الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب أكل لحوم الحمر الأهلية
ش: أي هذا باب في بيان حكم أكل لحوم الحُمُر الأهلية، والحُمُر -بضمتين- جمع حمار.
ص: حدثنا فهد بن سليمان، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا مسعر بن كدام، عن عبيد بن حسن، عن ابن معقل، عن رجلين من مزينة أحدهما عن الآخر، عبد الله بن عمرو بن لويم والآخر غالب بن الأبجر، قال مسعر: أرى غالبًا الذي سأل النبي عليه السلام: "قال: يا رسول الله، إن لم يبق من مالي شيء أستطيع أن أطعم من أهلي غير حُمر لي -أو حمرات لي- قال: فأطعم أهلك من سمين مالك، فإنما قذرت لكم جوال القرية".
حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا شعبة، عن عبيد بن حسن، عن عبد الرحمن بن معقل، عن عبد الرحمن بن بشر، عن رجال من مزينة من أصحاب النبي عليه السلام من الظاهرة، عن أبجر أو ابن أبجر، أنه قال:"يا رسول الله، إنه لم يبق من مالي شيء أستطيع أن أطعمه أهلي إلا حمر لي، قال: فأطعم أهلك من سمين مالك فإنما كرهت لكم جوال القرية".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت عبيد بن الحسن، عن عبد الله بن معقل، عن عبد الرحمن بن بشر:"أن ناسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من مزينة حدثوا أن سيد مزينة الأبجر أو ابن الأبجر سأل النبي عليه السلام. . ." ثم ذكر مثله.
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة. . . فذكر بإسناده مثله، غير أنه قال: عبد الرحمن بن معقل، وقال: عن رجال من مزينة الظاهرة، ولم يقل من أصحاب النبي عليه السلام، وقال: عن أبجر أو ابن أبجر.
ش: هذه أربع طرق:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري، عن مسعر بن كدام روى له الجماعة، عن عبيد بن حسن المزني، وثقه يحيى وأبو زرعة والنسائي، وروى له مسلم وأبو داود وابن ماجه، عن عبد الرحمن بن معقل بن مقرن المزني الكوفي وثقه ابن حبان، وروى له أبو داود، عن رجلين من مزينة أحدهما عبد الله بن عمرو بن لويم -بضم اللام وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره ميم- وقيل: عبد الله بن عامر، يعد في الصحابة، وقال: أبو عمر: عبد الله بن عمرو بن مليل المزني له صحبة، والآخر: غالب بن الأبجر المزني الصحابي.
الطريق الثاني: عن فهد أيضًا، عن أبي نعيم أيضًا، عن شعبة بن الحجاج، عن عبيد بن الحسن، عن عبد الرحمن بن معقل بن مقرن، عن عبد الرحمن بن بشر، فيه مقال، عن رجال من مزينة من الصحابة، عن أبجر أو ابن أبجر.
الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق، عن روح بن عبادة، عن شعبة، عن عبيد بن الحسن، عن عبد الله بن معقل، عن عبد الرحمن بن بشر. . . إلى آخره.
وأخرجه أبو يعلى في "مسنده": ثنا زهير، ثنا وكيع، نا مسعر وشعبة، عن عبيد بن حسن، عن عبد الرحمن بن معقل المزني، عن ناس من مزينة الظاهرة، عن غالب بن أبجر أنه قال:"يا رسول الله، لم يبق من مالي إلا أحمرة، قال: أطعم أهلك من سمين مالك؛ فإني إنما كرهت لكم جوال القرية".
الرابع: عن إبراهيم ابن مرزق أيضًا، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة. . . إلى آخره.
وأخرجه الطبراني (1): ثنا محمود بن علي البزاز الأصبهاني، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، عن شعبة، عن عبيد بن حسن، قال: سمعت عبد الله بن معقل يحدث عن عبد الله بن بشر، عن ناس من مزينة: "أن أبجر -أو ابن أبجر- سأل النبي عليه السلام
(1)"المعجم الكبير"(18/ 266 رقم 667).
فقال: يا رسول الله، إنه لم يبق من مالي إلا حُمُر، فقال رسول الله عليه السلام: أطعم أهلك من سمين مالك، وإنما كرهت لكم جوال القرية". انتهى.
وهذا الحديث مختلف في إسناده: ففي الطريق الأول: عن ابن معقل عن رجلين من مزينة.
وفي الثاني: عن عبد الرحمن بن معقل، عن عبد الرحمن بن بشر، وفيه أبجر أو ابن أبجر.
وفي الثالث: عن عبد الله بن معقل عوض عبد الرحمن بن معقل.
وفي الرابع: في رواية الطبراني: عبد الله بن بشر عوض عبد الرحمن بن بشر، وهذا اختلاف شديد، فلا يقاوم الأحاديث الصحيحة التي وردت بتحريم لحوم الحمر الأهلية.
وقال البيهقي (1): هذا الحديث معلول، رواه شعبة في إحدى الروايتين عنه، عن عبيد، عن عبد الرحمن بن معقل، عن عبد الرحمن بن بشر، عن ناس من مزينة، أن ابن أبجر سأل النبي عليه السلام.
وفي رواية أخرى عنه، عن عبيد، عن عبد الله بن معقل، عن عبد الله بن بشر، وروى مسعر عن عبيد، عن ابن معقل، عن رجلين من مزينة أحدهما عن الآخر: عبد الله بن عامر بن لويم، وغالب بن أبجر قال مسعر: وأرى غالبًا الذي سأل.
وروي عن أبي العميس، عن عبيد بن الحسن، عن عبد الله بن معقل، عن غالب، ومثل هذا لا يعارض الصحاح المصرحة بالتحريم.
وقال ابن حزم (2): هذا الذي ذكرتم باطل؛ لأنها كلها من طريق عبد الرحمن بن بشر وهو مجهول، والآخر من طريق عبد الله بن عمرو بن لويم وهو مجهول، أو من طريق شريك، وهو ضعيف، ثم عن ابن الحسن ولا يدرى من هو،
(1)"السنن الكبرى"(9/ 332 رقم 55).
(2)
"المحلى"(7/ 407).
عن غالب بن ذيخ، ولا يدرى من هو، أو من طريق سلمى بنت النضر الحضرية، ولا ندري من هي، انتهى.
وقال الخطابي: قال البخاري: حديث ابن أبجر قد اختلف في إسناده.
وقال أبو داود: رواه شعبة عن أبجر، أو ابن أبجر، ورواه مسعر قال: عن ابن عبيد، عن ابن معقل، عن رجلين من مزينة أحدهما عن الآخر.
قوله: "أرى غالبًا" بضم الهمزة أي أظن غالب بن الأبجر هو الذي سأل النبي عليه السلام.
قوله: "أو حمرات" شك من الرواي وهو جمع حمار، ويجمع الحمار على حَمِير وحُمْر وحُمُر وحُمرات وأَحْمِرة.
قوله: "قذرت لكم" من قذرت الشيء أقذره إذا كرهته واجتنبته، وهو من باب عَلِمَ يَعْلَمُ.
قوله: "جوال القريه" الجوال هي التي تأكل العذرة وهي الجلة.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذا فأباحوا أكل لحوم الحمر الأهلية، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: عاصم بن عمر بن قتادة وعبيد بن الحسن وعبد الرحمن ابن أبي ليلى، فإنهم أباحوا أكل لحوم الحمر الأهلية، واستدلوا على ذلك بحديث غالب بن أبجر، ويروى ذلك عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم.
وقال أبو بكر بن العربي في "أحكام القرآن"(1): واختلف في تحريم الحمر الأهلية على أربعة أقوال:
الأول: أنها حرمت شرعًا.
الثاني: أنها حرمت لأنها كانت جوال القرى، أي تأكل الجلة وهي النجاسة.
(1)"أحكام القرآن"(3/ 1145).
الثالث: أنها كانت حمولة القوم.
الرابع: أنها حرمت لأنها أفنيت قبل القسمة، فمنع النبي عليه السلام من أكلها حتى تقسم.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون فإن هو أكل لحوم الحمر الأهلية، وقالوا: قد يجوز أن تكون الحمر التى أباح النبي عليه السلام أكلها في هذا الحديث كانت وحشية ويكون قول النبي عليه السلام: "فإنما كرهت لكم جوال القرية" على الأهلية.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: جمهور العلماء من التابعين ومن بعدهم منهم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأصحابهم؛ فإنهم قالوا: يكره أكل لحم الحمر الأهلية، وهو مذهب الظاهرية أيضًا.
وقال ابن حزم: ولا يحل كل شيء من الحمر الإنسية، توحشت أو لم تتوحش، وحلال أكل حمر الوحش تأنست أو لم تتأنس.
قوله: "وقالوا. . ." إلى آخره جواب عن حديث غالب بن أبجر الذي احتجت به أهل المقالة الأولى، وهو ظاهر، ولكن فيه مساهلة، فإن قول غالب بن أبجر: غير حُمُر لي أو حمرات لي ظاهره يقتضي أن تكون حُمُرًا أهلية على ما لا يخفى.
ص: وقد روى شريك حديث غالب هذا على خلاف ما روى مسعر وشعبة.
حدثنا ابن أبي داود ويحيى بن عثمان وروح بن الفرج، قالوا: ثنا يوسف بن عدي (ح).
وحدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا علي بن حكيم الأودي (ح).
وحدثنا فهد قال: ثنا محمد بن سعيد -يزيد بعضهم على بعض- قالوا: ثنا شريك، عن منصور بن المعتمر، عن عبيد بن الحسن، عن غالب بن الذيخ، قال: قيل للنبي عليه السلام: "إنه قد أصابتنا سنة وإن سمين مالنا في الحمير، فقال: كلوا من سمين مالكم".
فأخبر [أن](1) ما كان أباح لهم من ذلك [كان في](2) عام سنة فإن كان ذلك على ما حملنا عليه حديث مسعر وشعبة فهو على ما حملناه عليه من ذلك، وإن كان ذلك على الحمر الأهلية، فإنه إنما كان في حال الضرورة، وقد تحل في حال الضرورة الميتة، فليس في هذا الحديث دليل على حكم لحوم الحمر الأهلية في غير حال الضرورة.
ش: أشار بهذا إلى الاختلاف الواقع في حديث غالب بن أبجر، وقد ذكرنا ما قالوا فيه من الاختلاف.
بيانه أن شريك بن عبد الله روى هذا الحديث على خلاف ما رواه مسعر بن كدام وشعبة بن الحجاج، وبين ذلك بقوله:"حدثنا ابن أبي داود. . ." إلى آخره.
وأخرجه من ثلاث طرق:
الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، ويحيى بن عثمان بن صالح السهمي البصري، وروح بن الفرج القطان المصري، ثلاثتهم عن يوسف بن عدي بن زريق شيخ البخاري، عن شريك بن عبد الله النخعي، عن منصور بن المعتمر، عن عبيد بن الحسن المزني.
عن غالب بن الذيخ، وهو غالب بن الأبجر، يقال له: ابن الذيخ بكسر الذال المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره خاء معجمة، ويقال له: ابن ذريح أيضًا، وقد وقع في رواية مسعر وشعبة: غالب بن الأبجر، وفي رواية شريك هذه: غالب بن ذيخ وجاء في رواية أخرى: غالب بن ذريح.
الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود أيضًا، عن علي بن حكيم بن ذبيان الأزدي الكوفي شيخ مسلم والبخاري في غير الصحيح، عن شريك. . . إلى آخره.
(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
(2)
في "الأصل، ك": "في كل"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
الثالث: عن فهد بن سليمان، عن محمد بن سعيد الأصبهاني شيخ البخاري، عن شريك. . . إلى آخره.
وأخرجه الطبراني (1): ثنا محمود بن محمد الواسطي، ثنا زكريا بن يحيى زحمويه، ثنا شريك، عن منصور، عن عبيد بن الحسن، عن غالب بن ذيخ:"أن رجلًا أتى النبي عليه السلام فقال: يا رسول الله أصابتنا مجاعة، وإن سمين مالي الحمر، فقال: كل من سمين مالك، وقال: إنما قذرت لكم -أو كرهت لكم- جلالة القرية".
وأخرجه ابن أبي شيبه (2): ثنا شريك، عن منصور، عن عبيد بن حسن، عن غالب بن ذيخ قال:"قلت: يا رسول الله، أصابتنا سنة، وسمين مالنا من الحمر، فقال: كل من سمين مالك، إنما قذرت جوال القرية".
قوله: "فأخبر ما كان. . ." إلى آخره أشار به إلى الاختلاف القوي بيانه أن النبي عليه السلام قد أخبر في هذا الحديث ما كان أباح لهم في السنة الجدبة فلا يخلو ذلك إما أن يكون هذا على الحمر الوحشية أو على الحمر الأهلية.
فإن كان الأول فلا يتم به استدلال أهل المقالة الأولى لأنَّا كلنا قائلون بإباحة لحوم الحمر الوحشية.
وإن كان الثاني فيكون محمولا على حالة الضرورة، أن الضرورات تبيح المحظورات، ألا ترى كيف يباح كل الميتة فيها وهي دون الحمر الأهلية؟ فإذن على كل حال لا يكون لهم دليل في ذلك.
ص: وقد جاءت الآثار عن رسول الله عليه السلام متواترة في نهيه عن أكل لحوم الحمر الأهلية، فمما روي عنه في ذلك:
ما حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس وأسامة ومالك، عن ابن شهاب، عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، عن أبيهما
(1)"المعجم الكبير"(18/ 267 رقم 669).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 123 رقم 24338).
أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لابن عباس رضي الله عنهم: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الإنسية، وعن متع النساء يوم خيبر".
ش: أي وقد جاءت الأحاديث عن النبي عليه السلام متكاثرة، وأراد بالتواتر معناه اللغوي لا الاصطلاحي على أنه يمكن أن يقال: أحاديث تحريم الحمر الأهلية مشهورة تلقتها العلماء بالقبول، والمشهور أحد قسمي المتواتر على ما عرف في موضعه، فمن ذلك حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وأخرجه بإسناد صحيح، رجاله كلهم رجال الصحيح، عن يونس بن عبد الأعلى شيخ مسلم، عن عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي وأسامة ابن زيد ومالك بن أنس، ثلاثتهم عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. . . إلى آخره.
وأخرجه مالك في "موطئه"(1).
ومسلم (2): عن يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، عن ابن شهاب. . . إلى آخره نحوه.
وعن (2) أبي بكر بن أبي شيبة وابن نمير وزهير بن حرب، ثلاثتهم عن سفيان.
وعن (3) ابن نمير، عن أبيه، عن عبيد الله.
وعن (3) أبي الطاهر وحرملة، كلاهما عن إبراهيم، عن يونس.
وعن (3) إسحاق وعبد بن حميد، كلاهما عن عبد الرزاق، عن معمر، كلهم عن الزهري بهذا الإسناد.
فإن قيل: ما وجه الجمع بين تحريم أكل الحمر الأهلية وبن تحريم متعة النساء في وقت واحد وهو زمن خيبر وليس الأمر كذلك؛ فإن تحريم متعة النساء كان زمن الفتح، وزمن خيبر متقدم على زمن الفتح بسنة؟.
(1)"موطأ مالك"(2/ 542 رقم 129).
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 1027 رقم 1407).
(3)
"صحيح مسلم"(2/ 1028 رقم 1407).
قلت: قال بعضهم يحتمل الحديث التقديم والتأخير كأنه أراد: نهى عن متعة النساء، وعن أكل لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، ويكون الشيء المنهي عنه يوم خيبر أكل لحوم الحمر خاصة، ويكون النهي عن المتعة خارجًا عن ذلك موقوفًا على وقته بدليله، وهذا تأويل فيه بعد، والصحيح في الحديث ما رواه ابن بكير عن مالك بإسناده، فقال فيه:"نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر" لم يزد على ذلك.
ورواه الشافعي عن مالك بإسناده، عن علي رضي الله عنه:"أن رسول الله عليه السلام نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية" لم يزد على ذلك، وسكت عن قصة المتعة لما عُلِم فيها من الاختلاف.
وذكر سفيان وقال: ثنا الزهري، قال: أخبرني حسن وعبد الله ابنا محمد بن علي -وكان الحسن أرضاهما- عن أبيهما: "أن عليًّا قال لابن عباس: إن رسول الله عليه السلام نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية" قال سفيان: يعني عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر، لا يعني نكاح المتعة.
وقال أبو عمر: على هذا أكثر الناس، وعند الزهري أيضًا حديث آخر في هذا الباب، رواه عن الربيع بن سبرة، عن أبيه قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن نكاح المتعة يوم الفتح".
وقال آخرون: إنما نهى رسول الله عليه السلام عن نكاح المتعة عام حجة الوداع، واحتجوا بما رواه أبو داود (1): ثنا مسدد، ثنا عبد الرزاق، عن إسماعيل بن أمية، عن الزهري قال:"كنا عند عمر بن عبد العزيز، فتذاكرنا متعة النساء، فقال رجل -يقال له: ربيع بن سبرة-: أشهد علي أبي أنه حدث عن رسول الله عليه السلام أنه نهى عنها في حجة الوداع".
قال أبو داود: وهذا أصح ما روي في ذلك.
(1)"سنن أبي داود"(2/ 226 رقم 2072).
قال أبو عمر: وكان الحسن البصري يقول: إن هذه القصة كانت في عمرة القضاء.
وأما اختلاف العلماء في هذا الباب فقد استوفينا ذكره في "كتاب النكاح".
ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم، عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس:"أن رسول الله عليه السلام نهى يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر الإنسية".
ش: إسناده صحيح على شرط مسلم، وابن أبي نجيح هو عبد الله بن أبي نجيح.
وأخرجه الطحاوي بغير هذا الإِسناد في باب: أكل الضبع.
والبزار بأتم منه: ثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه وعمر بن الخطاب، قالا: نا ابن أبي مريم نا ابن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس قال:"نهى رسول الله عليه السلام يوم خيبر أن يوقع على الحبالى، وقال: لا تسق زرع غيرك، ونهى عن بيع المغانم حتى تقسم، وعن أكل الحمر الإنسية، وعن كل ذي ناب من السباع".
ص: حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا عبد الله بن نمبر، قال: ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال:"نهى رسول الله عليه السلام يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا يحيى القطان، عن عبيد الله فذكر بإسناده مثله.
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا دحيم، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن أبي حنيفة، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله عليه السلام مثله.
ش: هذه ثلاث طرق صحاح:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن أبي بكر بن أبي شيبة شيخ مسلم وابن ماجه، عن عبد الله بن نمير، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن نافع عن عبد الله بن عمر.
وأخرجه مسلم (1): نا محمد بن عبد الله بن نمير، قال: ثنا أبي، قال: نا عبيد الله قال: حدثني نافع وسالم، عن ابن عمر:"أن رسول الله عليه السلام نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية".
الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن مسدد، عن يحيى بن سعيد القطان، عن عبيد الله بن عمر. . . إلى آخره.
وأخرجه البخاري (2): من حديث عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر.
الثالث: عن إبراهيم أيضًا، عن دحيم وهو عبد الرحمن بن إبراهيم شيخ البخاري، عن عبيد الله بن موسى العيشي عن الإِمام أبي حنيفة النعمان، عن نافع عن ابن عمر.
وأخرجه أبو بكر بن أبي العاصم في "مسنده".
ص: حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا ابن نمير، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن عمرو بن ضخرة الفزاري، عن عبد الله بن أبي سليط، عن أبيه أبي سليط -وكان بدريًّا- قال:"لقد أتانا نهي رسول الله عليه السلام عن أكل لحوم الحمر ونحن بخيبر وإن القدور لتفور بها، فأكفأناها على وجهها".
ش: ابن نمير هو عبد الله بن نمير.
وأبو سليط اسمه أُسَيْر -بضم الهمزة وفتح السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء- ويقال: أسيره -بالهاء في آخره- ابن عمرو بن قيس الأنصاري الخزرجي النجاري شهد بدرًا.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): عن عبد الله بن نمير. . . إلى آخره نحوه.
(1)"صحيح مسلم"(3/ 1538 رقم 561).
(2)
"صحيح البخاري"(4/ 1544 رقم 3980).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 121 رقم 24325).
قوله: "وإن القدور تفور بها" أي تجيش، من فارت القدر، تفور فورًا وفورانا.
قوله: "فأكفأناها" أي قلبناها على وجهها.
ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن علي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه:"أن رسول الله عليه السلام نهى يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا إبراهيم بن بشار، قال: ثنا سفيان، عن عمرو، عن جابر قال:"أطعمنا النبي عليه السلام لحوم الخيل، ونهانا عن لحوم الحمر".
حدثنا يونس قال: ثنا ابن وهب، قال: أنا ابن جريج، أن أبا الزبير المكي أخبره، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول:"أكلنا زمن خيبر الخيل والحمار الوحشي، ونهانا رسول الله عليه السلام عن الحمار الأهلي".
حدثنا فهد، قال: ثنا محمد بن سعيد، قال: أنا أبو خالد الأحمر، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر مثله.
ش: هذه أربع طرق صحاح:
الأول: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن أسد بن موسى. . . إلى آخره.
وأخرجه البخاري (1) ومسلم (2): من حديث حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن علي، عن جابر:"أن رسول الله عليه السلام نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل".
قلت: محمد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم الملقب بالباقر؛ لتبقره في العلم أي لتوسعه.
الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن إبراهيم بن بشار الرمادي، عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار. . . إلى آخره.
(1)"صحيح البخاري"(5/ 2101 رقم 5201).
(2)
"صحيح مسلم"(3/ 1541 رقم 1941).
وأخرجه العدني في "مسنده": ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله قال:"أطعمنا رسول الله عليه السلام لحوم الخيل، ونهانا عن لحوم الحمر".
الثالث: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن عبد الملك بن جريج، عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي، عن جابر.
الرابع: عن فهد بن سليمان، عن محمد بن سعيد الأصبهاني شيخ البخاري، عن أبي خالد الأحمر سليمان بن حيان، عن عبد الملك بن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر.
وأخرجه ابن أبي شيبة (1): ثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن لحوم الحمر الأهلية".
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء -سمعه منه- قال:"أصبنا حمرا يوم خيبر فطبخناها، فنادى منادي رسول الله عليه السلام: "أن اكفىوا القدور".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر، قال: ثنا شعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء وابن أبي أوفى، عن النبي عليه السلام نحوه.
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، قال: أنا شعبة، عن عدي بن ثابت، قال: سمعت البراء وعبد الله بن أبي أوفى. . . مثله، ولم يذكر "خيبر".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، عن إبراهيم الهجري عن ابن أبي أوفى مثله.
حدثنا ابن مرزوق قال: ثنا وهب قال: ثنا شعبة، عن الشيباني، عن ابن أبي أوفى نحوه.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 120 رقم 24310)، ولفظه عنده:"أكلنا لحوم الخيل يوم خيبر ولحوم الحمر الوحشية".
ش: هذه خمسة أسنايد:
الأول: عن البراء بن عازب وحده، أخرجه بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن مرزوق، عن روح بن عبادة، عن شعبة، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن البراء بن عازب.
وأخرجه مسلم (1): ثنا ابن مثنى وابن بشار، قالا: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: قال البراء: "أصبنا يوم خيبر حمرًا فنادى منادي رسول الله عليه السلام أن اكفئوا القدور".
الثاني: عن البراء مع عبد الله بن أبي أوفى.
أخرجه عن إبراهيم بن مرزوق، عن بشر بن عمر الزهراني، عن شعبة بن الحجاج، عن عدي بن ثابت الأنصاري، عن البراء بن عازب، وعبد الله بن أبي أوفى كلاهما عن النبي عليه السلام، وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا هاشم، ثنا شعبة، عن عدي بن ثابت سمعت البراء وابن أبي أوفي قالا:"أصبنا يوم خيبر حمرًا، فنادى منادي رسول الله عليه السلام: أن اكفئوا القدور".
الثالث: كذلك عن الاثنين.
أخرجه بإسناد صحيح، عن محمد بن خزيمة بن راشد، عن عبد الله بن رجاء الغداني شيخ البخاري، عن شعبة، عن عدي بن ثابت قال: سمعت البراء وعبد الله ابن أبي أوفى.
وأخرجه مسلم (1): نا عبيد الله بن معاذ، قال: نا أبي، قال: ثنا شعبة، عن عدي وهو -ابن ثابت- قال: سمعت البراء وعبد الله بن [أبي](3) أوفى يقولان: "أصبنا حمرًا طبخناها فنادى منادي رسول الله عليه السلام: اكفئوا القدور.
(1)"صحيح مسلم"(3/ 1539 رقم 1938).
(2)
"مسند أحمد"(4/ 354 رقم 19139) بنحوه.
(3)
ليست في "الأصل".
الرابع: عن عبد الله بن أبي أوفى وحده.
أخرجه بإسناد صحيح عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن شعبة، عن إبراهيم بن مسلم الهجري، عن عبد الله بن أبي أوفى.
وأخرجه أحمد (1): بأتم منه: ثنا علي بن عاصم، قال: ثنا الهجري قال: "خرجت في جنازة ابنة عبد الله بن أبي أوفى، وهو على بغلة له حواء يعني سوداء، قال: فجعلن النساء يقلن لقائده: قدمه أمام الجنازة، ففعل، قال: فسمعته يقول: أين الجنازة؟ قال: فقالوا: خلفك، قال: ففعل ذلك مرة أو مرتين، قال: ثم قال: ألم أنهك أن تقدمني أمام الجنازة؟ قال: فسمع امرأة تلتدم -وقال مرة: ترثي- فقال: مه ألم أنهكن عن هذا؟ إن رسول الله عليه السلام كان ينهانا عن المراثي، لتقض إحداكن من عَبرتها ما شاءت، فلما وضعت الجنازة تقدم، فكبر عليها أربع تكبيرات ثم قام هنية فسبح به بعض القوم، فانفتل فقال: أكنتم ترون أني أكبر الخامسة؟ قالوا: نعم، قال: إن رسول الله عليه السلام كان إذا كبر الرابعة قام هنية، فلما وضعت الجنازة جلس، وجلسنا إليه، فسئل عن لحوم الحمر الأهلية، فقال: تلقانا يوم خيبر حمرًا أهلية خارجًا عن القرية فوقع الناس فيها فذبحوها، فإن القدور لتغلي ببعضه إذ نادى منادي رسول الله عليه السلام: أهريقوها فأهرقناها، ورأيت على عبد الله مطرفا من خز أخضر".
الخامس: عن عبد الله وحده أيضًا.
أخرجه بإسناد صحيح عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن شعبة، عن سليمان الشيباني، عن عبد الله بن أبي أوفى.
وأخرجه مسلم (2): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا علي بن مسهر، عن الشيباني قال: "سألت عبد الله بن أبي أوفى عن لحوم الحمر الأهلية، فقال: أصابتنا مجاعة يوم خيبر ونحن مع رسول الله عليه السلام وقد أصبنا للقوم حمرًا خارجة من المدينة،
(1)"مسند أحمد"(4/ 383 رقم 19436).
(2)
"صحيح مسلم"(3/ 1538 رقم 1937).
فنحرناها فإن قدورنا لتغلي إذ نادى منادي رسول الله عليه السلام أن اكفئوا القدور ولا تطعموا من لحوم الحمر شيئًا".
ص: حدثنا المزني، قال: ثنا الشافعي، قال: أنا سفيان، قال: ثنا عمرو، قال: قلت لجابر بن زيد: "إنهم يزعمون أن النبي عليه السلام قد نهى عن لحوم الحمر الأهلية، فقال: قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنه عن النبي عليه السلام ولكن أبي ذلك البحر -يعني ابن عباس- وقرأ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} (1) الآية".
ش: إسناده صحيح، والمزني إسماعيل بن يحيى، وسفيان هو ابن عيينة.
وأخرجه الطبراني (2): ثنا بشر بن موسى، ثنا الحميدي، ثنا سفيان، ثنا عمرو بن دينار قال: قلت لجابر بن زيد: "إنهم يزعمون أن رسول الله عليه السلام نهى عن لحوم الحمر الأهلية، فقال: قد كان يقول عندنا الحكم بن عمرو الغفاري: عن رسول الله عليه السلام، ولكن أبى ذلك البحر يعني ابن عباس، وقرأ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} (1) الآية".
ص: حدثا ابن أبي داود قال: ثنا عيسى بن إبراهيم قال: ثنا عبد العزيز بن مسلم قال: ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال:"نهى رسول الله عليه السلام يوم خيبر عن لحوم الحمر الإنسية".
حدثنا فهد، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أنا الدراوردي قال: ثنا محمد بن عمرو. . . فذكر بإسناده مثله.
ش: هذان طريقان صحيحان:
الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عيسى بن إبراهيم الغافقي المصري شيخ أبي داود والنسائي، عن عبد العزيز بن مسلم القسملي، عن محمد بن
(1) سورة الأنعام، آية:[145].
(2)
"المعجم الكبير"(3/ 212 رقم 3164).
عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة:"أن رسول الله عليه السلام حرم يوم خيبر الحمار الإنسي".
الثاني: عن فهد بن سليمان، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم شيخ البخاري، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا محمد بن بشار، نا عبد الوهاب، نا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال:"حرم رسول الله عليه السلام كل ذي ناب من السباع والمجثمة والحمار الإنسي يوم خيبر".
وأخرجه الترمذي وصححه (2).
ص: حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني، قال: ثنا محمد بن إدريس الشافعي، قال: ثنا سفيان، عن أيوب السختياني، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما افتتح النبي عليه السلام خيبر أصابوا حمرًا، فطبخوا منها مطبخة، فنادى منادي رسول الله عليه السلام: ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عنها؛ فإنها نجس فاكفئوا القدور".
حدثنا أبو أمية، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، قال: ثنا حماد، عن هشام، عن محمد، عن أنس.
وأيوب، عن محمد -قال حماد: أظنه عن أنس- قال: قال: "أتي رسول الله عليه السلام يوم خيبر، فقيل له: قلت الحمر. فسكت، ثم أتي فقيل له: أفنيت الحمر، فأمر أبا طلحة ينادي. . ." فذكر مثله.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 122 رقم 24334).
(2)
"جامع الترمذي"(4/ 254 رقم 1795).
حدثنا حسين بن نصر، قال: سمعت يزيد بن هارون، قال: أنا هشام، قال: ثنا الزبيدي، عن محمد، عن أنس، عن النبي عليه السلام مثله.
ش: هذه ثلاث طرق صحاح:
الأول: عن المزني، عن الشافعي، عن سفيان بن عيينة، عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أنس.
وأخرجه مسلم (1): ثنا ابن أبي عمر، قال: ثنا سفيان، عن أيوب، عن محمد، عن أنس قال:"لما افتتح رسول الله عليه السلام خيبر أصبنا حمرًا خارجة من القرية [فطبخنا] (2) منها، فنادى منادي النبي عليه السلام: ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عنها؛ فإنها رجس من عمل الشيطان، فأكفئت القدور بما فيها، وإنها لتفور بما فيها".
الثاني: عن أبي أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي، عن عبيد الله بن عمرو الرقي، عن حماد بن سلمة، عن هشام بن حسان الأزدي، عن محمد بن سيرين، عن أنس، وعن أيوب السختياني، عن محمد، عن أنس.
وأخرجه مسلم (3): ثنا محمد بن المنهال الضرير، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: نا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك قال:"لما كان [يوم] (4) خيبر جاء جاء فقال: يا رسول الله، أكلت الحمر، ثم جاء آخر فقال: يا رسول الله، أفنيت الحمر، فأمر رسول الله عليه السلام أبا طلحة فنادى: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر؛ فإنها رجس -أو نجس- قال: فأكفئت القدور بما فيها".
الثالث: عن حسين بن نصر بن المعارك، عن يزيد بن هارون، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أنس.
(1)"صحح مسلم"(3/ 1540 رقم 1940).
(2)
في "الأصل، ك": "فطبخناها" وهو خطأ، والمثبت من "صحيح مسلم".
(3)
"صحيح مسلم"(3/ 1540 رقم 1940).
(4)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "صحيح مسلم".
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1).
ص: حدثنا علي بن أبي عبد الرحمن قال: ثنا عبد الوهاب بن نجدة قال: ثنا بقية قال: ثنا الزبيدي، عن الزهري، عن أبي إدريس، عن أبي ثعلبة:"أن رسول الله عليه السلام نهى عن كل ذي ناب من السباع وعن لحوم الحمر الأهلية".
ش: عبد الوهاب بن نجدة الحوطي شيخ أبي داود، وثقه يعقوب بن شيبة والنسائي.
وبقية بن الوليد الحمصي احتجت به الأربعة.
والزُّبَيدي -بضم الزاي وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف- هو محمد بن الوليد روى له الجماعة سوى الترمذي.
والزهري هو محمد بن مسلم.
وأبو إدريس الخولاني: عائذ الله.
وأبو ثعلبة الخشني الصحابي رضي الله عنه وفي اسمه اختلاف ذكرناه في باب أكل الضبع، لأن الطحاوي أخرج هذا الحديث هناك عن يونس، عن سفيان، عن الزهري، عن أبي إدريس، عن أبي ثعلبة.
وأخرجه النسائي (2): عن عمر بن عثمان، عن بقية بن الوليد. . . إلى آخره.
ص: حدثنا فهد، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا إبراهيم بن سويد، قال: حدثني يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع، قال: أخبرني سلمة: "أنهم كانوا مع رسول الله عليه السلام مساء يوم افتتحوا خيبر، فرأى رسول الله عليه السلام نيرانا توقد، فقال: ما هذه النيران؟ قالوا: على لحوم الحمر الإنسية، فقال رسول الله عليه السلام: اهريقوا ما فيها واكسروها -يعني القدور- فقال رجل من القوم أو نغسلها؟ فقال رسول الله عليه السلام: أو ذاك".
(1)"مسند أحمد"(3/ 115 رقم 12161).
(2)
"المجتبى"(7/ 204 رقم 4342).
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، قال: أنا يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة. . . فذكر نحوه.
ش: هذان طريقان صحيحان.
الأول: عن فهد بن سليمان، عن سعيد بن الحكم المعروف -بابن أبي مريم- المصري شيخ البخاري، عن إبراهيم بن سويد بن الحيان المدني، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع.
وأخرجه البخاري (1) ومسلم (2): من حديث يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة، قال:"لما قدمنا خيبر رأى رسول الله عليه السلام نيرانًا توقد، قال: على ما توقد هذه النيران؟ قالوا: على لحوم الحمر الأهلية، قال: كسروا القدور وأهريقوا ما فيها، فقيل: يا رسول الله، أنهرق ما فيها ونغسلها؟ قال: أو ذاك".
الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري، عن يزيد بن أبي عبيد. . . إلى آخره.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(3): من حديث يزيد مولى سلمة بن الأكوع، عن مولاه سلمة.
قوله: "أهريقوا ما فيها" أي: أريقوا ما في القدور، والهاء زائدة، يقال: أراق واهراق أيضًا.
قوله: "أو ذاك" أي أو افعلوا ذاك، وأشار به إلى الغسل الذي يدل عليه قوله:"أو نغسلها" والمعنى: أو اغسلوها.
وهذا كما رأيت قد أخرج الطحاوي الأحاديث المذكورة عن اثني عشر نفرًا من الصحابة، وهم: علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وأبو سليط
(1)"صحيح البخاري"(4/ 1537 رقم 3960).
(2)
"صحيح مسلم"(3/ 1540 رقم 1802).
(3)
"سنن البيهقي الكبرى"(6/ 102 رقم 11333).
وجابر بن عبد الله والبراء بن عازب وعبد الله بن أبي أوفى والحكم بن عمرو الغفاري وأبو هريرة وأنس بن مالك وأبو ثعلبة وسلمة بن الأكوع رضي الله عنهم.
ولما أخرج الترمذي حديث علي وأنس وأبي هريرة قال: وفي الباب عن العرباض وأبي سعيد الخدري.
قلت: وفي الباب أيضًا عن سلمة بن المحبق والمقدام بن معدي كرب، وأبي أمامة الباهلي وخالد بن الوليد وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم.
أما حديث العرباض: فقد ذكرناه في "باب أكل الضبع" عن الطبراني.
وأما حديث أبي سعيد الخدري:
فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا الفضل بن دكين، عن يونس بن أبي إسحاق قال: ثنا أبو الوداك قال: ثنا أبو سعيد الخدري، عن النبي عليه السلام:"أنه مر بالقدور وهي تغلي، فقال لنا: ما هذه أحمر أهلية أم وحشية؟ فقلنا: لا بل أهلية، قال: فاكفئوها، قال: فكفأناها، وإنا لجياع نشتهيه".
وأما حديث سلمة بن المحبق وحديث المقدام: فأخرجهما الطحاوي على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى.
وأما حديث أبي أمامة: فأخرجه ابن أبي شيبة (2) أيضًا: ثنا أبو أسامة، عن عبد الرحمن بن زيد بن جابر قال: ثنا القاسم ومكحول، عن أبي أمامة:"أن رسول الله عليه السلام نهى يوم خيبر عن أكل الحمار الأهلي".
وأما حديث خالد بن الوليد فقد ذكرناه في "باب أكل الضبع" عن أبي داود.
وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص:
فأخرجه أبو داود (3) أيضًا: ثنا سهل بن بكار، قال: نا وهيب عن ابن طاوس
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 122 رقم 24335).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 122 رقم 24332).
(3)
"سنن أبي داود"(3/ 357 رقم 3811).
، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال:"نهى رسول الله عليه السلام يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وعن الجلالة وعن ركوبها، وعن أكل لحمها".
ص: فكانت هذه الآثار تواترت عن رسول الله عليه السلام بالنهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية، فكان أولى الأشياء بنا أن نحمل حديث غالب بن الأبجر على ما وافقها لا على ما خالفها.
ش: أي فكانت هذه الأحاديث المذكورة قد تكاثرت وتواردت عن النبي عليه السلام بالنهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية، وعارضت حديث غالب بن الأبجر الذي احتجت به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه من إباحة أكل لحوم الحمر الأهلية.
فالأولى أن يحمل حديث غالب على ما يوافق الأحاديث المذكورة؛ لئلا تختلف الآثار وتتضاد المعاني، وقد ذكر فيما مضى وجه هذا الحمل عند قوله:"وقد يجوز أن تكون الحمر التي أباح النبي عليه السلام أكلها في حديث غالب وحشية".
والأحسن في هذا أن يقال: لا يعارض حديث غالب بن أبجر الأحاديث المذكورة؛ لاضطراب حديث غالب سندًا ومعنى وصحة الأحاديث المذكورة، وشرط التعارض: المساواة.
ص: فقال قوم: إنما نهى رسول الله عليه السلام عن ذلك؛ إبقاء على الظهر ليس على وجه التحريم.
ورووا في ذلك ما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عباد بن موسى الختلي، قال: ثنا يحيى بن سعيد الأموي، عن الأعمش، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قال ابن عباس: "ما نهى رسول الله عليه السلام يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر الأهلية إلا من أجل أنها ظهر".
حدثنا فهد، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا يحيى بن أيوب، عن ابن جريج أن نافعا أخبره عن عبد الله بن عمر قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن أكل الحمار الأهلي يوم خيبر، وكانوا قد احتاجوا إليها".
حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا مكي وأبو عاصم، قالا: أنا ابن جريج، قال: أخبرني نافع، قال: قال ابن عمر. . . ثم ذكر مثله.
ش: أشار بهذا إلى بيان اختلاف العلماء في معنى النهي الوارد عن النبي عليه السلام عن أكل لحوم الحمر الأهلية؛ لأي علة كان هذا النهي؟ فلذلك قال: (فقال) بالفاء التفصيلية أي الذين ذهبوا إلى إباحة لحم الحمر الأهلية.
وذكر فيه ثلاثة أقوال:
الأول: ما أشار إليه بقوله: "فقال قوم: إنما نهى رسول الله عليه السلام عن ذلك" أي عن أكل لحوم الحمر الأهلية.
وأراد بالقوم هؤلاء: نافعًا وعبد الملك بن جريج وعبد الرحمن بن أبي ليلى بعض أصحاب مالك.
قوله: "اتقاءَ" بالنصب، أي لأجل الانتقاء، واحتجوا في ذلك بحديث عبد الله ابن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم.
أما حديث ابن عباس فأخرجه بإسناد صحيح عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عباد بن موسى الختلي -بضم الخاء المعجمة والتاء المثناة من فوق- نسبة إلى ختلان وهي بلاد مجتمعة وراء بلخ وهو شيخ مسلم وأبي داود، عن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الكوفي، نزيل بغداد، عن سليمان الأعمش، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
وأخرجه بن أبي شيبة في "مصنفه"(1) بدون ذكر ابن عباس: ثنا شريك، عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:"إنما كرهت؛ إبقاءً على الظهر، يعني لحوم الحمر".
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 123 رقم 24339).
وأخرج البخاري (1) ومسلم (2): من حديث عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن عاصم، عن عامر، عن ابن عباس قال:"لا أدري أنهى عنه رسول الله عليه السلام من أجل أنه كان حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم، أو حرمه في يوم خيبر لحم الحمر الأهلية".
قلت: فهذا يبين أن ابن عباس علم بالنهي، لكنه حمله على التنزيه توفيقا بين الآية وعمومها، وبين أحاديث النهي.
وأما حديث ابن عمر، فأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم المصري شيخ البخاري، عن يحيى بن أيوب الغافقي المصري، عن عبد الملك بن جريج، عن نافع عن ابن عمر.
الثاني: عن يزيد بن سنان القزاز شيخ النسائي عن مكي بن إبراهيم وأبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، كلاهما شيخ البخاري، عن عبد الملك بن جريج، عن نافع، عن ابن عمر.
ص: فكان من الحجة عليهم في ذلك أن جابرًا رضي الله عنه قد أخبر أن النبي عليه السلام أطعمهم يومئذ لحوم الخيل ونهاهم عن لحوم الحمر، وهم كانوا إلى الخيل أحوج منهم إلى الحمر، فدل تركه منعهم أكل لحوم الخيل أنهم كانوا في بقية من الظهر، ولو كانوا في قلة من الظهر حتى احتيج لذلك أن يمنعوا من أكل لحوم الحمر فكانوا إلى المنع من أكل الخيل أحوج؛ لأنهم يحملون على الخيل كما يحملون على الحمر، وركوب الخيل بعد ذلك لمعاني لا يركبون لها الحمر.
فدل ما ذكرنا: أن العلة التي لها منعوا من أكل لحوم الحمر ليست هي هذه العلة.
(1)"صحيح البخاري"(4/ 1545 رقم 3987).
(2)
"صحيح مسلم"(3/ 1539 رقم 1939).
ش: أي فكان من الدليل والبرهان على هؤلاء القوم فيما ذكروا، والحاصل: أن هذا جواب عما قالوا، وهو ظاهر.
وقال أبو عمر في هذا الموضع: وفي إذن رسول الله عليه السلام في أكل الخيل وإباحته لذلك يوم خيبر دليل على أن نهيه عن أكل لحوم الحمر يومئذ عبادة لغير علة؛ لأنه معلوم أن الخيل أرفع من الحمير، وأن الخوف على الخيل وعلى قيامها، فوق الخوف على الحمير، وأن الحاجة في الغزو وغيره إلى الخيل أعظم، وبهذا يتبين [لك أن](1) أكل لحوم الحمر لم يكن لحاجة وضرورة إلى الظهر والحمل، وإنما كان عبادة وشريعة.
ألا ترى إلى حديث أنس بن مالك: "أن منادي رسول الله عليه السلام نادى يوم خيبر: أن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية، وما نهى الله عنه ورسوله فلا خيار لأحد فيه، وكل قول خالف السنة مردود.
ص: وقال آخرون: إنما منعوا يومئذ من أكل الحوم الحمر؛ لأنها حمر كانت تأكل العذرة، ورووا في ذلك ما حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، عن الشيباني، قال: ذكرت لسعيد بن جبير حديث ابن أبي أوفى في أمر النبي عليه السلام إياهم بإكفاء القدور يوم خيبر، فقال:"إنما نهى عنها؛ لأنها كانت تأكل العُذرة" قالوا: فإنما نهى النبي عليه السلام عن أكلها لهذه العلة.
ش: أي قال جماعة آخرون -وهم سعيد بن جبير، وجماعة من المالكية- إنما منعت الصحابة يوم خيبر من أكل لحوم الحمر الأهلية؛ لأنها كانت جوالة تأكل العذرات فكان نهي النبي عليه السلام لهذه العلة، لا لأجل التحريم.
وروى هؤلاء في ذلك ما أخرجه بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن مرزوق، وهب بن جرير، عن شعبة، عن الشيباني، واسمه سليمان بن فيروز.
(1) في "الأصل، ك": "إلى أن"، والمثبت من "التمهيد"(10/ 127).
وأخرج ابن ماجه (1): عن سويد بن سعيد، نا علي بن مسهر، عن أبي إسحاق الشيباني، قال:"سألت عبد الله بن أبي أوفى عن لحوم الحمر الأهلية، فقال: أصابتنا مجاعة يوم خيبر ونحن مع النبي عليه السلام وقد أصاب القوم حمرًا خارجًا من المدينة، فنحرناها وإن قدورنا لتغلي، إذ نادى منادي النبي عليه السلام: أن اكفئوا القدور، ولا تطعموا من لحوم الحمر شيئًا، فأكفأناها. فقلت لعبد الله بن أبي [أوفى] (2): حرمها تحريمًا؟ قال: تحدثنا إنما حرمها رسول الله عليه السلام البتة من أجل أنها كانت تأكل العذرة".
ص: فكان من الحجة عليهم في ذلك أنه لو لم يكن جاء في هذا إلا الأمر بالإكفاء للقدور؛ لكان ذلك محتملا لما قالوا، ولكنه قد جاء هذا، وجاء النهي في ذلك مطلقًا.
حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا شبابة بن سوار، قال: ثنا أبو زَبْر عبد الله بن العلاء، قال: ثنا مسلم بن مشكم كاتب أبي الدرداء، قال: سمعت أبا ثعلبة الخشني: "يقول أتيت النبي عليه السلام، فقلت: يا رسول الله، حدثني ما يحل لي مما يحرم عليّ، فقال: لا تأكل الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السبع".
فكان كلام النبي عليه السلام في هذا الحديث جوابًا لسؤال أبي ثعلبة إياه عما يحل له مما يحرم عليه، فدل ذلك على نهيه عن أكل لحوم الحمر الأهلية، لا لعلة تكون في بعضها دون بعض من أكل العذرة وما أشبهها ولكن لها في أنفسها، وقد جعلها عليه السلام في نهيه عنها كذي الناب من السبع، فكما كان ذو الناب منهيَّا عنه لا لعلة، كان ذلك الحمر الأهلية منهيًا عنها لا لعلة.
ش: أي فكان من الدليل والبرهان على هؤلاء الآخرين فيما ذكروا من العلة. . . إلى آخره، وهو ظاهر.
قوله: "وجاء النهي في ذلك مطلقًا" أي وجاء النهي عن النبي عليه السلام في أكل لحم الحمر الأهلية مطلقًا يعني من غير قيد بشيء من إكفاء القدور ونحوه.
(1)"سنن ابن ماجه"(2/ 1064رقم 3192).
(2)
تكررت في "الأصل".
وهو ما أخرجه بإسناد صحيح: عن علي بن معبد بن نوح، عن شبابة بن سوار، عن أبيَ زْبر -بفتح الزاي وسكون الباء الموحدة وفي آخره راء- وهو عبد الله بن العلاء بن زَبْر الشامي الدمشقي روى له الجماعة، عن مسلم بن مشكم الخزاعي أبي عبد الله الدمشقي، كاتب أبي الدرداء، وثقه ابن حبان، وروى له أبو داود والنسائي وابن ماجه.
ص: وقد قال قوم: إن رسول الله عليه السلام إنما نهى عنها؛ لأنها كانت نهبة.
ورووا في ذلك ما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عمرو بن مرزوق، قال: ثنا حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، عن النحاز الحنفي، عن سنان بن سلمة، عن أبيه:"أن رسول الله عليه السلام مر يوم خيبر بقدور فيها لحم حمر الناس، فأمر بها فأكفئت".
فكان من الحجة عليهم في ذلك أن قوله: "حمر الناس" يحتمل أن يكون [لأنهم](1) انتهبوها من الناس، ويحتمل أن تكون نسبت إلى الناس لأنهم يركبونها فيكون النهي وقع عليها؛ لأنها أهلية لا لغير ذلك.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: طائفة من المالكية؛ فإنهم قالوا: علة النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية هي كونها نهبة، واستدلوا على ذلك بما أخرجه بإسناد صحيح عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عمرو بن مرزوق البصري شيخ البخاري في التعليقات، عن حرب بن شداد اليشكري القطان الثبت الثقة، عن يحيى بن أبي كثير الطائي، عن النحاز -بفتح النون وتشديد الحاء المهملة وفي آخره زاي، وقيل: بكسر النون وتخفيف الحاء- ابن جدي، ويقال: ابن حدي، ويقال: ابن حوي الحنفي (2)، وذكره ابن حبان في الثقات، وهو يروي عن سنان بن سلمة الهذلي الصحابي ابن الصحابي سلمة بن المحبق الهذلي رضي الله عنهما.
(1) في "الأصل، ك": "لهم"، ولعل الصواب:"لأنهم"، وليست في "شرح معاني الآثار".
(2)
انظر "الإكمال لابن ماكولا"(7/ 334).
وأخرجه الطبراني (1): ثنا أحمد بن إسماعيل بن الحارث العدوي البصري، نا عمرو بن مرزوق، أنا حرب بن شداد، أنا يحيى بن أبي كثير، عن النحاز -قال: أبو القاسم: هو ابن جدي الحنفي- عن سنان بن سلمة، عن أبيه، عن النبي عليه السلام:"أنه مر يوم خيبر بقدور فيها لحوم من حمر الناس، فأمر بها فأكفئت".
قوله: "فكان من الحجة عليهم" أي: على هؤلاء القوم فيما ذكروه من علة النهي وهو ظاهر.
ص: قالوا: فإنه قد روي في ذلك ما يدل على أنها كانت نهبة، فذكروا ما حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا شعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء:"أنهم أصابوا من الفيء حمرًا فذبحوها، فقال النبي عليه السلام: أكفئوا القدور".
قالوا: فبيّن هذا الحديث أن تلك الحمُر كانت نهبة، قيل لهم: فهذا ثبت أنهما كانت نهبة كما ذكرتم فما دليلكم على أن النهي عنها كان للنهبة، وما جعلكم -بتأويل ذلك النهي أنه كان للنهبة- أولى من غيركم في تأويله أن النهي عنها كان لها في أنفسها لا للنهبة؟!.
وقد ذكرنا في حديث أنس بن مالك أن النبي عليه السلام قال لهم: "أكفئوها فإنها رجس" فدل ذلك على أن النهي وقع عليها لأنها رجس لا لأنها نهبة.
وفي حديث سلمة بن الأكوع، أن رسول الله عليه السلام قال لهم:"أكفئوا القدور واكسروها، فقالوا: يا رسول الله، أو نغسلها؟ فقال: أو ذاك".
فدل أيضًا على أن النهي كان لنجاسة لحمها لا لأنها نهبة، ولا لأنها مغصوبة".
ش: لما ادعى القوم المذكورون أن علة النهي فيما نحن بصدده: هي النهبة، وأجاب المخالفون لهم عن ذلك بما ذكره الطحاوي من قوله: "فكان من الحجة عليهم، إلى آخره، ذكروا شاهدًا لما ادعوه من كون العلة هي النهبة، وقالوا: قد روي عن النبي عليه السلام ما يدل على أن العلة كانت نهبة.
(1)"المعجم الكبير"(7/ 48 رقم 6346).
وهو ما أخرجه بإسناد صحيح: عن أحمد بن داود المكي، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري، عن شعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب.
وأخرجه البخاري (1): عن حجاج بن منهال، وإسحاق عن عبد الصمد.
وعن مسدد (2) عن يحيى القطان، عن شعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء:"كنا مع رسول الله عليه السلام فأصابوا حمرًا فذبحوها، فقال رسول الله عليه السلام: أكفئوا القدور".
وأخرجه مسلم (3) أيضًا: عن عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة نحوه.
قوله: "قالوا" أي هؤلاء القوم، فبين هذا الحديث -أي حديث البراء-: أن تلك الحمر التي ذبحوها كانت نهبة؛ لأنهم أخذوها من الفيء قبل القسمة.
قوله: "قيل لهم. . . إلى آخره" جواب عما قالوا، وهو ظاهر غني عن مزيد البيان.
وفي قوله: "كان لنجاسة لحمها" ما يخدش ما قال أصحابنا: إن لحم الحمار مشكوك وكذا سؤره مشكوك فافهم.
ص: ألا ترى أن رجلاً لو غصب رجلاً شاة فذبحها وطبخ لحمها، أن قدره التي طبخ ذلك فيها لا ينجس، وحكمها في طهارتها حكم ما طبخ فيه لحم غير مغصوب.
فدل ما ذكرنا من أمره إياه بغسلها؛ على نجاسة ما طبخ فيها، على أن الأمر الذي كان منه بطرح ما كان فيها لنجاستها لا لغصبهم إياها.
ش: هذا توضيح لما ذكره من قوله: "فدل أيضًا على أن النهي كان لنجاسة لحمها لا لأنها نهبة ولا لأنها مغصوبة" وهو ظاهر.
ص: وقد رأينا رسول الله عليه السلام أمر في شاة غصبت وذبحت فطبخت بخلاف هذا.
(1)"صحيح البخاري"(4/ 1545 رقم 3984، 3985).
(2)
"صحيح البخاري"(5/ 2102 رقم 5205).
(3)
"صحيح مسلم"(3/ 1539 رقم 1938).
حدثنا فهد، قال: ثنا النفيلي، قال: ثنا زهير بن معاوية، قال: ثنا عاصم ابن كليب، عن أبيه، عن رجل -قال: حسبته من الأنصار-: "أنه كان مع رسول الله عليه السلام في جنازة، فلقيه رسول امرأة من قريش يدعوه إلى طعام، فجلسنا مجالس الغلمان من آبائهم، فنظر آباؤنا إلى النبي عليه السلام وفي يده أكلة، فقال: إن هذا لحم شاة [تخبرني] (1) أنها أخذت بغير حلها، فقامت المرأة فقالت: يا رسول الله، لم يزل يعجبني أن تأكل في بيتي، وإني أرسلت إلى البقيع فلم يوجد فيه شاة، وكان أخي اشترى شاة بالأمس، فأرسل إليَّ أهله بالثمن، فقال: أطعموه الأسارى، فتنزه رسول الله عليه السلام عن أكلها، ولم يأمر بطرحها؛ بل أمرهم بالصدقة بها، إذْ أمرهم أن يطعموها الأسارى".
فهذا حكم رسول الله عليه السلام في اللحم الحلال إذا غصب فاستهلك، فلو كانت لحوم الحمر الأهلية حلالاً عنده لأمر فيها لما أنتهبت بمثل ما أمر به في هذه الشاة لما غصبت، ولكنه إنما أمر في لحم تلك الحمر بما أمر به لمعنى خلاف المعنى الذي من أجله أمر في لحم هذه الشاة بما أمر به.
ش: أي بخلاف ما ذكر في مسألة الغصب المذكورة بيانه أن المذكور في المسألة المذكورة عدم تنجس القِدْر التي طبخ فيها اللحم المغصوب، وأنها طاهرة على ما كانت عليه، وأن أمر النبي عليه السلام من غسل القدر التي طبخ فيها لحم الحمار الأهلي إنما كان لنجاسة اللحم لا لأجل ورود الغصب عليه، والمذكور في هذه المسألة أنه عليه السلام أمر بصدقة لحم تلك الشاة، ولم يأمرهم بطرحه، فهذا حكم اللحم الحلال المغصوب، فلو كان لحم الحمار الأهلي حلالاً عند النبي عليه السلام لكان أمر فيه وقت النهب والغصب بمثل ما أمر به في لحم الشاة المذكورة، فحيث لم يأمر في ذلك بطرحه بل أمر بصدقته؛ دل على أن الذي أمر به في لحم الحمار الأهلي لمعنى غير المعنى الذي من أجله أمر في لحم الشاة المذكورة، وذلك المعنى هو كون لحم الحمار الأهلي نجسًا؛ فافهم.
(1) في "الأصل، ك": "تخبر لي"، وهو تحريف، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
ثم إن حديث عاصم بن كليب عن أبيه، أخرجه بإسناد صحيح عن فهد بن سليمان، عن عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل النفيلي الحراني شيخ البخاري وأبي داود عن زهير بن معاوية بن حديج أحد أصحاب أبي حنيفة الثقة الثبت، عن عاصم بن كليب الجرمي الكوفي، عن أبيه كليب بن شهاب الجرمي الكوفي، وثقه ابن حبان، عن رجلٍ من الأنصار.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا محمد بن العلاء قال: ثنا ابن إدريس قال: نا عاصم بن كليب، عن أبيه، عن رجل من الأنصار قال:"خرجنا مع رسول الله عليه السلام في جنازة، فرأيت رسول الله عليه السلام وهو على القبر يُوصي الحافر: أوسع من قِبَلِ رجليه، أوسع من قِبَلِ رأسه. فلما رجع استقبله داعي امرأة، فجاء، وجيء بالطعام، فوضع يده، ثم وضع القوم فأكلوا، فنظر آباؤنا ورسول الله عليه السلام يلوك لقمةً في فمه، ثم قال: أجد لحم شاةٍ أخذت بغير إذن أهلها، فأرسلت المرأة: يا رسول الله، إني أرسلت إلى البقيع، يشتري لي شاة، فلم أجد، فأرسلت إلى جارٍ لي قد اشترى شاة: أن أرسل بها إليّ بثمنها. فلم يوجد، فأرسلتُ إلى امرأته، فأرسلتْ بها إليّ. فقال رسول الله عليه السلام: "أطعميه الأساري".
وأخرجه أبو نعيم: من حديث زائدة، عن عاصم بن كليب، عن أبيه أن رجلاً من الأنصار قال:"خرجنا مع رسول الله عليه السلام في جنازة وأنا غلام، فلما رجعنا لقينا داعيَ امرأةٍ من قريش، فقال: يا رسول الله، إن فلانة تدعوك ومن معك على طعام. فانصرف وجلسنا معه، وجيء بالطعام، فوضع النبي عليه السلام يده، ووضع القوم أيديهم، فنظر القوم إلى النبي عليه السلام فإذا أكلته في فيه لا يُسِيغُها، فكفّوا أيديهم لينظروا ما يصنع، فأخذ اللقم فلفظها، وقال: أجد لحم شاةٍ أُخذت بغير إذن أهلها، أطعموها الأسارى".
قوله: "وفي يده أكلة" بضم الهمزة أي لقمة وفتح الهمزة ها هنا خطأ.
(1)"سنن أبي داود"(3332).
قوله: "إلى البقيع" بالباء الموحدة، وهو موضع مشهور بالمدينة، وفيه مقبرة أهلها، وفي بعض الروايات:"إلى النقيع" بالنون، وهو موضع حماه رسول الله عليه السلام لنعم الفيء وخيل المجاهدين، فلا يرعاه غيرها، وهو موضع قريب من المدينة، كان يستنقع فيه الماء أي يجتمع.
ويستفاد منه أحكام:
الأول: أنه أصل في الورع، وفيما يلزم الإنسان اجتنابه من الشبهة والريب، ألا ترى أن رسول الله عليه السلام كيف تنزه عن أكل تلك الشاة.
الثاني: فيه أن إجابة الدعوة سنة، وإن كان الداعي امرأة.
الثالث: فيه تواضع النبي عليه السلام وحسن عشرته مع أصحابه، حيث كان يجيب الداعي سواء كان رجلاً أو امرأة.
الرابع: فيه بيان معجزته؛ فإن لحم الشاة أخبره أن شاته قد أخذت بغير إذن صاحبها.
الخامس: فيه دلالة أن الشيء المأخوذ بغير إذن صاحبه إذا استهلكه الآخذ بأن كان شاة فذبحها أو قمحا فطحنه فإنه لا يطيب له، وإن كان يملكه بالضمان فالورع والتقوى أن يتصدق به، كما أمر النبي بإطعام الشاة المذكورة للأسارى.
السادس: فيه دلالة على أن الشيء المغصوب لا يطرح، ولا يؤمر بطرحه بعد تملكه بالضمان، إذْ لو كان طرحه واجبًا لكان عليه السلام أمر بطرح تلك الشاة، فحيث أمر بتصدقها دل على أنها على طهارتها الأصلية.
ص: ألا ترى أن رجلاً لو غصب رجلاً شاة فذبحها وطبخ لحمها أنه لا يؤمر بطرح ذلك -في قول أحد من الناس- فكذلك لحم الحمر الأهلي المذبوحة بخيبر لو كان النبي عليه السلام إنما نهى عنها من أجل النهبة التي حكمها حكم الغصب، إذا لما أمرهم بطرح ذلك اللحم ولأمرهم فيه بمثل ما يؤمر به من غصب شاة فذبحها وطبخ لحمها، فلما انتفى أن يكون نهي النبي عليه السلام عن أكل لحم الحمر لمعنى من هذه المعاني
التي ادعاها الذين أباحوا لحمها؛ ثبت أن نهيه ذلك عنها كان لها في أنفسها كما نهى عن كل ذي ناب من السباع، فكان ذلك النهي له في نفسه فلا يباح لأحد خلاف شيء من ذلك.
ش: هذا توضيح لما ذكره من قوله: "فهذا حكم رسول الله عليه السلام. . . ." إلى آخره.
قوله: "من هذه المعاني" وهي المعاني الثلاثة التي ذكرها الجماعة الذين ذهبوا إلى إباحة لحم الحمر الأهلية.
قوله: "كان لها في أنفسها" يعني كان النهي لمعنى في ذات لحم الحمر الأهلية، وهو نجاستها، كنهيه عليه السلام عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور فإن النهي عنها لكونها نجسة لا لمعنى غير ذلك، فكذلك لحم الحمر الأهلية إنما النهي عن أكلها لكونها نجسة في نفسها، لا لمعنى من المعاني التي ذكرها هؤلاء الجماعة.
ص: فإن رسول الله عليه السلام قد قال: "لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من حرام حرمناه، وما وجدنا من حلال أحللناه، ألا وإن ما حرم رسول الله فهو مثل ما حرم الله".
حدثنا بذلك محمَّد بن الحجاج، قال: ثنا أسد، قال: ثنا معاوية بن صالح، عن الحسن بن جابر، عن المقدام بن معدي كرب الكندي، عن النبي عليه السلام.
حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا أبو مسهر، ثنا يحيى بن حمزة، قال: حدثني الزبيدي، عن مروان بن رؤبة أنه حدثه عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشى عن المقدام بن معدي كرب الكندي أن رسول الله عليه السلام قال:"إني أوتيت الكتاب وما يعدله، يوشك شبعان على أريكته يقول: بيننا وبينكم هذا الكتاب فما كان فيه من حلال حللناه، وما كان فيه من حرام حرمناه، ألا وإنه ليس كذلك، لا يحل ذو ناب من السباع ولا الحمار الأهلي".
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي النضر، عن موسى بن عبد الله بن قيس، عن أبي رافع، عن النبي عليه السلام (ح).
وحدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني الليث بن سعد، عن أبي النضر، عن موسى بن عبد الله بن قيس، عن أبي رافع مولى رسول الله عليه السلام، قال: قال رسول الله عليه السلام والناس حوله: "لا أعرفن أحدكم يأتيه الأمر من أمر قد أمرت به أو نهيت عنه، وهو متكئ على أريكته، فيقول: ما وجدناه في كتاب الله عملناه، وإلا فلا".
حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي، قال: ثنا سفيان، عن ابن المنكدر وأبي النضر، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه وغيره، عن النبي عليه السلام أنه قال:"لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري، ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه".
فحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلاف أمره كما حذر من خلاف كتاب الله عز وجل، فليحذر أن يخالف شيئًا من أمر رسول الله عليه السلام؛ فيحق عليه ما يحق على مخالفة كتاب الله عز وجل، وقد تواترت الآثار عن رسول الله عليه السلام في النهي عن لحوم الحمر الأهلية ما قد ذكرنا، ورجعت معانيها إلى ما وصفنا، فليس ينبغي لأحد خلاف شيء من ذلك.
ش: لما بين معاني الأحاديث التي وردت في تحريم لحم الحمر الأهلية، عند كشفها يرجع إلى معنى واحد، وهو أن النهي فيها لمعنى في نفسه لا لعلة أخرى، وأنه إذْ ثبت هذا لا ينبغي لأحد خلاف شيء من ذلك، بيَّن هاهنا أن من خالف نبي الله عليه السلام فيما أمر به ونهى عنه، كمن خالف كتاب الله وأشار إلى ذلك بقوله:"فإن رسول الله عليه السلام" بالفاء تنبيهًا على ذلك، بالفاء التعليلية.
وأخرج في ذلك عن المقدام بن معدي كرب وابن رافع.
أما حديث المقدام فأخرجه من طريقين جيدين:
الأول: عن محمَّد بن الحجاج الحضرمي، عن أسد بن موسى، عن معاوية بن صالح بن حدير قاضي الأندلس، عن الحسن بن جابر اللخمي، عن المقدام بن معدي كرب، عن النبي عليه السلام.
وأخرجه الترمذي (1): نا محمَّد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا معاوية بن صالح، عن الحسن بن جابر اللخمي، عن المقدام بن معدي كرب، قال: قال رسول الله عليه السلام: "ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالا استحللناه، وما وجدنا فيه حرامًا حرمناه، وإن ما حرم رسول الله عليه السلام كما حرم الله".
فقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
وأخرجه ابن ماجه (2): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا زيد بن حباب، عن معاوية بن صالح، حدثني الحسن بن جابر، عن المقدام بن معدي كرب الكندي أن رسول الله عليه السلام قال:"يوشك الرجل متكئًا على أريكته يُحَدَّثُ بحديث من حديثي يقول: بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله".
الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني شيخ البخاري في غير "الصحيح"، عن يحيى بن حمزة بن واقد الدمشقي القاضي، عن محمَّد بن الوليد الزبيدي الحمصي عن مروان بن رؤبة التغلبي الحمصي عن عبد الرحمن بن عوف القرشي الحمصي قاضيها عن المقدام بن معدي كرب.
وأخرجه أبو داود (3): عن عبد الوهاب بن نجدة، عن أبي عمرو بن كثير، عن جرير بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عوف، عن المقدام. . . . إلى آخره نحوه.
قوله: "لا ألفين أحدكم" أي لا أجد وأُلفي، يقال: أَلفَيْت الشيء أُلفِيه إِلْفَاءً إذا وجدته، وصادفته، ولقيته، قال الله تعالى:{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} (4) والنون فيه للتوكيد، و"أحدكم" منصوب لأنه مفعول لقوله:"لا ألفين".
(1)"جامع الترمذي"(5/ 38 رقم 2664).
(2)
"سنن ابن ماجه"(1/ 6 رقم 12).
(3)
"سنن أبي داود"(4/ 200 رقم 4604).
(4)
سورة يوسف، آية:[25].
قوله: "على أريكته" الأريكة السرير في الحجلة من دون ستر، ولا يسمى أريكة، وقيل: هو كل ما أتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة.
قوله: "يوشك" مضارع أوشك وهو من أفعال المقاربة، من أخوات كاد وعسى، ويستعمل منه مضارع واسم فاعل، والمضارع أكثر، وخبره فعل مضارع مقرون بأن غالبًا كعسى وقد يجيء مجردًا عنها على قلة، كما في الحديث المذكور.
وفيه من الأحكام: تعظيم حديث رسول الله عليه السلام، وتعظيم أوامره ونواهيه.
وفيه: أن ما حرم الله وحرم رسوله سواء وأن تحريم الرسول من تحريم الله.
وفيه: أن مخالفة الرسول كمخالفة الله تعالى.
وأما حديث أبي رافع مولى النبي عليه السلام فأخرجه من ثلاث طرق صحاح:
الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب المصري، عن عمرو بن الحارث بن يعقوب المصري، عن أبي النضر -بالنون والضاد المعجمة- سالم بن أبي أمية القرشي التيمي المدني، عن موسى بن عبد الله بن قيس، عن أبي رافع إبراهيم -أو أسلم- مولى النبي عليه السلام.
وأخرجه أبو يعلى في "مسنده": ثنا أسامة بن يزيد، ثنا حماد بن سلمة، عن محمَّد بن إسحاق، عن سالم المكي، عن موسى بن عبد الله بن قيس، عن أبي رافع قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "ألا لا أعرفن ما بلغ أحدكم عني الحديث من حديثي أمرت أو نهيت، فيقول وهو متكئ على أريكته: هذا القرآن فما وجدناه اتبعناه وما لم نجده فلا حاجة لنا به".
الثاني: عن يونس أيضًا، عن عبد الله بن وهب، عن الليث بن سعد، عن أبي النضر سالم. . . . إلى آخره.
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): ثنا مطلب بن شعيب الأزدي، ثنا عبد الله بن
(1)"المعجم الكبير"(1/ 327 رقم 975).
صالح، حدثني الليث، عن أبي النضر، عن موسى بن عبد الله بن قيس، عن أبي رافع مولى رسول الله عليه السلام قال: قال رسول الله عليه السلام والناس حوله: "لا أعرفن أحدكم يأتيه أمر من أمري وهو متكئ على أريكته، يقول: ما وجدنا في كتاب الله عز وجل عملنا به".
الثالث: عن عيسى بن إبراهيم الغافقي المصري، عن سفيان بن عيينة، عن محمَّد بن المنكدر وأبي النضر سالم، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه وغيره، عن النبي عليه السلام.
وأخرجه الترمذي (1): ثنا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن محمَّد بن المنكدر وسالم أبي النضر، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبي رافع وغيره، رفعه قال:"لا ألفين أحد متكئًا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه".
قال: أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وروى بعضهم عن سفيان، عن محمَّد بن المنكدر، عن النبي عليه السلام مرسل.
وسالم أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن النبي عليه السلام.
وكان ابن عيينة إذا روى هذا الحديث على الانفراد بَيَّن حديث محمَّد بن المنكدر من حديث سالم أبي النضر، وإذا جمعهما روى هكذا.
وأخرجه أبو داود (2): عن أحمد بن حنبل والنفيلي، عن سفيان، عن أبي النضر، عن عبيد الله بن أبي نافع، عن أبيه، به.
وأخرجه ابن ماجه (3): عن نصر بن علي الجهضمي، عن ابن عيينة، عن سالم أبي النضر -أو زيد بن أسلم- عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، نحوه.
(1)"جامع الترمذي"(5/ 37 رقم 2663).
(2)
"سنن أبي داود"(40/ 200 رقم 4605).
(3)
"سنن ابن ماجه"(1/ 6 رقم 13).
ص: فإن قال قائل: فقد رويتم عن ابن عباس إباحتها وما احتج به في ذلك من قول الله عز وجل: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} (1) الآية.
قيل له: ما قاله رسول الله عليه السلام من ذلك فهو أولى مما قاله ابن عباس، وما قاله رسول الله عليه السلام فهو مستثنى من الآية، على هذا ينبغي أن يحمل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا المجيء المتواتر في الشيء المقصود إليه بعينه مما قد أنزل الله في كتابه آية مطلقة على ذلك الجنس، فيجعل ما جاء عن رسول الله عليه السلام من ذلك مستثنى من تلك الآية غير مخالف لها حتى لا [يُضَادَ](2) القرآن والسنة، ولا السنة القرآن.
فهذا حكم لحوم الحمر الأهلية من طريق تصحيح الآثار، ولو كان [إلى](3) النظر لكان [لحوم](4) الحمر الأهلية حلالا، وكان ذلك كحكم الحمر الوحشية؛ لأن كل صنف قد حرم إذا كان أهليًّا، مما قد أجمع على تحريمه، فقد حرم إذا كان وحشيا، ألا ترى أن لحم الخنزير الوحشي كلحم الخنزير الأهلي، فكان النظر على ذلك أيضًا إذا كان الحمار الوحشي لحمه حلالًا أن يكون كذلك الحمار الأهلي، ولكن ما جاء عن رسول الله عليه السلام أولى ما اتبع، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: هذا السؤال من جهة أهل المقالة الأولى القائلين بإباحة لحم الحمر الأهلية، تقريره أن يقال: إنكم قد رويتم عن ابن عباس إباحة لحم الحمر الأهلية وما احتج به فيما ذهب إليه من ذلك من قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} (5) الآية، وقد مضى هذا في حديث الحكم بن عمرو الغفاري، ولا شك أن الآية أقوى في الاستدلال وأقطع في الاحتجاج.
(1) سورة الأنعام، آية:[145].
(2)
في "الأصل": "يتضاد"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
(3)
ليست في "الأصل"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
(4)
ليست في "الأصل"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
(5)
سورة الأنعام، آية:[145].
وتقرير الجواب أن يقال: ما قاله الرسول عليه السلام من الأحاديث المحرمة للحمر الأهلية أولى من قول ابن عباس، بإباحتها مستدلا بالآية المذكورة، لأن الاستدلال بالآية على إباحة لحوم الحمر الأهلية لا يصح؛ بيان ذلك: أن طاوس بن كيسان، ذكر أن الجاهلية كانوا يستحلون أشياء ويحرمون أشياء، فقال الله:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} (1) مما تستحلون {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} (1) الآية وسياقه المحاج به يدل على ما قاله طاوس؛ لأن الله تعالى قد ذكر ما كانوا يحرمون من الأنعام، وذمهم على تحريم ما أحله وعنفهم، وأبان به عن جهلهم؛ لأنهم حرموه بغير حجة ثم عطف عليه قوله تعالى:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} (1) يعني مما تحرمونه إلا ما ذكر وإذا كان تقدير الآية كذلك لم يجر الاستدلال بها على إباحة ما خرج عن الآية.
فإن قيل: قد ذكر في أول المائدة تحريم المنخنقة والموقوذة وما ذكر معها وهي خارجة عن هذه الآية.
قلت: المنخنقة وما ذكر معها داخلة في الميتة، أو نقول: إن سورة الأنعام مكية فيجوز أن لا يكون حرم في ذلك الوقت إلا ما قد ذكر في هذه الآية وسورة المائدة مدنية وهي آخر ما نزل من القرآن.
فإن قيل: الأحاديث التي وردت في تحريم لحوم الحمر الأهلية أخبار آحاد، والعمل بها يوجب نسخ الآية المحكمة وهو لا يجوز.
قلت: قد خصت من هذه الآية أشياء كثيرة بالتحريم غير مذكورة فيها كالنجاسات والحمر ولحم القردة فحينئذ يجوز تخصيصها بأخبار الآحاد ويجوز استعمال القياس أيضًا في مثل هذا.
قوله: "ولو كان النظر. . . ." إلى آخره. إشارة إلى أن النظر والقياس لو كان له دخل في هذ الباب لكان أكل لحم الحمر الأهلية حلالًا كالحمر الوحشية، ولكن اتباع
(1) سورة الأنعام، آية [145].
الأخبار أولى وأحق وليس للنظر حكم عند قيام الخبر، ثم الحمار الوحشي لا خلاف فيه لأحد أنه مباح واختلف في الحمار الوحشي إذا دجن فقال أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن صالح والشافعي: إذا دجن الحمار الوحشي وأَلِفَ أنه جائز أكله.
وقال ابن القاسم عن مالك: إذا دجن الحمار الوحشى وصار يحمل عليه كما يحمل عليه على الأهلي فإنه لا يؤكل.