هذه الصيغ.
ونظروا إلى مسافة السند التي تم بها الاتصال، فإذا كانت الوسائط قليلة فهو "العالي" وميزوه عن ضده وهو "النازل" وإلى حال الرواة عند الأداء "المسلسل" لما فيهما من الإشارة إلى القصد الأساسي وهو قوه السند في "العالي" ومزيد الضبط وقوة الاتصال في "المسلسل" حسبما شرحناه.
ثم كان من دقة نظرهم التنبيه على ذلك البحث الخطير. "المزيد في متصل الأسانيد". وتجد نظرة المحدثين الثاقبة تضبط هذا البحث بضابط دقيق ينأى به عن الاندراج في احتمالات الارسال، أو تعدد السماع للحديث من وجهين وذلك يثبت بجلاء أن الدراسة التحليلية لم تشغل أهل الحديث من وجهين وذلك يثبت بجلاء أن الدراسة التحليلية لم تشغل أهل الحديث عن النظرة الشاملة التي تحسن ربط الأنواع ببعضها، وهي النظرة التي عبر عنها كتابنا تعبيرا كاملا إن شاء الله بهذا المنهج الذي نظمنا به أبحاث هذا العلم.
ثانيا: إن تفصيل أنواع الانقطاع جاءت كذلك شامل لكل أوجه السقط في الإسناد، فهناك بحث للانقطاع من حيث الموضع الذي وقع فيه السقط فهو: "إما أن يكون من مبادئ السند من مصنف أو من آخره بعد التابعي، أو غير ذلك. فالأول: المعلق، والثاني: المرسل،
والثالث: إن كان باثنين فصاعدا مع التوالي فهو المعضل، وإلا فالمنقطع". فتناولوا بذلك كل مواضع السقط.
وهناك بحث لانقطاع السند من حيث طبيعة الانقطاع في الظهور أو الخفاء، فإنه قد يكون واضحا أو خفيا، فالأول يدرك بعدم التلاقي بينهما حيث لم يجمعهما عصر واحد، وذلك ما يتوصل إليه بعلم تاريخ الرواة، والثاني الخفي وهو المدلس ويرد بصيغة تحتمل اللقي والسماع كعن، وقال، والمرسل الخفي ممن معاصر لم يلق من حدث عنه (1).
وفي هذين النوعين: المدلس، والمرسل الخفي، تبدو دقة المحدثين المنهجية، ويظهر ما انتهوا إليه من غاية البراعة والحذق، حيث فرقوا بين المدلس وبين المرسل الخفي بالنظر إلى طبيعة الأداء في كل ومقصده، فمن قصد التعمية والتغطية وإيهام السماع فهو مدلس مذموم، ومن قصد مجرد الرواية حسبما يحضره في المجلس فهذا العمل منه إرسال خفي، لذلك استثنى الحاكم هذا النوع في كتابه معرفة علوم الحديث فقال:
"ففي هؤلاء الأئمة المذكورين بالتدليس من التابعين جماعة وأتباعهم، غير أني لم أذكرهم فإن غرضهم من ذكر الرواية أن يدعوا إلى الله عز وجل، فكانوا يقولون: "قال فلان"، لبعض الصحابة، فأما غير التابعين فأغراضهم فيه مختلفة".
ثالثا: أن الحكم باتصال السند أو انقطاعه لا يعتمد فيه نقاد الحديث على توالي الفترات الزمنية للرواة ليكون الحديث متصلا، أو على وجود ثغرات زمنية بين الرواي ومن فوقه فيكون منقطعا.
ولقد جانب التوفيق بعض المستشرقين حيث زعم أن المحدثين اكتفوا بمجرد توالي فترات الزمن لرواة في حكمهم باتصال السند. وهذه أبحاث
(1) انظر هذا السبر للانقطاع وأنواعه في شرح النخبة: 36 - 30.
التدليس والإرسال الخفي تقيم الحجج والبراهين القاطعة على أن المحدثين لم يغتروا أبدًا بعامل اتصال الزمن لحاية الرواة، بل جعلوا العمدة في اتصال السند امرًا أدق من ذلك وهو تحقق اللقاء والسماع، وثبوت المجالسة والأخذ، كما سبق بيانه في المعنعن (1).
ثم لم يكتف المحدثون بالسماع والأخذ حتى توغلوا في البحث والنقد إلى ما يرويه المحدث عمن سمع منه، هل كل ما يحدث به عنه سمعه منه أو حدث عنه بأشياء سمعها من غيره عنه، وأوهم أنه سمعها منه، وهو المدلس، وبذلك استوفت نظرة المحدثين كافة اوجه الاحتمالات في اتصال الحديث وانقطاعه، لتأتي أحكامهم عليه في غاية الصحة وادقة والسداد.
(1) رقم 56 ص 350 - 353. وانظر ذكذلك ما سبق في رواية الأبناء. عن الآباء رقم 17 ص 161 وتعليقنا عليها.