الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا حنظلة! ساعة وساعة
الإسلام دين واقعي لا يحلّق في أجواء الخيال والمثالية الواهمة، ولكنه يقف مع الإنسان على أرض الحقيقة والواقع، ولا يعامل الناس كأنهم ملائكة أولو أجنحة مثنى وثلاث ورباع، ولكنه يعاملهم بشرا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.
لذلك لم يفرض على الناس- ولم يفترض فيهم- أن يكون كل كلامهم ذكرا وكل صمتهم فكرا، وكل سماعهم قرانا، وكل فراغهم في المسجد، وإنما اعترف بهم وبفطرتهم وغرائزهم التي خلقهم الله عليها، وقد خلقهم سبحانه يفرحون ويمرحون ويضحكون ويلعبون، كما خلقهم يأكلون ويشربون.
ولقد بلغ السمو الروحي ببعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مبلغا ظنوا معه أنه الجد الصارم، والتعبد الدائم لا بد أن يكون ديدنهم، وأن عليهم أن يديروا ظهورهم لكل متاع الحياة، وطيبات الدنيا، فلا يلهون، ولا يلعبون بل تظل أبصارهم وأفكارهم متجهة إلى الاخرة ومعانيها بعيدة عن الحياة ولهوها. «1»
(1)(الحلال والحرام/ 264) للقرضاوي.
وسترى في هذا الموقف كيف أنه صلى الله عليه وسلم صحح تلك المفاهيم، وفي نفس الوقت أكّد على الحقيقة التي يجب أن تغرس في النفوس وهي فضل الذكر، وفضل الإخلاص لله رب العالمين، وذلك بقوة اليقين وكذا صدق الالتجاء إلى الركن الركين جل وعلا، وأقسم أن الإنسان لو ظل على هذه الحالة لصافحته الملائكة لشدة اليقين والإيمان الذي عنده، وإلى الموقف النبوي الكريم.
عن حنظلة الأسيديّ رضي الله عنه قال: - وكان من كتّاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت؟ يا حنظلة! قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكّرنا بالنار والجنة، حتى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيرا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما ذاك؟» قلت: يا رسول الله! نكون عندك، تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده! إن لو تدومون على ما تكونون عندي،
وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن، يا حنظلة! ساعة وساعة» ثلاث مرات «1»
إن في جنس الإنسان جانبا لا بد من مراعاته، وحاجة- غير حاجته إلى الجد والانضباط- لا بد من إشباعها، وأداء حقها، وإلا كانت النتيجة هي الفشل التام، والعجز والقعود المطلق عن أنه يحصل القليل الأقل في باب الجد والعمل.
ذلك الجانب هو الاستجمام والترويح والترفيه.
إن المواظبة على الحزم والجد في كل حال شاقة على النفس، وتورث الملل والضيق ذلك لأن النفس مجبولة على المراوحة بين الأشياء.
فهي تنتقل من عمل إلى اخر، ومن قول إلى قول، وتختلف فيما بين الجد والفكاهة، وتجد راحتها في عمل ما ترغب في القيام به، ولا تكاد تتقنه حتى تمله، وتبحث عن عمل اخر، ولا تزال مصغية إلى قول معين، فإذا ملّت طلبت حديثا من نوع اخر.
(1) مسلم: كتاب التوبة، باب: فضل دوام الذكر والفكر في أمور الاخرة والمراقبة، رقم (6900)(نووي/ 17/ 69) .