الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
ما يستفاد من الحديث:
1-
الصيام يختصه الله عز وجل من بين سائر الأعمال، لأنه- أي الصيام- أعظم العبادات إطلاقا، فإنه سر بين الإنسان وربه، لأن الإنسان لا يعلم إذا كان صائما أو مفطرا، هو مع الناس ولا يعلم به، نيته باطنة، فلذلك كان أعظم إخلاصا، فاختصه الله منه بين سائر الأعمال.
2-
أن عمل ابن ادم يزاد من حسنة إلى عشرة أمثالها، إلا الصوم، فإنه يعطى أجره بغير حساب يعني: أنه يضاعف أضعافا كثيرة.
قال أهل العلم: ولأن الصوم اشتمل على أنواع الصبر الثلاثة، ففيه صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله.
أما الصبر على طاعة الله: فلأن الإنسان يحمل نفسه على الصيام مع كراهته له أحيانا، يكرهه لمشقته، لا لأن الله فرضه، لو كره الإنسان الصوم، لأن الله فرضه لحبط عمله، لكنه كرهه لمشقته، ولكنه مع ذلك يحمل نفسه عليه، فيصبر عن الطعام والشراب والنكاح لله عز وجل.
النوع الثاني من أنواع الصبر: الصبر عن معصية الله، وهذا حاصل للصائم فإنه يصبر نفسه عن معصية الله عز وجل، فيتجنب اللغو والرفث والزور وغير ذلك من محارم الله.
الثالث: الصبر على أقدار الله، وذلك أن الإنسان يصيبه في أيام الصوم، - ولا سيما في الأيام الحارة والطويلة- من الكسل والملل والعطش ما يتألم ويتأذى به، ولكنه صابر لأن ذلك في مرضاة الله.
فلما اشتمل على أنواع الصبر الثلاث، كان أجره بغير حساب، قال الله تعالى: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [الزمر/ 10]
3-
أن للصائم فرحتين، الفرحة الأولى عند فطره، إذا أفطر فرح بفطره، فرح بفطره من وجهين:
الوجه الأول: أنه أدى فريضة من فرائض الله، وأنعم الله بها عليه، وكم من إنسان في المقابر يتمنى أن يصوم يوما واحدا فلا يكون له! وهذا قد منّ الله عليه بالصوم فصام، فهذه نعمة، فكم من إنسان شرع في الصوم ولم يتمه! فإذا أفطر فرح، لأنه أدى فريضة من فرائض الله، ويفرح أيضا فرحا اخر، وهو أن الله أحل له ما يوافق طبيعته من
الماكل والمشارب والمناكح، بعد أن كان ممنوعا منها، فهاتان فرحتان في الفطر:
الأولى: أن الله منّ عليه بإتمام هذه الفريضة.
الثانية: أن الله منّ عليه بما أحل له من محبوباته من طعام وشراب ونكاح.
4-
الإشارة إلى الحكمة من فرض الصوم، حيث قال صلى الله عليه وسلم:«فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب» يعني: لا يقول قولا يأثم به ولا يصخب فيتكلم بكلام صخب، بل يكون وقورا مطمئنا متأنيا، فإن سابه أحد أو شاتمه فلا يرفع صوته عليه، بل يقول: إني صائم، يقول ذلك، لئلا يتعالى عليه الذي سابّه، كأنه يقول: أنا لست عاجزا عن أن أقابلك بما سببتني ولكني صائم، يمنعني صومي من الرد عليك، وعلى هذا فيقوله جهرا.
كذلك أيضا إذا قال: (إني صائم) يردع نفسه عن مقابلة هذا الذي سابّه كأنه يقول لنفسه: (إني صائم، فلا تردّي على هذا الذي سبّ) وهذا أيضا معنى جليل عظيم. «1»
(1)(شرح رياض الصالحين/ 2/ 1393، 1394) ابن عثيمين، دار السلام، القاهرة.