الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب نقش الخواتيم
ش: أي هذا باب في بيان حكم نقش الخواتيم.
ص: حدثنا ابن أبي عمران، قال: ثنا محمَّد بن الصباح، قال: ثنا هشيم، عن العوام بن حوشب، عن الأزهر بن راشد، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تستضيئوا بنيران أهل الشرك، ولا تنقشوا عربيًّا، قال: فسألت الحسن عن ذلك، فقال: قوله: تنقشوا عربيا: لا تنقشوا في خواتيمكم محمَّد رسول الله، وقوله: لا تستضيئوا بنيران أهل الشرك: يقول: لا تشاوروهم في أموركم".
ش: ابن أبي عمران أحمد بن موسى الفقيه البغدادي.
ومحمد بن الصباح الدولابي البغدادي، شيخ البخاري ومسلم وأبي داود.
وهشيم هو ابن بشير، روى له الجماعة.
والعوام بن حوشب بن يزيد الواسطي، روى له الجماعة سوى أبي داود.
والأزهر بن راشد البصري ضعفه ابن معين، وقال ابن حبان: كان فاحش الخطأ. روى له النسائي.
وأخرج هذا الحديث (1): أنا مجاهد بن موسى الخوارزمي ببغداد، ثنا هشيم، أنا العوام بن حوشب، عن أزهر بن راشد، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله عليه السلام: "لا تستضيئوا بنار المشركين، ولا تنقشوا على خواتيمكم عربيًّا".
قوله: "لا تستضيئوا" قد فسره الحسن بأن معناه لا تشاوروهم في أموركم، ولا تأخذوا آراءهم، جعل الضوء مثلًا للرأي عند الحيرة، يقال: ضاءت وأضاءت بمعنى، أي استنارت وصارت مضيئة.
(1)"المجتبى"(8/ 176 رقم 5209).
قوله: "ولا تنقشوا عربيًّا" أي لا تنقشوا في خواتيمكم محمَّد رسول الله، لأنه كان نقش خاتم النبي عليه السلام.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى كراهة نقش الخواتيم بشيء من العربية، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث، ولم يَرَوْا بنقش غير العربية بأسًا، واحتجوا في ذلك بما كان على خواتيم نفر من أصحاب رسول الله عليه السلام.
حدثنا على بن معبد، قال: ثنا معلى بن منصور، قال: أخبرني عبد الواحد بن زياد، قال: حدثتنا أم نافع بنت أبي الجعد مولى النعمان بن مقرن، عن أبيها، قال:"كان نقش خاتم النعمان بن مقرن: إيَّلًا قابضا إحدى يديه باسطًا الأخرى".
حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا على بن الجعد، قال: ثنا شعبة عن جابر، عن القاسم، قال:"كان في خاتم عبد الله ذبابان".
حدثنا عليّ، قال: ثنا علي، قال: أنا شريك عن الأعمش، عن موسى بن عبد الله بن يزيد، عن أبيه، قال:"كان نقش خاتم حذيفة: كركيان".
ش: أراد بالقوم هؤلاء: عطاء بن أبي رباح، وعامرًا الشعبي، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، فإنهم كرهوا نقش الخواتيم بشيء من العربية. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه واستدلوا على ذلك بالحديث المذكور، وقالوا: لا بأس بنقش غير العربية، واحتجوا فيه بما كان على خواتيم طائفة من الصحابة، وهم: النعمان بن المقرن، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان.
وأما ما كان من نقش خاتم النعمان: فأخرجه عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن معلى بن منصور الرازي أحد أصحاب أبي حنيفة وشيخ البخاري في غير الصحيح، عن عبد الواحد بن زياد العبدي البصري، عن أم نافع (1).
(1) بيض لها المؤلف رحمه الله، وفي "مغاني الأخبار" قال: أم نافع بنت أبي الجعد مولى النعمان بن مقرن، أم مسلم، تروي عن ابن عمر، روى عنها ابنها مسلم بن السائب.
قوله: "إيَّلًا" بكسر الهمزة وضمها، وتشديد الياء آخر الحروف، وهو الذكر من الأوعال، وأصله أيول قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، والأوعال: جمع وَعِل، وهو الأروى، والأنثى الأروية، والهمزة فيها زائدة.
وأما ما كان من نقش خاتم عبد الله بن مسعود: فأخرجه عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن علي بن الجعد بن عبيد الجوهري شيخ البخاري وأبي داود، عن شعبة، عن جابر بن يزيد الجعفي، فيه مقال، عن القاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.
وأما ما كان من نقش خاتم حذيفة: فأخرجه عن علي بن معبد، عن علي بن الجعد، عن شريك بن عبد الله النخعي، عن سليمان الأعمش، عن موسى بن [عبد](1) الله بن يزيد الخطمي الأنصاري، عن أبيه، عن حذيفة رضي الله عنه.
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن موسى بن عبد الله بن يزيد، عن أبيه، عن حذيفة، قال:"كان في خاتمه كركيان متقابلان بينهما مكتوب: الحمد لله".
حدثنا معاذ (3)، عن أشعث، عن محمَّد، قال:"كان نقش خاتم أنس بن مالك رضي الله عنه أسدًا رابضا حوله فرائس".
حدثنا معاذ (4)، عن أشعث، عن محمَّد:"أنه كان نقش خاتم الأشعري أسدًا بين رجلين".
حدثنا (5) يزيد بن هارون، قال: أنا إبراهيم بن عطاء، عن أبيه، قال: "كان
(1) في "الأصل، ك": "عبيد"، وهو تحريف، وقد جاء على الصواب في المتن، وهو من رجال "التهذيب".
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 190 رقم 25100).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 190 رقم 25102).
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 190 رقم 25103).
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 191 رقم 25104).
خاتم عمران بن حصين نقشه: تمثال رجل متقلد سيفًا، قال إبراهيم: فرأيته أنا في خاتم عندنا في طين" (1).
ثنا (2) معاذ، عن أشعث، عن محمَّد، قال:"كان نقش خاتم عبيد الله بن زياد تدرجة".
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس بنقش العربية على الخواتيم غير ما منع رسول الله عليه السلام من الانتقاش على خاتمه.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: سعيد بن المسيب ومسروق بن الأجدع ومحمد بن سيرين والقاسم وسالمًا وآخرين من الأئمة؛ فإنهم قالوا: لا بأس بنقش العربية على الخواتيم، غير ما منع رسول الله عليه السلام من الانتقاش على خاتمه، فإنه عليه السلام قال:"لا ينقش أحد على خاتمي".
هذا رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3) وقال: ثنا ابن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر، قال:"اتخذ النبي عليه السلام خاتمًا من وَرِق، ثم نقش عليه: محمَّد رسول الله، ثم قال: لا ينقش أحد على خاتمي هذا".
وأخرجه مسلم (4): عن أبي بكر بن أبي شيبة.
وروى الترمذي (5): ثنا الحسن بن علي الجيلاني، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أنا معمر، عن ثابت، عن أنس بن مالك:"أن النبي عليه السلام صنع خاتمًا من وَرِق، فنقش فيه: محمَّد رسول الله، ثم قال: لا تنقشوا عليه". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
ومعنى "لا تنقشوا عليه" نَهْي أن ينقش أحد على خاتمه محمَّد رسول الله.
(1) زاد في "المصنف" بعد هذا: "فقال أبي: هذا خاتم عمران بن حصين".
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 191 رقم 25112).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 190 رقم 25098).
(4)
"صحيح مسلم"(3/ 1656 رقم 2091).
(5)
"جامع الترمذي"(4/ 229 رقم 1745).
ص: وقالوا: لا حجة لأهل المقالة الأولى فيما احتجوا به في ذلك؛ لأن حديثهم الذي رووه عن أنس، عن النبي عليه السلام لا يثبت من طريق الإسناد، وإنما أصله عن عمر رضي الله عنه، لا عن النبي عليه السلام، وذكروا في ذلك ما حدثنا على بن معبد، قال: ثنا سريج بن النعمان، قال: ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تنقشوا في خواتيمكم العربية"، فهذا هو أصل حديث أنس، فهذا عن عمر رضي الله عنه لا عن النبي عليه السلام، ثم لو ثبت عن النبي عليه السلام، لكان تفسيره عندنا ما قال الحسن، لأن نقش خاتم رسول الله عليه السلام كان كذلك، فنهى أن ينقش عليه.
حدثنا عبد الله بن محمَّد بن خُشَيْش قال: ثنا محمَّد بن عبد الله الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة، عن أنس، قال:"كان نقش خاتم رسول الله عليه السلام ثلاثة أسطر: سطر: محمَّد، وسطر: رسول، وسطر: الله، فهكذا كان نقش خاتم رسول الله عليه السلام".
ش: هذا جواب عن حديث أنس الذي احتج به أهل المقالة الأولى، أي قال أهل المقالة الثانية: لا حجة لأهل المقالة الأولى في حديث أنس، وحاصل الجواب من وجهين:
الأول: بطريق المنع وهو أن يقال: لا نسلم أن هذا الحديث يصح به الاستدلال؛ لأنه غير ثابت الإسناد لأنه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لا عن النبي عليه السلام، والدليل على ذلك ما أخرجه بإسناد صحيح: عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن سريج -بالسين المهملة وفي آخره جيم- بن النعمان بن مروان الجوهري الأموي شيخ البخاري، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري، عن قتادة، عن أنس.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا يحيى بن آدم، قال: نا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه، أن عمر رضي الله عنه قال:"لا تنقشوا ولا تكتبوا في خواتيمكم بالعربية".
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 192 رقم 25117).
الوجه الثاني: بطريق التسليم، وهو أن يقال: سلمنا أن هذا الحديث ثابت، ولكن لا نسلم أنه يدل على صحة ما ذهبتم إليه، فإن معناه على ما قاله الحسن البصري، وهو لا يساعدكم على ما ذهبتم إليه.
وجواب آخر: أن الحديث المذكور معلول بأزهر بن راشد، لا تقوم به الحجة.
قوله: "حدثنا عبد الله بن محمَّد. . . . إلى آخره" بيان لما كان من نقش خاتم رسول الله، أخرجه بإسناد صحيح.
وأخرجه البخاري (1): حدثني محمَّد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثني أبي، عن ثمامة، عن أنس:"أن أبا بكر رضي الله عنه لما استخلف كتب له، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمَّد: سطر، ورسول: سطر، والله: سطر".
وزاد أحمد: ثنا الأنصاري، قال: حدثني أبي، عن ثمامة، عن أنس، قال:"كان خاتم النبي عليه السلام في يده، وفي يد أبي بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبي بكر، فلما كان عثمان جلس على بئر أريس، قال: فأخرج الخاتم، فجعل يعبث به، فسقط، قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان ننزح البئر فلم نجده".
وأخرجه أبو داود (2) والترمذي (3) والنسائي (4).
ص: حدثنا على بن معبد، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس:"أن النبي عليه السلام أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر، فقيل له: إنهم لا يقبلون كتابك إلا بخاتم، فاتخذ خاتمًا من فضة نقشه: محمَّد رسول الله".
حدثنا على بن معبد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال:"أراد النبي عليه السلام أن يكتب إلى الروم. . . ." ثم ذكر مثله.
(1)"صحيح البخاري"(3/ 1131 رقم 2939).
(2)
"سنن أبي داود"(4/ 88 رقم 4215).
(3)
"جامع الترمذي"(4/ 230 رقم 1748).
(4)
"المجتبى"(8/ 195 رقم 5293).
فهذا رسول الله عليه السلام قد انتقش في خاتمه العربية.
ش: هذان طريقان آخران صحيحان:
الأول: عن علي بن معبد، عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس.
وأخرجه مسلم (1): نا محمد بن مثنى وابن بشار، قال ابن مثنى: نا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال:"لما أراد رسول الله عليه السلام أن يكتب إلى الروم، قال: قالوا: إنهم لا يقرون كتابًا إلا مختومًا، قال: فاتخذ رسول الله عليه السلام خاتمًا من فضة، كأني أنظر إلى بياضه في يد رسول الله عليه السلام، نقشه: محمَّد رسول الله".
وأخرجه أبو داود (2) أيضًا نحوه، ولفظه:"وأراد أن يكتب إلى بعض الأعاجم".
الثاني: عن علي بن معبد بن نوح، عن شبابة بن سوار، عن شعبة بن الحجاج، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه.
وأخرجه النسائي (3): أنا حميد بن مسعدة، عن بشر وهو ابن المفضل، ثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال:"أراد رسول الله عليه السلام أن يكتب إلى الروم، فقالوا: إنهم لا يقرون كتابًا إلا مختومًا، فاتخذ خاتما من فضة، كأني أنظر إلى بياضه في يده، ونقش فيه: محمَّد رسول الله".
ص: ثم قد فعل ذلك أصحابه من بعده:
حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا إبراهيم بن محمَّد القرشي، عن عمرو بن يحيى، عن جده، قال: "قدم عمرو بن سعيد مع أخيه على النبي عليه السلام فنظر إلى حلقة في يده، فقال: ما هذه الحلقة في يدك؟ قال: هذه حلقة يا رسول الله، قال: فما نقشها؟
(1)"صحيح مسلم"(3/ 1657 رقم 2092).
(2)
"سنن أبي داود"(4/ 88 رقم 4214).
(3)
"المجتبى"(8/ 174 رقم 5201).
قال: محمَّد رسول الله، قال: أرنيه، فتختمه رسول الله عليه السلام، فمات وهو في يده، ثم أخذه أبو بكر بعد ذلك فكان في يده، ثم أخذه عمر، فكان في يده، ثم أخذه عثمان فكان في يده عامة خلافته حتى سقط منه في بئر أريس".
فهذا رسول الله عليه السلام لم ينكر على خالد بن سعيد لُبْسَ ما هو منقوش بالعربية.
حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا علي بن الجعد، قال: أنا الربيع بن صَبيح، عن حيان الصائغ، قال:"كان نقش خاتم أبي بكر الصديق رضي الله عنه: نعم القادر الله".
حدثنا علي، قال: ثنا خالد بن عمرو، قال: ثنا إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، قال:"كان نقش خاتم علي رضي الله عنه: الله الملك".
حدثنا عليّ، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: أنا شعبة، عن قتادة قال:"كان نقش خاتم أبي عبيدة بن الجراح: الحمد لله".
فهؤلاء أصحاب رسول الله عليه السلام وخلفاؤه الراشدون المهديون، قد نقشوا على خواتيمهم العربية، فدل ما فعلوا من ذلك على أنه غير محظور عليهم، وأنه إنما أريد بالنهي أن لا ينقش على خاتم الإمام؛ لئلا يفتعل فيما بيده من الأموال التي للمسلمين.
ألا ترى أن عمر رضي الله عنه، قد روينا عنه النهي عن ذلك؟ ثم قد لبس هو من بعد رسول الله عليه السلام ما هو منقوش بالعربية، فدل ذلك على [أن](1) ما كره من العربية هو العربية الموضوعة على خاتم إمام المسلمين خاصة، لا غير ذلك.
ش: أي ثم قد فعل أصحاب النبي عليه السلام من بعده نقش الخواتيم بالعربية فصار ذلك إجماعًا منهم عليه، وأيضًا فالنبي عليه السلام لم ينكر على خالد بن سعيد بن العاص الأموي رضي الله عنه لبس ما هو منقوش بالعربية، فدل ذلك على جوازه.
(1) ليست في "الأصل، ك" والمثبت من "شرح معاني الآثار".
وأخرج ذلك بإسناد رجاله ثقات وهو مرسل، عن علي بن معبد بن نوح، عن إبراهيم بن محمَّد بن العباس بن عثمان المطلبي الشافعي، ابن عم الشافعي، وشيخ مسلم في غير الصحيح.
عن عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي المكي، عن جده سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي، قال: قدم عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية ابن عبد شمس الأموي، قدم هو وأخوه خالد بن سعيد على رسول الله عليه السلام، وكان إسلام عمرو بعد إسلام أخيه خالد بيسير.
قوله: "إلى حَلْقة" بفتح الحاء وسكون اللام، وهي الخاتم بلا فص، ويجمع على حَلَق -بفتح الحاء واللام- وأما الحِلَق -بكسر الحاء وفتح اللام- فهو جمع الحَلْقة أيضًا مثل القَصْعة والقِصَع، ولكن معناها: الجماعة من الناس مستديرون كحلقة الباب وغيره.
قوله: "في بئر أريس" بفتح الهمزة، وكسر الراء المخففة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة، وفي آخره سين مهملة، وهي بئر معروفة قريبة من مسجد قباء عند المدينة.
ويستفاد منه أحكام:
جواز النقش بالعربية على الخاتم، وجوازه بذكر الله أو بشيء من القرآن، واتخاذ الخاتم من الفضة، واستعمال آثار الصالحين، وأنه عليه السلام لم يورث هذا الخاتم، فلم ترثه ورثته، وأن خواتيم الخلفاء يتعين حفظها، وأن للقاضي والحاكم استعمال الخاتم واتخاذه من الفضة، وأن خاتم النبي عليه السلام كان من فضة، وفصه منه.
وأما ما نقل عن الصحابة من اتخاذهم الخواتيم المنقوشة بالعربية، فأخرجه عن جماعة من الصحابة، وهم أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم.
أما عن أبي بكر: فأخرجه عن علي بن معبد بن نوح، عن علي بن الجعد الجوهري شيخ البخاري، عن الربيع بن صبيح السعدي فيه مقال، عن حَيَّان -بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف، وفي آخره نون.
وأما عن عليّ رضي الله عنه: فأخرجه عن علي بن معبد أيضًا، عن خالد بن عمرو القرشي الكوفي، عن إسرائيل بن يونس، عن جابر بن يزيد الجعفي، فيه مقال، عن أبي جعفر محمَّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالباقر.
وأما عن أبي عبيدة: فأخرجه عن علي بن معبد أيضًا، عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، عن شعبة، عن قتادة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا عبد بن حميد، عن منصور، عن إبراهيم قال:"كان في خاتم أبي عبيدة بن الجراح. ." الحديث.
وحدثنا (1) حاتم بن إسماعيل، عن جعفر، عن أبيه، قال:"كان في خاتم حسن وحسين ذكر الله، قال جعفر: وكان في خاتم أبي: العزة لله جميعًا".
حدثنا (2) جرير، عن إبراهيم بن المبشر، عن أبيه، قال:"كان نقش خاتم مسروق: بسم الله الرحمن الرحيم".
ص: وأما ما روي مما كان من نقش خاتم النعمان بن مقرن وابن مسعود وحذيفة رضي الله عنهم، فإنه قد يجوز أن [يكونوا](3) فعلوا ذلك ولهم أن ينقشوا مكانه عربيًّا، ولقد حدثني ابن أبي داود، قال: ثنا القواريري، قال: ثنا عبد الوارث، عن عمرو، عن الحسن:"أنه كان يكره أن ينقش الرجل على خاتمه صورة، وقال: إذا ختمت بها فقد صورت بها".
ش: هذا جواب عما احتج به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه من نقش هؤلاء الصحابة الثلاثة على خواتيمهم بغير العربية؛ وهو ظاهر.
قوله: "ولقد حدثني .. إلى آخره" إشارة إلى أن نقش الصور على الخواتيم
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 192 رقم 25122).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 191 رقم 25109).
(3)
في "الأصل، ك ": "يكون" بدون واو الجماعة، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
مكروه؛ لأنه إذا ختم بخاتم منقوش بصورة يصير بذلك مصورًا، فيدخل تحت الوعيد الذي ورد في حق المصورين، وممن كره ذلك الحسن البصري.
أخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري شيخ البخاري ومسلم وأبي داود، عن عبد الوارث بن سعيد البصري، عن عمرو بن دينار، عن الحسن البصري رضي الله عنه.