الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب الرجل يمر بالحائط أله أن يأكل منه أم لا
؟
ش: أي هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يمر بالبستان، هل يجوز له أن يأكل من ثماره بغير إذن أصحابه أم لا؟.
والحائط: البستان من النخيل إذا كان عليه حائط أي جدار، ويجمع على حوائط، والحديقة أعم منه؛ لأنه يقال للقطعة من النخيل: حديقة، وإن لم يكن محاطًا بها، ويقال: الحديقة كل ما أحاط به البناء من البساتين وغيرها.
ص: حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا علي بن عاصم، قال: أنا الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري -قال: أحسبه- عن النبي عليه السلام قال: "إذا أتى أحدكم على حائط فليناد صاحبه ثلاث مرات، فإن أجابه وإلا فليأكل من غير أن يفسد، وإذا أتى على غنم فليناد صاحبه ثلاث مرات، فإن أجابه وإلا فليشرب من غير أن يفسد".
ش: علي بن عاصم بن صهيب بن سنان الواسطي، شيخ أحمد روى عنه ووثقه.
والجريري هو سعيد، نسبته إلى جُرير -بضم الجيم- وهو [ابن](1) عباد أخو الحارث بن عباد بن ضُبيعة بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. وأبو نضرة -بالنون والضاد المعجمة- المنذر بن مالك العبدي البصري، روى له الجماعة، البخاري مستشهدًا.
وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك رضي الله عنه.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا مؤمل بن إسماعيل ثنا حماد -يعني ابن سلمة- ثنا الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد أن رسول الله عليه السلام قال: "إذا أتى أحدكم حائطًا فأراد أن يأكل فليناد صاحب الحائط ثلاثًا، فإن أجابه وإلا فليأكل، وإذا مر
(1) في "الأصل، ك": "أخو"، وهو سبق قلم من المؤلف رحمه الله.
(2)
"مسند أحمد"(3/ 7 رقم 11060).
أحدكم بإبل فأراد أن يشرب من ألبانها فليناد: يا صاحب الإبل -أو يا راعي الإبل- فإن أجابه وإلا فليشرب، والضيافة ثلاثة أيام، فما زاد فهو صدقة".
فإن قيل: ما حكم هذا الحديث؟
قلت: صحيح، ولهذا أخرجه ابن حبان في "صحيحه"(1) من طريق يزيد بن هارون، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد.
فإن قيل: قد أخرج البيهقي (2) هذا الحديث من حديث يزيد بن هارون، ثم علله بأن يزيد روى عن الجريري بعد اختلاطه، ثم قال: رواه حماد بن سلمة، عن الجريري، وليس بالقوي.
قلت: قال الذهبي في "مختصره سنن البيهقي": هذا قلة إنصاف، حماد ثقة ومع هذا فما تفرد بالحديث فصح أن الجريري رواه في صحته وبانضمام هذا إلى ما قبله يصير سنة ثابتة.
قلت: حماد بن سلمة أخرج له مسلم، وذكره أبو الوليد الباجي في "رجال البخاري" وقال العجلي: روى عن الجريري في الاختلاط: يزيد بن هارون وابن المبارك وابن عدي، كل ما روى عنه مثل هؤلاء الصغار فهو مختلط، وإنما الصحيح: حماد بن سلمة وابن علية وعبد الأعلى، من أصحهم سماعًا منه.
قوله: "من غير أن يفسد" أراد أنه لا يأكل أكثر من سَدِّ جوعته، ولا يحمل منه شيئًا غير أكله، ولا يعطي الإنسان.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذا، فجعلوا لمن مر بحائط أن ينادي صاحبه ثلاثًا، فإن أجابه، وإلا فأكل وكذلك في الغنم.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: الحسن البصري، وزيد بن وهب الجهني، وأحمد -في رواية- فإنهم قالوا: من مَرَّ ببستان، ينادي صاحبه ثلاثًا، فإن أجابه وإلا فأكل وكذا
(1)"صحيح ابن حبان"(12/ 87 رقم 5281).
(2)
"السنن الكبرى"(9/ 359 رقم 19439).
إذا مَرَّ على غنم قوم ينادي: يا صاحب الغنم -أو يا راعي الغنم- ثلاثًا، فإن أجاب، وإلا شرب من لبنها.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا ينبغي أن يأكل من غير ضرورة، فإن كانت ضرورة فالأكل والشرب له مباح.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: جمهور العلماء وفقهاء الأمصار منهم الأئمة الأربعة وأصحابهم؛ فإنهم قالوا: لا يجوز لأحد أن يأكل من بستان أحد ولا يشرب من لبن غنمه إلا بإذن صاحبه، اللهم إلا إذا كان مضطرًا، فحينئذ يجوز له بغير إذن قدر دفع الحاجة.
ص: وقد روي عن أبي سعيد في غير هذا الحديث ما يدل على أن الإباحة المذكورة في هذا الحديث هي على الضرورة، فذكروا ما حدثنا فهد، قال: ثنا مخول بن إبراهيم، قال: ثنا إسرائيل، عن عبد الله بن عصمة، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: "إذا أرمل القوم فصبحوا الإبل فلينادوا الراعي ثلاثًا، فإن لم يجدوا الراعي، ووجدوا الإبل فليتصبحوا لبن الراوية إن كان في الإبل راوية، ولا حق لهم في بقيتها، فإن جاء الراعي فليمسكه رجلان ولا يقاتلوه، وليشربوا فإن كان معهم دراهم فهو عليهم حرام إلا بإذن أهله".
ففي هذا الحديث دليل على أن ما أبيح من ذلك في هذا الحديث الأول إنما هو على الضرورة.
ش: هذا جواب عن حديث أبي سعيد المذكور الذي احتجت به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه.
تقريره أن يقال: إن استدلالهم بالحديث المذكور لا يتم ولا يستقيم؛ لأنه قد دَلَّ حديث أبي سعيد الآخر أن معناه محمول على حالة الضرورة، ونحن أيضًا نقول: إن الضرورة تبيح الأكل من ثمار غيره والشرب من لبن غيره ونحو ذلك؛ قدر ما يدفع جوعته.
وقد قال البيهقي (1): هذا الحديث محمول عندنا على الضرورة وقال: قال الشافعي: من مر لرجل بزرع أو تمر أو ماشية، أو غير ذلك من ماله؛ لم يكن له أخذ شيء منه إلا بإذنه؛ لأن هذا مما لم يأت فيه كتاب ولا سنة ثابتة بإباحته.
قال: وقد قيل: من مر بحائط فليأكل ولا يتخذ خُبنة ولم يثبت الحديث. قوله: "فذكروا" أي الآخرون ذكروا، ما حدثنا فهد بن سليمان، عن مخول بن إبراهيم بن مخول بن راشد النهدي الكوفي.
قال الذهبي: رافضي بغيض، صدوق في نفسه، عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق روى له الجماعة.
عن عبد الله بن عصمة الجشمي وثقه ابن حبان (2).
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا وكيع، قال: ثنا إسرائيل، عن عبد الله بن عصمة، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: "لا يحل لرجل أن يحلب ناقة رجل مصرورة إلا بإذن صاحبها، ألا إن خاتمها صرارها، فإن أرمل القوم فليناد الراعي ثلاثًا، فإن أجاب شربوا، وإلا فليمسكه رجلان وليشربوا".
وأخرجه البيهقي (4): من حديث أبي عبيد، ثنا شريك، عن عبد الله بن عصم سمعت أبا سعيد الخدري يقول:"لا يحل لأحد أن يحل صرار ناقة إلا أن يأذن أهلها، فإن خاتم أهلها عليها، قيل لشريك: أرفعه؟ قال: نعم".
(1)"السنن الكبرى"(9/ 358 رقم 19432).
(2)
هذا وهم، والصواب أنه عبد الله بن عصم -ويقال عصمة- أبو علوان الحنفي العجلي، فهو الذي يروي عن أبي سعيد الخدري، ويروي عنه إسرائيل بن يونس، وشريك بن عبد الله. ووقع في بعض نسخ البيهقي و"مسند أحمد":"بن عاصم"، وهو خطأ. أما عبد الله بن عصمة الجشمي فهو غير هذا. انظر ترجمتهما في "تهذيب الكمال"، وقد عينه المؤلف على الصواب بعد ذلك.
(3)
"مصنف أبي شيبة"(4/ 479 رقم 22301).
(4)
"سنن البيهقي الكبرى"(9/ 360 رقم 19440).
قوله: "إذا أرمل القوم" أي إذا نفد زادهم، وأصله من الرمل كأنهم لصقوا بالرمل كما قيل للفقير: أترب.
قوله: "لبن الراوية" الراوية من الإبل: الحاملة للماء، ويجمع على روايا، وبه سميت المزادة راوية والمراد بها هاهنا الحاملة للبن المحلوب.
ص: وقد جاء عن رسول الله عليه السلام في غير هذا الحديث ما يدل على هذا المعنى أيضًا.
حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا إسحاق بن بكر بن مضر، قال: ثنا أبي، عن يزيد ابن الهاد، عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، أنه سمع رسول الله عليه السلام يقول:"لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته، فيحمل طعامه، فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم، فلا يحتلبن أحدكم ماشية امرئ إلا بإذنه".
حدثنا بكار، قال: ثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: ثنا الثوري، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام مثله.
ش: ذكر حديث ابن عمر شاهدًا لما قاله من أن حديث أبي سعيد الخدري محمول على حالة الضرورة.
أخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن ربيع بن سليمان الجيزي الأعرج شيخ أبي داود والنسائي، عن إسحاق بن بكر بن مضر المصري شيخ مسلم والنسائي، عن أبي بكر بن محمَّد المصري روى له الجماعة سوى ابن ماجه، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي المدني، روى له الجماعة.
وأخرجه مالك في "موطئه"(1).
(1)"موطأ مالك"(2/ 971 رقم 1745).
وأخرجه البخاري (1) ومسلم (2).
الثاني: عن بكار بن قتيبة، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي، عن سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص القرشي المكي، عن نافع. . . . إلى آخره.
قوله: "مشربته" المشربة -بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء وفتحها- الغرفة.
وقال أبو عمر: ودليل هذا الحديث يقتضي بأن كل ما يختزن فيه الطعام فهو مشربة.
و"الخزانة" بكسر الخاء واحدة الخزائن وأصلها من الخزن، وهو الحفظ.
قوله: "فيحمل طعامه" وفي رواية "الموطأ": "فينتقل طعامه".
قال أبو عمر: ويروى فينتثل، معناه: يُخْرج، وأصل الانتئال: الاستخراج، ومن رواه:"ينتقل" فالانتقال معروف، وهو أبين.
ويستفاد منه أحكام:
الأول: فيه النهي عن أن يأكل أحد أو يشرب أو يأخذ من مال أخيه شيئًا إلا بإذنه، وذلك -والله أعلم- عند أهل العلم محمول على ما لا تطيب به نفس صاحبه.
الثاني: فيه أن اللبن يُسمَّي طعامًا، وقد قال الله في ماء النهر:{فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} (3) وعلى هذا قد اختلف الفقهاء في بيع الشاة اللبون باللبن وبسائر الطعام نقدًا، أو إلى أجل، فذهب مالك وأصحابه إلى أنه لا بأس بالشاة اللبون باللبن يدًا بيدٍ ما لم يكن في ضرعها لبن، وإن كان في ضرعها لبن
(1)"صحيح البخاري"(2/ 858 رقم 2303).
(2)
"صحيح مسلم"(3/ 1352 رقم 1726).
(3)
سورة البقرة، آية:[249].
لم يجز يدًا بيد باللبن؛ من أجل المزابنة، ولا يجوز عندهم بيع الشاة اللبون باللبن إلى أجل، فإن كانت الشاة غير لبون جاز في ذلك الأجل وغيره.
وقال مالك: ولا بأس بالشاة اللبون بطعام إلى أجل؛ لأن اللبن من الشاة، وليس الطعام منها، قال: والشاة بطعام إلى أجل إذا لم تكن شاة لحم جائز، وإن أريد بها الذبح.
فإن كانت شاة لحم فلا، وكذلك المسمى إلى أجل بشاة لبون لا يجوز، وإن لم يكن فيها لبن جاز.
وقال الأوزاعي: يجوز شراء زيتونة فيها زيت بزيتون، وشاة في ضرعها لبن بلبن؛ لأن الزيتون في شجرة واللبن في الضرع لغو.
وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما: لا يجوز بيع الشاة اللبون بالطعام إلى أجل، ولا يجوز عند الشافعي بيع شاة في ضرعها لبن بشيء من اللبن، لا يدًا بيدٍ، ولا إلى أجل.
الثالث: قال أبو عمر (1): استدل به أصحابنا وغيرهم ما يرد قول من ذهب إلى أن للمرتهن الشاة أو البقرة أو الدابة أن يحلب أو يركب ذلك الرهن ويكون عليه نفقة الدابة أو البقرة أو رعيها، ورعي الشاة ونفقتها، وممن ذهب إلى هذا: أحمد وإسحاق.
الرابع: قال أبو عمر (2): فيه ما يدل على أن من حلب من ضرع الشاة أو البقرة بعد أن تكون في حرز ما يبلغ قيمته ما يجب فيه القطع؛ أن عليه القطع، لأن الحديث قد أفصح بأن الضروع خزائن الطعام، ومعلوم أن من فتح خزائن غيره، أو كسرها، فاستخرج منها من المال -الطعام وغيره- ما يبلغ ثلاثة دارهم أنه يُقطع، فإذا كان القطع يجب على من يسرق الشاة نفسها من مراحها وحرزها ولم تكن حريسة حبل؛
فاللبن بذلك أولى، وإذا كانت الشاة في غير حرز فلبنها تابع لها.
(1)"التمهيد"(14/ 215).
(2)
"التمهيد"(14/ 212).
ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمَّد بن الصباح، قال: ثنا شريك بن عبد الله، عن عبد الله بن عصم، قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه رفعه قال: "لا يحل لأحد يحل صرار ناقة إلا بإذن أهلها، فإنه خاتمهم عليها".
ش: محمَّد بن الصباح الدولابي البغدادي البزاز شيخ البخاري ومسلم وأبي داود، وعبد الله بن عصم الحنفي من أهل البادية وثقه ابن حبان، وقال: يخطئ كثيرًا.
ثم أخرج حديثه هذا في ترجمة عبد الله بن عصم (1): ثنا إبراهيم بن خزيم، ثنا عبد بن حميد، ثنا هاشم بن القاسم، ثنا شريك بن عبد الله، عن عبد الله بن عصم الحنفي، سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل صرار ناقة بغير إذن أهلها، فإنه خاتم أهلها عليها، وإن كنتم مرملين فرأيتم الراوية والرطب والسقاء من الإبل فنادوا صاحب الإبل ثلاثًا، فإن سقاكم فاشربوا، وإن كنتم مرملين ولم يكن معكم طعام فليمسكه رجلان منكم ثم اشربوا، ثم صروها".
قوله: "صرار ناقة" بكسر الصاد وتخفيف الراء، ومن عادة العرب أن تصر ضروع الحلوبات إذا أرسلوها إلى المراعي سارحة، ويسمون ذلك الرباط: صرارًا، فإذا راحت عشيًّا حلت تلك الأصرة وحلبت، فهي مصرورة ومصرّرة.
قوله: "مرملين" من أرمل القوم إذا نفد زادهم.
قوله: "الوطب" بفتح الواو هو الزِّق الذي يكون فيه السمن واللبن، وهو جلد الجذع فما فوقه، ويجمع على أوطاب ووطاب.
و"السقاء" بكسر السين، وهو الدلو.
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا سليمان بن بلال، عن سهل، عن عبد الرحمن بن سعد، عن أبي حميد الساعدي، أن النبي صلى الله عليه وسلم
(1)"الثقات" لابن حبان (5/ 57).
قال: "لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه، قال: وذلك لشدة ما حرم الله على المسلمين من مال المسلم".
ش: أبو عامر عبد الله بن عمرو العقدي.
وسليمان بن بلال القرشي، روى له الجماعة.
سهيل بن أبي صالح ذكوان، روى له الجماعة؛ البخاري مقرونا بغيره.
وعبد الرحمن بن سعد بن مالك الأنصاري أبو محمَّد بن أبي سعيد الخدري، روى له الجماعة؛ البخاري مستشهدًا.
وأبو حميد الساعدي قيل: اسمه عبد الرحمن، وقيل غير ذلك.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا عبيد الله بن أبي قرة، ثنا سليمان، حدثني سهيل، حدثني عبد الرحمن بن سعد، عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله عليه السلام قال:"لا يحل للرجل أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه، وذلك لشدة ما حرم رسول الله عليه السلام من مال المسلم على المسلم".
ص: حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا أصبغ بن الفرج، قال: ثنا حاتم بن إسماعيل قال: ثنا عبد الملك بن الحسن، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن عمارة ابن حارثة، عن عمرو بن يثربي، قال:"خطبنا رسول الله عليه السلام فقال: لا يحل لامرئ من مال أخيه شيء إلا بطيب نفس منه، قال: قلت: يا رسول الله إن لقيتُ غنم ابن عمي، آخذ منها شيئًا؟ فقال: إن لقيتها نعجة تخمل شفرة وزنادًا بخبت الجميش فلا تهجها".
ش: إسناده حسن جيد، وأصبغ شيخ البخاري، وحاتم بن إسماعيل المدني روى له الجماعة.
(1)"مسند أحمد"(5/ 425 رقم 23654).
وعبد الملك بن حسن بن أبي حكيم البخاري أبو مروان المدني الأحول، مولى بني أمية، عن يحيي: ثقة. وعن أحمد: لا بأس به. وقال أبو حاتم: شيخ. روى له النسائي.
وعمارة بن حارثة الضمري وثقه ابن حبان.
وعمرو بن يثربي الضمري، الحجازي الصحابي رضي الله عنه.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): نا أبو عامر، نا عبد الملك -يعني ابن الحسن الحارثي- ثنا عبد الرحمن بن أبي سعيد، قال: سمعت عمارة بن حارثة الضمري يحدث عن عمرو بن يثربي الضمري، قال:"شهدت خطبة رسول الله عليه السلام بمنى وكان فيما خطب به: ولا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه، قال: فلما سمعت ذلك قلت: يا رسول الله، أرأيت لو أتيت غنم ابن عمي فأخذت منها شاة فاحترزتها، هل عليّ في ذلك شيء؟ قال: إن لقيتها نعجة تحمل شفرة وزنادًا فلا تمسها".
قوله: "إن لقيتها نعجة" معناه لا تتعرض لنعم أخيك موصولًا بسب وإن كان سهلًا متيسرًا وهو معنى قوله: "تحمل شفرة وزناذًا" أي معها آلة الذبح والنار، والشفرة: السكين العريض.
قوله: "بخبت الجميش" الخبت بفتح الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وفي آخره تاء مثناة من فوق: الأرض الواسعة.
و"الجميش" بفتح الجيم، وكسر الميم بعدها ياء آخر الحروف ساكنة، وفي آخره شين معجمة، الذي لا نبات فيه كان جمش أي حلق.
قال الجوهري: الجميش: مكان لا نبات فيه، والخبت: المفازة، انتهى.
والمعنى لا تتعرض لنعم أخيك وإن كنت بخبت الجميش، وإنما خصه بالذكر لأن الإنسان إذا سلكه طال عليه وفني زاده، واحتاج إلى مال أخيه المسلم.
(1)"مسند أحمد"(3/ 423 رقم 15527).
قوله: "فلا تهجها" من هاج الشيء، وهجته إذا أثرته، وهذا الحديث يدل على حرمة التعرض لمال المسلم بغير إذن وإن كان لابن عمه، وكذا لو كان لأخيه أو لأبيه، وأما الأب فله أن يتعرض لمال ابنه بلا إذنه، والمولى يتعرض لمال عبده بلا إذنه.
ويستثنى من ذلك نحو شرب الماء من كوز حديقة، بغير إذنه، وكذا نزح الماء من بئره، وأخذ النار من كانونه، وكذا يستثنى الأكلَ من ثماره وطعامه إذا علم أنه لا ينقبض لذلك، وذلك لما بينهما من المودة قال الله تعالى:{أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} (1) ".
وذكر محمَّد بن ثور، عن معمر قال:"دخلت بيت قتادة فأبصرت فيه رطبًا، فجعلت آكله، فقال: ما هذا، قلت: أبصرت رطبًا في بيتك فأكلته، قال: أحسنت قال الله: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} (1) ".
وذكر عبد الرزاق (2)، عن معمر، عن قتادة:"في قوله: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} قال: إذا دخلت في بيت صديقك من غير مؤامرته، لم يكن بذلك [بأس] (3) ".
وقال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول في الرجل يدخل الحائط فيجد الثمر ساقطًا، قال: لا يأكل منه إلا أن يكون يعلم بأن صاحبه طيب النفس بذلك، أو يكون محتاجًا إلى ذلك فأرجوا أن لا يكون عليه شيء إن شاء الله.
فإن قيل: ما حكم الذمي في هذا؟
قلت: قال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول في المسافر ينزل بالذمي أنه لا يأخذ من ماله شيئًا إلا بإذنه، وعن طيب نفس منه، فقيل لمالك: أرأيت الضيافة التي جعلت عليهم ثلاثة أيام؟ قال: كان يومئذ مخفف عنهم.
(1) سورة النور، آية:[61].
(2)
"تفسير عبد الرزاق"(3/ 64).
(3)
في "الأصل، ك": "بأسًا" وهو خطأ، والمثبت من "تفسير عبد الرزاق".
ص: فهذه الآثار التي ذكرنا تمنع ما توهم من ذهب في تأويل الحديث الأول [إلى](1) ما ذكرناه.
ولو ثبت ما ذهب إليه من ذلك لاحتمل أن يكون ذلك الحديث كان في حال وجوب الضيافة حين أمر رسول الله عليه السلام بها، وأوجبها للمسافرين على من حَلَّوا به.
ش: أراد بهذه الآثار: الأحاديث التي رواها عن عبد الله بن عمر، وأبي سعيد الخدري، وأبي حميد الساعدي، وعمر بن يثربي، فإن هذه الأحاديث تدل على خلاف ما ذهب إليه أهل المقالة الأولى؛ لأنها تشعر أن ذلك الحديث محمول على حالة الضرورة كما قد ذكرناه.
قوله: "ولو ثبت ما ذهب إليه" جواب آخر بطريق التسليم، وهو أن يقال: ولئن سلمنا ثبوت ما ذهب إليه من ذهب في تأويل الحديث الأول، ما ذكر هناك ولكنه قد يجوز أن يكون ذلك الحديث في وقت كانت الضيافة فيه واجبة كما جاءت بذلك أخبار، فلما نسخ وجوب ذلك وارتفع حكمه ارتفع أيضًا حكم ذلك الحديث، فاستقر الأمر على ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية.
ص: فإنه حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر ووهب بن جرير، قالا: ثنا شعبة، عن منصور، عن الشعبي، عن المقدام أبي كريمة قال: قال رسول الله عليه السلام: "ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم ممن أصبح بفنائه، فإنه دين إن شاء اقتضاه وإن شاء تركه".
حدثنا بكار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة. . . . فذكر بإسناده مثله.
حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا الخصِيب، قال: ثنا وهيب، عن منصور. . . . فذكر بإسناد مثله.
حدثنا فهد، قال: ثنا عبد الله بن صالح، أن أبا طلحة حدثه عن أبي هريرة، عن
(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
النبي عليه السلام قال: "أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محرومًا؛ فله أن [يأخذ] (1) بقدر قراه ولا حرج عليه".
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا عمي، قال: ثنا معاوية بن صالح، عن نعيم بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام مثله.
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو مسهر قال: حدثني يحيي بن حمزة، عن الزبيدي، عن مروان بن رؤبة، أنه حدثه عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي، عن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله عليه السلام قال:"أيما رجل ضاف قوم، فلم يُقْروه كان له يعقبهم بمثل قِراه".
حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا شعيب بن الليث، قال: ثنا الليث، عن يزيد بن أبى حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، قال:"قلنا: يا رسول الله، إنك تبعثنا فنمر بقوم، قال: إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، وإن لم يفعلوا؛ فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي".
فأوجب عليه السلام الضيافة في هذه الآثار، وجعلها دينًا، وجعل للذي وجبت له أخذها كما يأخذ الدين، ثم نسخ [ذلك](2).
ش: الضمير في "فإنه" ضمير الشأن، والفاء للتفصيل والبيان، أعني بيان وجوب الضيافة على من ينزل به الضيف، وأورد فيه أحاديث عن المقدام وأبي هريرة وعقبة بن عامر الجهني رضي الله عنهم.
أما حديث المقدام: فأخرجه من أربع طرق صحاح:
الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن بشر بن عمر الزهراني، ووهب بن جرير كلاهما، عن شعبة، عن منصور بن المعتمر، عن عامر الشعبي، عن المقدام بن معدي كرب الكندي الصحابي، وكنيته أبو كريمة، وقيل: أبو يحيي.
(1) في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
(2)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
وأخرجه أبو داود (1): ثنا مسدد، وخلف بن هشام المقرئ، قالا: ثنا أبو عوانة، عن منصور، عن عامر، عن أبي كريمة قال: قال رسول الله عليه السلام: "ليلة الضيف حق على كل مسلم، فمن أصبح بفنائه فهو عليه دين؛ فإن شاء اقتضى وإن شاء ترك".
الثاني: عن بكار بن قتيبة، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة، عن منصور، عن الشعبي. . . . إلى آخره.
وأخرجه ابن ماجه (2): عن علي بن محمَّد، عن وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن الشعبي. . . . نحوه.
الثالث: عن نصر بن مرزوق، عن الخصيب بن ناصح الحارثي، عن وهيب بن خالد، عن منصور، عن الشعبي.
وأخرجه الطبراني في "معجمه"(3): ثنا أحمد بن داود المكي، ثنا عمرو بن مرزوق، ثنا شعبة، عن منصور، عن الشعبي، عن أبي كريمة أنه سمع النبي عليه السلام يقول:"ليلة الضيف حق على كل مسلم، ومن أصبح الضيف بفنائه فهو له حق أو دين إن شاء اقتضاه وإن شاء تركه".
الرابع: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني، عن يحيي بن حمزة بن واقد، عن محمَّد بن الوليد الزبيدي -بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف- عن مروان بن رؤبة التغلبي أبي الحصن الشامي الحمصي، وثقه ابن حبان، عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي الحمصي قاضيها، وثقه ابن حبان.
وأخرجه الطبراني (4): ثنا أحمد بن محمَّد بن يحيي بن حمزة الدمشقي، ثنا حيوة بن شريح، ثنا بقية بن الوليد، عن الزبيدي (ح).
(1)"سنن أبي داود"(3/ 342 رقم 3750).
(2)
"سنن ابن ماجه"(2/ 1212 رقم 3677).
(3)
"المعجم الكبير"(20/ 263 رقم 622).
(4)
"المعجم الكبير"(20/ 282 رقم 667).
وحدثنا طالب بن قرة الأذني ثنا محمَّد بن عيسى الطباع، ثنا القاسم بن موسى، عن محمَّد بن الوليد الزبيدي، حدثني مروان بن رؤبة، عن عبد الرحمن ابن أبي عوف الجرشي، عن المقدام بن معدي كرب، قال: قال النبي عليه السلام: "أيما رجل أضاف قومًا فلم يقروه فإن له أن يطلبهم بمثل قراه"، وفي لفظ:"فإن له أن يعاقبهم بمثل قراه".
وأما حديث أبي هريرة: فأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن عبد الله بن صالح شيخ البخاري، عن معاوية بن صالح، عن أبي طلحة نعيم بن زياد الأنماري الشامي، وثقه النسائي وابن حبان.
الثاني: عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب المصري المعروف ببحشل شيخ مسلم، عن عمه عبد الله بن وهب، عن معاوية بن صالح، عن نعيم بن زياد، عن أبي هريرة.
وأخرجه ابن وهب في "مسنده".
قوله: "قِراه" القرى -بكسر القاف- من قريت الضيف قرى -مثل قليته قلى- وقراءً: إذا أحسنت إليه، إذا كسرت القاف قصرت، وإذا فتحت مددت.
وأما حديث عقبة بن عامر الجهني فأخرجه بإسناد صحيح: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن شعيب بن الليث، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري، عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا قتيبة بن سعيد، قال: نا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر أنه قال:"قلنا: يا رسول الله، إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا، فما ترى؟ فقال لنا رسول الله عليه السلام: إن نزلتم بقوم فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم".
(1)"سنن أبو داود"(3/ 343 رقم 3752).
ص: فمما روي في نَسْخِهِ:
ما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا سليمان بن المغيرة، قال: ثنا ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: ثنا المقداد بن الأسود، قال:"جئت أنا وصاحب لي، حتى كادت تذهب أسماعنا وأبصارنا من الجوع، فجعلنا نتعرض للناس فلم يضفنا أحد، [فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله، أصابنا جوع شديد، فتعرضنا للناس فلم يضفنا أحد] (1) فأتيناك، فذهب بنا إلى منزله وعنده أربعة أعنز، فقال: يا مقداد، احلبهن وجَزِّئ اللبن لكل اثنين جزءًا. . . ." وذكر حديثًا طويلًا.
حدثنا محمَّد بن خزيمة، [قال: ثنا حجاج] (2) قال: ثنا حماد، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المقداد بن عمرو رضي الله عنه قال:"قدمت المدينة أنا وصاحب لي. . . ." ثم ذكر مثله.
أفلا ترى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يضيفوهم، وقد بلغت لهم الحاجة إلى ما ذكر في هذا الحديث، ثم لم يعنفهم رسول الله عليه السلام على ذلك.
فدل ما ذكرنا على نسخ ما كان أوجب على الناس من الضيافة، وقد ذكرنا فيما تقدم من كتابنا هذا عن رسول الله عليه السلام:"مال المسلم على المسلم كحرمة دمه".
وقد حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن عبد اللهَ بن السائب، عن أبيه، عن جده أنه سمع النبي عليه السلام يقول:"لا يأخذ أحدكم متاع صاحبه لاعبًا ولا جادًّا، وإذا أخذ أحدكم عصا أخيه فليردها إليه".
ش: هذا بيان لقوله: "ثم نسخ" أي فمن الأحاديث التي رويت في نسخ وجوب الضيافة، ووجوبها للضيف كسائر الديون، حديث المقداد بن الأسود.
وأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن
(1) سقط من "الأصل، ك" والمثبت من "شرح معاني الآثار".
(2)
تكررت في "الأصل".
سليمان بن المغيرة القيسي البصري، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المقداد بن الأسود.
وأخرجه مسلم (1) مطولًا: نا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا شبابة بن سوار، قال: ثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المقداد، قال: "أقبلت أنا وصاحبان لي، وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد، فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله عليه السلام، فليس أحد منهم يقبلنا، فأتينا النبي عليه السلام، فانطلق بنا إلى أهله، فإذا ثلاثة أعنز، فقال النبي عليه السلام: احتلبوا هذا اللبن بيننا، قال: فكنا نحتلب فيشرب كل إنسان منا نصيبه، ونرفع للنبي عليه السلام نصيبه، قال: فيجيء من الليل فيسلم تسليمًا لا يوقظ نائمًا ويسمع اليقظان، قال: ثم يأتي المسجد فيصلي، ثم يأتي شرابه فيشرب، فأتاني الشيطان ذات ليلة وقد شربت نصيبي، فقال: محمَّد يأتي الأنصار فيحفونه ويصيب عندهم، ما به حاجة إلى هذه الجرعة، فأتيتها فشربتها، فلما أن وغلت في بطني، وعلمت أنه ليس إليها سبيل قال: ندمني الشيطان فقال: ويحك ما صنعت، أشربت شراب محمَّد عليه السلام فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتذهب دنياك وآخرتك؟ وعليّ شملة إذا وضعتها على قدمي خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النوم، وأما صاحباي فناما، ولم يصنعا ما صنعت، قال: فجاء النبي عليه السلام فسلم كما كان يسلم، ثم أتى المسجد فصلى، ثم أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئًا، فرفع رأسه إلى السماء، فقلت الآن يدعو علي فأهلك، فقال: اللهم أطعم من أطعمني، واسق من سقاني، قال: فعمدت إلى الشملة فشددتها عليَّ، وأخذت الشفرة فانطلقت إلى الأعنز، أيها أسمن فأذبحها لرسول الله عليه السلام فإذا هي حافلة، وإذا هن حفل كلهن فعمدت إلى إناء لآل محمَّد عليه السلام ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه، قال: فحلبت فيه حتى علته رغوة، فجئت إلى رسول الله عليه السلام. فقال: أشربتم شرابكم الليلة؟ قال: قلت: يا رسول الله اشرب، فشرب، ثم ناولني، فقلت:
(1)"صحيح مسلم"(3/ 1625 رقم 2055).
يا رسول الله، اشرب فشرب، ثم ناولني، فلما عرفت أن النبي عليه السلام قد روي، وأصبت دعوته ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض، قال: فقال رسول الله عليه السلام: إحدى سوآتك يا مقداد، فقلت: يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا وكذا، فقال النبي عليه السلام: ما هذه إلا رحمة من الله، أفلا كنت آذنتني فتوقظ صاحبيك فيصيبان منها؟ قال: فقلت: والذي بعثك بالحق، ما أبالي إذا أَصَبْتَها وأَصَبْتُها معك من أصابها من الناس".
الطريق الثاني: عن محمَّد بن خزيمة بن راشد، عن حجاج بن المنهال، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المقداد بن عمرو.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): عن يزيد، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المقداد بن الأسود، قال:"قدمت أنا وصاحبان لي على رسول الله عليه السلام. . . ." إلى آخره نحوه، مع يسير اختلاف في اللفظ دون المعنى.
وأخرجه أحمد أيضًا (1): من طريق سليمان بن المغيرة، عن ثابت. . . . كما أخرجه الطحاوي، ولكن فيه:"ثلاثة أعنز".
وأخرجه أيضًا (2) عن عثمان، عن حماد، عن ثابت، عن عبد الرحمن، عن المقداد، وفيه:"وعنده أربع أعنز، فقال: احلبهن يا مقداد وجزئهن أربعة أجزاء، وأعط كل إنسان جزأ".
قوله: "وقد حدثنا ربيع المؤذن. . . ." إلى آخره ذكره تأكيدًا لبيان النسخ في وجوب الضيافة.
وأخرجه بإسناد حسن: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن أسد بن موسى، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب المدني، عن عبد الله السائب الكندي وثقه ابن سعد وابن حبان، عن أبيه السائب بن يزيد الكندي، حَسَّنَ الترمذي حديثه.
(1)"مسند أحمد"(6/ 3 رقم 23863).
(2)
"مسند أحمد"(6/ 4 رقم 23873).
عن جده يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي الصحابي.
أخرجه أبو داود (1): عن ابن بشار، عن يحيي، وعن سليمان بن عبد الرحمن، عن شعيب بن إسحاق، عن ابن أبي ذئب، عن عبد الله بن السائب بن يزيد، عن أبيه، عن جده. . . . نحوه.
وأخرجه الترمذي (2): عن بندار بن بشار، عن يحيي به.
وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي ذئب.
(1)"سنن أبي داود"(4/ 301 رقم 5003).
(2)
"جامع الترمذي"(4/ 462 رقم 2160).