المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: الرجل يقول: أستغفر الله وأتوب إليه - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٣

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: باب من أوجب أضحية في أيام العشر أو عزم على أن يضحي هل له أن يقص شعره أو أظفاره

- ‌ص: باب الذبح بالسن أو الظفر

- ‌ص: باب أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام

- ‌ص: باب أكل الضبع

- ‌ص: باب صيد المدينة

- ‌ص: باب أكل الضباب

- ‌ص: باب أكل لحوم الحمر الأهلية

- ‌ص: باب أكل لحم الفرس

- ‌ص: كتاب الكراهة

- ‌ص: باب حلق الشارب

- ‌ص: باب استقبال القبلة بالفروج للغائط والبول

- ‌ص: باب أكل الثوم والبصل والكراث

- ‌ص: باب الرجل يمر بالحائط أله أن يأكل منه أم لا

- ‌ص: باب: لبس الحرير

- ‌ص: باب: الثوب يكون فيه علم الحرير أو يكون فيه من الحرير

- ‌ص: باب الرجل يتحرك سِنُّه هل يَشُدُّها بالذهب أم لا

- ‌ص: باب: التختم بالذهب

- ‌ص: باب نقش الخواتيم

- ‌ص: باب لبس الخاتم لغير ذي سلطان

- ‌ص: باب البول قائمًا

- ‌ص: باب القَسَم

- ‌ص: باب الشرب قائمًا

- ‌ص: باب: وضع إحدي الرجلين على الأخري

- ‌ص: باب: الرجل يتطرق في المسجد بالسهام

- ‌ص: باب: المعانقة

- ‌ص: باب: الصور تكون في الثياب

- ‌ص: باب: الرجل يقول: أستغفر الله وأتوب إليه

- ‌ص: باب: البكاء علي الميت

الفصل: ‌ص: باب: الرجل يقول: أستغفر الله وأتوب إليه

‌ص: باب: الرجل يقول: أستغفر الله وأتوب إليه

ش: أي هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يقول: أستغفر الله وأتوب إليه، هل يقول كذا، أو يقول: أستغفر الله وأسأله التوبة؟

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: سمعت أبا جعفر بن أبي عمران يكره أن يقول الرجل: أستغفر الله وأتوب إليه، ولكنه يقول: أستغفر الله وأسأله التوبة، وقال: رأيت أصحابنا يكرهون ذلك يقولون: التوبة من الذنب هي تركه وترك العود عليه. وذلك غير موهوم من أحد، فإذا قال: أتوب إليه، فقد وعد الله أن لا يعود إلي ذلك الذنب، فإذا عاد إليه بعد ذلك كان كمن وعد الله ثم أخلفه، ولكن أحسن ذلك أن يقول: أسأل الله التوبة، أي أسأل الله أن ينزعني عن هذا الذنب ولا يعيدني إليه أبدًا.

وقد روي في ذلك أيضًا عن الربيع بن خثيم:

حدثني موسى بن المبارك، قال: ثنا أحمد بن محمَّد بن يحيي بن سعيد القطان قال: ثنا حسين بن علي الجعفي، عن زائدة، عن ليث، عن منذر الثوري، عن الربيع بن خثيم، قال:"لا يقل أحدكم: أستغفر الله وأتوب إليه، ثم يعود فتكون كذبة وتكون ذنبًا ، ولكن ليقل: اللهم اغفر لي وتب علي".

ش: اختلف العلماء في قول الرجل: أستغفر الله وأتوب إليه هل ينبغي أن يقال هكذا أم يكره ذلك؟ فحكى الطحاوي عن شيخه أبي جعفر أحمد بن أبي عمران موسى الفقيه البغدادي الإمام الكبير الحجة، عن أصحابه الحنفية أنهم يكرهون ذلك ويقولون: التوبة من الذنب هي تركه قال: وقد روي في ذلك أيضًا. أي فيما قلنا من كراهة القول المذكور عن الربيع بن خثيم بن عائذ الثوري الكوفي، أحد التابعين الكبار الثقات.

ص: 481

أخرجه عن موسى بن المبارك شيخ أبي حاتم الرازي، عن أحمد بن محمَّد بن يحيي بن سعيد القطان البصري نزيل بغداد وشيخ ابن ماجه، عن حسين بن علي بن الوليد الجعفي الكوفي المقرئ، عن زائدة بن قدامة، عن ليث بن أبي سليم الكوفي، عن منذر بن يعلى الثوري، عن الربيع بن خثيم.

ص: وكان من الحجة لهم في ذلك: ما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو عمر الحوضي، قال: ثنا خالد بن عبد الله الواسطي، عن إبراهيم الهجري، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التوبة من الذنب أن يتوب الرجل من الذنب ثم لا يعود إليه" فهذه صفة التوبة.

ش: أي وكان من الدليل والبرهان للقائلين المذكورين فيما قالوه: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي عمر حفص بن عمر الحوضي البصري شيخ البخاري وأبو داود، عن خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن الواسطي، عن إبراهيم بن مسلم الهجري، ضعفه يحيي والنسائي، قال ابن أبي عدي: إنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبي الأحوص، عن عبد الله، وعامتها مستقيمة.

وأبو الأحوص اسمه عوف بن مالك الكوفي.

والحديث أخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا علي بن عاصم أنا الهجري عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: قال رسول الله عليه السلام: "التوبة من الذنب أن يتوب منه ثم لا يعود فيه".

قوله: "فهذه صفة التوبة" أي التوبة المقبولة وهي أن يتوب الرجل من الذنب ولا يرجع إليه بعد ذلك أبدًا ، ولا يحتاج إلى توبة أخرى عن توبته تلك، وقد قال بعض أهل التحقيق: إن توبتنا هذه تحتاج إلي توبة أخرى؛ لأنها توبة الكذابين.

(1)"مسند أحمد"(1/ 446 رقم 4264).

ص: 482

ص: وهذا غير مأمون علي أحد غير رسول الله عليه السلام، فإنه معصوم ولذلك كان يقول ما قد روي عنه مما قد حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا خطاب بن عثمان وحيوة بن شريح، قالا: ثنا بقية بن الوليد، عن الزبيدي، عن الزهري، عن عبد الملك بن أبي بكر بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة، أنه كان يقول: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "إني لأتوب في اليوم مائة مرة، وقال أناس: إنما قال: سبعين مرة".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو أيوب بن سليمان بن بلال، قال: حدثني أبو بكر بن أبي أويس، عن سليمان، عن محمَّد بن عبد الله بن أبي عتيق وموسى بن عقبة، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".

حدثنا يونس، قال: ثنا سلامة بن روح، قال: قال عقيل: ثنا الزهري، أنَّ أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أخبره، أن أبا هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام. . . . ثم ذكر مثله.

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أنا محمَّد بن جعفر، قال: أخبرني موسى بن عقبة، عن أبي إسحاق، حدثه عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، أن رسول الله عليه السلام قال:" [إني] (1) لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة".

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا مروان بن معاوية، قال: أنا زيد بن المنذر، قال: أنا بردة بن أبي موسى، قال: ثنا الأغر المزني قال: "خرج إلينا رسول الله عليه السلام رافعًا يده وهو يقول: يا أيها الناس استغفروا ربكم ثم تويوا إليه؛ فوالله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة".

(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

ص: 483

قالوا: فهذا كان رسول الله عليه السلام يقوله لأنه معصوم من الذنب، وأما غيره فلا ينبغي أن يقول ذلك؛ لأنه غير معصوم من العود فيما تاب منه.

ش: أشار به إلى القول: "استغفر الله وأتوب إليه"، وهذا في الحقيقة جواب عن سؤال مقدر، تقديره أن يقال: كيف كرهتم قول الرجل: "أستغفر الله وأتوب إليه" وقد روي هذا عن النبي عليه السلام أنه كان يقول: "إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة"؟.

وتقرير الجواب أن غير النبي عليه السلام غير مأمون؛ لأنه غير معصوم فيتوهم منه خلف الوعد، والنبي عليه السلام مأمون عن ذلك؛ لأنه معصوم، وهو معنى قوله:"قالوا: فهذا كان رسول الله عليه السلام يقوله" أي قال هؤلاء القوم المذكورون هذا الذي ذكرناه من قول الرجل أستغفر الله وأتوب إليه كان النبي عليه السلام يقوله؛ لأنه معصوم من الذنوب، وأما غيره فلا ينبغي أن يقول ذلك؛ لأنه غير معصوم من العود، أي الرجوع إلى الذنب الذي تاب منه.

فإن قيل: فما فائدة قول النبي عليه السلام بذلك وهو لا ذنب له، فلا يحتاج إلى التوبة؟

قلت: إظهار الشكر لله تعالى علي هذه النعمة التي اختصت به إذ إرشاد الأمة وتعليمه إياهم ما يقولون عند ارتكابهم الذنوب.

ثم إنه أخرجه الحديث المذكور عن أبي هريرة وأبي موسى الأشعري والأغر بن يسار رضي الله عنهم.

أما عن أبي هريرة فأخرجه من أربع طرق:

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن خطاب بن عثمان الطائي الفوزي الحمصي شيخ البخاري، وحيوة بن شريح بن يزيد الحضرمي الحمصي شيخ البخاري أيضًا، وأبي داود، كلاهما، عن بقية بن الوليد الكلاعي الحمصي، عن محمَّد بن الوليد الحمصي الزبيدي، عن محمَّد بن مسلم الزهري، عن عبد الملك ابن أبي بكر بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي المدني، عن أبي هريرة.

ص: 484

وسماع عبد الملك المذكور عن أبي هريرة فيه خلاف.

وأخرجه النسائي في "اليوم والليلة"(1): عن هشام بن عبد الملك، عن بقية، عن الزبيدي، عن الزهري، عن عبد الملك بن أبي بكر، به.

الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود أيضًا، عن أيوب بن سليمان بن بلال القرشي المدني شيخ البخاري، عن أبي بكر بن أبي أويس، وهو عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن أويس المدني الأعشي، عن سليمان بن بلال القرشي المدني، عن محمَّد بن عبد الله بن أبي عتيق محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وعن موسى بن عقبة، كلاهما عن محمد بن مسلم الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي المدني، أحد الفقهاء السبعة، عن أبي هريرة.

وهذا إسناد صحيح.

وأخرجه النسائى في "اليوم والليلة"(2): عن إسماعيل الترمذي، عن أيوب بن سليمان، عن أبي بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن محمَّد بن عبد الله بن عتيق وموسى بن عقبة، عن ابن شهاب، عن أبي بكر نحوه.

الثالث: عن يونس بن عبد الأعلي المصري، عن سلامة بن روح بن خالد الأيلي -فيه خلاف- عن عمه عقيل -بضم العين- بين خالد الأيلي، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

الرابع: عن يونس أيضًا، عن عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن محمَّد بن مسلم الزهري، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف المدني، عن أبي هريرة.

وهذا إسناد صحيح.

(1)"عمل اليوم والليلة"(1/ 324 رقم 439).

(2)

"عمل اليوم الليلة"(1/ 324 رقم 437).

ص: 485

وأخرجه البخاري (1) في "الدعوات": عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله عليه السلام: "إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة".

وأما عن أبي موسى الأشعري عبد اللهَ بن قيس: فأخرجه عن حسين بن نصر بن المعارك، عن سعيد بن الحكم -المعروف بابن أبي مريم المصري- شيخ البخاري، عن محمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري المدني، عن موسى بن عقبة، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن أبي بردة عامر بن أبي موسي عبد الله بن قيس الأشعري.

وهذا إسناد صحيح.

وأخرجه النسائي في "اليوم والليلة"(2): عن محمَّد بن داود بن أبي ناجية الإسكندراني، عن زياد بن يونس، عن محمَّد بن جعفر، عن موسى بن عقبة، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة. . . . إلى آخره نحوه.

وقال ابن عساكر في "الأطراف": المحفوظ حديث أبي بردة، عن الأغر المزني رضي الله عنه.

وأما عن الأغر: فأخرجه عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، عن أسد بن موسى، عن مروان بن معاوية بن الحارث الكوفي، عن زياد بن المنذر الهمداني الأعمى الثقفي -فيه كلام كثير، حتي قال يحيي بن معين: هو كذاب عدو الله ليس يسوي فلسًا- وهو يروي عن أبي بردة عامر بن أبي موسى الأشعري، عن الأغر بن يسار الجهني الصحابي رضي الله عنه.

وأخرجه أبو داود (3): عن سليمان بن حرب ومسدد، عن حماد بن زيد، عن

(1)"صحيح البخاري"(5/ 2324 رقم 5948).

(2)

"عمل اليوم والليلة"(1/ 325 رقم 440).

(3)

"سنن أبي داود"(2/ 84 رقم 1515).

ص: 486

ثابت، عن أبي بردة، عن الأغر، عن النبي عليه السلام أنه قال:"إنه ليغان علي قلبي، وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة".

وأخرجه النسائي في "اليوم الليلة"(1): عن أحمد بن سليمان، عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي بردة، عن الأغر -أغر مزينة- به.

وعن أحمد بن سليمان، عن جعفر بن عون، عن مسعر.

وعن ابن مثنى، عن ابن مهدي، عن شعبة جميعًا، عن عمرو بن مرة، عن أبي بردة، عن الأغر، نحوه.

وعن بشر بن هلال، عن جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أبي بردة، عن رجل من الصحابة، عن النبي عليه السلام نحوه، ولم يسمه.

وعن محمد بن عبد الأعلي، عن معتمر، عن سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، حدثني أبو بردة قال:"جلست إلى رجل من المهاجرين يعجبني تواضعه فسمعته يقول. . . ." فذكر نحوه، ولم يسمه.

وقال ابن عساكر: روي عن أبي إسحاق وسعيد بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبيه. ورواه غندر عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي بردة، عن الأغر، عن ابن عمر رضي الله عنهم.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فلم يروا بأسًا أن يقول الرجل: "أتوب إلى الله عز وجل.

ش: أي خالف أبا جعفر أحمد بن أبي عمران وأصحابه الحنفية والربيع بن خثيم فيما ذهبوا إليه جماعة آخرون، وأراد بهم: الجماهير من الحنفية والشافعية وغيرهم؛ فإنهم قالوا: لا بأس للرجل أن يقول: أتوب إلى الله عز وجل.

ص: وكان من الحجة لهم في ذلك: ما قد روي عن النبي عليه السلام حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا حجاج بن محمَّد، عن ابن جريج قال: أخبرني موسى بن عقبة،

(1)"عمل اليوم الليلة"(1/ 325، 326 رقم 442 - 443 - 444 - 445).

ص: 487

عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام أنه قال:"من جلس مجلسًا كثر فيه لغطه، ثم قال قبل أن يقوم: سبحانك ربنا لا إله إلا أنت أستغفرك ثم أتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سعيد بن سليمان الواسطي، قال: ثنا عثمان بن مطر، عن ثابت، عن أنس، أن النبي عليه السلام قال:"كفارة المجلس: سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك".

حدثنا محمَّد بن خزيمة وفهد بن سليمان، قالا: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني ابن الهاد، عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، قال: بلغني أن رسول الله عليه السلام قال: "ما من إنسان يكون في مجلس فيقول حين يريد أن يقوم: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك؛ إلا غفر له ما كان في ذلك المجلس". قال: فحدثت بهذا الحديث يزيد بن خصيفة فقال: هكذا حدثني السائب بن يزيد عن رسول الله عليه السلام.

حدثنا محمد بن خزيمة وفهد، قالا: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني ابن الهاد، عن يحيي بن سعيد، عن زرارة، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"ما كان رسول الله عليه السلام يقوم من مجلس إلا قال: سبحانك اللهم ربي وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، فقلت له: يا رسول الله، ما أكثر ما تقول هذه الكلمات إذا قمت! فقال: إنه لا يقولهن أحد حين يقوم من مجلسه إلا غفر له ما كان في ذلك المجلس".

فهذا رسول الله عليه السلام قد روي عنه ما ذكرنا، وهذا أولى القولين عندنا؛ لأن الله عز وجل قد أمر بذلك في كتابه العزيز فقال:{فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا} (1)، وقال عز وجل:{تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (2). وأمر رسول الله عليه السلام بذلك في الآثار التي ذكرنا؛ فلهذا أبحنا ذلك وخالفنا أبا جعفر فيما ذهب إليه علي ما ذكرنا في أول هذا الباب.

(1) سورة البقرة، آية:[54].

(2)

سورة التحريم، آية:[8].

ص: 488

ش: أي وكان من الدليل والبرهان لهؤلاء الآخرين فيما ذهبوا إليه: أحاديث أبي هريرة وأنس بن مالك والسائب بن يزيد وعائشة رضي الله عنهم.

أما حديث أبي هريرة فأخرجه بإسناد صحيح، عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي، عن حجاج بن محمَّد الأعور المصيصي، عن عبد الملك بن جريج، عن موسي بن عقبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه أبي صالح ذكوان الزيات، عن أبي هريرة.

وأخرجه الترمذي (1): عن أبي عبيدة بن أبي السفر، عن حجاج بن محمَّد، عن ابن جريج، عن موسي بن عقبة، عن سهيل، عن أبيه. . . إلى آخره نحوه.

وقال: حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه من حديث سهيل إلا من هذا الوجه.

وأخرجه النسائي في "اليوم والليلة"(2): عن عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق، عن حجاج، بإسناده نحوه.

قوله: "لغطه" اللغط صوت وضجة لا يفهم معناه.

ومعنى "سبحانك": أنزهك عن جميع النقائض والمعايب، وأصله من التسبيح؛ وهو التنزيه والتقديس، وانتصاب "ربنا" بحرف النداء المقدر، والسين في "استغفرك" للطلب.

وأما حديث أنس بن مالك: فأخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن سعيد بن سليمان الواسطي، عن عثمان بن مطر الشيباني البصري، فيه مقال كثير؛ فعن يحيي: كان ضعيفًا ضعيفًا. وعنه: ليس بشيء. وعن النسائي: ليس بثقة.

وهو يروي عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك.

(1)"جامع الترمذي"(5/ 494 رقم 3433).

(2)

"عمل اليوم والليلة"(1/ 308 رقم 397).

ص: 489

وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا عمر بن موسى الشامي، ثنا عثمان بن مطر، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله عليه السلام: "كفارة المجلس. . . ." إلى آخره نحوه.

وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أنس إلا من هذا الوجه، وعثمان بن مطر لين الحديث، وقد روى عنه مسلم وغيره.

أما حديث السائب بن يزيد: فأخرجه عن محمَّد بن خزيمة، وفهد بن سليمان، كلاهما عن عبد الله بن صالح شيخ البخاري، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد المدني، عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، عن يزيد بن خصيفة بن عبد الله الكندي ابن أخت السائب بن يزيد، عن السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي، له ولأبيه صحبة.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): ثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، ثنا يحيى بن بكير، حدثني الليث، عن ابن الهاد. . . . إلى آخره نحوه سواء.

وأما حديث عائشة فأخرجه بإسناد صحيح: عن محمَّد بن خزيمة وفهد بن سليمان، كلاهما عن عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن يحيي بن سعيد الأنصاري، عن زرارة بن أوفي، عن عائشة.

وأخرجه النسائي في "اليوم والليلة"(2): عن محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن شعيب، عن الليث، عن ابن الهاد، عن يحيي بن سعيد، عن زرارة، عن عائشة. . . . إلى آخره نحوه.

قوله: "وهذا أولى القولين". أراد قول أبي جعفر الفقيه ومَن تبعه، وقول الجمهور المذكورين. ثم استدل علي أوليَّة هذا القول بقوله:"لأن الله عز وجل. . . ." إلى آخره، وهو ظاهر.

(1)"المعجم الكبير"(7/ 154 رقم 6673).

(2)

"عمل اليوم والليلة"(1/ 309 رقم 398).

ص: 490

قوله: "وخالفنا أبا جعفر" وهو أحمد بن أبي عمران الفقيه، أحد مشايخه الذين أخذ عنهم الحديث والفقه.

ص: فإن قال قائل: إن الله عز وجل إنما أمرهم في كتابه أن يتوبوا، والتوية هي ترك الذنوب وترك العود إليها ، وليس يكون ذلك بقولهم: قد تبنا، وإنما ذلك بالخروج من الذنوب وترك العود إليها، وكذلك روي في قول الله عز وجل:{تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (1) فذكروا ما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا موسى بن زياد المخزومي، قال: ثنا إسرائيل، قال: ثنا سماك، عن النعمان بن بشير قال: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: "التوبة النصوح أن يجتنب الرجل السوء كان يعمله، فيتوب إلي الله عز وجل منه، ثم لا يعود إليه أبدًا".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن النعمان، عن عمر رضي الله عنه مثله.

فهذه صفة التوبة التي أمرهم الله عز وجل في كتابه العزيز. وأما قولهم: نتوب إلي الله عز وجل، فليس من هذا في شيء.

قيل له: إن ذلك إن كان كما ذكرتم، فإنا لن نبح لهم أن يقولوا: نتوب إلي الله عز وجل علي أنهم يعتقدون الرجوع إلي ما تابوا منه، ولكن أبحنا لهم أن يقولوا: نتوب إلي الله عز وجل علي أنهم يريدون به ترك ما وقعوا فيه من الذنوب ولا يريدون العود في شيء منها، فإذا قالوا ذلك واعتقدوا هذا بقلوبهم؛ كانوا في ذلك مأجورين مثابين فمن عاد منهم بعد ذلك في شيء من تلك الذنوب كان ذلك ذنبًا أصابه ولم يحبط ذلك أجوره المكتوبة له بقوله الذي تقدم منه واعتقاده معه ما اعتقد، فأما مَن قال: أتوب إلي الله عز وجل وهو معتقد أن يعود إلي ما تاب منه؛ فهو بذلك القول فاسق معاقب عليه؛ لأن كذب فيما قال: وأما إذا قال وهو معتقد لترك الذنب الذي كان وقع فيه وعازم علي أن لا يعود إليه أبدًا؛ فهو صادق في قوله: مثاب علي صدقه إن شاء الله تعالى.

(1) سورة التحريم، آية:[8].

ص: 491

ش: تقرير السؤال أن يقال: إن الله تعالى أمر عبده بالتوبة حيث قال: في كتابه الكريم: {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً} (1) غير ذلك من الآيات التي فيها الأمر بالتوبة، والتوبة ترك الذنوب وترك العود إليها ، ولا يوصف الرجل بالتوبة حتي يترك الذنب ويترك العود إليه، ولا يكون تائبًا بقوله: قد تبت. ألا تري إلى ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال: "التوبة النصوح: أن يجتنب الرجل السوء كان يعمله، فيتوب إلى الله عز وجل منه، ثم لا يعود إليه أبدًا"، [فهذه] (2) هي صفة التوبة المأمور بها في الكتاب. وأما قول التائب: أتوب إلى الله؛ فليس بشيء كما قد تقرر فيما مضي.

وأخرج ما روي عن عمر رضي الله عنه من طريقين:

الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن موسى بن زياد عن [المخدوجي](3) إسرائيل بن يونس، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري الخزرجي الصحابي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

الثاني: عن أبي بكرة أيضًا، عن وهب بن جرير بن حازم، عن شعبة بن الحجاج، عن سماك بن حرب. . . . إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(4): ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن النعمان بن بشير قال:"سئل عمر رضي الله عنه عن التوبة النصوح فقال: التوبة النصوح: أن يتوب العبد من العمل السيئ، ثم لا يعود إليه أبدا".

(1) سورة مريم، آية:[8].

(2)

في "الأصل": "فهذا".

(3)

بيض له المصنف رحمه الله، وقال في "المغاني" بعد أن نسبه بالمخزومي: لا أعرفه، وأظنه موسى بن زياد بن موسى الذي ذكره ابن حبان في الطبقة الرابعة من الثقات، وقال: يروي عن جده يحيي بن موسى، وعنه أبو قدامة عبد الله بن سعيد.

ثم قال في "المغاني" أيضًا في ترجمة المخدومي من الأنساب: ومنهم موسي بن زياد المخدومي شيخ أبي بكرة القاضي. ولم يذكره في نسبة المخزومي.

(4)

"مصنف بن أبي شيبة"(7/ 99 رقم 34491).

ص: 492

قوله: "أن يجتنب الرجل السوء" وفي بعض النسخ "الشر" وفي رواية ابن أبي شيبة "السيئ" والكل صحيح.

قوله: "كان يعمله" جملة وقعت حالًا من السوء، ويجوز أن تكون صفة علي تقدير زيادة الألف واللام في "السوء".

قوله: "قيل له" جواب عن السؤال المذكور، وهو ظاهر.

ص: وقد روي عن رسول الله عليه السلام أنه قال: "الندم توبة".

حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان، عن عبد الكريم الجزري، قال: أخبرني زياد بن أبي مريم، عن عبد الله بن معقل قال:"دخلت مع أبي علي عبد الله بن مسعود، فقال له أبي: أنت سمعت النبي عليه السلام يقول: الندم توبة؟ فقال: نعم".

حدثنا يونس قال: ثنا ابن وهب، عن مالك، عن عبد الكريم، عن رجل، عن أبيه، عن ابن مسعود رضي الله عنه مثله.

حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا عمرو بن خالد، قال: ثنا عبيد الله بن عمر، عن عبد الكريم الجزري، عن زياد بن أبي مريم -أو ابن الجراح- عن عبد الله بن معقل. . . . فذكر بإسناده مثله.

حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا الهيثم بن جميل، قال: ثنا زهير بن معاوية، عن عبد الكريم، عن زياد -وليس بابن ابن مريم- فذكر بإسناده مثله.

أنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا زهير، قال: ثنا عبد الكريم، عن عبد الله بن معقل، نحوه.

فهذا رسول الله عليه السلام قد جعل الندم توبة فدل ذلك علي أن مَن قال: أتوب إلى الله من ذنب كذا وكذا وهو نادم علي ما أصاب من ذلك الذنب؛ أنه محسن مأجور علي قوله. والله أعلم.

ش: ذكر حديث ابن مسعود هذا شاهدًا لصحة قول أهل المقالة الثانية؛ وذلك أنه عليه السلام قد جعل الندم توبة فدل ذلك علي أن مَن قال: أتوب إلى الله، والحال أنه

ص: 493

نادم علي ما اقترف من تلك الذنوب التي أصابها، أنه محسن علي قوله ذلك مأجور ومثاب.

وأخرج حديث ابن مسعود من خمس طرق:

الأول: بإسناد صحيح، عن يونس بن عبد الأعلي، عن سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن زياد بن أبي مريم الجزري، عن عبد الله بن معقل -بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف- قال:"دخلت مع أبي" وهو مَعْقِل بن مقرن المزني الصحابي.

وأخرجه ابن ماجه (1): عن هشام بن عمار، عن سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم. . . . إلى آخره نحوه.

الثاني: عن يونس أيضًا، عن عبد الله بن وهب، عن مالك بن أنس، عن عبد الكريم الجزري، عن رجل، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود. وفيه مجهولان ولكنهما بُيِّنا في بقية الطرق أنهما: عبد الله بن معقل وأبوه معقل بن مقرن.

الثالث: عن حسين بن نصر، عن عمرو بن خالد الحراني شيخ البخاري، عن عبيد الله بن عمر بن أبي الوليد الرقي، عن عبد الكريم الجزري، عن زياد بن أبي مريم أو ابن الجراح، أي: أو زياد بن الجراح، والجراح هو اسم أبي مريم، وزياد هذا يقال له: ابن أبي مريم، ويقال له: ابن الجراح، وقال العجلي: زياد بن أبي مريم جزري تابعي ثقة. ووثقه ابن حبان أيضًا وقال: اسم أبي مريم: الجراح.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا معمر بن سليمان الرقي، ثنا خصيف، عن زياد بن أبي مريم، عن عبد الله بن معقل قال كان أبي عند ابن مسعود، فسمعته يقول: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "الندم توبة".

(1)"سنن ابن ماجه"(2/ 1420 رقم 4252).

(2)

"مسند أحمد"(1/ 423 رقم 4014).

ص: 494

الرابع: عن حسين بن نصر أيضًا، عن الهيثم بن جميل الحافظ البغدادي نزيل أنطاكية وشيخ أحمد، عن زهير بن معاوية، عن عبد الكريم. . . . إلى آخره.

وهذا إسناد صحيح.

وأخرجه البزار في "مسنده"(1): عن أحمد بن عبدة، عن سفيان، عن عبد الكريم. . . . إلى آخره نحوه.

الخامس: أيضًا صحيح، عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن عبد الرحمن بن زياد الثقفي الرصافي، عن زهير بن معاوية. . . إلى آخره.

وأخرجه الطبراني (2) نحوه.

وقد أخرج البزار (3) هذا الحديث من طريق آخر: ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي عليه السلام قال:"الندم توبة".

وهذا الحديث لم نسمعه إلا من عبد الواحد، عن أبي عوانة.

قلت: الأعمش لم يدرك عبد الله بن مسعود. والله أعلم.

(1)"مسند البزار"(5/ 310 رقم 1926).

(2)

"المعجم الأوسط"(6/ 83 رقم 5864)، (7/ 44 رقم 6799)، "المعجم الصغير"(1/ 66 رقم 80).

(3)

"مسند البزار"(5/ 312 رقم 1927).

ص: 495