الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: في علوم الحديث من حيث قائله
…
الفصل الأول: في علوم متن الحديث من حيث قائله
1 -
الحديث القدسي:
الحديث القدسي: هو ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسنده إلى ربه عز وجل. مثل: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسنده إلى ربه عز وجل: مثل: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن ربه"، أو"قال الله تعالى فيما رواه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم". ويقال له أيضا: الحديث الإلهي، أو الرباني.
ومناسبة تسميته "قدسيا" هي التكريم لهذه الأحاديث من حيث إضافتها إلى الله تعالى، كما أنها واردة في تقديس الذات الإلهية، قلما تتعرض لأحكام الحلال والحرام، إنما هي من علوم الروح في الحق سبحانه وتعالى.
ومن أمثلة الحديث القدسي:
حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال
الله تبارك وتعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه". أخرجه مسلم وابن ماجه (1).
وحديث معاذ بن جبل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله عز وجل: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتباذلين في، والمتزاورين في". أخرجه أحمد والحاكم وابن حبان والبيهقي (2).
وحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة". أخرجه مسلم (3).
الفرق بين الحديث القدسي وبين القرآن:
والفرق بين الحديث القدسي وبين القرآن وقع فيه خلاف كبير بين العلماء، ومن أقوى المذاهب في هذا ما ذهب إليه أبو البقاء العكبري والطيبي.
قال أبو البقاء: "إن القرآن ما كان لفظه ومعناه من عند الله بوحي جلي، وأما الحديث القدسي فهو ما كان لفظه من عند الرسول ومعناه من عند الله بالإلهام أو بالمنام".
(1) الاتحافات السنية رقم 58 - 59، ومسلم: 8: 223. وابن ماجه رقم 4202.
(2)
الاتحافات السنية رقم 159. وانظر المسند: 5: 233. ومجمع الزوائد: 10: 279 وقال: رجاله رجال الصحيح. وموارد الظمأن: 622.
(3)
في الذكر والدعاء: 8: 62.
وقال الطيبي: "القرآن هو اللفظ المنزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث القدسي إخبار الله معناه بالإلهام أو بالمنام، فأخبر النبي أمته بعبارة نفسه، وسائر الأحاديث لم يضفها إلى الله تعالى ولم يروها عنه تعالى"(1).
ويختص القرآن بخصال ليست في الحديث القدسي أهما:
1 -
أن القرآن معجز.
2 -
أننا تعبدنا بلفظ القرآن، ولا يجوز لمسه لمحدث ولا قراءته للجنب.
3 -
تواتر القرآن، وعدم تواتر الأحاديث القدسية بل فيها ما يضعف (2).
وقد عني العلماء بجمع الأحاديث القدسية في مؤلفات خاصة، من أهمها كتاب "الاتحافات السنية في الأحاديث القدسية" للمنادي (3) جمع فيه (272) حديثا قدسيا.
2 -
الحديث المرفوع:
الحديث المرفوع: هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة من قول أو فعل أو تقرير أو وصف.
(1) قواعد التحديث: 66.
(2)
انظر المنهج الحديث قسم التاريخ: 31 - 32.
(3)
الرسالة المستطرفة: 61.
هذا هو المشهور في تعريف المرفوع (1). ويدخل فيه المتصل والمنقطع، ومنه الصحيح والحسن، والضعيف، والموضوع، بحسب استيفائه شروط القبول أو اختلالها فيه.
قال ابن الصلاح: "ومن جعل من أهل الحديث المرفوع في مقابلة المرسل فقد عنى بالمرفوع المتصل".
3 -
الموقوف:
وهو ما أضيف إلى الصحابة رضوان الله عليهم. ولم يتجاوز به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سمي موقوفا لأنه وقف به عند الصحابي، ولم يرتفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الصلاح والعلماء: ثم إن منه ما يتصل الإسناد فيه إلى الصحابي فيكون من الموقوف الموصول، ومنه ما لا يتصل إسناده فيكون من الموقوف غير الموصول على حسب ما عرف مثله في المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم".
"وما ذكرناه من تخصيصه بالصحابي فذلك إذا ذكر الموقوف مطلقا، يعني إذا قيل: حديث موقوف، أو وقفه فلان.
(1) قارن بما سبق في ص 28 - 29.
وقد يستعمل مقيدا في غير الصحابي، فيقال: حديث كذا وكذا وقفه فلان على عطاء أو على طاووس أو نحو هذا.
وبعض العلماء يطلقون على الموقوف اسم "الأثر"(1).
4 -
المقطوع:
هو: ما أضيف إلى التابعي: ويقال في جمعه: المقاطع"، و"المقاطيع".
وهذا غير المنقطع الآتي (2). وهذا النوع كسائر الأنواع الثلاثة السابقة ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف وإلى كافة الأقسام الآتية في أبحاث الكتاب.
ومن مصادر الحديث الموقوف والمقطوع المصنفات، لأنها تجمع كل ما ورد في الباب، ومن أهمها: مصنف عبد الرزاق بن همام الصنعاني المتوفى (211) هـ. ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة " (235) هـ".
كذلك كتب التفسير بالمأثور، كتفسير ابن جرير الطبري " (310) هـ". لأنها تعني بأقوال الصحابة والتابعين في تفسير الآيات الكريمة.
(1) كما سبق في ص 28 - 29.
(2)
برقم 62 ص 367 - 369، وقال ابن الصلاح "وقد وجدت التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول في كلام الشافعي وأبي القاسم الطبراني وغيرهما".
مسائل تتعلق بالموقوف والمقطوع:
المسألة الأولى:
اختلف العلماء في الاحتجاج بما ثبت عن الصحابة من الموقوفات في إثبات الأحكام الشرعية. فذهب الرازي من الحنفية وفخر الإسلام والسرخسي والمتأخرون منهم ومالك وأحمد في أحدى روايتيه إلى أنه حجة، لما أن حال الصحابة كان العمل بالسنة وتبليغ الشريعة.
وذهب بعض الحنفية والشافعي إلى أنه ليس بحجة لاحتمال أن يكون من اجتهاد الصحابي الخاص، أو أن يكون سمعه من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
المسألة الثانية: ما له حكم الرفع
إذا احتف الحديث الموقوف بقرائن معنوية أو لفظية تدل على رفعه فإنه يكون له حكم المرفوع ويحتج به.
وذلك في عدة صور بينها العلماء وهي:
الصورة الأولى: أن يكون مما لا مجال فيه للرأي والقياس.
فإن هذا يحكم برفعه. كالمواقيت، والمقادير الشرعية، وأحوال الآخرة، وقصص الماضين، ونحو ذلك من الصحابي الذي لم يأخذ عن أهل الكتاب، وذلك لأن الظاهر فيه النقل عن صاحب الشرع.
ومن ذلك التفسير الذي يتعلق بسبب نزول آية، فإنه من الصحابي الذي عاين التنزيل وعاصره في حكم المرفوع، لا التفسير الوارد عن الصحابة مما هو محل الاجتهاد.
(1) التقرير والتحبير: 2: 310 - 311 - وانظر الرسالة: 598.
قال الحاكم النيسابوري: "فأما ما نقول في تفسير الصحابي: مسند، فإنما نقوله في غير هذا النوع -يعني تفسير الصحابة الذي هو محل الاجتهاد-. فإنه كما أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله عز وجل:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} .
قال الحاكم: "هذا الحديث واشباهه مسندة عن آخرها وليست بمرفوعة، فإن الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل فأخبر عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا وكذا فإنه حديث مسند"(1) اهـ.
والمراد بقوله حديث مسند: أنه مرفوع.
الصورة الثانية: ما يحكيه الصحابي من فعل الصحابة أو قولهم مضافا للعهد الماضي. نحو كنا نفعل كذا، أو نقول كذا.
ولهذه الصورة عبارتان:
الأول: عبارة مطلقة لم تضف إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثانية: ما أضيف فيه القول أو الفعل إلى زمنه صلى الله عليه وسلم.
أما العبارة التي أطلق فيها القول أو الفعل فاختلف فيها:
ذهب العراقي والحافظ ابن حجر والسيوطي إلى أنه مرفوع، واختاره النووي والرازي والآمدي والأصوليون.
وذهب ابن الصلاح إلى أنه موقوف ليس بمرفوع.
(1) المعرفة: 20 وانظر الحديث في البخاري في التفسير: 6: 29، ومسلم في النكاح: 4: 156.
والراجح هو الأول: لأن الظاهر من مثل قول الصحابي "كنا نفعل كذا
…
" أنه يحكي الشرع، حيث إنه كان دأبهم، وهذه عبارة عموم، فتفيد صدور ذلك منهم عن إذن من الشارع، ولذلك اختار النووي هذا المذهب، وقال في شرح المهذب: "وهو قوي من حيث المعنى".
أما العبارة الثانية: التي فيها إضافته لعهد النبي صلى الله عليه وسلم فالجمهور من العلماء على أنه مرفوع، لأن ظاهر ذلك مشعر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقرهم عليه، لتوفر دواعيهم على سؤالهم عن أمر دينهم، وتقريره صلى الله عليه وسلم أحد وجوه السنن المرفوعة.
ومن أمثلة ذلك حديث جابر قال: "كنا نعزل والقرآن ينزل" متفق عليه (1).
الصورة الثالثة: أن يصدر الصحابي حديثه بما يفيد الرفع
كقولهم: أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، أو من السنة كذا، فهذا ونحوه مرفوع على الصحيح الذي قاله الجمهور، لأن مطلق ذلك ينصرف بظاهره إلى من له الأمر والنهي، ومن يجب اتباع سنته، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن أمثلة ذلك: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" أخرجه الترمذي- وقال: حسن صحيح (2).
(1) البخاري في النكاح: 7: 33، ومسلم 4:160.
(2)
"باب ما جاء في إفراد الإقامة": 1: 369 - 370.
وكحديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: "نهينا عن الكي" أخرجه الترمذي وقال فيه: "حسن صحيح"(1).
وكحديث علي رضي الله عنه قال: "من السنة أن تخرج إلى العيد ماشيا، وأن تأكل شيئا قبل أن تخرج" أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن (2).
الصورة الرابعة: أن يذكر في الحديث عند ذكر الصحابي ما يفيد الرفع. نحو قولهم: يرفعه، أو ينميه أو رواية، فذلك وشبهه مرفوع عند أهل العلم.
ومن ذلك حديث الترمذي عن أبي هريرة رفعه قال: "ضرس الكافر مثل أحد". رواه بسنده ثم قال: هذا حديث حسن (3).
المسألة الثالثة في الحديث المقطوع:
الحديث المقطوع لا يحتج به في إثبات شيء من الأحكام الشرعية، وإذا احتف بقرائن تفيد رفعه، فإنه عندئذ يكون حكمه حكم المرفوع المرسل (4)، لسقوط الصحابي منه.
(1) في الطب "كراهية التداوي بالكي": 4: 389.
(2)
"المشي يوم العيد": 2: 410.
(3)
في صفة جهنم "عظم أهل النار": 4: 704.
(4)
الآتي برقم 63 ص 369 - 373.