الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة:
مناقشات ونتائج عامة:
في نهاية هذا التطواف العلمي العقلي للبحث وراء علل الأخبار واحتمالات النقد فيها، نستخلص بشكل جازم قاطع شمول منهج المحدثين النقدي كل أوجه الاحتمال في جوانب الحديث كافة، سندا ومتنا، شمولا دقيقا متناسقا يشكلل نظرية وفلسفة نقدية كاملة، سندا ومتنا، شمولا دقيقا متناسقا يشكل نظرية وفلسفة نقدية كاملة، وذلك ما قد جلاه كتابنا هذا، بحمد الله وتوفيقه، فالأساس الأول هو أداء الراوي للحديث كما سمعه، وهذا يقتضي أولا دراسة الراوي، وقد حقق المحدثون ذلك بدراسات مستفيضة متنوعة دقيقة، وضعوا فيها شروط الراوي الثقة "العدالة والضبط، ثم وضعوا العلوم التي تكشف أمور الرواة، فبحثوا في اسمائهم وفي تواريخهم وأماكنهم وبما يتصل بهذه الأوصل من المسائل في ثلاثين نوعا من أنواع علوم الحديث، لها فروعها ومسائلها وتصانيفها الكثيرة التي تتناول جزئياتها بالنسبة لكل راو جزئية جزئية.
ثم إن للحديث جوانب أخرى سوى شخص الراوي قد تدل على الضعف أو السلامة في النقل، وهي إما أن تكون قد أخذ الراوي أو أدائه للحديث أو في سلسلة السند أو في عين المتن، أو مشتركة بين السند والمتن، وقد استوفى المحدثون بحث ذلك كله وتتبعوا كل احتمال للقوة أو الضعف فيها حسبما درسناه مفصلا في كل باب من الأبواب
السابقة، ثم استخصلناه في نهاية كل باب نتيجة واضحة لا خفاء فيها.
ومن هنا فقد جاءت أحكام المحدثين سليمة واضحة الحجة نيرة المحجة، قد أقام أهل الحديث بنيانها على الدراسة الشاملة لكل وجه من أوجه احتمال القوة أو الضعف ووضعوا كل حال منها في موضعه الملائم.
ومن ثم نجد أحكامهم في القبول والرد تنقسم بدقة متدرجة تبدأ من قمة الصحة فيما أسموه أصح الأسانيد وما يحفه من قرائن أخرى، ثم باقي مراتب الصحيح فالحسن لذاته، فالحسن لغيره، إلى الضعف اليسير الذي قد يعمل به بشروط تقوي احتمال سلامته، ثم الضعف الشديد وهو الناشئ عن فحش الغلط والغفلة أو كون الراوي متهما بمفسق، وهذا متروك لا يلتف إليه، ثم ما هو مشر من ذلك كله وهو الكذب المختلق، لا تجوز روايته إلا على سبيل التحذير منه والتنبيه على كذبه. فهذا أسلم دقيق للقبول والرد أخذت كل درجة منه شروطها، وحكمها الملائم تماما، كما هو واضح جلي.
وبناء على ذلك يمكن أن نلخص الحكم على أنواع الأحاديث عامة بتقسيمها إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
القسم الأول: المقبول الذي استوفى شروط القبول، بأي رتبة من مراتب القبول، ويندرج تحته هذه الأنواع، نسردها تبعا لفقد كل شرط منها:
1 -
ما ضعف لاختلال العدالة: الموضوع، المتروك، المطروح.
2 -
ما ضعف لاختلال الضبط: الضعيف، المنكر، المضطرب، المصحف، المقلوب، المدرج.
3 -
ما ضعف لفقد الاتصال: المنقطع، المرسل، المعضل.
المعلق، المدلس، المرسل الخفي. وهذا القسم يرد للجهل بحال المحذوف فيحتمل أن يكون ضعيفا.
4 -
ما ضعف لفقد شرط عدم الشذوذ، وهو الشاذ، والمنكر بالأولى، لأنه دليل على اختلال الضبط.
5 -
ما ضعف لفقد شرط عدم العلة، وهو المعلل بأحد أوجه الإعلال، فهذا مردود، لأن العلة فيه إما من وهم الراوي، أو تبين الانقطاع في سند ظاهره الاتصال.
وقد ظهر من ذلك أن مدار الشروط في الحقيقة على توفر العدالة والضبط، وسائر الشروط دلائل على هذين الشرطين اللذين لا بد منهما لتوفر أداء الحديث كما هو.
القسم الثالث: المشترك بين القبول والمردود. وذلك لأنه لا يشتمل دائما على صفات القبول، بل تجتمع فيه أحيانا وتختل أحيانا أخرى. ويندرج تحت هذا القسم هذه الأنواع:
الحديث القدسي: المرفوع، الموقوف، المقطوع، المتصل، المسند، المعنعن، المؤنن، المسلسل، العالي، النازل، المزيد في متصل الأسانيد (1) الغريب، الفرد، العزيز، المشهور، زيادة الثقة (2).
ثم إن المحدثين لم يكتفوا بمجرد اختبار السند والمتن، بل قاموا بموازنة ضخمة بين الأحاديث سندا ومتنا استخرجوا بها أنواعا كثيرة من علوم الحديث أوضحها الباب السابع من كتابنا هذا مفصلا. ونجد أنهم في هذه المقارنة لم يكتفوا بعرض الحديث على أشباهه من الروايات، بل عرضوه أيضا على كل الدلائل العقلية والشرعية، كما في المعلل، والموضوع، والمدرج
…
(1) وإن كانت الزيادة في الواقع غير صحيحة، لكن أصل الحديث يحتمل القبول أو الرد وانظر رقم 61 ص 364 - 365.
(2)
على تفصيل في أحوالها ذكرناه برقم 76 ص 423 - 427.