الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبالغة في العمل لرفع الدرجات دونه، فيقولون لسنا كهيئتك فيغضب من جهة أن حصول الدرجات لا يوجب التقصير في العمل بل يوجب الازدياد شكرا للمنعم الوهاب، كما قال في الحديث الاخر:«أفلا أكون عبدا شكورا» «1» وإنما أمرهم بما يسهل عليهم ليداوموا عليه كما قال في الحديث الاخر: «أحب العمل إلى الله أدومه» «2» . اهـ
وهذه قضية موجودة الان بالفعل، فكم من مسلم يتحمس لطاعة من الطاعات فيبدأ بما يشق عليه وبنشاط منقطع النظير ثم لا يلبث أن يفتر وينقطع بعد ذلك، ويصدق في حقه الحديث القائل «إن المنبّت- المجد في السير- لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» .
*
ما يستفاد من الحديث:
1) إن الأعمال الصالحة ترقي صاحبها إلى المراتب السنية من رفع الدرجات ومحو الخطيات، لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم استدلالهم ولا تعليلهم من هذه الجهة.
(1) البخاري: كتاب التهجد، باب: قيام النبي صلى الله عليه وسلم الليل رقم (1130)(فتح/ 3/ 18) .
(2)
البخاري: كتاب الإيمان، باب: أحب الدين إلى الله أدومه رقم (43)(فتح/ 1/ 136) .
2) إن العبد إذا بلغ الغاية في العبادة وثمراتها كان ذلك أدعى له إلى المواظبة عليها، استبقاء للنعمة واستزادة لها بالشكر عليها.
قال تعالى:
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ «1» وقال تعالى:
وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ «2»
فالحسنة ثوابها الحسنة بعدها نسأل الله تعالى الهداية التامة.
3) الوقوف عند ما حد الشارع من عزيمة ورخصة، واعتقاد أن الأخذ بالأرفق الموافق للشرع أولى من الأشق المخالف له، والله تبارك وتعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، ولا يعني هذا أن الإنسان ينبغي عليه أن يتتبع رخص المذاهب كلها، والموفق من وفقه الله.
4) الأولى في العبادة القصد والملازمة، لا المبالغة المفضية إلى الترك كما جاء في الحديث «المنبتّ- أي المجد في السير- لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» .
(1)(محمد/ 17) .
(2)
(العنكبوت/ 69) .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الله، ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟» فقلت: بلى يا رسول الله. قال: «فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإنّ لزورك عليك حقا، وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله، فشدّدت فشدّد عليّ» . قلت: يا رسول الله إني أجد قوة، قال:
«فصم صيام نبيّ الله داود عليه السلام ولا تزد عليه» . قلت: وما كان صيام نبيّ الله داود عليه السلام؟ قال: «نصف الدهر» . فكان عبد الله يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم. «1»
5) التنبيه على شدة رغبة الصحابة في العبادة وطلبهم الازدياد من الخير، وترى العجب العجاب عند ما تقرأ سيرهم وترى قدر اجتهادهم في فعل جميع أنواع الطاعات.
6) مشروعية الغضب عند مخالفة الأمر الشرعي، والإنكار على الحاذق المتأهل لفهم المعنى إذا قصر في الفهم، تحريضا له على التيقظ.
(1) البخاري: كتاب الصوم: باب: حق الجسم في الصوم رقم (1975)(فتح/ 4/ 273) .
7) جواز تحدث المرء بما فيه من فضل بحسب الحاجة لذلك عند الأمن من المباهاة والتعاظم، وكل امرئ أعلم بحقيقة نفسه.
8) بيان أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم رتبة الكمال الإنساني لأنه منحصر في الحكمتين العلمية والعملية، وقد أشار إلى الأولى بقوله «أعلمكم» وإلى الثانية بقوله:«أتقاكم» .
9) رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وشفقته على أمته، فقد كان يخفف عليهم ويأمرهم بما يطيقون من الأعمال، والأمثلة على ذلك كثيرة والحمد لله وهي مشهورة من قوله وفعله.
فمن قوله هذا الحديث السابق" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم أمرهم من الأعمال بما يطيقون.."
وأيضا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص السابق.
ومن فعله أنه صلى الله عليه وسلم ما خيّر بين أمرين إلا أختار أيسرهما، ونظائر هذا في السنة كثير.
10) منزلة النبي العظيمة عند الله تبارك وتعالى فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.