الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
مواطن الاتفاق والاختلاف بين الرأيين
أ - مواطن الاتفاق:
يظهر لنا مما تقدم في البابين الماضيين أن الإمامين البخار ومسلمًا يتفقان في مسألة السند المعنعن على ما يلي:
1-
إن صيغة الأداء "عن" لا تفيد الاتصال إلا بشروط؛ فالبخاري يشترط العلم باللقاء بين المعنعن والمعنعن عنه، ومسلم يشترط العلم بالمعاصرة مع أمور أخرى.
2-
إذا ثبت أن المعنعن قد لقي المعنعن عنه فإن البخاري ومسلمًا يحتجان بذلك السند المعنعن إذا سلم من الموانع.
3-
إن الثقة غير المدلس إذا روى حديثًا بالعنعنة عن شيخ قد عاصره ولقياه له محتملة جدًا لقوة القرائن، ولعدم ما يدل على الانقطاع؛ فإن مسلمًا يحتج بذلك الحديث. كما أنني وجدت البخاري احتج ببعض الأحاديث التي هي على هذا النحو.
4-
إذا روى المعاصر المدلس الذي لم يثبت لقيه لمن روى عنه بالعنعنة، فلا يقبل ذلك بالاتفاق عند الشيخين.
5-
إذا روى الثقة المعاصر عن آخر بالعنعنة، ولا يدري هل لقي من روى عنه أم لا؟، ثم جاء من طريق آخر إدخال واسطة بينهما، أو ورد عن الراوي الأول صيغة أداء تدل على الانقطاع، أو جاء عن أحد الأئمة المطلعين نص يدل على عدم السماع؛ فلا يحتج الشيخان بذلك ولا يقبلانه لضعفه عندهما.
ب - مواطن الاختلاف:
يختلف الإمامان فيما يلي:
1-
يشترط الإمام البخاري لاتصال السند المعنعن العلم باللقاء ولو لمرة
واحدة فقط، وأما الإمام مسلم فيخالف في ذلك ويرى أن العلم بالمعاصرة من الراوي الثقة غير المدلس مع عدم وجود ما يدل على الانقطاع يكفي لاتصال السند المعنعن.
2-
يحتج الإمام مسلم بالسند المعنعن إذا كان اللقاء فيه ممكنًا بين المعنعن والمعنعن عنه بالإضافة إلى أمور أخرى، وأما الإمام البخاري فقد احتج بأحاديث لم يثبت اللقاء فيها بين المعنعن والمعنعن عنه ولكن احتمال اللقاء يكون قويًا وظاهرًا - كما بينت ذلك في الفصل الثالث من الباب الثاني -.
فالإمام مسلم يرى أن اللقاء مادام ممكنًا ومحتملاً وليس هناك ما يدفعه فهو يكفي لاتصال السند المعنعن إذا توفرت فيه الأمور الأخرى التي نص عليها رحمه الله.
وأما الإمام البخاري فالأصل عنده أن السند المعنعن لا يحتج به إلا إذا علم اللقاء، ولكن إذا لم يثبت اللقاء في السند المعنعن وكان احتمال اللقاء قويًا مع السلامة من موانع الاحتجاج الأخرى فإن البخاري يحتج بذلك لاسيما إذا كان الحديث له شواهد، أو في أمر من الأمور التي لا يتشدد فيها أهل الحديث كأحاديث فضائل الأعمال والمغازي ونحوهما، كل ذلك بحسب قوة القرينة عنده رحمه الله.
فاختلاف الشيخين حول السند المعنعن الذي يكون اللقاء فيه ممكنًا وغير مستبعد، ولكن ليس في هذا السند قرائن تقوي احتمال اللقاء وإنما الأمر على الإمكان فقط فالإمام مسلم يحتج بذلك، وأما البخاري فلا.
وبهذا يظهر أن هوة الخلاف بين رأيي الشيخين - رحمهما الله - ضيقة، وأن نقاط الاتفاق بينهما أكثر من نقاط الخلاف.