الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لو لم تذنبوا
قال تعالى:
قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر/ 53]
قال العلامة السعدي رحمه الله:
لا تقنطوا من رّحمة الله" أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا، وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها، ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعا من الشرك والقتل والزنا والربا والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار.
إنّه هو الغفور الرّحيم أي: وصفة المغفرة والرحمة، وصفان لازمان ذاتيان، لا تنفك ذاته عنهما، ولم تزل اثارهما سارية في الوجود، مالئة للموجود، تسبح يداه من الخيرات اناء الليل والنهار،
ويوالي النعم على العباد والفواضل في السر والجهار، والعطاء أحب إليه من المنح، والرحمة سبقت الغضب وغلبته.
ولكن لمغفرته ورحمته ونيلهما أسباب إن لم يأت بها العبد، فقد أغلق على نفسه باب الرحمة والمغفرة، أعظمها وأجلها، بل لا سبب لها غيره، الإنابة إلى الله تعالى بالتوبة النصوح، والدعاء والتضرع والتأله والتعبد، فهلم إلى هذا السبب الأجلّ، والطريق الأعظم. اهـ
لأن الله تعالى يحب المغفرة، والرحمة، ولا يريد أن يعذب عباده، فهو لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها، وتأمل الحديث الاتي حتى تتضح لك عظمة رحمته ومغفرته تعالى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده! لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم» «1»
القران مليء بالايات التي تحث على التعرض لرحمة الله تعالى، فعسى أن يرحم الله من يأخذ بأسباب النجاة.
(1) مسلم: كتاب التوبة، باب: سقوط الذنوب بالاستغفار توبة، رقم (6899)(نووي/ 17/ 68) .
والقران كذلك مليء بالايات التي تصف رحمة الله الواسعة بعباده ومنها قوله تعالى: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ [الحجر/ 49، 50] .
قال السعدي رحمه الله:
نبّئ عبادى أي أخبرهم خبرا جازما مؤيدا بالأدلة أنّى أنا الغفور الرّحيم فإنهم إذا عرفوا كمال رحمته ومغفرته، سعوا في الأسباب الموصلة إلى رحمته، وأقلعوا عن الذنوب وتابوا منها، لينالوا مغفرته.
ومع هذا فلا ينبغي أن يتمادى بهم الرجاء إلى حال الأمن والإدلال فنبئهم وأنّ عذابى هو العذاب الأليم أي: لا عذاب في الحقيقة إلا عذاب الله، الذي لا يقادر قدره، ولا يبلغ كنهه، نعوذ به من عذابه، فإنهم إذا عرفوا أنه
…
لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ. وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ [الفجر/ الاية 25] حذروا، وأبعدوا عن كل سبب يوجب لهم العقاب.