الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يخالف فيه أحد من المسلمين، ولكن المعتزلة يقولون بوجوب الأمر والنهي بالسيف قولاً أشد من قول غيرهم، حتى إنهم قالوا: "إذا كنا جماعة، وكان الغالب عندنا أننا نكفي مخالفينا، عقدنا للإمام، ونهضنا، فقتلنا السلطان وأزلناه، وأخذنا الناس بالانقياد لقولنا، فإن دخلوا في قولنا الذي هو التوحيد، وفي قولنا في القدر، وإلا قتلناهم (1).
وكان المعتزلة فريقين: فريق بالبصرة، وفريق ببغداد، فمن معتزلة البصرة: واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، وأبو الهذيل العلاف، وإبراهيم النظام، وأبو علي الأسواري، وأبو يعقوب الشحام، وهشام الفوطي، وأبو بكر الأصم، ومعمر بن عباد، والجاحظ، وأبو علي الجبائي، وأبو الحسين محمد بن علي البصري.
ومن معتزلة بغداد: بشر بن المعتمر، أبو موسى المزدار (2)، وأحمد بن أبي دؤاد، وثمامة بن الأشرس، وجعفر بن حرب، وجعفر بن مبشر، وأوب جعفر الإسكافي، وأبو الحسين الخياط، وبشر المريسي (3).
*
انتشار الاعتزال في صدر الدولة العباسية وأسبابه:
كان الأمويون يقاومون بعض من يظهر برأي في العقائد غيرِ معروف،
(1) قد يقول بعض علماء الكلام عند حكاية الآراء: هذا مذهب البصريين أو البغداديين من المعتزلة.
(2)
هذا لقبه، وهو من لقب الافتعال من الزيارة "السيد-شرح المواقف".
(3)
نسبة إلى (درب المريس) ببغداد، والمريس عندهم هو الخبز الرقيق يمرس بالتمر والسمن، وكان بشر مقيماً في هذا الدرب، وتوفي ببغداد سنة 118 هـ، وكان معدوداً من المرجئة.
وقد يقابلون هذه الآراء بعقوبة القتل؛ كما قتل عبد الملك بن مروان معبداً الجهني، وهو أول من ظهر بإنكار القدر، وبعث هشام بن عبد الملك إلى نصر بن سيار كتاباً يأمره فيه بقتل جهم بن صفوان إن ظفر به (1)، وكذلك قتلُ خالد القسري للجعد بن درهم كان في عهد هشام، والاعتزال ظهر في عهد الدولة الأموية، ولكن الأمر الذي ظهر به واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد؛ كنفي الإيمان عن صاحب الكبيرة، أو الطعن في بعض الصحابة، فقد قال مثله فرق من قبلهم، ولم يتعرض لهم الأمويون بأذى، إلا أن ينزعوا إلى الخروج على الخلافة.
وعندما جاءت الدولة العباسية، كان بعض المعتزلة مقرباً عند بعض الخلفاء؛ مثل: عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة؛ فإنه كان صديقاً لأبي جعفر المنصور قبل الخلافة. ولما ولي أبو جعفر الخلافة، قرّبه، ولكن عمرو بن عبيد كان آخذاً بمذهب الزهد، ومجاهرة الأمراء بإنكار الظلم، وإسداء النصيحة من غير أن ينزع إلى الخروج عليهم.
ثم إن البرامكة في عهد الرشيد كانوا يعقدون مجالس للمناظرة، واختاروا له طائفة من المعتزلة، منهم: أبو الهذيل العلاف، وإبراهيم بن سيار، والنظام، وبشر بن المعتمر، وجعفر بن حرب، وثمامة بن الأشرس (2).
واتصل المعتزلة بالخلفاء؛ كالمأمون، والمعتصم، والواثق، فكان من أسباب انتشار الاعتزال: اتصال رؤسائه برجال الدولة، وسمو مكانتهم عندهم،
(1) وقال صالح بن أحمد بن حنبل: قرأت هذا في دواوين هشام بن عبد الملك إلى نصر بن سيار عامل خراسان، ولكن جهماً قتل بعد عهد هشام كما سلف.
(2)
"القواصم والعواصم" لابن العربي.
وتمسك أولئك الخلفاء بمذهبهم، وأخبار هؤلاء الخلفاء الثلاثة في دعوة الناس إلى القول بخلق القرآن، وامتحان المعتصم والواثق لعلماء السنة بهذه المسألة معروفة عند كل طالب علم (1).
وهناك سبب آخر هو: أن رجالاً من هذه الفرقة درسوا الفلسفة، وألّفوا في الرد على الدهريين والملاحدة والثنوية على طريقة النقد الفلسفي، ومثل هذا العمل قد يحمل كثيراً من الناس على حسن الظن بهم، والثقة بآرائهم، ولم يقم بهذا العمل - أعني: الرد على المخالفين من طريق البحث الفلسفي - غيرُهم من الفرق، وإنما ظهر عندما نشأ الأشعري نشأتهم، وأخذ يرد مذاهبهم ومذاهب غيرهم من الفرق على طريقة الجدل المعروفة عندهم بعد التمسك بالدليل السمعي من كتاب أو سنة.
وكان للمعتزلة نشاط في الدعوة إلى مذهبهم، شأن أصحاب كل مذهب أو نحلة جديدة، خصوصاً صاحب مذهب يرى أنه ملكَ من قوة الجدل والبراعة في صناعة الكلام ما لم يملكه غيره، ويكفيك شاهداً على قوة اهتماهم بنشر مذهبهم: أنهم لم يكتفوا بالدعوة إليه على طريق الجدل، بل سعوا لدى الخلفاء ليحملوا الناس على آرائهم بالقوة.
ونرى في التارلخ: أن مذهب الوصيلة من المعتزلة ظهر بالمغرب الأقصى، وأن فريقاً منهم كانوا بنواحي "تاهرت" لايقلون عن ثلاثين، وقيل: أربعين ألف مقاتل، ودارت بينهم وبين عبد الوهاب بن عبد الرحمن الرستمي المتوفى
(1) امتحان أحمد بن حنبل كان في أيام المعتصم، وامتحان البويطي صاحب الشافعي في أيام الواثق حتى مات في أقياده محبوساً ثابتاً صابراً.