الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدور الخامس: دور النضج والاكتمال في تدوين فن "علوم الحديث
"
وذلك من القرن السابع إلى القرن العاشر، وفيه بلغ التصنيف لهذا العلم كماله التام فوضعت مؤلفات استوفت أنواع هذا العلم، وجمع إلى ذلك تهذيب العبارات وتحرير المسائل بدقة. وكان أصحاب تلك الصانيف من الأئمة الكبار الذين أحاطوا بالحديث حفظا، واضطلعوا من فنونه وأحوال أسانيده ومتونه دراية وعلما، على غرار الأئمة السابقين الكبار.
وكان رائد هذا التحول العظيم في تدوين هذا الفن الإمام المحدث الحافظ الفقيه الأصولي أبو عمرو عثمان بن الصلاح المتوفى سنة " (643) "(1)، في كتابه المشهور "علوم الحديث"، فقد جمع فيه ما تفرق في الكتب السابقة، واستوفى أنواع علوم الحديث، ثم امتاز:
1 -
بالاستنباط الدقيق لمذاهب العلماء وقواعدهم من أقوالهم المأثورة عنهم.
2 -
أنه ضبط التعاريف التي سبق بها وحررها، وأوضح تعاريف لم يصرح بها من قبله.
3 -
أنه عقب على أقوال العلماء بتحقيقاته واجتهاداته.
وهكذا جاء كتابه متكاملا في فن التصنيف، وكان فتحا في تدوين هذا العلم، وابتداء عهد جديد له، نال من العلماء حظوة، وطارت شهرته في الآفاق، وعم الثناء عليه، حتى صار صاحبه يعرف به فيقال:"صاحب كاب علوم الحديث".
وقد أصبح الكتاب إماما يحتذى ومرجعا يقتدى به، فعول عليه كل من جاء بعده، فمنهم من اختصره ومنهم من نظمه شعرا، ومنهم من شرحه وعلق عليه. لكن المصنفين في هذا الدور كانوا كما قدمنا أئمة
(1) انظر ترجمته مفصلة في "المدخل إلى علوم الحديث": 21 - 27.
أجلة فلم يقلدوه في القواعد العلمية، بل اجتهدوا رأيهم وكثيرا ما ناقشوه أو خالفوه فيما قرره.
ومن أهم المؤلفات في هذا الدور بعد علوم الحديث:
1 -
"الإرشاد" للإمام يحيى بن شرف النووي سنة (676) هـ لخص فيه كتاب ابن الصلاح ثم لخصه في كتاب "التقريب والتيسير لأحاديث البشير النذير".
2 -
"التبصرة والتذكرة" منظومة في ألف بيت للإمام الحافظ عبد الرحيم بن الحسين المتوفى سنة (806) هـ ضمنها كتاب ابن الصلاح وتعقبه، وزاد عليه مسائل نافعة، ثم شرحها شرحا قيما (1).
3 -
شرح للحافظ العراقي أيضا وضعه على كتاب ابن الصلاح: "التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح" ويسمى أيضا "النكت". علق عليه فضيلة أستاذنا الشيخ محمد راغب الطباخ تعليقات نافعة (2).
4 -
شرح الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852) هـ "الإفصاح على نكت ابن الصلاح" وهو مخطوط في الهند.
5 -
"فتح المغيث شرح ألفية العراقي في علم الحديث"، للحافظ
(1) وقد وهم بعض الكاتبين فسمى هذا الشرح "التبصرة والتذكرة"، ودرج على ذلك في كل عزوه إليه، مع أن نفس المنظومة أشارت في مطلعها إلى تسميتها بـ "التبصرة والتذكرة"، ونص على تسميتها هذه أيضا الحافظ السخاوي في مطلع شرحه لها
…
! ! .
(2)
وإلى شيخنا رحمه الله يرجع الفضل في إخراج علوم الحديث مع شرح العراقي محققا تحقيقا دقيقا لأول مرة وذلك في مطبعته العلمية أجزل الله مثوبته.
شمس الدين محمد السخاوي المتوفى سنة (902) هـ. امتاز بتحقيق وتتبع للمسائل في كتب السنة وعلوم الحديث، طبع في الهند في مجلد ضخم.
6 -
"تدريب الراوي شرح تقريب النواوي" للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفى سنة (911) هـ. ويغلب عليه طابع الجمع وإن كان لا يخلو من مناقشات مفيدة.
7 -
"نخبة الفكر" وشرحه "نزهة النظر" كلاهما للحافظ ابن حجر.
وغير ذلك من التآليف التي جاءت بع ابن الصلاح، يصعب حصرها في هذا المقام وقد بني كثير منها على كتابه، قال الحافظ ابن حجر (1):"فلهذا عكف الناس عليه وساروا بسيره، فلا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر، ومعارض له ومنتصر".
لكن يلاحظ المتأمل أن الأنواع لم ترتب في كتاب ابن الصلاح على نظام مطرد، فتراه يبحث في نوع يتعلق بالسند مثلا ثم ينتقل إلى نوع يتعلق بالمتن أو بهما معا، والسر في ذلك كما ذكر البقاعي: أن ابن الصلاح أملى كتابه إملاءا فلم يقع مرتبا وصار إذا ظهر له أن غير ما وقع له أحسن ترتيبا يراعي ما كتب من النسخ (2).
لكن العلماء تابعوه على هذا الترتيب لأن الكتاب أصحب قدوة في هذا الفن. اللهم إلا كتاب نخبة الفكر وشرحه للحافظ ابن حجر فإنه على وجازته يمتاز بغزارة فائدته واستقلال شخصية مؤلفه فيه ويمتاز بأن
(1) نزهة النظر شرح نخبة الفكر ص 3. وانظر تفصيل مزايا كتاب ابن الصلاح في المدخل إلى علوم الحديث ص 9 و 28 - 32.
(2)
كشف الظنون 1162، وانظر نقلا آخر في المدخل إلى علوم الحديث ص 28 و 31.