الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا
…
رأيت الجنة والنار تأمل وتفكر في أهل الجنة وفي وجوههم نضرة النعيم، يسقون من رحيق مختوم متكئين على أرائك منصوبة على أطراف أنهار مطردة بالخمر والعسل، ومحفوفة بالغلمان والولدان، مزينة بالحور العين من الخيرات الحسان كأنهن الياقوت والمرجان لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، امنات من الهرم، مقصورات في الخيام، ثم يطاف عليهم وعليهن بأكواب وأباريق وكأس من معين بيضاء لذة للشاربين ويطوف عليهم خدام وولدان كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون، في مقام أمين في جنات وعيون في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
ينظرون فيها إلى وجه الملك الكريم وقد أشرقت في وجوههم نضرة النعيم، لا يرهقهم قتر ولا ذلة بل عباد مكرمون، وبأنواع التحف من ربهم يتعاهدون، فهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون، لا يخافون فيها ولا يحزنون وهم من ريب المنون امنون، فهم يتنعمون ويأكلون من أطعمتها ويشربون من أنهارها لبنا وخمرا وعسلا.
فيا عجبا ممن يؤمن بدار هذه صفتها، ويوقن بأنه لا يموت أهلها، ولا تحل الفجائع بمن نزل بفنائها، ولا تنظر الأحداث بعين التغيير إلى أهلها، كيف يأنس بدار قد أذن الله في خرابها، ويهنأ بعيش دونها.
والله لو لم يكن فيها إلا سلامة الأبدان مع الأمن من الموت والجوع والعطش لكان جديرا بأن يهجر الدنيا بسببها وألايؤثر عليها ما التصرم والتنغّص من ضرورته، كيف وأهلها ملوك امنون وفي أنواع السرور متمتعون، لهم فيها ما يشتهون وهم بفناء العرش يحضرون، وإلى وجه الله الكريم ينظرون. اهـ «1»
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده! لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ قال: «رأيت الجنة والنار» «2»
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
…
والذي نفس محمد بيده، لقد أدننيت الجنة مني حتى لو بسطت يدي لتعاطيت من قطوفها، ولقد أدنيت النار مني حتى لقد جعلت أتقيها خشية أن تغشاكم، حتى رأيت فيها امرأة من حمير تعذّب في هرة ربطتها فلم
(1)(إحياء علوم الدين/ 5/ 153) للغزالي، المكتبة العصرية، بيروت.
(2)
مسلم: كتاب الصلاة، باب: تحريم سبق الإمام.. رقم (960)(نووي/ 4/ 371) .
تدعها تأكل من خشاش الأرض، فلا هي أطعمتها ولا هي سقتها حتى ماتت، فلقد رأيتها تنهشها إذا أقبلت وإذا ولّت تنهش أليتها
…
» «1»
وفي رواية للبخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «.... إني رأيت الجنة، فتناولت عنقودا، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، وأريت النار، فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع.» «2»
يحذرنا الإمام الغزالي من النار التي راها النبي صلى الله عليه وسلم ويصفها رحمه الله بقوله: فأسكنوا- أي أهل النار- دارا ضيقة الأرجاء، مظلمة المسالك، مبهمة المهالك، يخلد فيها الأسير، ويوقد فيها السعير، شرابهم فيها الحميم، ومستقرهم الجحيم، الزبانية تقمعهم، والهاوية تجمعهم، أمانيهم فيها الهلاك، وما لهم منها فكاك.
قد شدت أقدامهم إلى النواصي، واسودت وجوههم من ظلمة المعاصي، ينادون من أكنافها، ويصيحون في نواحيها وأطرافها، يا مالك قد حق علينا الوعيد، يا مالك قد نضجت منا الجلود، يا مالك أخرجنا منها فإنا لا نعود.
(1) صحيح: رواه النسائي، كتاب الكسوف، 14- نوع اخر، رقم (1482) وصححه الألباني بالرقم السابق طبعة بيت الأفكار الدولية.
(2)
البخاري: كتاب الكسوف، باب: صلاة الكسوف جماعة، رقم (1052) .