المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الاعتداء عليها: - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ٤/ ٢

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(7)«مُحَاضَرَاتٌ إسْلاميَّةٌ»

- ‌المقدمة

- ‌الحرية في الإِسلام

- ‌ الحرية

- ‌ المشورة:

- ‌ المساواة:

- ‌ الحرية في الأموال:

- ‌ اكتسابها

- ‌ الطريق الوسط:

- ‌ التمتع بها:

- ‌ الاعتداء عليها:

- ‌ الحرية في الأعراض:

- ‌ الحرية في الدماء:

- ‌ الحرية في خطاب الأمراء:

- ‌ آثار الاستبداد:

- ‌علماء الإسلام في الأندلس

- ‌ سبب نهضة العلوم الإسلامية بالأندلس:

- ‌ مكانة علماء الأندلس في العلوم الإسلامية:

- ‌ تفسير القرآن:

- ‌ علم الحديث:

- ‌ علم الفقه:

- ‌ علم الكلام:

- ‌ علماء الأندلس والفلسفة:

- ‌ اعتزاز علماء الأندلس بمقاماتهم العلمية:

- ‌ نظر علماء الأندلس في أحوال الأمة، وغيرتهم على مصالحها:

- ‌السعادة عند بَعضِ عُلماء الإسلام

- ‌ الآراء الفلسفية اليونانية:

- ‌ رأي أبي نصر الفارابي:

- ‌ رأي ابن مسكويه:

- ‌التصوف قي القديم والحديث

- ‌ نشأة التصوف:

- ‌ ماذا حدث في التصوف بعد عهد الصحابة والتابعين:

- ‌ الطرق الصوفية في الوقت الحاضر:

- ‌الدهاء في السياسة

- ‌الزينة والرفاهية في الإسلام

- ‌ الغلو في ترك الزينة والطيب من الرزق:

- ‌ هل يدخل الورع في ترك المباح

- ‌ قبول عطايا الأمراء الظالمين:

- ‌الصّداقة

- ‌ ما هي الصداقة

- ‌ صداقة المنفعة:

- ‌ صداقة اللذة:

- ‌ صداقة الفضيلة:

- ‌ الصداقة فضيلة:

- ‌ الداعي إلى اتخاذ الأصدقاء:

- ‌ الاستكثار من الأصدقاء:

- ‌ علامة الصداقة الفاضلة:

- ‌ الصداقة تقوم على التشابه:

- ‌ البعد من صداقة غير الفضلاء:

- ‌ الاحتراس من الصديق:

- ‌ هل الصداقة اختيارية

- ‌ دعوى أن الصداقة الخالصة مفقودة:

- ‌ الصديق المخلص عزيز:

- ‌ الإغماض عن عثرات الأصدقاء:

- ‌ معاملة الأصدقاء بالمثل:

- ‌ عتاب الأصدقاء:

- ‌ كتم السر عن الأصدقاء:

- ‌ أثر البعد في الصداقة:

- ‌ الصداقة صلة بين الشعوب:

- ‌مضارُّ الإسراف

- ‌تعاون العقل والعاطفة على الخير

- ‌ اختلاف العقل والعاطفة:

- ‌ توافق العقل والعاطفة:

- ‌ كيف تربى عاطفة الخير

- ‌حقوق الفقراء على الأغنياء في الإسلام

- ‌السمو الخلقي في الإسلام

- ‌‌‌المعتزلة

- ‌المعتزلة

- ‌ انتشار الاعتزال في صدر الدولة العباسية وأسبابه:

- ‌ أثر المعتزلة في الحياة العقلية:

- ‌ أهل السنة:

- ‌ الأشعرية:

- ‌ الماتريدية:

- ‌ أهل الحديث:

- ‌اختلاط الجنسين في نظر الإسلام

- ‌نقد آراء الأستاذ فريد وجدي من الناحية الدينية والاجتماعية

- ‌ المحاضرة الأولى

- ‌ نقد مقاله المدرج بمجلة "الحديث

- ‌ نقد مقالات الدعوة إلى التجديد:

- ‌ المحاضرة الثانية

- ‌ نقد مقالة: سطوة الإلحاد على الأديان:

الفصل: ‌ الاعتداء عليها:

لا تستدعي الإعراض عن اللذات الحسية المعتدلة.

-‌

‌ الاعتداء عليها:

من الطبائع المركبة في نفوس البشر: داعية حب الأموال، والحرص في مكتسبها واقتنائها، قال تعالى:{وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20]. وقال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 6 - 8].

هذا الباعث يقذفه الله في نفوس قوم، فيدعوهم إلى تسوية طرائق العمران، وتشييد أركانه، ويسلكه في قلوب آخرين، فيترامى بهم إلى بث الفساد على وجه البسيطة، وإثارة غبار التوحش في أرجائها، القوي بسطوته، والضعيف باحتياله ومكيدته، واعتبرْ في هذا برجل فاضت خزائنه ذهباً، وقد بلغ من الكبر عتياً، ولم يهب الله له في ورثته ولياً، وتجده قائماً على ساق الجد في العمل المستمر، يبني بكل ريع آية، ويشق الأرض بأدوات الفلاحة شقاً، ماذا حمله على ذلك الحرص الأكيد والأمل الواسع، وقد تقوس ظهره، وانكمش جلده؟! حب المال.

حب المال هو الذي ينزع من فؤاد الرجل الرأفة، ويجعل مكانها القسوة والفظاظة، حتى إذا أظلم الأفق، واسودّ جناح الليل، تأبط خنجراً، أو تقلد سيفاً، وذهب يخطو في بنيات الطريق خطاً خفافاً؛ ليأتي البيوت من ظهورها، ويمد بسبب إلى أمتعتها، فإذا دافعه صاحبها، أذاقه طعم المنون، وانصرف ثملاً بلذة الانتصار، ولهذا افتقرت داعية حب المال إلى وازع يسدد طيشها، ويكسر من كعوبها إلى أن تستقيم قناتها، والوازع ما ورد في مجمل الشريعة ومفصّلها من الأصول القابضة على أيدي الهداجين حول

ص: 33

اختلاسها، والعاملين على اغتصابها، أو التصرف فيها بغير ما يأذن صاحبها. قال تعالى:{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]. وقال صلى الله عليه وسلم: "من ظلم قيد شبر من أرض، طوّقه من سبع أرضين".

وقال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188]. وقد تضمنت هذه الآية الإشارة إلى حكم الارتشاء، وقال في شأنه النبي صلى الله عليه وسلم:"لعن الله الراشي"، وهو دافع الرشوة، "والمرتشي"، وهو قابضها، "والرائش"، وهو المتوسط بينهما. الرشوة أخت السرقة، وابنة عم الاغتصاب، وإن شئت فقل: تزوج الاغتصاب بالسرقة، فتولدت بينهما الرشوة؛ لأنها عبارة عن أخذ مال معصوم خفية، ولكنه بسلطة على حين علم من صاحبه. وكان الذين اجترحوا سيئتها قصدوا بها معارضة قاعدة الزكاة في وضعها وحكمتها.

أما وضعها، فالزكاة مال أوجبه الله على الأغنياء؛ لتسد منه خلة الفقير والمسكين، والرشوة مال يدلي به الفقراء والأرامل والأيتام إلى الغني، ومن ولي الأحكام؛ لينصفهم في الجكومة، ولا يخذلهم في مجلس قضائه.

وأما حكمتها، فالزكاة شرعت لتطهر نفوس الأغنياء من رذيلة الشح، وتجعل بدلها الكرم والسماح، وتنزع الغل والحسد من قلوب الفقراء، وتنشر في مكانها المودة والرحمة لأهل اليسار، والرشوة تزيد الغني لهفة وحرصاً في جمع الأموال، وتفتح في صدره أبواباً من المطامع بقدر ما له سعة التصرف، وقوة النفوذ، ثم توقد له في قلب الراشي ضغينة وحقداً، وتطلق لسانه بخزيه وهوانه، وإن لم يكن بقضائه شقياً.

ص: 34

ولما كانت الرشوة عقبة كؤوداً في سبيل الحرية، أخذت الشريعة في تحريمها بالتي هي أحوط. فلا يسوغ للقاضي قبول الهدية إلا من خواص قرابته؛ كيلا تزل به مدرجتها إلى أكل الرشوة، أو يتخذ اسم الهدية غطاء للرشوة يسترها به عن أعين المراقبين لأحواله السرية، وردّ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الهدية، فقيل له: كان النبي رضي الله عنه يقبلها، فقال: كانت له هدية، ولنا رشوة؛ لأنه كان يتقرب إليه لنبوته، لا لولايته، ونحن يتقرب بها إلينا لولايتنا.

ولم يكتف الشارع الحكيم في النهي عن اغتصاب الأموال واختلاسها بما قرع به الأسماع من الزواجر الكلية، فأردفها بتعليمات عمرانية في مواضيع غامضة تقصر عقول البشر عن إداركها بدون توقيف وتعليم؛ مثل: المعاملة بالربا، فقد يتوهم سلامتها من أكل المال باطلاً، وهي معدودة في قبيله، غير خارجة عن معناه.

يوافق الربا الاغتصاب في أن الزائد على رأس المال أُخذ بغير عوض يقابله، ولم تطب له نفس الدافع، ولا سمح به خاطره، ولكن الحاجة هنا ألجأت إلى إعطائه كما تلجئ سلطة الغاصب إلى تسليم المال في الغصب الصريح، وهو بهذا الاعتبار ذريعة لاستيلاء الموسرين على تراث أهل الخصاصة، وامتصاص أموالهم التي هي بمنزلة الدم لحياتهم شيئاً فشيئاً، ويقطع سبباً وثيقاً ترتبط به القلوب رحمة وإخاء، وهو السلف مثلاً بمثل، فضلاً عما يبذره في نفوس أهل الثروة من ألفة البطالة، والتقاعد عن الصنائع والمعاملات التجارية، ولم تتقدم الأمم المستحلة للربا في حياتها المدنية بارتكاب مطيته العشواء أخذاً وإعطاء، وإنما منبع ثروتها ورفاهية حالها عقد المبادلات التجارية، والإقبال على الفلاحة والصنائع واستنزاف المعادن، والمعاملة بالربا

ص: 35

عندهم أمر يسير، لا يكاد يظهر بالنسبة إلى مشروعاتهم الواسعة، وأعمالهم المتواصلة.

وأما العقوبات المتعلقة بالجناية على الأموال، فأربعة أنواع:

أحدها: عقوبة السارق، قال تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38]. من تحقق في النظر إلى جناية السرقة، وجدها مفسدة يعسر تلافيها؛ إذ لا يمكن للناس أن يحرزوا أمتعتهم، ويصونوها عن التلف والضياع بأكثر من وضعها في دور قائمة جدرانها، موصدة أبوابها، مزرّرة أقفالها، ويتعذر على صاحب المتاع المواظبة على حراسة متاعه بنفسه صباحاً ومساء، ولا يتيسر لكل أحد أن يتخذ حراساً يكفونه شر أهل الخيانات، أو يجعل دون ماله سداً لا يستطيعون أن يظهروه، ولا يستطيعون به نقباً، والسارق يترصد أوقات الخلوة بالأمتعة، فيذهب إليها في حال تنكر واختفاء، ويخرق الدار، ويتسور جدارها، ويقلع الأبواب، أو يكسر أقفالها، ثم يملأ حقيبته منها، وينصرف آمناً مطمئناً من افتكاك ما أخذ منه، أو إقامة البينة عليه، بخلاف الغاصب أو المنتهب؛ فإنه يأخذ المال مجاهرة، فيمكن استرجاعه منه بالقوة، أو بالإشهاد عليه، ولهذا كانت السرقة أكثر وقوعاً، وأجلب للخلل في النظام، فاستحق صاحبها تشديد العقوبة عليه؛ لقطع جرثومة فسادها عن الناس. وأليقُ العقوبات به: قطع الجارحة التي يتوسل بها إلى الإذاية، ويباشر بها الجناية على الأموال المعصومة.

وهل أتاك حديث من ينظر ببصيرة عشواء، فأورد على ما قررته الشريعة من قطع يد السارق في ربم دينار، وجعل ديتها خمس مئة دينار إذا جنى عليها

ص: 36

غيره فقطعها، فقال:

يدٌ بخمس مئين عسجداً فديت

ما بالها قطعت في ربع دينارِ

وقال بعضهم في جوابه:

حماية الدم أغلاها وأرخصها

صيانة المال فانظر حكمة الباري

وأجاب الإمام الشافعي فيما روي عنه:

هناك مظلومة غالت بقيمتها

وهاهنا ظلمت هانت على الباري

ثم إن قطع اليد في ربع دينار - مثلاً - فيه حكمة الزجر للسارق نفسه عن معاودة السرقة، وردع أمثاله عن الإقدام عليها، وفي هذا عصمة لأموال كثيرة، وسد لمنفذ تتفشى منه المفسدة بطريق العدوى، والله لا يحب المفسدين.

ثانيها: عقوبة من يحيف السبيل، ويشهر السلاح لأخذ المال باطلاً، وهو المحارب، قال الله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33]. شرع الله في عقاب المحارب أربعة أنواع أو كل أمرها إلى خيرة الإمام، فإما أن يقتل بدون صلب، وإما أن يصلب حياً، ثم يقتل ويراق دمه على الخشبة التي صلب فيها، أو تقطع يده ورجله من خلاف، أو ينفى من الأرض؛ أي: يبعث من بلده إلى بلد آخر، ويودع في السجن إلى أن ينتفي خبثه، وتظهر توبته، وليس معنى نفيه إبعاده إلى بلد آخر، مع تركه خالع العنان يمشي في مناكبها، ويجتني بها قطوف لذاتها، فإن هذا لا يمحق كيده، ولا يقطع ذيل فساده، فلا نأمن أن يسحبه مرة أخرى، ويلوث به بقاعاً كانت آمنة مطمئنة. وأضيف التغريب في هذه

ص: 37

العقوبة إلى السجن زيادة في الخزي والنكال؛ فإن من يبارح وطنه، ويغادر مسقط رأسه يجد في نفسه حرجاً، وفي خاطره ضجراً؛ لانقطاعه عن أهل تربى في حجورهم وليداً، وحنوا عليه بعواطفهم حقبة، ثم مفارقته لعشيرة شب على أخلاقهم وعوائدهم، واشتمل برداء عزهم من قبل أن يكبر عن الطوق، ومن ثم نبعت الغيرة على الوطن في صدور الطوائف، وأصبحوا يجلونه أعظم إجلال، فلو هاجر قومه الوطن الأول، وانتبذوا بدله مكاناً قصياً، لتحولت غيرته معهم، وخص بها المنزل الحديث كما يخصه بالتشوق والحنين، وعلى هذا المعنى يحمل حديث:"حب الوطن من الإيمان" على فرض ثبوته، فحب الوطن على هذا الوجه يدل على حسن العهد، ويدعو إلى التعاضد على البر والتقوى.

وقد يألف الإنسان بعض البقاع، فيجد في إحساسه ميلاً نحوها زائداً عما تقتضيه قيمتها في نفسها، ويأبى أن يستبدلها بالذي هو خير، ولكن هذا الميل، بعد أن نسلم أنه أثر طبيعي غير خيالي، فلا يعد من العواطف المعتبرة في نظر الشريعة، ومجاري عادات العقلاء حتى يستحق من أجلها صفة تمجيد. فمن تحيز عن أمته، وطفق يرمي في وجوههم بعبارات الازدراء، وينفث في كأس حياتهم سماً ناقعاً، لا نصفه بصفة الغيرة الوطنية، وإن شغف بحب ديارهم، وقبّلها جداراً بعد جدار.

ولا يراد بالتخيير هنا إلقاء العقوبة بيد الإمام يحد الجاني بأي نوع اتفق، أو تعلقت به مشيئته؛ كالتخيير في خصال الكفارة، وإنما المراد: فتح مجال الاجتهاد في هذه الأنواع من غير أن يخرج عن دائرتها، فيجب عليه النظر أولاً، وبذل الوسع فيما هو الكافي لحسم هذا الفساد من أصله، وبعد

ص: 38

تعديل الرأي وتنقيحه يتعين العمل بما هو أصلح في الردع، وأنفى لوباء الفتنة.

فمن المحاربين من لا يقاتل بنفسه، ولكن له دهاء ومهارة في المكر والتدبير؛ بحيث يستطيع حيلة أن يؤلف الجموع، ويثير غبار الفتنة، فهذا يجب قتله، فإن كان للمبالغة في إشهار العقوبة وإيقاعها بمكان تشخص فيه الأبصار تأثير نافع في ردع العابثين وإرهابهم، جمع بين صلبه وقتله.

ومنهم من لا رأي له ولا تدبير، وإنما يقطع السبيل بقوة بدنه، وشدة بطشه، فهذا يقطع من خلاف؛ ليكف شرّ يده التي يبطش بها، ورجله التي يفتن عليها.

وأما من يعلم حاله العفاف، وإنما صدر منه ذلك على وجه الفلتة، والمساعدة لغيره، مع توقع الندم منه، فهذا حكمه النفي، ولا يسوغ قتله ولا قطعه.

وإنما كانت عقوبة المحارب أشد من عقوبة السارق؛ لأن الحرب أعظم مفسدة، وأوسع خرقاً في النظام؛ لإفضائها إلى انتهاب الأموال، وسفك الدماء عند المدافعة عنها؛ إذ يسوغ لصاحب المال المدافعة عن ماله بما يملك من الاستطاعة، كثيراً كان المال أو يسيراً، وله أن يقاتل بعد الإنذار والموعظة إذا لم يجد للدفاع طريقاً سوى القتال.

وجعل الإمام الشافعي رضي الله عنه أنواع العقاب المقررة في الآية مرتبة على حسب حال اختلاف المحاربين بالنظر إلى ما صنعوه، فقال إذا قَتَلَ المحارب، ولم يأخذ مالاً، قُتل، وإن أخذ المال، وقتلَ، وجب قتله وصلبه، وإن أخذ المال، ولم يقتل، قطع من خلاف، والنفي والحبس فيمن لم يبلغ جرمه إلى

ص: 39