الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال رجل: لألزمنه، أي: أتابعه، فأصيب هذا الرجل الشجاع المقدام بسهم من العدو فجزع، فلما جزع سل سيفه- والعياذ بالله- ثم وضع ذبابة سيفه على صدره ومقبضه على الأرض، ثم اتكأ عليه حتى خرج من ظهره، فقتل نفسه.
فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره وقال: أشهد أنك رسول الله، قال:«بم» قال: إن الرجل الذي قلت فيه إنه من أهل النار حصل منه كذا وكذا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار» .
*
ما يستفاد من الحديث
1-
حسن أسلوب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
2-
أنه ينبغي للإنسان أن يؤكد الخبر الذي يحتاج الناس إلى تأكيده بأي نوع من أنواع التأكيدات.
3-
تأكيد الخبر بما يدل على صدقه لقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
(وهو الصادق المصدوق) .
4-
أن الإنسان في بطن أمه يجمع خلقه على هذا الوجه الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم.
5-
أنه يبقى نطفة لمدة أربعين يوما.
6-
حكمة الله عز وجل في أطوار الجنين من النطفة إلى العلقة.
7-
أهمية الدم في بقاء حياة الإنسان، ووجهه: أن أصل بنى ادم بعد النطفة العلقة، والعلقة دم، ولذلك إذا نزف دم الإنسان هلك.
8-
أن الطور الثالث هي المضغة، هذه المضغة تكون مخلّقة وغير مخلّقة بنص القران كما قال الله تعالى: ثم" من مضغة مخلّقة وغير مخلّقة"[الحج/ 5] .
لكن ما الذي يترتب على كونها مخلّقة أو غير مخلّقة؟
الجواب يترتب عليها مسائل:
أ- لو سقطت هذه المضغة غير مخلّقة لم يكن الدم الذي يخرج نفاسا، بل دم فساد.
ب- ولو سقطت هذه المضغة قبل أن تخلّق وكانت المرأة في عدة لم تنقض العدة لأنه لا بد في قضاء العدة أن يكون الحمل مخلّقا، ولا بد لثبوت النفاس من أن يكون الحمل مخلقا، لأنه قبل التخليق يحتمل أن تكون قطعة لحم فقط وليست ادميا، فلذلك لا نعدل إلى إثبات هذه الأحكام إلا بيقين بأن يتبين فيه خلق إنسان.
9-
أن نفخ الروح يكون بعد تمام أربعة أشهر، لقوله:«ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح» .
وينبني على هذا:
أ- أنه إذا سقط بعد نفخ الروح فيه، فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ويسمى ويعق عنه، لأنه صار ادميا إنسانا فيثبت له حكم الكبير.
ب- أنه بعد نفخ الروح فيه يحرم إسقاطه بكل حال، فإذا نفخت فيه الروح فلا يمكن إسقاطه، لأن إسقاطه حينئذ يكون سببا لهلاكه، ولا يجوز قتله وهو إنسان.
فإن قال قائل: أرأيتم لو كان إبقاؤه سببا لموت أمه، أفيلقى وتبقى حياة الأم، أو يبقى وتهلك الأم ثم يهلك الجنين؟
فالجواب: نقول: ربما أهل الاستحسان يقولون بالأول، ولكن لا استحسان في مقابلة الشرع. فنقول: الثاني هو المتعين، بمعنى أنه لا يجوز إسقاطه حتى لو قال الأطباء: إنه إن بقي هلكت الأم، وقد يحتج من يقول بإسقاط الجنين بأنه إذا هلكت الأم هلك الجنين فيهلك نفسان، وإذا أخرجناه هلك الجنين لكن الأم تسلم.
والجواب على هذا الرأي الفاسد أن نقول:
أولا: قتل النفس لإحياء نفس أخرى لا يجوز، فنقول: أننا لو أسقطنا الجنين فهلك فنحن الذين قتلناه، ولو أبقيناه فهلكت الأم ثم هلك هو، فالذي أهلكهما هو الله عز وجل أي ليس من فعلنا.
ثانيا: لا يلزم من هلاك الأم أن يهلك الجنين لا سيما في وقتنا الحاضر، إذ من الممكن إجراء عملية سريعة لإخراج الجنين فيحيا.
وأيضا: نقول لو أنه مات هذا الجنين في بطن أمه من عند الله عز وجل لا يلزم أن تموت هي، فيخرج لأنه ميت وتبقى الأم.
الخلاصة: أنه إذا نفخت فيه الروح فإنه لا يجوز إسقاطه بأي حال من الأحوال.
10-
عناية الله تعالى بالخلق حيث وكل بهم وهم في بطون أمهاتهم ملائكة يعتنون بهم ووكل بهم ملائكة إذا خرجوا إلى الدنيا، وملائكة إذا ماتوا، كل هذا دليل على عناية الله تعالى بنا.
11-
أن الروح في الجسد تنفخ نفخا ولكن لا نعلم الكيفية، وهذا كقوله تعالى:
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ [التحريم/ 12]
لكن لا ندري كيف هذا؟ لأن هذا من أمور الغيب.
12-
قوله صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع» أي حتى يقرب أجله تماما، وليس المعنى حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع في مرتبة العمل، لأن عمله الذي عمله ليس عملا صالحا كما جاء في الحديث:
«إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار» .
لأنه أشكل على بعض الناس: كيف يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع ثم يسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. فنقول: عمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، ولم يتقدم ولم يسبق، ولكن حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أي يدنو أجله، أي أنه قريب من الموت، «فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار» فيدع العمل الأول الذي كان
يعمله، وذلك لوجود دسيسة في قلبه- والعياذ بالله- هوت به إلى الهاوية.
أقول هذا لئلا يظن بالله ظن السوء: فوالله ما من أحد يقبل على الله بصدق وإخلاص، ويعمل بعمل أهل الجنة إلا لم يخذله الله أبدا، فالله عز وجل أكرم من عبده، لكن لا بد من بلاء في القلب.
13-
أن الروح جسم، لأنه ينفخ فيحل في البدن.
ولكن هل هذا الجسم من جنس أجسامنا الكثيفة المكونة من عظام ولحم وعصب وجلود؟
الجواب: لا علم للبشر بها، بل نقول كما قال تعالى:
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء/ 85] .
14-
أن الملائكة عليهم السلام عبيد يؤمرون وينهون لقوله:
«فيؤمر بأربع كلمات» والأمر له هو الله عز وجل.
15-
أن هذه الأربع مكتوبة على الإنسان؛ رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، ولكن هل معنى ذلك ألانفعل الأسباب التي يحصل بها الرزق؟
الجواب: بلى! نفعل، وما نفعله من أسباب تابع للرزق.
16-
أن الملائكة يكتبون.
فلو قال لنا قائل: بأي حرف يكتبون، هل يكتبون باللغة العربية، أم باللغة السريانية، أو العبرية، أو ما أشبه ذلك؟
فالجواب: السؤال عن هذا بدعة، علينا أن نؤمن بأنهم يكتبون، أما بأي لغة فلا نقول شيئا.
هذه الكتابة.. هل هي في صحيفة، أو تكتب على جبين الجنين؟
الجواب: هناك اثار تدل على أنها تكتب على جبين الجنين، واثار على أنها تكتب في صحيفة، والجمع بينهما سهل: إذ يمكن أن تكتب في صحيفة ويأخذها الملك إلى ما شاء الله، ويمكن أن تكتب على جبين الإنسان.
17-
أن الإنسان لا يدري ماذا كتب له ولذلك أمر بالسعي لتحصيل ما يفعله وهذا أمر مسلم، فكلنا لا يدري ما كتب له، ولكننا مأمورون أن نسعى لتحصيل ما ينفعنا وأن ندع ما يضرنا.
18-
أن نهاية بني ادم أحد أمرين: