الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك
قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة/ 183]
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ أي: فرض وقوله: كَما كُتِبَ أي كما فرض عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وإنما ذكر الله تعالى أنه فرض على من قبلنا ولم يذكر مثل ذلك في الصلاة، لأن الصيام فيه مشقة، وتعب، وترك المألوف، ولا يخفى أنه في أيام الحر وطول النهار يكون شديدا على النفوس، فذكر الله أنه فرضه على من قبلنا تسلية لنا، لأن الإنسان إذا علم أن هذا الشيء له ولغيره هان عليه، وذكره أيضا من أجل أن يبين أنه جل وعلا أكمل لنا الفضائل، كما أكمل لمن سبقنا ما شاء من الفضائل. اهـ
ثم ذكر تعالى حكمته في مشروعيته الصيام فقال: لعلّكم تتّقون فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه.
فمما اشتمل عليه من التقوى: أن الصائم بترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها، التي تميل إليها نفسه، متقربا بذلك إلى الله راجيا بتركها ثوابه، فهذا من التقوى.
ومنها: أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه لعلمه باطلاع الله عليه. اهـ من تفسير السعدي.
لذلك كان فضل الصوم عظيما، لدرجة أن هذه الرائحة الكريهة التي تنبعث من فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ولذلك أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: كل عمل ابن ادم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم.
والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه» «1»
الصائم ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل ربه، فلما طالت المدة بخلو معدته من الطعام إيثارا لطاعة الرحمن كانت تلك الرائحة التي فاحت من المعدة ووصلت إلى الفم حتى غيّرته وعلته الرائحة الكريهة والتي يضجر الناس منها بل ويتأففون.
هذه الرائحة لماذا حصلت؟! وما كان الباعث وراءها؟!
إنها العبودية والتقوى التي جعلت الصائم يؤثر ترك الطعام والشراب طاعة لله!
فهل يعقل أن تكون النتيجة أن هذه الرائحة الكريهة كريهة كذلك عند الله؟!
اللهم لا! فالجزاء من جنس العمل وإن لم يعلم المسلم ذلك.
(1) البخاري: كتاب الصوم، باب: هل يقول إني صائم إذا شئتم رقم (1904) .