المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب استقبال القبلة بالفروج للغائط والبول - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٣

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: باب من أوجب أضحية في أيام العشر أو عزم على أن يضحي هل له أن يقص شعره أو أظفاره

- ‌ص: باب الذبح بالسن أو الظفر

- ‌ص: باب أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام

- ‌ص: باب أكل الضبع

- ‌ص: باب صيد المدينة

- ‌ص: باب أكل الضباب

- ‌ص: باب أكل لحوم الحمر الأهلية

- ‌ص: باب أكل لحم الفرس

- ‌ص: كتاب الكراهة

- ‌ص: باب حلق الشارب

- ‌ص: باب استقبال القبلة بالفروج للغائط والبول

- ‌ص: باب أكل الثوم والبصل والكراث

- ‌ص: باب الرجل يمر بالحائط أله أن يأكل منه أم لا

- ‌ص: باب: لبس الحرير

- ‌ص: باب: الثوب يكون فيه علم الحرير أو يكون فيه من الحرير

- ‌ص: باب الرجل يتحرك سِنُّه هل يَشُدُّها بالذهب أم لا

- ‌ص: باب: التختم بالذهب

- ‌ص: باب نقش الخواتيم

- ‌ص: باب لبس الخاتم لغير ذي سلطان

- ‌ص: باب البول قائمًا

- ‌ص: باب القَسَم

- ‌ص: باب الشرب قائمًا

- ‌ص: باب: وضع إحدي الرجلين على الأخري

- ‌ص: باب: الرجل يتطرق في المسجد بالسهام

- ‌ص: باب: المعانقة

- ‌ص: باب: الصور تكون في الثياب

- ‌ص: باب: الرجل يقول: أستغفر الله وأتوب إليه

- ‌ص: باب: البكاء علي الميت

الفصل: ‌ص: باب استقبال القبلة بالفروج للغائط والبول

‌ص: باب استقبال القبلة بالفروج للغائط والبول

ش: أي هذا باب في بيان حكم استقبال القبلة بالفرج لأجل التغوط أو التبول، وهذا الكتاب له مدخل في كتاب الكراهة، وإن كان الأنسب ذكره في باب الاستنجاء في كتاب الطهارة وقد علم أن الغائط في الأصل اسم للمكان المطمئن من الأرض ثم جعل كناية عن قضاء الحاجة.

ص: حدثنا يونس قال: ثنا سفيان، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، سمع أبا أيوب الأنصاري يقول: قال رسول الله عليه السلام: "لا تستقبلوا القبلة لغائط ولا لبول، ولكن شرقوا أو غربوا. فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله".

حدثنا يونس قال: أنا ابن وهب، قال: ثنا يونس، عن ابن شهاب. . . . فذكر بإسناده مثله، غير أنَّه لم يذكر قول أبي أيوب:"فقدمنا الشام. . . ." إلى آخر الحديث.

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا أبو مصعب، قال ثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن يزيد بن حارثة:"أن أبا أيوب الأنصاري. . . ." ثم ذكر مثله، وذكر كلام أبي أيوب أيضًا.

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب أن مالكًا حدثه، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن رافع بن إسحاق مولى لآل الشفاء -امرأة- فكان يقال: مولى أبي طلحة، أنه سمع أبا أيوب الأنصاري يقول وهو بمصر:"والله ما أدري كيف أصنع بهذه الكراييس؟ فقد قال رسول الله عليه السلام: إذا ذهب أحدكم لغائط أو لبول فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بفرجه".

ش: هذه أربع طرق صحاح:

الأول: رجاله كلهم رجال الصحيح، عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن مسلم الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب خالد بن يزيد الأنصاري رضي الله عنه.

ص: 186

وأخرجه الجماعة:

فالبخاري (1): عن آدم، قال: نا ابن أبي ذئب، قال: نا الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول الله: "إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة، ولا يولها ظهره، شرقوا أو غربوا".

ومسلم (2): عن زهير بن حرب وابن نمير، قالا: نا سفيان بن عيينة، وعن يحيى بن يحيى -واللفظ له- قال: قلت لسفيان بن عيينة: سمعت الزهري يذكر عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب أن النبي عليه السلام قال:"إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا بغائط، ولكن شرقوا أو غربوا. قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قِبَلَ القبلة، فننحرف عنها ونستغفر الله".

وأبو داود (3): عن مسدد، عن سفيان، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي أيوب -رواية- قال:"إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولكن شرقوا أو غربوا فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فكنا ننحرف عنها ونستغفر".

الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى أيضًا، عن عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي أيوب. . . إلى آخره.

الثالث: عن روح بن الفرج القطان، عن أبي مصعب أحمد بن أبي بكر بن الحارث بن زرارة الزهري الفقيه، قاضي مدينة الرسول وشيخ الجماعة سوى النسائي، عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني عن

(1)"صحيح البخاري"(1/ 66 رقم 144).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 224 رقم 264).

(3)

"سنن أبي داود"(1/ 33 رقم 9).

ص: 187

محمَّد بن مسلم الزهري عن عبد الرحمن بن يزيد بن حارثة المدني، وهو ممن ولد في عهد النبي عليه السلام قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث.

وأخرجه الطبراني (1) رحمه الله: ثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، ثنا أبو مروان العثماني (ح).

وثنا يوسف بن يعقوب المقرئ، نا محمَّد بن خالد الواسطي (ح).

وثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، نا عبد الله بن عون الخراز، قالوا: ثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن يزيد بن حارثة، عن أبي أيوب الأنصاري قال:"نهانا رسول الله عليه السلام أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، فلما قدمنا الشام، وجدنا مرافقهم مراحيض قد استقبل بها القبلة، فنحن ننحرف ونستغفر الله عز وجل".

الرابع: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن رافع بن إسحاق الأنصاري المدني مولى الشفاء -وهي امرأة- ويقال: مولى أبي طلحة، ويقال: مولى أبي أيوب، قال النسائي وابن حبان: ثقة. روى له الترمذي والنسائي.

وأخرجه مالك في "موطئه"(2) نحوه.

وقال أبو عمر (3): هكذا قال مالك في هذا الحديث: مولى لآل الشفاء، وقال في حديث آخر: مولى الشفاء. فيما رواه يحيى بن يحيى عنه، وقد قال عن مالك في الموضعين جميعًا طائفة من الرواة: مولى لآل الشفاء. وقال آخرون عنه في الموضعين جميعًا: مولى الشفاء والشفاء امرأة من الصحابة رضي الله عنهم من قريش وهي الشفا بنت عبد الله بن عبد شمس بن خالد من بني عدي بن كعب، وهي أم سليمان بن أبي حثمة، وكان حماد بن سلمة يقول: عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن

(1)"المعجم الكبير"(4/ 138 رقم 3921).

(2)

"موطأ مالك"(1/ 193 رقم 454).

(3)

"التمهيد"(1/ 303).

ص: 188

رافع بن إسحاق مولى أبي أيوب، وكان مالك يقول: وكان يقال له: مولى أبي طلحة. وهو من تابعي أهل المدينة، ثقة فيما نقل وحمل وحديثه هذا حديث متصل صحيح.

قوله: "الغائط" اللام فيه يجوز أن تكون للتعليل أي لأجل التغوط ولأجل التبول، ويجوز أن تكون للوقت أي وقت التغوط ووقت التبول، ويجوز أن يكون بمعنى عند، كما في قولهم: كتبته لخمس خلون، أي عند خمس خلون وجعل منه ابن جنيّ قراءة الجحدري {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} (1) بكسر اللام وتخفيف الميم.

قوله: "ولكن شرقوا أو غربوا" خطاب لأهل المدينة ولمن كانت قبلته على ذلك السمت، فأما من كانت قبلته إلى جهة المشرق أو المغرب فإنه لا يشرق ولا يغرب.

قوله: "فقدمنا الشام" وهي إقليم مشهور يذكَّر ويؤنَّث، ويقال مهموزًا ومسهلًا، سميت بسام بن نوح وذلك لأنه أول من نزلها فجعلت السين شيئًا تغييرًا للفظ الأعجمي.

وقيل: سميت بذلك لكثرة قراها وتداني بعضها ببعض، فشبهت بالشامات.

قوله: "مَرَاحيض" بفتح الميم وبالحاء المهملة والضاد المعجمة، جمع مِرحاض بكسر الميم، وهو البيت المتخذ لقضاء حاجة الإنسان.

قوله: "فننحرف" أي: نميل.

قوله: "ونستغفر الله" قيل: يستغفر الله من بنائها فإن الاستغفار للمذنبين سنة، وقيل: يستغفر الله من الاستقبال وقيل: يستغفر الله من ذنوبه فالذنب يذكر بالذنب.

فإن قيل: فالغالط والساهي لم يفعل إثمًا، فلا حاجة به إلى الاستغفار له.

قلت: أهل الورع والمناصب العَلِيَّة في التقوى قد يفعلون مثل هذا بناءً عَلى نسبتهم القصير إلى أنفسهم في التحفظ ابتداءً.

(1) سورة ق، آية:[5].

ص: 189

قوله: "كيف أصنع بهذه الكراييس" إنما قال ذلك لأنها كانت بحذاء القبلة، والكراييس: جمع كرياس -بكسر الكاف وسكون الراء وبالياء آخر الحروف وبعد الألف سين مهملة- وهي الميضاءة.

قال أبو عمر (1): الكراييس هي: المراحيض واحدها كرياس، مثل سربال وسرابيل، وقد قيل: إن الكراييس مراحيض الغرف، وأما مراحيض البيوت يقال لها: الكنف.

وقال ابن الأثير: الكراييس جمع كرياس، وهو الذي يكون مشرفًا على سطح بقناة إلى الأرض، فإذا كان أسفل فليس بكرياس، سمى به لما يعلق به من الأقذار، ويتكرس ككرس الدِّمْن، ثم قال: وقال الزمخشري: الكرناس بالنون.

قلت: فهذا كما قد رأيته قد ذكره في باب: كرس. فعلى هذا تكون الياء فيه زائدة، وكذا ذكره الجوهري في باب الكرس فقال: الكِرس -بالكسر- الأبوال والأقذار يتلبد بعضها على بعض، يقال: أكرست الدار.

ثم قال: والكرياس الكنيف في أعلى السطح.

وقال أبو عمر: في هذا الحديث من الفقه: أن على من سمع الخطاب أن يستعمله على عمومه، إذا لم يبلغه شيء يخصه؛ لأن أبا أيوب سمع من النبي عليه السلام النهي عن استقبال القبلة واستدبارها بالغائط والتبول مطلقا غير مقيد بشرط ففهم منه العموم، فكان ينحرف في مقاعد البيوت ويستغفر الله، ولم تبلغه الرخصة التي رواها عن النبي عليه السلام ابن عمر وغيره في البيوت.

ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه عن نافع، أن رجلًا من الأنصار أخبره، عن أبيه: "أنه سمع رسول الله عليه السلام ينهى أن تستقبل القبلة لغائط أو بول.

(1)"التمهيد"(1/ 312).

ص: 190

ش: سائر رواة الموطأ رووا هذا الحديث عن مالك، عن نافع، عن رجل من الأنصار، عن أبيه سمع رسول الله عليه السلام، وروى يحيى بن يحيى، عن مالك، عن نافع، عن رجل من الأنصار: "أنه سمع رسول الله عليه السلام، واختلف فيه عن ابن بكير فتارة روي عنه عن مالك كما رواه يحيى، وتارة روي عنه عن مالك كما روت الجماعة.

قال أبو عمر: وهو الصواب إن شاء الله تعالى.

ثم هذا الرجل من الأنصار هو عبد الرحمن بن عمرو العجلاني وهو يروي عن أبيه عمرو العجلاني الصحابي.

قال ابن الأثير: هو عمرو بن أبي عمرو العجلاني أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو عبد الله، حديثه عند ابنه عبد الرحمن، ثم روى هذا الحديث.

ص: حدثنا أحمد بن الحسن الكوفي، قال: ثنا عبيدة النحوي، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن رجل من أصحاب رسول الله عليه السلام قال له رجل:"إني أظن أن صاحبكم يعلمكم حتى إنه ليعلمكم كيف تأتون الغائط! فقال له: أجل، وإن سخرت إنه ليفعل، إنه لينهانا إذا أتى أحدنا الغائط أن يستقبل القبلة".

ش: إسناده صحيح، ورجاله ثقات، وعَبِيدَة -بفتح العين وكسر الباء- ابن حميد بن صهيب التيمي وقيل: الليثي، وقيل: الضبي، أبو عبد الرحمن الكوفي المعروف بالحذاء وكان مؤدبا لمحمد بن هارون أمير المؤمنين، روى له الجماعة سوى مسلم.

ومنصور هو ابن المعتمر.

وإبراهيم هو النخعي.

وعبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي.

ص: 191

والحديث أخرجه أحمد في "مسنده"(1): بإسناده عن رجل من الأنصار قال: "نهى رسول الله عليه السلام أن تستقبل القبلتين ببول أو غائط".

وأخرج مالك في "الموطأ"(2): عن رجل من الأنصار: "أنه سمع النبي عليه السلام ينهى أن تستقبل القبلة لغائط أو بول".

قوله: "أجل" معناه: نعم.

قوله: "وإن سخرت" أي: وإن قلت مستهزئًا.

ص: حدثنا يونس، [قال: أخبرني ابن وهب] (3) قال: أخبرني عمرو بن الحارث، والليث وابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي قال:"أنا أول من سمع النبي عليه السلام يقول: لا يبولن أحدكم مستقبل القبلة، وأنا أول من خَبَّر الناس بذلك".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال:"أنا أول من سمع النبي عليه السلام ينهى الناس أن يبولوا مستقبلي القبلة، فخرجت إلى الناس فأخبرتهم".

حدثنا أبو بشر عبد الرحمن بن الجارود، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أنا ابن لهيعة، قال: أخبرني يزيد بن أبي حبيب، عن جبلة بن نافع قال: سمعت عبد اللهَ بن الحارث الزبيدي. . . . فذكر نحوه.

حدثنا فهد، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني سهل بن ثعلبة، عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي قال:"نهى رسول الله عليه السلام أن يبول الرجل مستقبل القبلة، وأنا أول من سمع ذلك من رسول الله عليه السلام".

(1)"مسند أحمد"(5/ 430 رقم 23696).

(2)

"موطأ مالك"(1/ 193 رقم 455).

(3)

في "الأصل، ك": "قال أنا ابن وهب، قال أخبرني ابن وهب" وهو تكرار، والصواب حذف: قال أنا ابن وهب الأولى كما في "شرح معاني الآثار".

ص: 192

ش: هذه أربع طرق:

الأول: إسناده صحيح، وعبد الله بن لهيعة ذُكِرَ متابعة.

وأخرجه ابن ماجه (1): ثنا محمَّد بن الرمح المصري، أنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، أنه سمع عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي يقول:"أنا أول من سمع النبي عليه السلام يقول: لا يبولن أحدكم مستقبل القبلة، وأنا أول من حدث الناس بذلك".

الثاني: أيضًا صحيح، عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري، عن عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله المدني، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري، عن عبد الله بن الحارث.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2) وقال: نا الضحاك بن مخلد، عن عبد الحميد -يعني ابن جعفر- عن يزيد بن أبي حبيب. . . . إلى آخره نحوه.

الثالث: عن أبي بشر عبد الرحمن بن الجارود بن عبد الله البغدادي الثقة، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم المصري شيخ البخاري، عن عبد الله بن لهيعة المصري، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري، عن جبلة بن نافع الفهمي المصري، وثقه ابن حبان، وهو يروي عن عبد الله بن الحارث.

وأخرجه ابن يونس في ترجمة جبلة بن نافع في "تاريخ مصر"، وقال: ثنا عبد الله بن عمرو القرشي، ثنا محمَّد بن حميد أبو قرة، نا عثمان بن صالح، ثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن جبلة بن نافع قال: سمعت عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي يقول: "أنا أول من سمع رسول الله عليه السلام يقول: لا يبولن أحدكم مستقبل القبلة. وأنا أول من حدث الناس بذلك".

(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 115 رقم 317).

(2)

"مسند أحمد"(4/ 190 رقم 17737).

ص: 193

الرابع: عن فهد بن سليمان، عن عبد الله بن صالح وراق الليث، عن الليث ابن سعد، عن سهل بن ثعلبة الطائي المصري، قال الذهبي: مجهول، وقال ابن الجوزي: ضعيف، وقال ابن حبان ثقة.

وأخرجه الطبراني: نا مطلب من شعيب الأزدي، نا أبو صالح حدثني الليث، عن سهل بن ثعلبة، عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال:"نهى رسول الله عليه السلام أن يبول الرجل مستقبل القبلة".

ص: حدثنا فهد، قال: ثنا جندل بن والق، قال: ثنا جعفر، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن سلمان قال: "نهينا أن نستقبل القبلة لقضاء حاجة.

ش: إسناده صحيح، وجندل بن والق بن هجرس الثعلبي الكوفي شيخ البخاري في غير الصحيح.

وجعفر هو ابن عون المخزومي الكوفي، روى له الجماعة.

والأعمش هو: سليمان بن مهران.

وإبراهيم هو النخعي.

والحديث أخرجه الطبراني (1) بأتم منه: ثنا أبو الزنباع روح بن الفرج المصري نا يحيى بن سليمان الجعفي، نا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن سلمان رضي الله عنه قال:"نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة بقضاء الحاجة، وأن نستنجي بدون ثلاثة أحجار، وأن نستنجي بعظم أو رجيع".

وحديث سلمان هذا أخرجه الجماعة سوى البخاري.

فقال مسلم (2): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا أبو معاوية ووكيع، عن الأعمش.

(1)"المعجم الكبير"(6/ 234 رقم 3081).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 223 رقم 262).

ص: 194

ونا يحيى بن يحيى -واللفظ له- قال: أنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن زيد، عن سلمان قال:"قيل له: قد علمكم نبيكم عليه السلام كل شيء حتى الخراءة، قال: فقال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم".

وقال أبو داود (1): ثنا مسدد، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن سلمان قال:"قيل له: لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة، قال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، وأن لا نستنجي باليمين، وأن لا يستنجي [أحدنا] (2) بأقل من ثلاثة أحجار، أو نستنجي برجيع أو عظم".

وقال الترمذي (3): ثنا هناد قال: نا أبو معاوية -وهو محمَّد بن خازم- عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال:"قيل لسلمان: قد علمكم نبيكم عليه السلام كل شيء حتى الخراءة، فقال سلمان رضي الله عنه: أجل نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، وأن نستنجي باليمين، أو يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، أو يستنجي برجيع أو بعظم".

وقال النسائي (4): أنا إسحاق بن إبراهيم، عن أبي معاوية، عن الأعمش. . . . إلى آخره نحوه.

وقال ابن ماجه (5): حدثنا علي بن محمَّد، نا وكيع، عن الأعمش. . . . إلى آخره نحوه.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 3 رقم 7).

(2)

في "الأصل، ك": "أحدنا باليمين"، وهو إما سبق قلم أو انتقال نظر.

(3)

"جامع الترمذي"(1/ 24 رقم 16).

(4)

"المجتبى"(1/ 38 رقم 41).

(5)

"سنن ابن ماجه"(1/ 115 رقم 316).

ص: 195

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أنا أبو غسان، قال: حدثني ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها".

حدثنا بكار قال: ثنا صفوان بن عيسى، قال: ثنا محمَّد بن عجلان. . . . فذكر بإسناده مثله.

حدثنا روح، قال: ثنا سعيد بن كثير بن عفير، قال: حدثني ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام قال:"إذا خرج أحدكم لغائط أو بول فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستقبل الريح".

ش: هذه ثلاث طرق:

الأول: إسناده صحيح، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم شيخ البخاري، عن أبي غسان بن مطرف الليثي المدني روى له الجماعة.

عن محمَّد بن عجلان المدني روى له الجماعة؛ البخاري مستشهدًا.

عن القعقاع بن حكيم الكناني المدني روى له الجماعة؛ البخاري في غير "الصحيح".

عن أبي صالح ذكوان الزيات روى له الجماعة.

وأخرجه مسلم (1): نا أحمد بن الحسن بن خراش، قال: ثنا عمر بن عبد الوهاب، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا روح، عن [سهيل](2)، عن القعقاع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام قال:"إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها".

(1)"صحيح مسلم"(1/ 224 رقم 265).

(2)

في "الأصل، ك": "سهل"، وهو خطأ، والصواب:"سهيل" كما في "صحيح مسلم"، وسهيل هو: ابن أبي صالح كما في "تحفة الأشراف" للمزي (9/ 441 رقم 12858) ومصادر ترجمته.

ص: 196

وأخرجه أبو داود (1): ثنا عبد الله بن محمَّد النفيلي، قال: ثنا ابن المبارك، عن محمَّد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه السلام: "إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستطب بيمينه، وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة".

الثاني: أيضًا بإسناد صحيح، عن بكار بن قتيبة القاضي، عن صفوان بن عيسى القرشي البصري شيخ أحمد روى له الجماعة، عن محمَّد بن عجلان. . . . إلى آخره.

وأخرجه ابن ماجه (2): عن محمد بن الصباح، عن سفيان بن عيينة، عن ابن عجلان. . . . إلى آخره نحوه.

الثالث: عن روح بن الفرج القطان المصري، عن سعيد بن كثير بن عفير، عن عبد الله بن لهيعة المصري فيه مقال، عن أبي الأسود محمَّد بن عبد الرحمن بن نوفل ابن الأسود المدني يتيم عروة، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة.

ص: حدثنا فهد، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا سليمان بن بلال، قال: ثنا عمرو بن يحيى، عن أبي زيد، عن معقل بن أبي معقل الأسدي -وكان قد صحب النبي عليه السلام-قال:"نهانا رسول الله عليه السلام أن نستقبل القبلة لغائط أو بول".

حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا داود العطار، قال: حدثني عمرو بن يحيى، قال: أنا أبو زيد مولى بني ثعلبة، عن معقل بن أبي معقل، عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا يزيد، قال: ثنا أبو كامل، قال: ثنا عبد العزيز بن المختار، قال: ثنا عمرو بن يحيى، عن أبي يزيد، عن معقل، عن النبي عليه السلام مثله.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 3 رقم 8).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 114 رقم 313).

ص: 197

ش: هذه ثلاث طرق:

الأول: عن فهد بن سليمان، عن يحيى بن عبد الحميد الكوفي ثقة، عن سليمان بن بلال القرشي التيمي المدني روى له الجماعة.

عن عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن الأنصاري المازني المدني، روى له الجماعة.

عن أبي زيد مولى بني ثعلبة، قيل: اسمه الوليد.

عن معقل بن أبي معقل الأسدي حليف لهم، ويقال: معقل بن أبي الهيثم المدني الصحابي.

وأخرجه أبو داود (1): نا موسى بن إسماعيل قال: ثنا وهيب قال: ثنا عمرو بن يحيى، عن أبي زيد، عن مقعل بن أبي معقل الأسدي قال:"نهى رسول الله عليه السلام أن نستقبل القبلتين ببول أو بغائط" قال أبو داود: هو أبو زيد مولى بني ثعلبة.

الثاني: عن يزيد بن سنان القزاز، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم المصري شيخ البخاري، عن داود بن عبد الرحمن العطار، عن عمرو بن يحيى. . . . إلى آخره.

وأخرجه ابن ماجه (2): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، حدثني عمرو بن يحيى المازني، عن أبي زيد مولى الثعلبيين، عن معقل بن أبي معقل الأسدي -وقد صحب النبي عليه السلام- قال:"نهى رسول الله عليه السلام أن نستقبل القبلتين بغائط أو بول".

الثالث: عن يزيد بن سنان أيضًا، عن أبي كامل فضيل بن الحسين الجحدري شيخ مسلم، عن عبد العزيز بن المختار الأنصاري الدباغ البصري، عن عمرو بن يحيى. . . . إلى آخره.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 3 رقم 10).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 115 رقم 319).

ص: 198

وأخرجه الطبراني (1): عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عمرو بن يحيى. . . . إلى آخره نحوه.

ص: فذهب قوم إلى كراهة استقبال القبلة لغائط أو بول في جميع الأماكن، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار، وممن ذهب إلى ذلك: أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: إبراهيم النخعي، ومحمد بن سيرين، وسفيان الثوري، وأحمد، وأبا ثور؛ فإنهم قالوا: يكره استقبال القبلة لغائط أو بول في جميع الأماكن، في الصحراوات والبيوت، واحتجوا في ذلك بالأحاديث المذكورة، وممن قال بهذا القول: أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله.

وقال القاضي عياض: اختلف على أبي حنيفة، فمشهور مذهبه المنع فيهما، يعني في البيوت والصحاري، وهو قول أحمد وأبي ثور؛ أخذًا بظاهر مجرد النهي، والأمر بالتشريق والتغريب.

وروي عنه أيضًا جواز الاستدبار فيهما، وإنما يمنع فيهما الاستقبال، وعنه المنع فيها في الصحراء، والاستقبال في المدن دون الاستدبار.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس باستقبال القبلة للغائط والبول في جميع الأماكن.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: قتادة وربيعة شيخ مالك وعروة بن الزبير ودواد؛ فإنهم قالوا: لا بأس باستقبال القبلة للغائط والبول في الصحاري والبيوت.

ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب أن مالكًا حدثه، عن يحيى بن سعيد، عن محمَّد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن ابن عمر أنه كان يقول: "إن ناسا يقولون: إذا قعدت لحاجتك فلا

(1)"المعجم الكبير"(20/ 234 رقم 549).

ص: 199

تستقبل القبلة ولا بيت المقدس. فقال عبد الله: لقد ارتقيت على ظهر بيت فرأيت رسول الله عليه السلام على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته.

حدثنا يونس، قال: أنا أنس، عن يحيى بن سعيد. . . . فذكر بإسناده مثله.

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: أنا هشيم، قال: أنا يحيى بن سعيد، عن محمَّد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، قال: سمعت ابن عمر يقول: "ظهرت على إجَّارٍ لي في بيت حفصة في ساعة لم أكن أظن أن أحدًا يخرج فيها. . . . فذكر مثله.

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا إبراهيم بن الحجاج، قال: ثنا وهيب، عن إسماعيل بن أمية ويحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر، عن محمَّد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن ابن عمر قال:"رقيت فوق بيت حفصة، فإذا بالنبي عليه السلام جالس على مقعدته مستقبل القبلة مستدبر الشام".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أنا يحيى بن أيوب، قال: حدثني محمَّد بن عجلان، عن محمَّد بن يحيى، عن واسع بن حبان، عن ابن عمر أنه قال:"يتحدث الناس عن رسول الله عليه السلام في الغائط بحديث! وقد اطلعت يومًا ورسول الله عليه السلام على ظهر بيت يقضي حاجته محجوبا عليه بلبن، فرأيته مستقبل القبلة".

ش: هذه خمس طرق صحاح.

الأول: رجاله كلهم رجال الصحيح، وحبان في الموضعين -بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة.

وأخرجه الجماعة.

فقال البخاري (1): نا عبد الله بن يوسف، قال: أنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمَّد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن عبد الله بن عمر أنه كان

(1)"صحيح البخاري"(1/ 67 رقم 145).

ص: 200

يقول: "إن ناسًا يقولون: إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس، فقال عبد الله بن عمر: لقد ارتقيت يوما على ظهر بيت لنا، فرأيت رسول الله عليه السلام على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته، وقال: لعلك من الذين يصلون على أوراكهم؟ فقلت: لا أدري والله، قال مالك: يعني الذي يصلي ولا يرتفع عن الأرض، يسجد وهو لاصق بالأرض".

وقال مسلم (1): نا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، قال: ثنا سليمان -يعني ابن بلال- عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى، عن عمه واسع بن حبان قال:"كنت أصلي في المسجد وعبد الله بن عمر مسند ظهره إلى القبلة، فلما قضيت صلاتي انصرفت إليه من شقتي، فقال عبد الله: يقول ناس: إذا قعدت للحاجة تكون لك فلا تقعد مستقبل القبلة ولا بيت المقدس، قال عبد الله: ولقد رقيت على ظهر بيتي فرأيت رسول الله عليه السلام قاعدًا على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته".

وقال أبو داود (2): نا عبد الله بن مسلمة، عن مالك. . . . إلى آخره، غير أنه اقتصر على قوله:"لقد ارتقيت على ظهر البيت فرأيت. . . ." إلى آخره.

وقال الترمذي (3): ثنا هناد، قال: ثنا عبدة بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر، عن محمَّد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن ابن عمر قال:"رقيت يومًا على بيت حفصة فرأيت النبي عليه السلام على حاجته مستقبل الشام مستدبرًا الكعبة".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

وقال النسائي (4): أنا قتيبة، عن مالك. . . . إلى آخره نحو رواية أبي داود، غير أن في لفظه:"على ظهر بيتنا".

(1)"صحيح مسلم"(1/ 244 رقم 266).

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 4 رقم 12).

(3)

"جامع الترمذي"(1/ 16 رقم 11).

(4)

"المجتبى"(1/ 24 رقم 23).

ص: 201

وقال ابن ماجه (1): نا أبو بكر بن خلاد ومحمد بن يحيى، قالا: ثنا يزيد بن هارون، أنا يحيى بن سعيد، أن محمَّد بن يحيى بن حبان أخبره، أن عمه واسع بن حبان أخبره، أن عبد الله بن عمر قال:"يقول أناس: إذا قعدت للغائط فلا تستقبل القبلة، ولقد ظهرت ذات يوم من الأيام على ظهر بيتنا فرأيت رسول الله عليه السلام قاعدًا على لبنتين مستقبل بيت المقدس".

الثاني: أيضًا رجاله رجال الصحيح، وأنس هو ابن عياض بن ضمرة المدني شيخ الشافعي وأحمد.

وأخرجه البخاري (2): ثنا إبراهيم بن المنذر قال: ثنا أنس بن عياض، عن عبيد الله، عن محمَّد بن يحيى بن حبان، عن واسع بن حبان، عن عبد الله بن عمر قال:"ارتقيت فوق بيت حفصة لبعض حاجتي، فرأيت رسول الله عليه السلام يقضي حاجته مستدبرًا القبلة، مستقبل الشام".

الثالث: عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور الخراساني شيخ مسلم وأبي داود عن هشيم بن بشير، عن يحيى بن سعيد. . . . إلى آخره.

وأخرجه الدارقطني في "سننه"(3): ثنا يعقوب بن إبراهيم البزاز وأحمد بن عبد الله الوكيل، قالا: نا الحسن بن عرفة، ثنا هشيم، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمَّد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان سمعت ابن عمر يقول:"ظهرت على إجَّار على بيت حفصة في ساعة لم أظن أحدًا يخرج في تلك الساعة، فاطلعت فإذا أنا برسول الله عليه السلام على لبنتين مستقبل بيت المقدس".

الرابع: عن أحمد بن داود، عن إبراهيم بن الحجاج الشامي الناجي البصري وثقه النسائي وروى له.

(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 116 رقم 322).

(2)

"صحيح البخاري"(1/ 68 رقم 147).

(3)

"سنن الدارقطني"(1/ 61 رقم 12).

ص: 202

عن وهيب بن خالد روى له الجماعة، عن إسماعيل، عن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص المكي روى له الجماعة، وعن يحيى بن سعيد الأنصاري قاضي المدينة، وعن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب روى له الجماعة؛ ثلاثتهم عن محمَّد بن يحيى. . . . إلى آخره.

وأخرجه البخاري (1): نا يعقوب بن إبراهيم، قال: نا يزيد، قال: أنا يحيى عن محمَّد بن يحيى بن حبان، أن عمه واسع بن حبان أخبره، أن عبد الله بن عمر أخبره، قال:"لقد ظهرت ذات يوم على ظهر بيتنا، فرأيت رسول الله عليه السلام قاعدًا على لبنتين مستقبل بيت المقدس".

الخامس: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم المصري، عن يحيى بن أيوب الغافقي المصري، عن محمَّد بن عجلان المدني، عن محمَّد بن يحيى بن حبان. . . . إلى آخره.

قوله: "لقد ارتقيت" وفي رواية مسلم "ولقد رقيت" بكسر القاف، ومعناه صعدت، وهذه هي اللغة الفصيحة المشهورة، وذكر صاحب "المطالع" لغتين أخرتين:

إحداهما: فتح القاف بغير همز، والأخرى: فتحها مع الهمز، وقال الجوهري: رِقيت في السلم -بالكسر- رَقْيًا ورُقِيًّا إذا صعدت، وارتقيت مثله.

قوله: "على لبنتين" تثنية لَبِنة بفتح اللام وكسر الباء ويجوز إسكان الباء مع [فتحٍ](2) اللام وكسرها وكذلك كل ما كان على هذا الوزن -أعني مفتوح الأول مكسور الثاني- يجوز فيه الأوجه الثلاثة ككتف، فإذا كان ثانيه أو ثالثه حرف حلق جاز فيه وجه رابع، وهو كسر الأول والثاني كفخذ.

قوله: "لحاجته" أي لقضاء حاجته.

فإن قلت: كيف نظر ابن عمر رضي الله عنهما إلى رسول الله عليه السلام وهو في تلك الحالة ولا يجوز ذلك؟

(1)"صحيح البخاري"(1/ 68 رقم 148).

(2)

ليست في "الأصل، ك"، والسياق يقتضيها، وانظر "لسان العرب" (مادة: لبن).

ص: 203

قلت: وقعت منه تلك اتفاقًا من غير قصد لذلك أو يحتمل أنه قصد ذلك للتعلم، والأمن من الاطلاع على ما لا يحبّ الاطلاع عليه إذ مقصده الاطلاع على توجه وجهه حين جلوسه ورؤية ظاهره لا غير ذلك؛ ليستدل منه على مراده.

قوله: "على إجَّار" بكسر الهمزة وتشديد الجيم، وهو السطح الذي ليس حواليه ما يرد الساقط عنه، والإنجار لغة فيه، والجمع الأجاجير والأناجير.

ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، عن خالد بن أبي الصلت قال:"كنا عند عمر بن عبد العزيز فذكروا استقبال القبلة بالفرج، فقال عراك بن مالك: قالت عائشة: ذكر عند رسول الله عليه السلام أن ناسًا يكرهون استقبال القبلة بالفروج، فقال رسول الله عليه السلام: قد فعلوها؟! حولوا مقعدتي نحو القبلة".

حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، عن خالد بن أبي الصلت قال:"كنا عند عمر بن عبد العزيز، فذكروا الرجل يجلس على الخلاء فيستقبل القبلة فكرهوا ذلك، فحدث عراك بن مالك، عن عروة بن الزبير، عن عائشة: أن ذلك ذكر عند رسول الله عليه السلام، فقال: أو قد فعلوها؟! حولوا مقعدتي إلى القبلة".

ش: هذان طريقان رجالهما ثقات:

الأول: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن أسد بن موسى، عن حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، عن خالد بن أبي الصلت البصري عامل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وثقه ابن حبان، قال البخاري: خالد بن أبي الصلت عن عراك: مرسل.

وأخرجه ابن ماجه (1): نا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمَّد، قالا: ثنا وكيع، عن حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، عن خالد بن أبي الصلت، عن عراك بن

(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 117 رقم 324).

ص: 204

مالك، عن عائشة قالت:"ذكر عند النبي عليه السلام قوم يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة، فقال: أراهم قد فعلوا؟! استقبلوا بمقعدتي القبلة".

الثاني: عن علي بن شيبة، عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة. . . . إلى آخره.

وأخرجه الدارقطني (1) بطرق مختلفة.

قوله: "حولوا مقعدتي" بفتح الميم، وهو الموقع الذي يقعد عليه قاضي الحاجة. .

ص: حدثنا محمَّد بن الحجاج، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، عن أبي قتادة:"أنه رأى رسول الله عليه السلام يبول مستقبل القبلة".

ش: عبد الله بن لهيعة، فيه مقال.

وأبو الزبير محمَّد بن مسلم المكي.

وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي الأنصاري.

وأخرجه الترمذي (2): ثنا قتيبة، قال ثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، عن أبي قتادة:"أنه رأى النبي عليه السلام يبول مستقبل القبلة".

ص: حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، قال: ثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثنا أبان بن صالح، عن مجاهد بن جبر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا أن نستقبل القبلة ونستدبرها بفروجنا للبول، ثم رأيته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة".

ش: إسناده صحيح، ورجاله ثقات.

وأخرجه أبو داود (3) قال: ثنا محمَّد بن بشار، قال: ثنا وهب بن جرير قال: ثنا

(1)"سنن الدارقطني"(1/ 60 رقم 7).

(2)

"جامع الترمذي"(1/ 15 رقم 10).

(3)

"سنن أبي داود"(1/ 4 رقم 13).

ص: 205

أبي، قال: سمعت محمَّد بن إسحاق يحدث، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن جابر بن عبد الله قال:"نهى النبي عليه السلام أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها".

وأخرجه الترمذي (1): عن محمَّد بن بشار نحوه، وقال: حديث حسن غريب. وأخرجه ابن ماجه (2) أيضا.

ص: فكانت هذه الآثار حجة لأهل هذه المقالة على أهل المقالة الأولى وموجبة الحجة عليهم؛ لأن في هذه الآثار تأخرت الإباحة عن النهي على ما ذكرنا في حديث جابر فهي ناسخة للآثار التي ذكرناها في أول هذا الباب.

ش: أراد بهذه الآثار: أحاديث عبد الله بن عمر وعائشة وأبي قتادة وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم، وهذه حجة لأهل المقالة الثانية فيما ذهبوا إليه من عدم كراهة استقبال القبلة للغائط والبول في جميع الأماكن على أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه من كراهة ذلك في جميع الأماكن وذلك لأن أحاديث هؤلاء تخبر بأن الإباحة قد تأخرت عن النهي عن ذلك، فإذا كان كذلك تصير أحاديث هؤلاء ناسخة للأحاديث التي احتجت بها أهل المقالة الأولى، وهي أحاديث أبي أيوب الأنصاري ورجل من الأنصار وعبد الله بن الحارث بن جزء وسلمان وأبي هريرة ومعقل بن أبي معقل رضي الله عنهم.

ص: وقد خالف قوم القولين جميعًا؛ فقالوا: بل نقول: إن هذه الآثار كلها لا ينسخ شيء منها شيئًا؛ وذلك أن عبد الله بن الحارث أخبر في حديثه أنه أول من سمع النبي عليه السلام ينهى عن ذلك قال: "وأنا أول من حدث الناس بذلك" فقد يجوز أن يكون ذلك النهي لم يقع على البول والغائط في جميع الأماكن ووقع على خاصٍّ منها وهي الصحاري، ثم جاء أبو أيوب فكانت حكايته عن النبي عليه السلام هي النهي

(1)"جامع الترمذي"(1/ 15 رقم 9).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 117 رقم 325).

ص: 206

خاصة، فذلك يحتمل ما احتمله حديث ابن جزء على ما فسرناه، وكراهة الاستقبال في الكراييس المذكور فيه، فهو عن رأيه، ولم يحكه عن النبي عليه السلام.

فقد يجوز أن يكون سمع من النبي عليه السلام ما سمع، فعلم أن النبي عليه السلام أراد به الصحاري، ثم حكم هو للبيوت برأيه بمثل ذلك.

ويجوز أن يكون النبي عليه السلام أراد البيوت والصحاري إلا أنه ليس في ذلك دليل عن النبي عليه السلام يبين لنا أنه أراد أحد المعنيين دون الآخر، وحديث عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان وحديث معقل بن أبي معقل وحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فما منها عن النبي عليه السلام فمثل ذلك أيضًا.

ثم عدنا إلى ما رويناه في الإباحة، فهذا ابن عمر يقول:"رأيت النبي عليه السلام على ظهر بيت مستقبل القبلة" فاحتمل أن يكون ذلك على الإباحة لذلك في البيوت خاصة، فكان أراد به فيما روي عنه في النهي على الصحاري خاصة، فأولى بنا أن نجعل هذا الحديث زائد على الأحاديث الأُول غير مخالف لها، فيكون هذا على البيوت، وتلك الأحاديث الأُول على الصحاري، وهذا قول مالك بن أنس.

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أنه سمع مالكًا يقول ذلك.

ثم رجعنا إلى حديث أبي قتادة ففيه أنه رأى النبي عليه السلام يبول مستقبل القبلة، فقد يكون رآه حيث رآه ابن عمر فيكون -يعني حديثه، وحديث ابن عمر- سواء، أو يكون رآه في صحراء، فيخالف حديث ابن عمر، وينسخ الأحاديث الأُول فهو عندنا غير ناسخ لها، حتى نعلم يقينا أنه قد نسخها.

وأما حديث جابر ففيه النهي عن رسول الله عليه السلام عن استقبال القبلة واستدبارها لغائط أو بول، ولم يبين مكانا، فيحتمل أن يكون ذلك أيضًا على ما فسرنا وبَيَّنَّا من حديث أبي أيوب رضي الله عنه فلا حجة فيها أيضًا توجب مضادة حديث ابن عمر وأبي قتادة.

ص: 207

قال جابر في حديثه: "ثم رأيت رسول الله عليه السلام يبول مستقبل القبلة" فقد يحتمل أن يكون ذلك البول كان في المكان الذي لم يكن نهي رسول الله عليه السلام الأوَّل وقع عليه.

فلم نعلم شيئًا من هذه الآثار نسخ شيئًا منها شيء، ثم عدنا إلى حديث عراك ففيه أنه ذُكر لرسول الله عليه السلام أن أناسًا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم، فقال رسول الله عليه السلام:"حولوا مقعدتي مستقبل القبلة". فقد يجوز أن يكون أنكر قولهم لأنهم كرهوا ذلك في جميع الأماكن فأمر بتحويل مقعدته نحو القبلة ليرد عليهم، وليعلم أنه لم يقع نهيه عن ذلك، وإنما وقع النهي عن استقبالها في مكان دون مكان.

ويحتمل أن يكون أراد بذلك نسخ النهي الأول في الأماكن كلها؛ لأن النهي كان وقع في الآثار الأُول على ذلك، فليس فيه دليل أيضًا على نسخ ولا على غيره.

فلما كان حكم هذه الآثار كذلك كان أولى بنا أن نصصحها كلها، فنجعل ما فيه النهي منها على الصحاري وما [فيه](1) الإباحة على البيوت حتى لا يتضاد منها شيء.

وقد حدثنا ابن أبي عمران، قال: ثنا إسحاق بن إسماعيل، قال: ثنا حاتم بن إسماعيل (ح).

وحدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، عن حاتم، عن عيسى بن أبي عيسى الخياط (ح).

وحدثنا إسماعيل، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا عيسى، عن الشعبي: أنه سأله عن اختلاف هذين الحديثين، فقال الشعبي: صدق والله، أما حديث أبي هريرة فعلى الصحاري "إن لِلَّهِ ملائكة يصلون، فلا تستقبلوهم، وإن حشوشكم هذه لا قبلة فيها".

فعلى هذا المعنى تحمل هذه الآثار حتى لا يتضاد منها شيء.

(1) في "الأصل، ك": "فيها"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

ص: 208

ش: أراد بالقوم هؤلاء: عامرا الشعبي وعبد الله بن المبارك والشافعي ومالكًا وإسحاق بن راهويه وأحمد -في رواية- فإنهم خالفوا القولين المذكورين، أعني قول أهل المقالة الأولى وقول أهل المقالة الثانية، وقالوا بكراهة استقبال القبلة في الصحراء [بالبول](1) والغائط وبعدم كراهيته في البيوت والبنيان، وروي ذلك أيضًا عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم وإليه مال الطحاوي على ما يفهم من كلامه وترتيب أقوال أصحاب هذه المقالات.

قوله: "فقالوا: بل نقول. . . ." إلى آخره الباب كله ظاهر، وملخصه أن هذه الأحاديث التي رويت في هذا الباب في الفصلين المذكورين كلها محكمة، وليس فيها ناسخ ولا منسوخ.

وأما حكمها أن نجعل ما فيه النهي منها محمولا على الصحاري، وما فيه الإباحة منها على البيوت والبنيان، وبهذا تتوافق الآثار ويرتفع الخلاف، والدليل على صحة ما ذكرنا قول عامر الشعبي:"أما حديث أبي هريرة فعلى الصحاري. . . ." إلى آخره وإلى هذا ذهب مالك بن أنس في التوفيق بين الأحاديث المذكورة.

وقال أبو عمر (2): الصحيح عندنا الذي ذهب إليه مالك وأصحابه والشافعي؛ لأن في ذلك استعمال السنن على وجوهها الممكنة فيها دون رد شيء ثابت منها.

وقال أبو عمر أيضًا (3): أما ما روي عن ابن عمر فنحمله عندنا على أن ذلك في البيوت، وقد بان ذلك برواية مروان بن الأصفر وغيره عن ابن عمر.

وأما حديث جابر فليس بصحيح فيعرج عليه؛ لأن أبان بن صالح الذي يرويه ضعيف، وقد رواه ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، عن أبي قتادة، عن النبي عليه السلام على خلاف رواية أبان بن صالح، عن مجاهد، عن جابر، وهو

(1) في "الأصل، ك": "كالبول".

(2)

"التمهيد"(1/ 312).

(3)

"التمهيد"(1/ 311).

ص: 209

حديث لا يحتج بمثله، وأما حديث عائشة فقد رفعه قوم، ولو صح لم يكن فيه خلاف لما ذهبنا إليه، لأن المقعدة لا تكون إلا في البيوت، وليس بذلك بأس عندنا في كنف البيوت، إنما وقع نهيه -والله أعلم- على الصحاري والفيافي والفضاء، وعليه خُرِّجَ حديثه عليه السلام لأنه كان متبرز القوم.

ألا ترى إلى ما في حديث الإفك في قول عائشة رضي الله عنها: وكانت بيوتنا لا مراحيض لها، وإنما أمرنا أمر العرب الأُول" تعني البعد في البراز.

وقال أيضًا: ورد أحمد بن حنبل حديث جابر وحديث عائشة الواردين عن النبي عليه السلام بالرخصة في هذا الباب، وضعف حديث جابر، وتكلم في حديث عائشة بأنه انفرد به خالد بن أبي الصلت، عن عراك بن مالك، عن عائشة رضي الله عنها.

قوله: "يبين لنا" جملة في محل الرفع على أنها صفة لقوله "دليل" في قوله: "إلا أنه ليس في ذلك دليل".

قوله: "وحديث عبد الرحمن بن يزيد" كلام إضافي مبتدأ، وقوله:"وحديث معقل" عطف عليه وكذلك قوله: "وحديث أبي هريرة"، وقوله:"فما منها" في محل الرفع مبتدأ فإن، وخبره قوله:"فمثل ذلك" والجملة خبر المبتدأ الأول، واسم الإشارة هاهنا أغنى عن العائد.

قوله: "فإذا ابن عمر" كلمة "إذا""هاهنا" للمفاجأة، كما في قولك: خرجت فإذا السبع.

قوله: "وقد حدثنا ابن أبي عمران. . . ." إلى آخره ذكره شاهدًا لصحة قوله: "فنجعل ما فيه النهي منها على الصحاري. . . ." إلى آخره.

ثم إنه أخرج هذا عن عامر الشعبي من ثلاث طرق:

الأول: عن أحمد بن أبي عمران موسى الفقيه البغدادي، عن إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، نزيل بغداد وشيخ أبي داود، عن حاتم بن إسماعيل المدني، عن عيسى بن أبي عيسى الحناط -بالحاء المهملة والنون- ويقال له: الخباط -بالخاء

ص: 210

المعجمة والباء الموحدة- ويقال له: الخياط -بالخاء المعجمة والياء آخر الحروف- قال ابن سعد: كان يقول: أنا حناط وخباط، وخياط كُلًّا قد عالجت. فيه مقال فعن أحمد: ليس بشيء ضعيف. قال النسائي والدارقطني: متروك الحديث. وهو يروي عن عامر الشعبي.

الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن حاتم بن إسماعيل، عن عيسى بن أبي عيسى، عن الشعبي.

الثالث: عن إسماعيل بن إسحاق بن سهل الكوفي نزيل مصر الملقب بِتَرُنجة، عن عبد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي شيخ البخاري، عن عيسى بن أبي عيسى، عن الشعبي.

وأخرج أبو عمر (1) نحوه.

قوله: "سأله عن اختلاف هذين الحديثين" يعني حديث أبي هريرة، وحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال الشعبي لما سئل عنهما: صدق أبو هريرة وصدق ابن عمر، أما قول أبي هريرة فذلك في الصحاري، وأما قول ابن عمر فذلك في الكنف التي في البيوت ليس فيها قبلة استقبل حيث شئت.

قوله: "وإن حشوشكم" جمع حَشَّ -بالحاء المهملة والشين المعجمة المشددة- وهو في الأصل البستان، ولكن أريد بالحشوش الكنف ومواضع قضاء الحاجة، وذلك لأنهم كانوا كثيرًا ما يتغوطون في البساتين. والله أعلم.

(1)"التمهيد"(1/ 308).

ص: 211