الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: في تفرد الحديث
ويتفرع عنه نوعان من أنواع علوم الحديث هما:
أ- الغريب.
ب- الفرد.
1 -
الغريب:
الغريب لغة، هو المنفرد، أو البعيد عن أقاربه.
وعند المحدثين: هو الحديث الذي تفرد به راويه، سواء تفرد به عن إمام يجمع حديثه أو عن راو غير إمام (1).
سمي بذلك لأنه كالغريب الوحيد الذي لا أهل عنده، أو لبعده عن مرتبة الشهةر فضلا عن التواتر (2).
(1) انظر في تفرد الصحابي شرح الشرح: 47 - 48 ولقط الدرر: 37.
(2)
التعليق على توضيح الأفكار لأستاذنا الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد: 2: 402.
وقد قسم العلماء الغريب بحسب موضع الغرابة فيه أقساما كثيرة، ترجع إلى قسمين:
اأول: الغريب متنا وإسنادا.
وهو الحديث الذي لا يروى إلا من وجه واحد.
مثاله: حديث محمد بن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" متفق عليه (1).
فهذا الحديث تفرد به أبو هريرة، ثم تفرد به عنه أبو زرعة، وتفرد به عن أبي زرعة عمارة وتفرد به أيضا عن عمارة محمد بن فضيل (2).
ويعبر الترمذي عن هذا القسمبمثل قوله: "غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه".
القسم الثاني: الغريب إسنادا لامتنا.
وهو الحديث الذي اشتهر بوروده من عدة طرق عن راو، أو عن صحابي أو عدة رواة، ثم تفرد به راو من وجه آخر غير ما اشتهر به الحديث.
مثاله كما ذكر الترمذي في العلل: حديث أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الكافر يأكل في سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل في معي واحد".
قال الحافظ ابن رجب (3): "فهذا المتن معروف عن النبي
(1) البخاري في آخر صحيحه، ومسلم: 8: 70.
(2)
انظر فتح الباري في آخره.
(3)
في شرح علل الترمذي: 440 - 441.
صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة، وقد خرجاه في الصحيحين من حديث أبي هريرة، ومن حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما حديث أبي موسى هذا فخرجه مسلم عن أبي كريب، وقد استغربه غير واحد من هذا الوجه، وذكروا أن أبا كريب تفرد به، منهم البخاري وأبو زرعة".
ومثاله أيضا الحديث الذي تفرد به يحيى بن أيوب في النهي عن الرياء في العلم، حيث رواه متصلا، ورواه غيره مرسلا، قال الذهبي (1):"ومن غرائبه: ثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا لتخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار".
فالحديث مشهور بروايته عن غير يحيى مرسلا: لكنه غريب من طريق يحيى بن أيوب المتصلة، فهو غريب إسنادا لا متنا (2).
ويعبر الترمذي عن هذا القسم بنحو قوله: "غريب من هذا الوجه".
وأمام الأقسام الأخرى التي أشرنا إليها فهي:
1 -
الغريب متنا لا إسنادا، أي أنه في أول أمره فرد ثم اشتهر آخرا وهذا يرجع إلى الغريب إسنادا ومتنا، لأنه إنما تعدد سنده فيما بعد المتفرد.
(1) في المغني رقم 6931. وانظر الميزان.
(2)
أخرجه ابن ماجه في العلم برقم 254. وابن حبان الموارد: 51 كلاهما من طريق يحيى. وأخرجه الحاكم على الوجهين الارسال والوصل: 1: 68. وصحح وصله لثقة يحيى راويه وأخرج ما يشهد لوصله هو وابن ماجه برقم 259.
2 -
الغريب بعض المتن، وهو ما انفرد فيه راويه بزيادة في متنه مثل حديث "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" روي عن تسعة من الصحابة على هذا اللفظ، ورواه عمرو بن يحيى بن عمارة المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري بلفظ:"الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام (1) ". فزاد الاستثناء. وهذا يرجع إلى الأول، فإنه غريب إسنادا ومتنا من حيث هذه الزيادة.
3 -
الغريب بعض السند: مثل حديث يحيى بن أيوب الغافقي بالسابق. وهذا يرجع إلى الغريب إسنادا لا متنا (2).
ولهذين القسمين الأخيرين صلة بعلم زيادات الثقات (3).
وقد صنف العلماء في هذا النوع تصانيف مفيدة جدا: منها "غرائب مالك" للدارقطني، أي الأحاديث الغرائب التي ليست في الموطأ. وكتاب "غرائب شعبة" لابن منده (4).
2 -
الأفراد:
الحديث الفرد: هو ما تفرد به روايه بأي وجه من وجوه التفرد.
فهو أعم من الغريب تدخل فيه أقسام لا تدخل في الغريب.
(1) أخرجه الترمذي وأعله: 2: 131.
(2)
انظر تفصيل هذه الأقسام الثلاثة في كتابنا الإمام الترمذي: 182 - 184.
(3)
الآتي برقم 76. ص 423 - 427.
(4)
الرسالة المستطرفة: 84 - 85.
وهو قسمان: الفرد المطلق، والفرد النسبي.
القسم الأول: الفرد المطلق. وهو ما تفرد به راويه عن جميع الرواة لم يروه أحد غيره. وهذا يطابق الغريب إسنادا ومتنا، ويدخل فيه أيضا الشاذ والمنكر.
القسم الثاني: الفرد النسبي، وهو ما يقع فيه التفرد بالنسبة إلى جهة خاصة أيا كانت تلك الجهة.
ويدخل في ذلك ما ذكرنا في الريب إسنادا لامتنا ويتناول جهات أخرى كثيرة. منها:
1 -
تفرد الثقة عن ثقة، بأن لا يروي الحديث عن روا ثقة إلا هذا الثقة.
2 -
تفرد الراوي بالحديث عن راو، بأن لا يرويه غيره، وإن كان مرويا من وجوه أخرى عن غيره.
3 -
تفرد أهل بلد أو قطر بحديث لا يرويه غيرهم، كحديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه سهيل بن بيضاء في المسجد (1) .. قال الحاكم: تفرد أهل المدينة بهذه السنة (2).
وحديث معقل بن سنان الأشجعي (3) فيمن تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى
(1) أخرجه مسلم: 3: 63.
(2)
الرسالة المستطرفة: 85 - 86. هذا وينبغي أن يتنبه إلى أنه قد يقع قولهم: "تفرد به أهل مكة" أو"تفرد به البصريون عن المدنيين" أو نحو ذلك، على الحديث الذي لم يروه إلا واحد من أهل مكة، أو واحد من القبيلة، وذلك على سبيل المجاز. كما يطلق فعل الواحد على قبيلته مجازا.
(3)
أبو داود: 2: 237، والترمذي: 3: 450، وصححه، والنسائي في الطلاق "عدة المتوفى عنها زوجها قبل أن يدخل بها": 6: 164 وابن ماجه رقم 1791.
لها بمهر مثل نسائها وعليها العدة ولها الميراث، تفرد به الأشجعيون ووقع في بعض الروايات أنه رواه ناس من أشجع.
ومن هذا يظهر تقارب هذين النوعين: الغريب والفرد من بعضها، حتى اختلف فيهما المحدثون هل هما نوع واحد أو نوعان مفترقان (1). والأولى جعلهما نوعين لما عرفت من عدم دخول بعض الأفراد في الحديث الغريب، مثل أفراد البلدان وأفراد القبائل.
وقد عني العلماء بالحديث الفرد، وصنفوا فيه كتبا، من أهمها كتاب "السنن التي تفرد بكل سنة منها أهل بلدة" لأبي داود السجستاني وكتاب "الأفراد" للدارقطني، وهو كتاب كبير حافل بالفوائد (2).
حكم الغريب والفرد:
يخضع حكم هذين النوعين إلى استيفائهما شروط الصحة أو الحسن أو عدم استيفائها، فينقسم كل منهما من حيث القبول أو الرد ثلاثة أقسام:
1 -
الغريب الصحيح، أو الفرد الصحيح، وهو ما توفرت في سنده شروط الصحة، كحديث "إنما الأعمال بالنيات"، وسائر الأفراد والغرائب التي بلغت درجة الصحة. ويعبر عنه الترمذي بقوله "صحيح غريب".
2 -
الغريب الحسن أو الفرد الحسن، وهو ما توفرت فيه صفات الحسن لذاته، ومنه كثير في جامع الترمذي، يقول فيه "حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه".
(1) انظر شرح النخبة: 28. وعلوم الحديث: 244. وانظر فتح المغيث: 343.
(2)
الرسالة المستطرفة: 85.
3 -
الغريب الضعيف أو الفرد الضعيف، وهو ما لم تتوفر فيه صفات الصحيح ولا الحسن، وهو الكثير الغالب في الأحاديث الغريبة، لأن تفرد الراوي بالحديث مظنة الخطأ والوهم، وقد كثر الضعف والعلل الخفية في الرائب حتى حذر علماء الحديث منها، ونهوا عن الاستكثار من روايتها، وأطلق بعضهم على الغريب الفرد اسم "المنكر".
قال الحافظ ابن رجب: "وقد كان السلف يمدحون المشهور من الحديث، ويذمون الغريب منه في الجملة".
وقال الإمام أبو يوسف: "من اتبع غريب الحديث كذب".
وقال الإمام أحمد: "لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء".
وقال الإمام مالك: "شر العلم الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس".
وقال إبراهيم النخعي: "كانوا يكرهون غريب الحديث، وغريب الكلام"(1).
وهذا ظاهر بالنسبة للغريب سندا ومتنا، وللفرد المطلق، أما الغريب إسنادا لامتنا والفرد النسبي فينظر في أسانيد الحديث، إن صح من بعض الوجوه التي ورد بها لاستيفائه شرط الصحة فهو صحيح، وكذا إذا استوفى شروط الحسن، وإلا ينظر فإن صلحت أسانيده للتقوية ببعضها قبلت، وإلا فهو ضعيف.
وقد يكون الغريب سندا لامتنا ضعيفا في الإسناد الذي وقعت فيه الغرابة بسبب خطأ الراوي أو وهمنه، فيعتمد في الحكم على متن الحديث على الطريق الأخرى.
(1) وغير ذلك من أقوال المحدثين انظر الكفاية: 140 - 143 وشرح علل الترمذي: 406 - 409.