المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب البول قائما - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٣

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: باب من أوجب أضحية في أيام العشر أو عزم على أن يضحي هل له أن يقص شعره أو أظفاره

- ‌ص: باب الذبح بالسن أو الظفر

- ‌ص: باب أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام

- ‌ص: باب أكل الضبع

- ‌ص: باب صيد المدينة

- ‌ص: باب أكل الضباب

- ‌ص: باب أكل لحوم الحمر الأهلية

- ‌ص: باب أكل لحم الفرس

- ‌ص: كتاب الكراهة

- ‌ص: باب حلق الشارب

- ‌ص: باب استقبال القبلة بالفروج للغائط والبول

- ‌ص: باب أكل الثوم والبصل والكراث

- ‌ص: باب الرجل يمر بالحائط أله أن يأكل منه أم لا

- ‌ص: باب: لبس الحرير

- ‌ص: باب: الثوب يكون فيه علم الحرير أو يكون فيه من الحرير

- ‌ص: باب الرجل يتحرك سِنُّه هل يَشُدُّها بالذهب أم لا

- ‌ص: باب: التختم بالذهب

- ‌ص: باب نقش الخواتيم

- ‌ص: باب لبس الخاتم لغير ذي سلطان

- ‌ص: باب البول قائمًا

- ‌ص: باب القَسَم

- ‌ص: باب الشرب قائمًا

- ‌ص: باب: وضع إحدي الرجلين على الأخري

- ‌ص: باب: الرجل يتطرق في المسجد بالسهام

- ‌ص: باب: المعانقة

- ‌ص: باب: الصور تكون في الثياب

- ‌ص: باب: الرجل يقول: أستغفر الله وأتوب إليه

- ‌ص: باب: البكاء علي الميت

الفصل: ‌ص: باب البول قائما

‌ص: باب البول قائمًا

ش: أي هذا باب في بيان حكم البول قائمًا، هل يكره أم لا؟

ص: حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر. (ح).

وحدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قالا: ثنا سفيان، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"ما بال رسول الله قائمًا منذ أنزل عليه القرآن".

ش: إسناده صحيح، أخرجه من طريقين:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق البصري، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، عن سفيان الثوري، عن المقدام بن شريح روى له الجماعة، عن أبيه شريح بن هانئ بن يزيد الحارثي الكوفي روى له الجماعة؛ البخاري في غير الصحيح.

وأخرجه الترمذي (1): ثنا علي بن حُجْر، قال: ثنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة قالت:"من حدثكم أن النبي عليه السلام كان يبول قائمًا فلا تصدقوه، وما كان يبول إلا قاعدًا".

قال أبو عيسى: حديث عائشة أحسن شيء في هذا الباب وأصح.

الثاني: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن سفيان الثوري. . . . إلى آخره.

وأخرجه النسائي (2)، وأحمد (3).

وقال الترمذي: وفي الباب عن عمر وبريدة وعبد الرحمن بن حسنة.

(1)"جامع الترمذي"(1/ 17 رقم 12).

(2)

"المجتبى"(1/ 26 رقم 29).

(3)

"مسند أحمد"(6/ 213 رقم 25828).

ص: 378

وحديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق، عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنه قال:"رآني النبي عليه السلام، وأنا أبول قائمًا، فقال: يا عمر لا تَبُل قائمًا، فما بُلت قائمًا بعد".

وإنما يرفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارف، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أيوب السختياني وتكلم فيه.

وروى عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال عمر رضي الله عنه: "ما بُلْت قائمًا منذ أسلمت".

وهذا أصح من حديث عبد الكريم، وحديث بريدة في هذا غير محفوظ، ومعنى النهي عن البول قائمًا على التأديب لا على التحريم.

وقد روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: "إن من الجفاء أن تبول وأنت قائم".

قلت: وقد روي في النهي عن البول قائمًا أحاديث لا تثبت، ولكن حديث عائشة المذكور ثابت، فلهذا قالت العلماء: يكره البول قائمًا إلا لعذر، وهي كراهة تنزيه لا تحريم.

ص: فكره قوم البول قائمًا، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: الشعبي والنخعي والحسن البصري وإبراهيم بن سعد ومجاهدًا؛ فإنهم كرهوا البول قائمًا، وروي ذلك عن ابن مسعود.

فقال ابن أبي شيبة (1): ثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم عن المسيب بن رافع، قال: قال عبد الله: "من الجفاء أن تبول قائمًا".

ثنا وكيع (2) عن حريث، عن الشعبي قال:"من الجفاء أن تبول قائمًا".

وقال عياض: اختلف السلف في ذلك، فأجاز ذلك جماعة منهم، وكرهه آخرون، وَرَدَّ سعد بن إبراهيم شهادة من فعل ذلك.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 116 رقم 1326).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 116 رقم 1328).

ص: 379

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فلم يروا به بأسًا.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: محمَّد بن سيرين، وعروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، والحكم بن عتيبة، والأعمش، فإنهم قالوا: لا بأس بالبول قائمًا، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وعبد الله ابن عمر، وسهل بن سعد، وأبي هريرة، وأنس بن مالك، وعلي بن أبي طالب، وسعد بن عبادة رضي الله عنهم.

وقال ابن المنذر: وهاهنا قول ثالث: وهو أنه إن كان في مكان يتطاير إليه من البول شيء فهو مكروه وإن كان لا يتطاير فلا بأس، وهو قول مالك.

وقال ابن المنذر: البول جالسًا أحب إليّ، وقائمًا مباح، وكل ذلك ثابت عن النبي عليه السلام.

ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن حذيفة قال:"رأيت النبي عليه السلام بال وهو قائم على سباطة، ثم أتى بوضوء، فتوضأ ومسح على خفيه".

حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق، قالا: ثنا سعيد بن عامر، قال: ثنا شعبة، عن سيلمان الأعمش. . . .، فذكر بإسناده مثله.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا أبو عوانة، عن سليمان. . . .، فذكر بإسناده مثله.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان الثوري، قال: ثنا منصور، عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي عليه السلام مثله.

ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث حذيفة.

وأخرجه من أربع طرق صحاح:

الأول: رجاله كلهم رجال الصحيح: عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن سليمان الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن حذيفة رضي الله عنه.

ص: 380

وأخرجه البخاري (1): ثنا آدم، قال: ثنا شعبة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، قال:"أتى النبي عليه السلام سباطة قوم فبال قائمًا، ثم دعا بماء، فجئته بماء فتوضأ".

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي وإبراهيم بن مرزوق، كلاهما عن سعيد بن عامر الضبعي، عن شعبة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة.

وأخرجه أبو داود (2): ثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم، قالا: ثنا شعبة، قال: وثنا مسدد، قال: ثنا أبو عوانة -وهذا لفظ حفص- عن سليمان، عن أبي وائل، عن حذيفة، قال:"أتى رسول الله عليه السلام سباطة قوم فبال قائمًا، ثم دعا بماء فمسح على خفيه -قال مسدد-: فذهبت أتباعد، فدعاني حتى كنت عند عقبه".

الثالث: عن أبي بكرة أيضًا، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري، عن سليمان الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة.

وأخرجه مسلم (3): ثنا يحيى بن يحيى التميمي، قال: ثنا أبو خيثمة، عن الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة قال:"كنت مع النبي عليه السلام فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائمًا، فتنحيت، فقال: ادنه، فدنوت حتى قمت عقيبه، فتوضأ ومسح على خفيه".

الرابع: عن أبي بكرة أيضًا، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي، عن سفيان الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن أبي وائل شقيق، عن حذيفة.

وأخرجه النسائي (4): أنا سليمان بن عبيد الله، قال: ثنا بهز، قال: ثنا شعبة، عن سليمان ومنصور، عن أبي وائل، عن حذيفة: "أن النبي عليه السلام مشى إلى سباطة قوم

(1)"صحيح البخاري"(1/ 90 رقم 222).

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 6 رقم 23).

(3)

"صحيح مسلم"(1/ 228 رقم 273).

(4)

"المجتبى"(1/ 25 رقم 28).

ص: 381

فبال قائمًا"، وقال سليمان في حديثه: "ومسح على خفيه"، ولم يذكر [منصور](1) المسح.

وأخرجه الترمذي أيضًا (2): حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة:"أن النبي عليه السلام أتى سباطة قوم فبال عليها قائمًا، فأتيته بوضوء، فذهبت لأتأخر عنه، فدعاني حتى كنت عند عقبيه، فتوضأ ومسح على خفيه".

وأخرجه ابن ماجه أيضًا (3): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا شريك وهشيم ووكيع، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة:"أن رسول الله عليه السلام أتى سباطة قوم فبال عليها قائمًا".

قوله: "سُبَاطة قوم" بضم السين وتخفيف الباء الموحدة، وهي ملقى الزبالة والتراب ونحوها، وتكون بفناء الدار مرفقًا لأهلها.

وقال الخطابي: ويكون في الأغلب سلهًا دمثا لا يحد فيه البول، ولا يرتد على البائل، ويقال: السباطة الكناسة نفسها، وإضافتها إلى القوم إضافة تخصيص لا ملك، لأنها كانت مواتًا مباحة.

قوله: "ثم أتي بوَضوء" بفتح الواو، وهو الماء الذي يتوضأ به.

ثم ذكروا في بوله عليه السلام قائمًا وجوها:

الأول: ما روي عن الشافعي: أن العرب كانوا يستشفون لوجع الصلب بالبول قائمًا، قال: فنرى أنه عليه السلام كان به وجع الصلب إذ ذاك.

والثاني: ما رواه البيهقي برواية ضعيفة: أنه عليه السلام بال قائمًا لعلة بِمَأْبص، والمأبص: بهمزة ساكنة بعد الميم ثم جاء موحدة، وهو باطن الركبة.

(1) في "الأصل، ك": "المنصور"، والمثبت من "المجتبى".

(2)

"جامع الترمذي"(1/ 19 رقم 13).

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 111 رقم 305).

ص: 382

الثالث: أنه عليه السلام لم يجد مكانًا للقعود، فاضطر إلى القيام، لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان عاليًا مرتفعًا.

الرابع: ما ذكره القاضي عياض، لكون البول قائمًا حالة يؤمن فيها خروج الحدث من السبيل الآخر في الغالب، بخلاف حالة القعود، ولذلك قال عمر رضي الله عنه:"البول قائمًا حصن للدبر"(1).

والخامس: أنه عليه السلام فعله بيانًا للجواز في هذه المرة، وكانت عادته المستمرة البول قاعدًا، فدل عليه حديث عائشة المذكور في أول الباب.

وأما بوله عليه السلام في سباطة، قوم فيحتمل وجوهًا:

الأول: وهو الأظهر، أنهم كانوا يؤثرون ذلك ولا يكروهونه بل يفرحون به، ومن كان هذا حاله جاز البول في أرضه، والأكل من طعامه، والاستمداد من محبرته، ولهذا ذكر علماؤنا: أن من دخل بستان غيره يباح له الأكل من فاكهته، إذا كان بينه وبين صاحب البستان انبساط وصحبة.

والثاني: أنها لم تكن مختصة بهم، بل كانت بفناء دورهم للناس كلهم، فأضيفت إليهم لقربها منهم.

والثالث: أن يكونوا أذنوا لمن أراد قضاء الحاجة صريحًا أو دلالة.

فإن قيل: قد روي أنه عليه السلام إذا أراد حاجة أبعد، فكيف بال في السباطة التي بقرب الدار؟

قلت: لعله كان مشغولًا بأمور المسلمين والنظر في مصالحهم، وطال عليه مجلس حتى حرقه البول، فلم يمكنه التباعد، ولو أبعد لتضرر، وارتاد السباطة لدمثها، وقام حذيفة بقربه ليستره من الناس.

(1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 102 رقم 498). ولفظه: "البول قائما أحصن للدبر". وعزاه الحافظ في "الفتح"(1/ 330) لعبد الرزاق.

ص: 383

ص: ففي هذا الحديث إباحة البول قائمًا وهذا أولى مما ذكرنا قبله عن عائشة، لأن حديث عائشة إنما فيه:"من حدثك أن رسول الله عليه السلام بال قائمًا بعدما أنزل عليه القرآن فلا تصدقه" أي لأن القرآن لما نزل عليه أمر فيه بالطهارة واجتناب النجاسة والتحرز منها، فلما رأت عائشة ذلك، وعلمت تعظيم رسول الله عليه السلام لأمر الله، وكان الأغلب عندها أن من بال قائمًا لا يكاد يسلم من إصابةِ البولُ ثيابَه أو بدنه؛ قالت ذلك، وليس فيه حكاية منها عن رسول عليه السلام توافق ذلك.

ثم جاء حذيفة رضي الله عنه فأخبر أنه رأى رسول الله عليه السلام بالمدينة -بعد نزول القرآن عليه- يبول قائمًا فثبت بذلك إباحة البول قائما إذا كان البائل في ذلك يأمن النجاسة على بدنه وثيابه، وقد روي عن عائشة رضي الله عنها في هذا ما يدل على ما ذهبنا إليه من معنى حديثها الذي ذكرناه.

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عبد الرحمن بن صالح، قال: ثنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة قالت:"من حدثك أنَّه رأى رسول الله عليه السلام يبول قائمًا فكذِّبه، فإني رأيته يبول جالسًا".

ففي هذا الحديث ما يدل على ما دفعت به عائشة رواية من روى أنه رأى رسول الله عليه السلام يبول قائمًا، وإنما رؤيتها إياه يبول جالسًا فليس عندنا دليل على ذلك، لأنه قد يجوز أن يبول جالسًا في وقت ويبول قائمًا في وقت آخر، فلم نحك عن النبي عليه السلام في هذا شيئًا يدل على كراهة البول قائمًا.

ش: أراد بهذا الحديث: حديث حذيفة المذكور، ودلالته على إباحة البول قائمًا ظاهرة لا تنكر.

قوله: "وهذا أولى" أي الأخذ بحديث حذيفة أولى من حديث عائشة رضي الله عنها، وبين وجه الأولوية بقوله:"لأن حديث عائشة .. إلى آخره" وإنما أول بهذا التأويل؛ لأن ظاهره يدفع خبر حذيفة، وخبر حذيفة صحيح ثابت، والدليل على صحة هذا المعنى أن خبر حذيفة مدني ابتداء، ونزول القرآن كان بمكة؛ على ما لا يخفى.

ص: 384

ولهذا أكد صحة هذا بما أخرجه بإسناد صحيح عن أحمد بن داود المكي، عن أحمد بن صالح الأزدي الكوفي ثقة، والنسائي إنما تكلم فيه من أجل التشيع، عن شريك بن عبد الله النخعي إلى آخره.

وأخرجه النسائي (1): أنا علي بن حُجر، قال: أنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت:"من حدثكم أن رسول الله عليه السلام بال قائمًا فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا جالسًا".

قوله: "فهذا الحديث" أي حديث عائشة الذي رواه شريح عنها يدل على دفع عائشة رواية من روى أنه رأى النبي عليه السلام بال قائمًا، وليس ذلك بدفع حقيقة؛ لأنه لا يلزم رؤيتها أنه يبول جالسًا، عدم رؤية غيرها أنه يبول قائمًا؛ لأنه يجوز أن يكون كان يبول تارة قائمًا وتارة جالسًا، وليس في حديثها شيء يدل صريحًا على كراهة البول قائمًا.

ص: وقد روي عن غير واحد من أصحاب رسول الله عليه السلام أنه بال قائمًا.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا سعيد بن عامر، عن شعبة، أنه حدث عن سليمان، عن زيد بن وهب قال:"رأيت عمر رضي الله عنه بال قائمًا فأَفْحَجَ حتى كادَ يصرع".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا وهب وأبو داود، قالا: ثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي حسان:"أنه رأى عليًّا رضي الله عنه بال قائمًا".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا سعيد بن عامر، قال: ثنا شعبة، عن سليمان. . . .، فذكر بإسناده مثله.

حدثنا فهد، قال: ثنا عمر بن حفص، قال: ثنا أبي، عن الأعمش. . . .، فذكر بإسناده مثله.

حدثنا فهد، قال: ثنا محمَّد بن سعيد، قال: ثنا يحيى بن اليمان، عن معمر، عن الزهير، عن قبيصة بن ذؤيب قال:"رأيت زيد بن ثابت رضي الله عنه يبول قائمًا".

(1)"المجتبى"(1/ 26 رقم 29).

ص: 385

حدثنا يونس، قال: ثنا معن بن عيسى، قال: ثنا مالك، عن عبد الله بن دينار أنه قال:"رأيت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يبول قائمًا".

ش: أخرج في ذلك عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم.

أما عن عمر رضي الله عنه فأخرجه بإسناد صحيح عن إبراهيم بن مرزوق، عن سعيد بن عامر الضبعي، عن شعبة، عن سليمان الأعمش، عن زيد بن وهب الجهني المخضرم، قيل: أن له رؤية، ولم يصح.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن زيد قال:"رأيت عمر بال قائمًا".

قوله: "فأفحج" من الإفحاج والفحج: تباعد ما بين الفخذين، والمعنى فَرَّق ما بين رجليه وباعد ما بينهما حتى كاد يقع، ومادته:(فاء وحاء مهملة، وجيم).

وأما عن علي رضي الله عنه فأخرجه من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن وهب بن جرير، وأبي داود سليمان بن داود الطيالسي، كلاهما عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي ظبيان -بالظاء المعجمة- واسمه حصين بن جنْب الجنبي والد قابوس، روى له الجماعة.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، قال:"رأيت عليًا بال قائمًا".

الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن سعيد بن عامر الضبعي، عن شعبة، عن سليمان الأعمش، عن أبي ظبيان .. إلى آخره.

الثالث: عن فهد بن سليمان، عن عمر بن حفص شيخ البخاري ومسلم، عن أبيه حفص بن غياث، عن سليمان الأعمش، عن أبي ظبيان .. إلى آخره.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 115 رقم 1310).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 115 رقم 1311).

ص: 386

وأما عن زيد بن ثابت فأخرجه بإسناد صحيح: عن فهد بن سليمان، عن محمَّد بن سعيد الأصبهاني شيخ البخاري، عن يحيى بن اليمان الكوفي، عن معمر بن راشد، عن محمَّد بن مسلم الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة الخزاعي.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن قبيصة:"أنه رأى زيد بن ثابت يبول قائمًا".

وأما عن عبد الله بن عمر فأخرجه أيضًا بإسناد صحيح: عن يونس بن عبد الأعلى، عن معن بن عيسى القزاز المدني، عن مالك .. إلى آخره.

وأخرجه مالك في "موطإه"(2).

وأخرجه ابن أبي شيبة (3): ثنا وكيع، قال: ثنا حماد بن زيد، عن عبد [الله] (4) الرومي قال:"رأيت ابن عمر يبول قائمًا".

وأخرج ابن أبي شيبة: عن أبي هريرة وسعد بن عبادة أيضًا:

حدثنا (5) معاذ بن معاذ، عن عمران بن حدير، قال: حدثني رجل من بني سعد من أخوال المحرر بن أبي هريرة، قال:"رأيت أبا هريرة بال قائمًا".

حدثنا (6) أبو أسامة وابن إدريس، عن ابن عون، عن ابن سيرين:"أن سعد بن عبادة بال قائمًا".

ص: فهؤلاء أصحاب رسول الله عليه السلام قد كانوا يبولون قياما، وذلك عندنا على أنهم كانوا يأمنون أن يصيب شيء من ذلك ثيابهم وأبدانهم.

ش: أشار بهؤلاء إلى عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 115 رقم 1312).

(2)

"موطأ مالك"(1/ 65 رقم 143).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 115 رقم 1313).

(4)

لفظ الجلالة سقط من "الأصل"، والمثبت من "المصنف".

(5)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 115 رقم 1314).

(6)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 116 رقم 1322).

ص: 387

وعبد الله ابن عمر رضي الله عنهم ونَبَّه أيضًا على أن البول قائمًا مباح، ولكن إذا أمن من إصابة شيء ثوبه أو بدنه، والله أعلم.

ص: فإن قال قائل: فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يخالف ما رويت عنه في هذا الباب، فذكر ما حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال عمر رضي الله عنه "ما بلت قائمًا منذ أسلمت".

قيل له: قد يجوز أن يكون عمر رضي الله عنه لم يبل قائمًا منذ أسلم حتى قال هذا القول، ثم بال بعد ذلك قائمًا على ما رواه عنه زيد بن وهب، ففي ذلك ما يدل على أنه لم يكن يرى بالبول قائمًا بأسًا.

وقد دل على ذلك أيضًا ما قد رويناه عن ابن عمر رضي الله عنهما في هذا الباب من بوله قائما، وقد حدث عن عمر بن الخطاب بما قد ذكرناه.

فدل ذلك على رجوع عمر عن كراهية البول قائمًا، إذ كان ذلك؛ لما رواه عنه عبد الله بن عمر، ولم يكن عبد الله بن عمر يترك ما سمعه من عمر إلا إلى ما هو أولى عنده من ذلك.

ش: تقرير السؤال أن يقال: قد رويت عن عمر رضي الله عنه أنه كان يبول قائمًا وهو يفحج، وقد روي عنه أيضًا أنه قال:"ما بلت قائمًا منذ أسلمت" وبينهما تعارض وتضاد.

والجواب عنه ظاهر، وحاصله أن قول عمر رضي الله عنه:"ما بلت قائمًا منذ أسلمت" لا يعارض ذلك الخبر؛ لأنه قد يجوز أن يكون قد بال قائمًا بعد أن قال القول المذكور، ثم بوله قائمًا بعد هذا يدل على إباحته عنده، ومن الدليل على ذلك: أن عبد الله بن عمر روى عن أبيه عمر من بوله قائمًا، وهو أيضًا قد بال قائمًا، والحال أنه قد سمع من أبيه أنه قال:"ما بلت قائمًا منذ أسلمت" فلم يكن ذلك منه إلا لما ثبت عنده رجوع أبيه عن كراهيته البول قائمًا، إذ لا يجوز أن يترك ما سمعه من أبيه إلا إلى ما هو أولى عنده من ذلك، فافهم. والله أعلم.

ص: 388