المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: لبس الحرير - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٣

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: باب من أوجب أضحية في أيام العشر أو عزم على أن يضحي هل له أن يقص شعره أو أظفاره

- ‌ص: باب الذبح بالسن أو الظفر

- ‌ص: باب أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام

- ‌ص: باب أكل الضبع

- ‌ص: باب صيد المدينة

- ‌ص: باب أكل الضباب

- ‌ص: باب أكل لحوم الحمر الأهلية

- ‌ص: باب أكل لحم الفرس

- ‌ص: كتاب الكراهة

- ‌ص: باب حلق الشارب

- ‌ص: باب استقبال القبلة بالفروج للغائط والبول

- ‌ص: باب أكل الثوم والبصل والكراث

- ‌ص: باب الرجل يمر بالحائط أله أن يأكل منه أم لا

- ‌ص: باب: لبس الحرير

- ‌ص: باب: الثوب يكون فيه علم الحرير أو يكون فيه من الحرير

- ‌ص: باب الرجل يتحرك سِنُّه هل يَشُدُّها بالذهب أم لا

- ‌ص: باب: التختم بالذهب

- ‌ص: باب نقش الخواتيم

- ‌ص: باب لبس الخاتم لغير ذي سلطان

- ‌ص: باب البول قائمًا

- ‌ص: باب القَسَم

- ‌ص: باب الشرب قائمًا

- ‌ص: باب: وضع إحدي الرجلين على الأخري

- ‌ص: باب: الرجل يتطرق في المسجد بالسهام

- ‌ص: باب: المعانقة

- ‌ص: باب: الصور تكون في الثياب

- ‌ص: باب: الرجل يقول: أستغفر الله وأتوب إليه

- ‌ص: باب: البكاء علي الميت

الفصل: ‌ص: باب: لبس الحرير

‌ص: باب: لبس الحرير

ش: أي هذا باب في بيان حكم لبس الحرير، والحرير اسم جنس، واحدته حريرة.

قال الجوهري: الحريرة: واحدة الحرير من الثياب.

ص: حدثنا فهد، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث بن سعد، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة:"أن رسول الله عليه السلام قدمت عليه أقبية، فبلغ ذلك أباه مخرمة فقال: يا بني، إنه قد بلغني أن رسول الله عليه السلام قدمت عليه أقبية فهو يقسمها، فاذهب بنا إليه، قال: فذهبنا فوجدنا رسول الله عليه السلام في منزله، فقال لي أبي: يا بني، ادع لي رسول الله عليه السلام فقال المسور: فأعظمت ذلك، وقلت: أدعو لك رسول الله؟! قال: يا بني إنه ليس بجبار، فدعوت رسول الله عليه السلام، فخرج وعليه قباء من ديباج مزرر بذهب، فقال: يا مخرمة، هذا خَبَّأْئه لك، فأعطاه إياه".

ش: إسناد صحيح، وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبد الله بن أبي مليكة، واسمه زهير بن عبد الله أبو بكر القاضي المكي الأحول، كان قاضيًا لعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ومؤذنًا له، روى له الجماعة.

والمسور بن مخرمة بن نوفل له ولأبيه صحبة.

وأخرجه البخاري (1): ثنا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا الليث بن سعد، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة أنه قال:"قسم رسول الله عليه السلام أقبية، ولم يعط مخرمة شيئًا، فقال مخرمة: يا بني انطلق بنا إلى رسول الله عليه السلام فانطلقت معه فقال: ادخل فادعه لي، قال: فدعوته له، فخرج إليه وعليه قباء منها، فقال: خبأت هذا لك، قال: فنظر إليه فقال: رضي مخرمة".

(1)"صحيح البخاري"(5/ 2186 رقم 5464).

ص: 255

وأخرجه مسلم (1) وأبو داود (2) والترمذي (3) والنسائي (4) كلهم عن قتيبة. . . . إلى آخره نحوه.

وأخرجه البخاري (5) أيضًا: عن الليث بن سعد معلقًا نحو رواية الطحاوي سواء.

قوله: "أقبية" جمع قباء.

قال الجوهري: القباء الذي يلبس، والجمع أقبية، وتقبيت إذا لبسته، والقبو: الضم. والديباج فارسي معرب، ويجمع على ديابيج، وإن شئت دياييج -بالياء- على أن يجعل أصله مشددًا كما في الدنانير وكذلك في التصغير.

وقال ابن الأثير: الديباج هو الثياب المتحدة من الإبريسم فارسي معرب، وقد تفتح داله، ويجمع على ديابيج ودياييج -بالباء والياء- لأن أصله دبَّاج.

قوله: "مزررة" من زررت القميص، أزُرُّه -بالضم- زرًّا إذا شددت أَزراره، يقال: أزُرُّه عليك قميصك وزُرَّه، وزُرُّهُ، وِزُرِّه، وأزررت القميص إذا جعلت له أَزارًا.

ويستفاد منه: جواز لبس الحرير للرجال كما ذهب إليه طائفة.

ومداراة الناس، وذلك لأن قوله عليه السلام:"هذا خبأته لك" من جنس مداراته مع الناس، ولاسيما مع من هو مشهور بالشدة والفظاظة، وكان مخرمة من مشايخ العرب، وكانت فيه فظاظة، وكان عليه السلام يتقي فحشه.

والدلالة على حسن التواضع وشرف صاحبه، ألا ترى كيف قال مخرمة: يا بني إنه ليس بجبار؟.

(1)"صحيح مسلم"(2/ 731 رقم 1058).

(2)

"سنن أبي داود"(4/ 43 رقم 4028).

(3)

"جامع الترمذي"(5/ 123 رقم 2818).

(4)

"المجتبى"(8/ 205 رقم 5324).

(5)

"صحيح البخاري"(5/ 2201 رقم 5524).

ص: 256

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم [إلى هذا](1) فقالوا: لا بأس بلبس الحرير للرجال والنساء، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: عبد الله بن أبي مليكة، وطائفة من الظاهرية؛ فإنهم قالوا: لا بأس للرجل أن يلبس الحرير، واحتجوا في ذلك بالحديث المذكور.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فكرهوا لبس الحرير للرجال، واحتجوا في ذلك بالآثار المتواترة المروية في النهي عنه، عن النبي عليه السلام.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: عبد الرحمن بن أبي ليلى والحسن البصري وعامرًا الشعبي وقتادة وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وعبد الرحمن الأوزاعي وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا ومالكًا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا ثور؛ فإنهم قالوا: يكره لبس الحرير للرجال، واحتجوا في ذلك بأحاديث وردت في هذا الباب تدل على تحريم الحرير على الرجال.

ص: فمنها ما حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثنا أبي، عن قتادة، عن عامر الشعبي، عن سويد بن غفلة:"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب بالجابية، فقال: نهى رسول اللهَ عليه السلام عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع".

حدثنا يزيد، ثنا معاذ، قال: ثنا أبي، عن قتادة، عن أبي عثمان النهدي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:"نهانا رسول اللهَ عليه السلام عن لبس الحرير إلا موضوعين".

حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إياكم والحرير، فإن رسول الله عليه السلام قد نهى عنه، وقال: لا تلبسوا منه إلا ما كان هكذا، وأشار رسول الله عليه السلام بإصبعيه".

(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

ص: 257

حدثنا حسين بن نصر، قال: سمعت يزيد بن هارون. . . . فذكر بإسناده مثله.

حدثنا يزيد، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي عثمان النهدي، قال:"أتانا كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأنا بأذربيجان مع عتبة بن فرقد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن الحرير إلا هكذا، قال: فأعلمنا أنها الأعلام".

ش: أي: فمن الأحاديث التي رويت في النهي عن لبس الحرير للرجال: حديث عمر بن الخطاب.

وأخرجه من خمس طرق صحاح:

الأول: عن يزيد بن سنان القزاز، عن معاذ بن هشام، عن أبيه هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، عن قتادة. . . . إلى آخره.

وأخرجه مسلم (1): ثنا عبيد الله بن عمر القواريري وأبو غسان المسمعي، وزهير ابن حرب، وإسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن مثنى، وابن بشار -قال إسحاق: أنا، وقال الآخرون-: نا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن عامر الشعبي، عن سويد بن غفلة:"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب بالجابية، وقال: "نهى رسول الله عليه السلام عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع".

وأخرجه الترمذي (2): عن محمَّد بن بشار، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن الشعبي. . . . إلى آخره. وقال: حديث حسن صحيح.

الثاني: عن يزيد أيضًا، عن معاذ بن هشام، عن أبيه هشام الدستوائي، عن قتادة عن أبي عثمان عبد الرحمن بن مَلّ النهدي، عن عمر بن الخطاب.

وأخرجه النسائي (3): عن عمرو بن علي، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن أبي عثمان، عن عمر نحوه.

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1641 رقم 2069).

(2)

"جامع الترمذي"(4/ 217 رقم 1721).

(3)

"السنن الكبرى"(5/ 475 رقم 9629).

ص: 258

الثالث: عن يزيد أيضًا. . . . إلى آخره.

وأخرجه ابن ماجه (1): نا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا حفص، قال: ثنا عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن عمر بن الخطاب:"أنه كان ينهى عن الحرير والديباج، إلا ما كان هكذا، ثم أشار بأصبعه ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، وقال: كان رسول الله عليه السلام ينهانا عنه".

الرابع: عن حسين بن نصر عن يزيد بن هارون الواسطي عن عاصم الأحول. . إلى آخره.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2) بأتم منه: ثنا يزيد، نا عاصم، عن أبي عثمان النهدي، عن عمر بن الخطاب أنه قال:"ائتزروا وارتدوا، وانتعلوا وألقوا الخفاف والسراويلات، وألقوا الركب وانزوا نَزْوَا، وعليكم بالمعدية، وارموا الأغراض، وذروا التنعم وزي العجم، وإياكم والحرير، فإن رسول الله عليه السلام قد نهى عنه، ولا تلبسوا منه إلا ما كان هكذا، وأشار رسول الله عليه السلام بأصبعيه".

الخامس: عن يزيد بن سنان عن وهب بن جرير عن شعبة. . إلى آخره.

وأخرجه مسلم (3): نا محمَّد بن المثنى وابن بشار -واللفظ لابن مثنى- قالا: نا محمَّد بن جعفر قال: نا شعبة، عن قتادة، قال: سمعت أبا عثمان النهدي، قال: جاءنا كتاب عمر بن الخطاب ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد -أو بالشام- أما بعد. . إن رسول الله عليه السلام نهى عن الحرير إلا هكذا أصبعين، قال أبو عثمان: فما عتمنا أنه يعني الأعلام".

وأخرجه أبو داود (4): نا موسى بن إسماعيل، قال: نا حماد، قال: نا عاصم

(1)"سنن ابن ماجه"(2/ 942 رقم 2820).

(2)

"مسند أحمد"(3/ 43 رقم 301).

(3)

"صحيح مسلم"(3/ 1643 رقم 2069).

(4)

"سنن أبي داود"(4/ 47 رقم 4042).

ص: 259

الأحول، عن أبي عثمان النهدي، قال:"كتب عمر رضي الله عنه إلى عتبة بن فرقد: أن النبي عليه السلام نهى عن الحرير إلا ما كان هكذا وكذا، إصبعين وثلاثة وأربعة".

وأخرجه النسائي (1) أيضًا نحوه.

وهذا الحديث يدل على شيئين:

الأول: على حرمة الحرير على الرجال.

الثاني: فيه جواز استعماله قدر أصبعين إذا كان في أطراف الثياب، أو قدر ثلاث أصابع أو قدر أربع أصابع، وكذا حكم الأطرزة من الحرير يجوز فيما دون قدر أربعة أصابع وقد بالغت الظاهرية في حكم الحرير، حتى لم يجوزوا الصلاة فيها.

فقال ابن حزم في "المحلى"(2): ولا تحل الصلاة للرجل خاصة في ثوب فيه حرير أكثر من أربعة أصابع عرضًا في طول الثوب، إلا اللبنة والتكفيت فيهما مباحان، ولا في ثوب فيه ذهب، ولا لابسا ذهبًا في خاتم ولا في غيره، فإن أجبر على لباس شيء من ذلك أو اضطر إليه خوف البرد حل له الصلاة فيه، أو كان به داء يتداوى من مثله بلباس الحرير فالصلاة له فيه جائزة، وكذلك لو حمل ذهبًا في كمه لتحريزه أو حرير أو ثوب حرير كذلك فصلاته تامة. انتهى.

ثم اعلم أن قوله: "أو ثلاث أو أربع" ليس بشك من الراوي، وإنما هو تفصيل للإباحة كما يقال: خذوا مدًّا أو اثنين أو ثلاثة، يعني ما شئت من ذلك.

وقد أباح مالك العَلَم في ثلاثة أصابع -في أشهر قوليه- لأنه لم يرد الأربع.

قوله: "بأذربيجان" بقصر الألف وإسكان الذال المعجمة وكسر الراء المهملة والباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الجيم ثم ألف ونون، وهي اسم لبلاد التبريز.

(1)"المجتبى"(8/ 202 رقم 5312).

(2)

"المحلى"(4/ 36).

ص: 260

وعتبة بن فرقد بن يربوع السلمي، أبو عبد الله، له صحبة، نزل الكوفة، وكان أميرًا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه على بعض فتوحات العراق.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير، عن أبيه، عن جميل بن مرة، عن أبي الوضيء قال:"رأيت عليًا رضي الله عنه ورأى على رجل بردًا يتلألأ، فقال: فيه حرير؟ قال: نعم. فأخذه فجمع ضَفَّتيه بين أصبعيه فشقه فقال: أما إني لم أحسدك عليه، ولكني سمعت رسول الله عليه السلام نهى عن الحرير".

ش: حديث عليّ رضي الله عنه هذا من الأحاديث التي تدل على تحريم الحرير على الرجال.

أخرجه بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن أبيه جرير بن حازم، عن جميل بن مرة الشيباني البصري، عن أبي الوضيء عباد بن شبيب القيسي صاحب شرطة علي رضي الله عنه.

قوله: "فجمع ضفَّتيه" أي جانبيه، والضَّفَّة -بفتح الضاد المعجمة وكسرها، وتشديد الفاء- جانب النهر في الأصل فاستعير لجانب كل شيء.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عارم قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنه قال:"يا رسول الله، إني مررت بعطارد -أو بلبيد- وهو يعرض عليه حلة حرير، فلو اشتريتَهَا للجمعة وللوفود، فقال رسول الله عليه السلام: إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة".

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله عليه السلام. . . . نحوه. غير أنه لم يذكر عطاردًا، ولا لبيدًا.

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس وعمرو، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، عن النبي عليه السلام مثله. وذكر أن الرجل عطارد أو لبيد.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو معمر، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا يحيي بن أبي إسحاق، قال: "قال لي سالم بن عبد الله: ما الإستبرق؟ قلت: ما

ص: 261

غلظ من الديباج، وخشن منه، فقال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: رأى عمر بن الخطاب على رجل حلة من استبرق فأتى بها، فقال: يا رسول الله اشتر هذه فالبسها لوفد الناس إذا قدم عليك، فقال: إنما يلبس هذا الحرير من لا خلاق له، قال: فمضى لذلك ما مضى، ثم إن رسول الله عليه السلام بعث إليه بحلة، فأتاه بها فقال: يا رسول الله، بعثت إلى بهذه وقد قلت في مثل هذا ما قلت؟! قال: إنما بعثت إليك بهذه لتصيب بها مالًا". فكان ابن عمر يكره العلم في الثوب من أجل هذا الحديث.

حدثنا محمَّد، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، قال: أخبرني حميد، عن بكر بن عبد الله، عن ابن عمر أن رسول الله عليه السلام قال:"إنما يلبس الحرير من لا خلاق له".

ش: من الأحاديث الدالة على تحريم الحرير على الرجال حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

وأخرجه من خمس طرق صحاح:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق عن عارم وهو محمَّد الفضل السدوسي شيخ البخاري، عن حماد بن زيد، عن أيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

وأخرجه البخاري (1): ثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثني جويرة، عن نافع، عن عبد الله بن عمر:"أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء تباع، فقال: يا رسول الله، لو ابتعتها فلبستها للوفد إذا أتوك، والجمعة، قال: إنما يلبس هذه من لا خلاق له. . . ." الحديث.

ومسلم (2): ثنا شيبان بن فروخ، قال: نا جرير بن حازم، قال: نا نافع، عن ابن عمر قال: "رأى عمر عطاردًا التميمي يقيم بالسوق حلة سيراء وكان رجلًا يغشى الملوك ويصيب منهم، فقال عمر: يا رسول الله إني رأيت عطاردًا يقيم في

(1)"صحيح البخاري"(5/ 2196 رقم 5503).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1639 رقم 2068).

ص: 262

السوق حلة سيراء فلو اشتريتها فلبستها لوفود العرب إذا قدموا عليك -وأظنه قال: ولبستها يوم الجمعة- فقال له رسول الله عليه السلام: إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة. . . ." الحديث.

وأبو داود (1): نا عبد الله بن مسلمة، عن نافع، عن عبد الله بن عمر:"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى حلة سيراء عند باب المسجد تباع، فقال: يا رسول الله، لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك، فقال رسول الله عليه السلام: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة. . . ." الحديث.

والنسائي (2): [عن إسحاق بن منصور قال](3): أنا عبد الله بن نمير، ثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب:"أنه رأى حلة سيراء تباع عند باب المسجد، فقلت: يا رسول الله، لو اشتريت هذا ليوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك، فقال رسول الله عليه السلام: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة".

الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك بن أنس، عن نافع. . . . إلى آخره.

أخرجه مسلم (4): نا يحيي بن يحيي، قال: قرأت على مالك، عن نافع، عن ابن عمر:"أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء عند باب المسجد، فقال: يا رسول الله، لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك، فقال رسول الله عليه السلام: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة. . . ." الحديث.

الثالث: عن يونس أيضًا، عن عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي، وعمرو بن الحارث المصري، كلاهما عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن عمر.

(1)"سنن أبي داود"(4/ 46 رقم 4040).

(2)

"المجتبى"(8/ 196 رقم 5295).

(3)

سقط من "الأصل، ك"، والمثبت من "سنن النسائي".

(4)

"صحيح مسلم"(3/ 1638 رقم 2068).

ص: 263

وأخرج مسلم (1): حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيي -واللفظ لحرملة- قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر قال:"وجد عمر بن الخطاب حلة من إستبرق تباع في السوق، فأخذها فأتى بها رسول الله عليه السلام، فقال: يا رسول الله، ابتع هذه فتجمل بها للعيد والوفد، فقال رسول الله عليه السلام: إنما هذه لباس من لا خلاق له. . . ." الحديث.

الرابع: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي معمر عبد الله بن عمرو بن الحجاج المنقري المقعد شيخ البخاري، عن عبد الوارث بن سعيد، عن يحيي بن سعيد الحضرمي البصري روى له الجماعة، عن سالم. . . . إلى آخره.

وأخرجه مسلم (2): حدثني محمَّد بن مثنى، قال: نا عبد الصمد، قال: سمعت أبي يحدث، قال: حدثني يحيي بن أبي إسحاق، قال:"قال لي سالم بن عبد الله في الإستبرق، قال: قلت: ما غلظ من الديباج وخشن منه. . . ." إلى آخره نحوه، إلى قوله:"لتصيب بها مالًا".

الخامس: عن محمَّد بن خزيمة، عن الحجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن حميد الطويل، عن بكر بن عبد الله المزني، عن عبد الله بن عمر.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(3): من طريق قتادة حدثني بكر بن عبد الله وبشر بن المحتفز، كلاهما عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحرير:"إنما يلبسه من لا خلاق له".

قوله: "بعطارد، هو عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدي التيمي، وَفِدَ على النبي عليه السلام في طائفة من وجوه تميم منهم الأقرع بن حابس والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم وغيرهم، فأسلموا وذلك سنة تسع، وقيل: عشر، والأول

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1638 رقم 2068).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1640 رقم 2068).

(3)

"مسند أحمد"(2/ 51 رقم 5125).

ص: 264

أصح، وكان سيد قومه وهو الذي أهدى للنبي عليه السلام ثوب ديباج كان كساه إياه كسرى، فعجبت منه الصحابة، فقال النبي عليه السلام:"لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا"، ولما ادعت سجاح التميمية النبوة كان عطارد ممن تبعها، ثم أسلم وحسن إسلامه".

قوله: "أو بليد" هو لبيد بن عطارد التميمي أحد الوفد الذين قدموا على رسول الله عليه السلام من بني تميم، وهو أحد وجوههم، أسلم سنة تسع.

و"الوفود" جمع وفد، وهو جمع وافد، من وفد يفد، وهم القوم يجتمعون ويردون البلاد، وكذلك الذين يقصدون الأمراء لزيارة واسترفاد وانتجاع وغير ذلك.

قوله: "من لا خلاق له" أي من لا نصيب له.

قوله: "ما الإستبرق" كلمة "ما" هاهنا استفهامية، وقد فسر بقوله:"ما غلظ من الديباج وخشن منه" وهي لفظة أعجمية معربة أصلها استبره، وقد ذكرها الجوهري: في الباء من القاف، على أن الهمزة والسين والتاء زوائد، وأعاد ذكرها في السين من الراء.

وذكرها الأزهري في خماسي القاف على أن همزتها وحدها زائدة، وقال: أصلها بالفارسية استقرة، وقال أيضًا: إنها وأمثالها من الألفاظ حروف عربية وقع فيها وفاق بين العجمية والعربية، وقال: هذا عندي هو الصواب.

و"الديباج": هو الثياب المتخذة من الإبريسم، فارسي معرب وقد فتح داله، وقد مرَّ بيانه عن قريب.

قوله: "وحسن منه" بالحاء والسين المهملتين من الحسن وهو ضد القبح (1).

و"الحلة" واحدة الحلل، وهي برود اليمن، ولا تسمي حلة، إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد.

(1) كذا في "الأصل، ك" في هذا الموضع، وفي جميع طرق الحديث:"وخشن منه" بالخاء والشين المعجمتين.

ص: 265

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال [ثنا](1) أبي، قال: سمعت الصقعب بن زهير يحدث عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو قال:"أتى رسول الله عليه السلام أعرابي عليه جبة مكفوفة بحرير -أو قال: مزررة بديباج- فقام إليه رسول الله عليه السلام مغضبًا وأخذ مجامع جبته، فجذبها به، ثم قال: ألا أرى عليك ثياب من لا يعقل" وهو حديث طويل فاختصرنا منه هذا المعنى.

ش: من الأحاديث الدالة على تحريم الحرير على الرجال حديث عبد الله بن عَمرو بن العاص.

فأخرجه بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن أبيه جرير بن حازم، عن الصقعب بن زهير وثقه أبو زرعة وابن حبان. . . . إلى آخره.

وأخرجه الطبراني (2) بتمامه: ثنا أبو زرعة الدمشقي، قال: ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، عن الصقعب، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو قال: "كنا عند رسول الله عليه السلام، فجاء رجل من أهل البادية، عليه جبة سيجان مزررة بالديباج، فقال: إن رسول الله عليه السلام يريد أن يرفع كل فارس بن فارس، ويضع كل زارع بن زارع، فأخذ رسول الله عليه السلام بمجامع ثوبه، ثم قال: إن عليه لباس من لا يعقل، ثم قال رسول الله عليه السلام: إن نبي الله نوح عليه السلام لما حضرته الوفاة قال لابنه: يا بني إني موصيك فقاصد عليك الوصية: آمرك باثنين وأنهاك عن اثنين، آمرك بلا إله إلا الله، فلو أن السماوات السبع والأراضين السبع كانت حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله، وأوصيك بسبحان الله وبحمده، فإنها صلاة الخلق، وبها يرزق الخلق، وأنهاك عن الكفر والكبر، فقال رجل: يا رسول الله، الكفر قد عرفناه، فما الكبر، أهو أن يكون للرجل نعلان حسنتان يلبسهما، وله شراكان حسنان يعجبه ذلك؟ قال: لا، قال: فهو أن يكون له حلة

(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

(2)

وأخرجه أحمد في "مسنده" عن سليمان بن حرب به (2/ 169 رقم 6583)، وكذا هو عند البخاري في "الأدب المفرد"(1/ 192 رقم 548).

ص: 266

حسنة يلبسها؟ قال: لا، قال: فهو أن يكون له فرس جميل يعجبه جماله؟ قال: لا، قال: فهو أن يكون له أصحاب يجالسونه؟ قال: لا، قال: فما الكبر؟، قال: أن يسفه الحق ويغمص الناس".

قوله: "مكفوفة بحرير" المكفوف بالحرير هو الذي عمل على ذيله وأكمامه وجيبه كفاف من حرير، وكفة كل شيء -بالضم- طرفه وحاشيته، وكل مستطيل كفة ككفة الثوب، وكل مستدير، كِفَّة -بالكسر- ككفة الميزان.

قوله: "مغضبًا" نصب على الحال، وهو بفتح الضاد المعجمة على صيغة المفعول.

قوله: "وأخذ مجامع جبته" أراد أطرافها التي يلتقي بعضها ببعض، هو جمع مجمع، ومجمع كل شيئين ملتقاهما.

قوله: "سيجان" السيجان جمع ساج وهو الطيلسان الأخضر، وقيل: هو الطيلسان المقوِّر ينسج كذلك، وكانوا يعملون منه الجبب والقلانس، وفي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما:"أن النبي عليه السلام كان يلبس في الحرب من القلانس ما يكون من السيجان الخضر".

ثم "ألف""سيجان" منقلبة عن الواو، وقيل عن الياء.

قوله: "ويغمص الناس" أي لم يرهم شيئًا؛ لأجل احتقاره إياهم، وتقول منه: غَمَص الناس يغمصهم غمصًا من باب ضرب يضرب ومادته: غين معجمة وميم وصاد مهملة.

ص: حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا الخطيب، قال: ثنا همام، عن قتادة، عن أبي شيخ الهنائي، قال:"كنت في ملأ من أصحاب النبي عليه السلام عند معاوية، قال: أنشدكم الله، هل تعلمون أن رسول الله عليه السلام نهى عن لبس الحرير؟ قال: قولوا: اللهم نعم، قال: وأنا أشهد".

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا همام. . . . فذكر بإسناده مثله.

ص: 267

حدثنا محمَّد بن حميد، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا يحيي بن حمزة قال: ثنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيي بن كثير قال: حدثني حمران، قال:"حج معاوية فدعا نفرًا من الأنصار في الكعبة، فقال: "أنشدكم الله ألم تسمعوا رسول الله عليه السلام نهى عن ثياب الحرير، فقالوا: نعم، قال: وأنا أشهد".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، قال: أنا عمر بن سعيد عن علي بن عبد الله، عن أبيه، عن معاوية، قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن لبس الحرير والذهب".

ش: من الأحاديث الدالة على تحريم الحرير على الرجل حديث معاوية بن أبي سفيان، أخرجه من أربع طرق:

الأول: إسناده صحيح، عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن الخصيب بن ناصح الحارثي، عن همام بن يحيي، عن قتادة، عن أبي شيخ الهنائي البصري، اسمه حيوان -بفتح الحاء المهملة وقيل: بالخاء المعجمة- ابن خلدة -بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام وفتح الدال، وفي آخره هاء-.

أخرجه أحمد في "مسنده"(1) بأتم منه: ثنا عفان، نا همام، نا قتادة، عن أبي شيخ الهنائي قال:"كنت في ملأ من أصحاب رسول الله عليه السلام عند معاوية، فقال معاوية: أنشدكم بالله، أتعلمون أن رسول الله عليه السلام نهى عن لبس الحرير؟ قالوا: اللهم نعم، قال: وأنا أشهد، قال: أنشدكم بالله، أتعلمون أن رسول الله عليه السلام نهى عن لبس الذهب إلا مقطعًا؟ قالوا: اللهم نعم، قال: وأنا أشهد، قال: أنشدكم بالله، أتعلمون أن رسول الله عليه السلام نهى عن ركوب ضفف النمور؟ قالوا: اللهم نعم، قال: وأنا أشهد، قال: أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله عليه السلام نهى عن الشرب في آنية الفضة؟ قالوا: اللهم نعم، قال: وأنا أشهد، قال: أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله عليه السلام نهى عن جمع بين حج وعمرة؟ قالوا: أما هذه فلا، قال: أَمَا إنها معهن".

(1)"مسند أحمد"(4/ 92 رقم 16879).

ص: 268

الثاني: أيضًا إسناده صحيح، عن محمَّد بن خزيمة، عن الحجاج بن منهال شيخ البخاري، عن همام بن يحيي، عن قتادة، عن أبي شيخ الهنائي.

وأخرجه أبو داود مختصرًا (1): ثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل، قال: ثنا حماد، عن قتادة، عن أبي شيخ الهنائي:"أن معاوية بن أبي سفيان قال لأصحاب النبي عليه السلام: هل تعلمون النبي عليه السلام نهى عن كذا، وعن ركوب جلود النمور، قالوا: نعم، قال: فتعلمون أنه نهى أن يقرن بين الحج والعمرة، فقالوا: أما هذه فلا، فقال: أَمَا إنها معهن ولكنكم نسيتم".

وقال الحافظ المنذري: وقد اختلف في هذا الحديث اختلافًا كثيرًا، فروي كما ذكرناه، وروي عن أبي الشيخ عن أخيه حمان، ويقال: أبو حمان، عن معاوية، وروي عن بَيْهس بن فهدان، عن أبي شيخ، عن عبد الله بن بيهس، عن أبي الشيخ، عن معاوية.

واختلف على يحيي بن أبي كثير فيه، فروي عنه عن أبي شيخ، عن أخيه، وروي عنه عن أبي إسحاق، عن حمان، وروي عنه حدثني حمران من غير واسطة، وسماه حمران.

الثالث: عن محمد بن حميد بن هشام الرعيني، عن عبد الله بن يوسف شيخ البخاري، عن يحيي بن حمزة بن واقد الحضرمي الدمشقي، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن يحيي بن أبي كثير الطائي، عن حمران بن أبان، عن معاوية.

وأخرجه الطبراني في "معجمه"(2): نا جعفر بن محمَّد الفريابي، ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا الأوزاعي، حدثني يحيي بن أبي كثير، حدثني أبو شيخ، قال: ثنا حمان قال: "حج معاوية فدعا نفرًا من الأنصار

(1)"سنن أبي داود"(2/ 157 رقم 1794).

(2)

"المعجم الكبير"(19/ 355 رقم 832).

ص: 269

في الكعبة، فقال: أنشدكم الله، ألم تسمعوا رسول الله عليه السلام نهى عن الذهب؟ قالوا: نعم، قال: وأنا أشهد، ألم تسمعوا رسول الله نهى عن صفف النمور؟ قالوا: اللهم نعم، قال: وأنا أشهد، ألم تسمعوا رسول الله عليه السلام نهى عن الحرير؟ قالوا: اللهم نعم، قال: وأنا أشهد".

وأخرجه أحمد (1) نحوه، وفي روايته: عن يحيي بن أبي كثير حدثني أبو شيخ الهنائي، عن أخيه حمان:"أن معاوية عام حج. . . ." الحديث.

وهذا كما ذكرنا اختلف فيه على يحيي بن أبي كثير. والله أعلم.

الرابع: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين القرشي النوفلي المكي، عن علي بن عبد الله بن علي من بني عبد شمس، عن أبيه عبد الله بن علي، عن معاوية.

وهذا إسناد صحيح.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا روح، نا عمر بن سعيد بن أبي حسين، حدثني علي بن عبد الله بن علي رجل من بني عبد شمس.

وقال: ثنا عبد الله بن الحارث، قال: حدثني عمر بن سعيد، أن علي بن عبد الله بن علي أخبره، أن أباه أخبره، قال:"سمعت معاوية على المنبر بمكة يقول: نهى رسول الله عليه السلام عن لبس الذهب والحرير".

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى قال:"استسقي حذيفة بالمدائن، فأتاه دهقان بإناء من فضة، فرمى به، ثم قال: إني كنت نهيته عنه فأبى أن ينتهي؛ إن رسول الله عليه السلام نهى عن شراب في آنية الذهب والفضة، وعن لبس الحرير والديباج، وقال: دعوه لهم في الدنيا، وهي لكم في الآخرة".

(1)"مسند أحمد"(4/ 96 رقم 16923).

(2)

"مسند أحمد"(4/ 96 رقم 16918).

ص: 270

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، عن الحكم عن ابن أبي ليلى مثله.

حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا مسعود بن سعد الجعفي، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مثله.

حدثنا ابن مزروق، قال: ثنا أبو إسحاق الضرير، قال: ثنا ابن عون، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى مثله.

ش: من الأحاديث الدالة على تحريم الحرير على الرجال حديث حذيفة بن اليمان، أخرجه من أربع طرق:

الأول: إسناده صحيح، عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عامر عبد الملك بن عَمرو العقدي، عن شعبة بن الحجاج، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري.

وأخرجه مسلم (1): ثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، قال: ثنا أبي، قال: نا شعبة، عن الحكم، سمع عبد الرحمن -يعني ابن أبي ليلى- قال: "شهدت حذيفة يستسقي بالمدائن فأتاه إنسان بإناء من فضة. . . . الحديث نحوه.

الثاني: أيضًا صحيح، عن أبي بكرة بكار القاضي، عن وهب بن جرير، عن شعبة. . . . إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا وكيع، عن شعبة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن حذيفة قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن لبس الحرير والذهب، وقال: هو لهم في الدنيا، ولنا في الآخرة".

الثالث: إسناده جيد، عن علي بن شيبة بن الصلت السدوسي، عن أبي غسان

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1637 رقم 2067).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 152 رقم 24650).

ص: 271

مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري، عن مسعود بن سعد الجعفي، عن يزيد بن أبي زياد القرشي الكوفي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): نا عبد الرحيم، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن حذيفة:"أن رسول الله عليه السلام نهى أن يلبس الحرير والديباج، وقال: هو لهم في الدنيا ولكم في الآخرة".

الرابع: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي إسحاق الضرير واسمه إبراهيم بن زكريا البصري، ضعيف جدًّا، عن عبد الله بن عون، عن مجاهد، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى.

وأخرجه البخاري (2): ثنا علي، ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا أبي، قال: سمعت [ابن](3) أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن حذيفة رضي الله عنه قال:"نهانا النبي عليه السلام أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه".

أخرجه مسلم (4) أيضًا نحوه بطرق متعددة.

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، عن أبي التياح، عن رجل من بني الليث، عن عمران بن حصين رضي الله عنه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير".

حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، قال: ثنا أبو التياح، عن حفص الليثي، عن عمران بن حصين، عن رسول الله عليه السلام مثله.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 151 رقم 24648).

(2)

"صحيح البخاري"(5/ 2195 رقم 5499).

(3)

تكررت في "الأصل".

(4)

"صحيح مسلم"(3/ 1637 رقم 2067).

ص: 272

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عياش الرقام، قال: ثنا عبد الأعلى قال: ثنا سعيد ابن مطر عن الحسن، عن عمران بن الحصين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ألبس القميص المكفف بالحرير وأومأ الحسن إلى جيب قميصه".

ش: من الأحاديث الدالة على تحريم الحرير على الرجال حديث عمران بن الحصين، وأخرجه من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن وهب بن جرير، عن شعبة، عن أبي التياح يزيد بن حميد الضبعي البصري، عن رجل من بني ليث، وهو حفص بن عبد الله الليثي (1)، وقد فسره في الطريق الثاني على ما يأتي.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا روح، قال: ثنا شعبة، عن أبي التياح: سمعت رجلًا من بني ليث يقول: أشهد على عمران بن حصين أنه حدَّث: "أن رسول الله عليه السلام نهى عن الحناتم، وعن خاتم الذهب، وعن لبس الحرير".

الثاني: عن محمَّد بن خزيمة، عن حجاج بن المنهال، عن حماد بن سلمة، عن أبي التياح يزيد بن حميد، عن حفص بن عبد الله الليثي، عن عمران بن حصين.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا حماد بن سلمة، عن أبي التياح، عن حفص الليثي، عن عمران بن حصين:"أن النبي عليه السلام نهى عن الحنتم، والتختم بالذهب، والحرير".

الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عياش بن الوليد القطان الرقام شيخ البخاري وأبي داود، عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن سعيد بن أبي عروبة، عن مطر بن طهمان الوراق، عن الحسن البصري. . . . إلى آخره.

(1) قال الذهبي في "الميزان"(2/ 321): "ما علمت روى عنه سوى أبي التياح؛ ففيه جهالة، لكن صحح الترمذي حديثه".

(2)

"مسند أحمد"(4/ 443 رقم 19995).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 153 رقم 24661).

ص: 273

وأخرجه أبو داود (1): قال: نا مخلد بن خالد، قال: ثنا روح، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين أن نبي الله عليه السلام قال:"لا أركب الأرجوان ولا ألبس المعصفر، ولا ألبس القميص المكفف بالحرير، قال: وأومأ الحسن إلا جيب قميصه، قال: وقال: ألا وطيب الرجال ريح لا لون له، ألا وطيب النساء لون ولا ريح له".

"الأُرجُوان" بضم الهمزة وضم الجيم: الصوف الأحمر، وقيل الأرجوان: الحمرة، وقيل: الشديد الحمرة، وأراد به المياثر، وقد يتخذ من ديباج وحرير، وإنما نهي عن ذلك لما فيه من السرف وليس من لباس الرجال.

قوله: "ولا ألبس القميص المكفف بالحرير" وهو ما اتخذ جيبه من حرير، وكان لذيله وأكمامه كفاف منه.

ص: حدثنا عبد الغني بن أبي عقيل، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا شعبة (ح).

وحدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو داود ووهب، قالا: ثنا شعبة، عن الأشعت ابن أبي الشعثاء، عن معاوية بن سويد بن مقرن، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:"نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير والديباج، والشراب في آنية الذهب والفضة".

ش: من الأحاديث الدالة على تحريم الحرير على الرجال حديث البراء بن عازب، وأخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن عبد الغني بن رفاعة بن عبد الملك بن أبي عقيل المصري، شيخ أبي داود، عن عبد الرحمن بن زياد الثقفي الرصاصي، عن شعبة بن الحجاج، عن الأشعث بن أبي الشعثاء سليم بن الأسود الكوفي، عن معاوية بن سويد بن مقرن المزني الكوفي، عن البراء بن عازب.

(1)"سنن أبي داود"(4/ 48 رقم 4048).

ص: 274

وأخرجه البخاري (1): ثنا أبو الوليد، نا شعبة، عن الأشعث، قال: سمعت معاوية بن سويد بن مقرن، عن البراء رضي الله عنه قال:"أمرنا النبي عليه السلام بسبع، ونهانا عن سبع، أمرنا: باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وإجابة الداعي، ونصر المظلوم، وإبرار المقسم، ورد السلام وتشميت العاطس، ونهانا عن آنية الفضة، وخاتم الذهب، والحرير، والديباج، والقسي، والإستبرق".

وأخرجه مسلم (2): نا يحيي بن يحيى التميمي، قال: أنا أبو خيثمة، عن أشعث ابن أبي الشعثاء) (ح).

وحدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: نا زهير، قال: نا أشعث، قال حدثني معاوية بن سويد بن مقرن، قال: دخلت على البراء بن عازب فسمعته يقول: "أمرنا رسول الله عليه السلام بسبع ونهانا عن سبع، أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس وإبرار -القسم أو المقسم- ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام، ونهانا عن خواتم -أو عن تختم- بالذهب، وعن شرب بالفضة، وعن المياثر، وعن القسي، وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج".

الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، ووهب بن جرير، كلاهما عن شعبة، عن الأشعث. . . . إلى آخره.

وأخرجه [الترمذي](3): نا ابن بشار، عن غندر وابن مهدي، عن شعبة، عن الأشعث. . . . إلى آخره.

(1)"صحيح البخاري"(1/ 417 رقم 1182).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1635 رقم 2066).

(3)

في "الأصل، ك": "أبو داود"، وهو وهم أو سبق قلم، وليست في "سنن أبي داود"، ولم يعزه الحافظ المزي له في "تحفة الأشراف"(2/ 63 رقم 1962)، وإنما عزاه للبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه، وقد رواه الترمذي من هذا الطريق (5/ 117 رقم 2809).

ص: 275

والنسائي (1): أخبرنا سليمان بن منصور البلخي، وهناد بن السري، عن أبي الأحوص، عن [الأشعث](2). . . . إلى آخره.

وابن ماجه (3): ثنا علي بن محمَّد، عن وكيع، عن علي بن صالح، عن أشعث. . . . إلى آخره.

ص: حدثنا محمَّد بن النعمان، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا حماد بن زيد، عن ثابت البناني، قال: سمعت عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما يقول: قال: محمَّد صلى الله عليه وسلم: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة".

ش: من الأحاديث الدالة على تحريم الحرير على الرجال حديث عبد الله بن الزبير.

أخرجه بإسناد صحيح.

عن محمد بن النعمان السقطي، عن سعيد بن منصور الخراساني شيخ مسلم وأبي داود، عن حماد بن زيد، عن ثابت البناني. . . . إلى آخره.

وأخرجه أحمد (4): نا يونس وعفان، قالا: ثنا حماد بن زيد قال -عفان في حديثه: ثنا ثابت البناني، وقال يونس-: عن ثابت قال: سمعت ابن الزبير -قال عفان: يخطبنا، وقال يونس-: وهو يخطب يقول: قال محمَّد عليه السلام: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة".

وأخرجه البخاري (5): عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن ثابت. . . . إلى آخره نحوه.

(1)"المجتبى"(4/ 54 رقم 1939).

(2)

في "الأصل، ك": "أبي شعث"، وهو تحريف، والمثبت من "سنن النسائي".

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 683 رقم 2115).

(4)

"مسند أحمد"(4/ 5 رقم 16163).

(5)

"صحيح البخاري"(5/ 2194 رقم 5495).

ص: 276

والنسائي (1): عن قتيبة، عن حماد، عن ثابت. . . . إلى آخره نحوه.

ص: حدثنا بكار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا هشام بن أبي عبد الله، عن قتادة، عن داود السراج، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، ولو دخل الجنة يلبسه أهل الجنة ولا يلبسه هو".

ش: من الأحاديث الدالة على تحريم الحرير على الرجال حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

أخرجه بإسناد صحيح، عن بكار بن قتيبة القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن داود السراج الثقفي البصري، عن أبي سعيد الخدري.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): عن أبي معاوية، عن سعيد، عن قتادة، عن داود السراج. . . . إلى آخره نحوه.

وأخرجه النسائي (3) أيضًا.

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو معمر، قال ثنا عبد الوارث، قال: ثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة".

حدثنا مبشر بن الحسن، قال: ثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا شعبة، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، عن النبي عليه السلام. . . . نحوه.

حدثنا يونس، قال: ثنا أسد، قال: ثنا شعبة، عن عبد العزيز بن صهيب وسألته عن الحرير فقال: سمعت أنسًا، فقلت: أعن النبي عليه السلام؟ فقال شديدًا، ثم ذكر مثله.

(1)"المجتبى"(8/ 200 رقم 5304).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 153 رقم 24669).

(3)

"السنن الكبرى"(5/ 471 رقم 9611).

ص: 277

حدثنا يونس، قال: ثنا أسد، قال: ثنا شعبة، عن حميد الطويل، عن أنس قال:"كنا نتحدث بذلك".

ش: من الأحاديث الدالة على تحريم الحرير على الرجال حديث أنس.

وأخرجه من أربع طرق صحاح:

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي معمر عبد الله بن عَمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد شيخ البخاري وأبي داود، عن عبد الوارث بن سعيد العنبري، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا إسماعيل بن علية، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال: قال رسول الله عليه السلام: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة".

الثاني: عن مبشر بن الحسن بن المبشر القيسي البصري، عن أبي عامر عبد الملك ابن عمرو العقدي، عن شعبة. . . . إلى آخره.

وأخرجه مسلم (2): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب، قالا: نا إسماعيل ابن علية، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال: قال رسول الله عليه السلام: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة".

الثالث: عن يونس بن عبد الأعلى، عن أسد بن موسى، عن شعبة. . . . إلى آخره.

وأخرجه البخاري (3): ثنا آدم، قال: ثنا شعبة، نا عبد العزيز بن صهيب، قال: سمعت أنس بن مالك -قال: شعبة فقلت: أعن النبي عليه السلام، فقال شديدًا- عن النبي عليه السلام فقال:"من لبس الحرير في الدنيا فلن يلبسه في الآخرة".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 151 رقم 24643).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1645 رقم 2073).

(3)

"صحيح البخاري"(5/ 2194 رقم 5494).

ص: 278

الرابع: عن يونس أيضًا، عن أسد بن موسى، عن شعبة، عن حميد الطويل، عن أنس.

وأخرجه أسد السنة في "مسنده".

ص: حدثنا يونس وبحر -قال يونس: أنا ابن وهب، وقال بحر: ثنا ابن وهب- قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أن هشام بن أبي رقية اللخمي حدثه، قال: سمعت مسلمة بن مخلد يخطب وهو يقول: "أما لكم في العَصَب والكتان ما يغنيكم عن لبس الحرير؟ وهذا فيكم، رجل يخبر عن رسول الله عليه السلام، قم يا عقبة، فقام عقبة بن عامر فقال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: من لبس الحرير في الدنيا حرمه أن يلبسه في الآخرة".

ش: من الأحاديث الدالة على تحريم الحرير على الرجال حديث عقبة بن نافع الجهني.

أخرجه بإسناد صحيح، عن يونس بن عبد الأعلى، وعن بحر بن سابق الخولاني، كلاهما عن عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث المصري، عن هشام بن أبي رقية اللخمي المصري، عن مسلمة بن مخلد الأنصاري الزرقي الصحابي المصري.

وأخرجه ابن يونس في "تاريخ مصر" في ترجمة هشام المذكور: ثنا علي بن أحمد بن سليمان، ثنا سلمة بن شيبة، ثنا الفريابي، نا ابن ثوبان، عن ابن أبي مريم، أنه سمع هشام بن أبي رقية يذكر عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله عليه السلام قال:"من لبس الحرير في الدنيا فهو محرم عليه في الآخرة".

قوله: "في العَصَبِ" بفتح العين المهملة، وسكون الصاد المهملة، وفي آخره باء موحدة، وهي برود يمنية، يعصب غزلها، أي يجمع ويشد، ثم يصبغ وينسج، فيأتي موشيا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ يقال: برد عصب، وبرود عصب، بالتنوين والإضافة.

ص: 279

وقيل: هي برود مخططة.

ص: حدثنا محمد بن حميد بن هشام، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: حدثني يحيى بن حمزة، عن الأوزاعي أن شدادًا أبا عمار، قال: ثنا أبو أمامة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله عليه السلام يقول: "لا يلبس الحرير في الدنيا إلا من لا خلاق له".

ش: من الأحاديث الدالة على تحريم الحرير على الرجال حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي.

أخرجه بإسناد صحيح، عن محمد بن حميد الرعيني، عن عبد الله بن يوسف التنيسي شيخ البخاري، عن يحيى بن حمزة بن واقد الحضرمي الدمشقي، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن شداد بن عبد الله أبي عمار، عن أبي أمامة.

وأخرجه مسلم (1): حدثني إبراهيم بن موسى الرازي، قال: ثنا شعيب بن إسحاق الدمشقي، عن الأوزاعي، قال: حدثني شداد أبو عمار، قال: حدثني أبو أمامة أن رسول الله عليه السلام قال: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة".

وأخرجه الطبراني (2): عن بكر بن سهل، عن عبد الله بن يوسف. . . . إلى آخره نحو رواية الطحاوي.

ص: حدثنا حسين بن نصر ومحمد بن حميد، قالا: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: حدثني يحيى بن حمزة، قال: حدثني زيد بن واقد، أن خالد بن عبد الله بن حسين حدثه، قال: حدثني أبو هريرة، أن رسول الله عليه السلام قال:"من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة، ومن شرب في آنية الفضة والذهب لم يشرب بها في الآخرة، ثم قال: لباس أهل الجنة، وشراب أهل الجنة وآنية أهل الجنة".

ش: من الأحاديث الدالة على تحريم الحرير على الرجال حديث أبي هريرة.

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1646 رقم 2074).

(2)

"المعجم الكبير"(8/ 139 رقم 6727).

ص: 280

أخرجه بإسناد صحيح، عن حسين بن نصر، ومحمد بن حميد بن هشام الرعيني، كلاهما عن عبد الله بن يوسف التنيسي شيخ البخاري، عن يحيى بن حمزة بن واقد الدمشقي، عن زيد بن واقد القرشي أبي عمرو الشامي الدمشقي، عن خالد بن عبد الله بن حسين القرشي الأموي الدمشقي، مولى عثمان بن عفان، عن أبي هريرة.

وأخرجه النسائي (1): أنا هشام بن عمار، عن يحيى بن حمزة، عن زيد بن واقد حدثني خالد بن عبد الله بن حسين، قال: حدثني أبو هريرة. . . . إلى آخره نحوه.

وقد رأيتَ أن الطحاوي: قد أخرج أحاديث هذا الباب عن خمسة عشر نفرًا من الصحابة، وهم عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، ومعاوية بن أبي سفيان، وحذيفة بن اليمان، وعمران بن الحصين، والبراء بن عازب، وعبد الله بن الزبير، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، ومسلمة بن مخلد، وعقبة بن عامر الجهني، وأبو أمامة، وأبو هريرة رضي الله عنهم.

ولما أخرج الترمذي (2) حديث أبي موسى الأشعري قال: وفي الباب عن عمر، وعلي وعقبة بن عامر والبراء وأنس وحذيفة وأم هانئ وعبد الله بن عمرو وعمران بن حصين، وعبد الله بن الزبير وجابر وأبي ريحانة وابن عمر رضي الله عنهم.

قلت: لم يَفُت الطحاوي من هؤلاء إلا أم هانئ، وجابر، وأبو ريحانة، وأبو موسى الأشعري.

أما حديث أم هانئ رضي الله عنها فأخرجه أبو يعلى في "مسنده"(3): ثنا زهير، نا جرير، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي فاختة حدثتني أم هانئ: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهديت

(1)"السنن الكبرى"(4/ 195 رقم 6869).

(2)

"جامع الترمذي"(4/ 217 رقم 1720).

(3)

ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 142)، وعزاه للطبراني في "الكبير" فقط، ولم يعزه لأبي يعلى. ولم أجده في "مسند أبي يعلى"، والحديث عند الطبراني في "الكبير"(24/ 437 رقم 1069).

ص: 281

له حلة حرير سيراء، فبعث بها إلى علي رضي الله عنه فراح وهي عليه، فقال رسول الله عليه السلام لعليّ: لا أرضى لك إلا ما أرضى لنفسي، إني لم أكسكها لتلبسها، إني كسوتكها لتجعلها خمرًا بين الفواطم".

وأما حديث جابر رضي الله عنه فأخرجه أحمد في "مسنده"(1): نا موسى، نا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر:"أن رسول الله عليه السلام أهدى إليه راهب من الشام جبة من سندس، فلبسها النبي عليه السلام ثم أتى البيت فوضعها، وأُخْبِرَ بوفد يأتيه، فأمره عمر بن الخطاب أن يلبس الجبة لقدوم الوفد، فقال النبي عليه السلام: لا يصلح لنا لباسها في الدنيا، ويصلح لنا لباسها في الآخرة، ولكن خذها يا عمر، فقال: أتكرهها وآخذها؟! فقال النبي عليه السلام: إني لا آمرك أن تلبسها، ولكن ترسل بها إلى أرض فارس فتصيب بها مالًا، فأبى عمر رضي الله عنه فأرسل بها النبي عليه السلام إلى النجاشي وكان قد أحسن إلى من فَرَّ إليه من أصحاب محمَّد عليه السلام".

وأما حديث أبي ريحانة، فأخرجه أبو داود (2): ثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني، قال: حدثني المفضل بن فضالة، عن عياش بن عباس، عن أبي الحصين الهيثم بن شفي، قال:"خرجت أنا وصاحب لي يكنى أبا عامر رجل من المعافر لنصلي بإيلياء، وكان قاصهم رجلًا من الأزد يقال له: أبو ريحانة من الصحابة قال أبو الحصين فسبقني صاحبي إلى المسجد، ثم أدركته فجلست إلى جنبه، فسألني: هل أدركت قصص أبي ريحانة؟ قلت: لا، قال: سمعته يقول: نهى رسول الله عليه السلام عن عشر: عن الوشر، والوشم، والنتف، وعن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار، ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار، وأن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريرًا مثل الأعاجم، أو يجعل على منكبيه حريرًا مثل الأعاجم، وعن النهبي، وركوب النمور، ولبوس الخاتم إلا لذي سلطان".

(1)"مسند أحمد"(3/ 347 رقم 14780).

(2)

"سنن أبي داود"(4/ 48 رقم 4049).

ص: 282

وأخرجه النسائي (1) وابن ماجه (2).

وأبو ريحانة اسمه شمغون بالشين والغين المعجمتين وهو أنصاري، وقيل: قرشي، ويقال له: مولى رسول الله عليه السلام قدم مصر، وروى عنه أهلها.

و"الوشر" تحديد الأسنان، تفعله المرأة الكبيرة تتشبه بالشبات.

و"الوشم" أن يغزر الجلد بإبرة ثم يحشى بكحل أو نيل فيزرق أو يخضر.

و"المكامعة" أن يضاجع الرجل الرجل في ثوب واحد لا حاجز بينهما، والمكامعة أن يلثم الرجل الرجل ويضع فمه على فمه كالتقبيل، أخذ من الكعم وهو شد فم البعير لئلا يعض، والكلب لئلا ينبح.

و"الياء" بالكسر والمد: بيت المقدس، قيل معناه بيت الله، ويقال فيه بالقصر، وبحذف الياء الأولى أيضًا وسكون اللام، فهذه ثلاث لغات.

وأما حديث أبي موسى الأشعري: فأخرجه الترمذي (3): نا إسحاق بن منصور، قال: أنا عبيد الله بن نمير قال: نا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله عليه السلام قال:"حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم". وقال: حديث حسن صحيح.

ص: ففي هذه الآثار المتواترة النهي عن لبس الحرير، فاحتمل أن تكون نسخت ما فيه الإباحة للبسه، واحتمل أن يكون ما فيه الإباحة هو الناسخ، فنظرنا في ذلك لنعلم الناسخ في ذلك من المنسوخ؛ فإذا ابن أبي داود قد حدثنا، قال: ثنا محمد بن عبد الرحمن العلاف، قال: ثنا ابن سواء، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس: "أن أُكَيْدَر دومة أهدى إلى النبي عليه السلام جبة من سندس، وذلك قبل أن ينهى عن الحرير

(1)"المجتبى"(8/ 143 رقم 5091).

(2)

"سنن ابن ماجه"(2/ 1205 رقم 3655) مختصرًا.

(3)

"جامع الترمذي"(4/ 217 رقم 1720).

ص: 283

فلبسها فعجب الناس منها، فقال: والذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذه".

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، أنه سمع عقبة بن عامر يقول:"خرج علينا رسول الله عليه السلام ذات يوم وعليه فرُّوج حرير، فصلى فيه ثم انصرف فنزعه، وقال: لا ينبغي لباس هذه للمتقين".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عاصم، قال: حدثني عبد الحميد بن جعفر، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب. . . . فذكر بإسناد مثله.

حدثنا يونس، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة أنه قال:"أهدي إلى رسول الله عليه السلام فروج حرير، فلبسه. . . ." ثم ذكر مثله.

فدلت هذه الآثار أن لبس الحرير كان مباحًا، وأن النهي عن لبسه كان بعد إباحته، فعلمنا أن ما جاء في النهي عن لبسه هو الناسخ لما جاء في إباحة لبسه، وهذا أيضًا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وأكثر العلماء رضي الله عنهم.

ش: أراد بهذه الآثار الأحاديث التي رواها عن الصحابة المذكورين، وهم خمسة عشر نفرًا كما ذكرنا، ولا شك أن في هذه الأحاديث النهي عن لبس الحرير، ولكن يحتمل أن تكون هذه ناسخة لما فيه الإباحة للبس الحرير، ويحتمل أن يكون ما فيه الإباحة ناسخًا لهذه الأحاديث، فلما نظرنا في هذا الباب لنعلم الناسخ من المنسوخ؛ وجدنا أحاديث أخرى دلت على أن الأحاديث التي فيها النهي عن لبسه هي الناسخة للأحاديث التي فيها الإباحة وهي حديث أنس وعقبة بن عامر رضي الله عنهما.

أما حديث أنس؛ فأخرجه بإسناد صحيح: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن محمد بن عبد الرحمن العلاف العنبري البصري، عن محمد بن سواء بن عنبر السدوسي العنبري أبي الخطاب البصري المكفوف، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه.

ص: 284

وأخرجه مسلم (1): ثنا محمَّد بن بشار، قال: ثنا سالم بن نوح، قال: ثنا عمر، عن قتادة، عن أنس بن مالك:"أن أكيدر دومة الجندل أهدى إلى رسول الله عليه السلام جبة من سندس، وكان ينهى عن الحرير، فعجب الناس منها، فقال: والذي نفس محمد بيده، إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا".

وأخرج مسلم (2) والبخاري (3) هذا الحديث أيضًا عن البراء بن عازب رضي الله عنه ولفظ مسلم: "أهديت لرسول عليه السلام حلة حرير، فجعل أصحابه يمسونها ويعجبون من لينها، فقال: أتعجبون من لين هذه لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها وألين".

ولفظ البخاري: "أهدي للنبي عليه السلام. . . ." إلى آخره.

قوله: "أُكَيْدر" بضم الهمزة، هو أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل، كتب إليه النبي عليه السلام وأرسل سرية إليه مع خالد بن الوليد رضي الله عنه.

وذكر ابن منده وأبو نعيم أنه أسلم، وأهدى إلى النبي عليه السلام حلة سيراء.

وقال ابن الأثير (4): وأما سرية خالد فصحيح، وإنما أهدى لرسول الله عليه السلام وصالحه ولم يسلم، وهذا لا خلاف فيه بين أهل السير، ومن قال: إنه أسلم، فقد أخطأ خطأ ظاهرًا، وكان أكيدر نصرانيًّا، ولما صالحه النبي عليه السلام عاد إلى حصنه وبقي فيه، ثم إن خالدا أسره لما حصر دومة أيام أبي بكر رضي الله عنه فقتله مشركًا نصرانيًّا، وقد ذكر البلاذري: أن أكيدرا لما قدم على النبي عليه السلام مع خالد أسلم، وعاد إلى دومة، فلما مات النبي عليه السلام ارتد ومنع ما قَبِلَهُ، فلما سار خالد من العراق إلى الشام قتله. والله أعلم.

(1)"صحيح مسلم"(4/ 1917 رقم 2469)، ولفظه:"أن أكيدر دومة الجندل أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة"، ثم قال مسلم: فذكر نحوه ولم يذكر فيه: "وكان ينهى عن الحرير". اهـ.

قلت: أما الذي في الأصل فهو لفظ الحديث الذي قبله في مسلم فلعله انتقال نظر. والله أعلم.

(2)

"صحيح مسلم"(4/ 1916 رقم 2468).

(3)

"صحيح البخاري"(6/ 2448 رقم 6264).

(4)

"أسد الغابة"(1/ 135).

ص: 285

وأما "دومة" فقد قال الجوهري: دومة الجندل اسم حصن، وأصحاب اللغة يقولونه بضم الدال، وأصحاب الحديث يفتحونها.

قلت: دومة الجندل -بضم الدال- موضع فاصل بين الشام والعراق، على سبع مراحل من دمشق، وعلى ثلاثة عشر مرحلة عن المدينة.

قوله: "من سندس" وهو ما رقّ من الديباج ورفع.

قوله: "لمناديل سعد" كلام إضافي مبتدأ، وخبره "أحسن من هذه" واللام فيه للتأكيد وهي مفتوحة.

وأما حديث عقبة بن عامر فأخرجه من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن عبد الله بن لهيعة، والليث بن سعد، كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري، عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري، عن عقبة بن عامر الجهني.

وابن لهيعة ذُكر متابعة.

وأخرجه مسلم (1): ثنا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا ليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر أنه قال:"أهدي لرسول الله عليه السلام فروج حرير، فلبسه ثم صلى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعًا شديدًا كالكاره، ثم قال: لا ينبغي هذا للمتقين".

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر.

وأخرجه البخاري (2): ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر أنه قال: "أهدي لرسول الله عليه السلام فروج حرير،

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1646 رقم 2075).

(2)

"صحيح البخاري"(5/ 2186 رقم 5456).

ص: 286

فلبسه ثم صلى فيه، ثم انصرف فنزعه نزغا شديدًا كالكاره له، ثم قال: لا ينبغي هذا للمتقين".

الثالث: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن يوسف شيخ البخاري، عن الليث بن سعد. . . . إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا محمد بن عبيد ويزيد بن هارون، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله اليزني، عن عقبة بن عامر الجهني قال:"صلى بنا رسول الله عليه السلام المغرب وعليه فروج -يعني قباء- من حرير، فلما قضى صلاته، نزعه نزعا عنيفا، فقلت: يا رسول الله، صليت وهو عليك؟ قال: إن هذا لا ينبغي للمتقين".

قوله: "فروج حرير" الفروج -بفتح الفاء وضم الراء المشددة بعدها واو ساكنة وفي آخره جيم- وهو القباء الذي شُقَّ من خلفه.

ص: وقد روي عن أصحاب رسول الله عليه السلام أيضًا في ذلك ما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه:"أن عمه إسماعيل بن عبد الرحمن دخل مع عبد الرحمن على عمر رضي الله عنه وعليه قميص من حرير، وقلبان من ذهب، فشق القميص، وفك القلبين، فقال: اذهب إلى أمك".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا مسعر، عن وبرة بن عبد الرحمن، عن عامر بن سويد بن غفلة، قال:"لقينا عمر رضي الله عنه وعلينا من ثياب أهل فارس -أو قال: كسرى- فقال: بَرَّح الله هذه الوجوه، فرجعنا فألقيناها ولبسنا ثياب العرب، فرجعنا إليه، فقال: أنتم خير من قوم أتوني وعليهم ثياب قوم لو رضيها الله لهم لم يلبسهم إياها، لا يصلح -أو لا يحل- إلا إصبعين أو ثلاثًا أو أربعًا، يعني الحرير".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 152 رقم 24652).

ص: 287

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن سميع، عن مسلم البطين، عن أبي عمرو السيباني، قال:"رأى علي بن أبي طالب رضي الله عنه على رجل جبة في صدره لبنة من ديباج، فقال له علي رضي الله عنه: ما هذا الشيء الذي تحت لحيتك؟! فجعل الرجل ينظر، فقال له رجل: إنما يعني الديباج".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا إبراهيم بن بشار، قال: ثنا سفيان، عن عمرو، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان، قال:"استأذن سعد بن أبي وقاص على ابن عامر وتحته مرافق من حرير، فأمر بها فرفعت، فدخل عليه سعد وعليه مطرف شطره حرير، فقال له ابن عامر: يا أبا إسحاق، استأذنت عليّ وتحتي مرافق من حرير فأمرت بها فرفعت، فقال: نِعْم الرجل أنت يا أبا عامر، إن لم تكن من الذين قال الله -عزوجل-: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} (1) لأن أضطجع على جمر الغضى أحب إليّ من أن أضطجع على مرافق من حرير، قال: فهذا عليك مطرف شطره خز، وشطره حرير قال: إنما يلي جلدي منه الخز".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا إبراهيم، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار عن طلق بن حبيب، قال: قلت لابن عمر: "أرأيت هذا الذي تقول في الحرير أشيء سمعته من رسول الله عليه السلام أو وجدته في كتاب الله -عزوجل-؟ قال: ما وجدته في كتاب الله ولا سمعته من رسول الله عليه السلام ولكني رأيت أهل الإِسلام يكرهونه".

حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا الخصيب، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن عبد الله بن عون -لا أعلمه إلا قال: عن الحسن- قال: "دخلنا على ابن عمر رضي الله عنهما بالبطحاء فقال له رجل: إن ثيابنا هذه يخالطها الحرير، قال: دعوه قليله وكثيره".

ش: أي وقد روي عن الصحابة رضي الله عنهم أيضًا في تحريم الحرير على الرجال، وأخرج في ذلك عن أربعة منهم، وهم عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم.

(1) سورة الأحقاف، آية:[20].

ص: 288

أما ما روي عن عمر فأخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن وهب بن جرير، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي أن عمه إسماعيل بن عبد الرحمن دخل مع أبيه عبد الرحمن بن عوف على عمر بن الخطاب رضي الله عنهم.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه قال:"دخل عبد الرحمن بن عوف ومعه ابن له على عمر رضي الله عنه وعليه قميص حرير، فشق القميص".

قوله: " وقُلْبان" تثنية قُلْب -بضم القاف وسكون اللام-: وهو السوار.

الثاني: عن أبي بكرة أيضًا، عن أبي أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الكوفي، عن مسعر بن كدام، عن وبرة بن عبد الرحمن المُسْلي، عن عامر الشعبي، عن سويد بن غفلة.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا ابن إدريس، عن حصين، عن الشعبي، عن سويد بن غفلة، قال:"شهدنا اليرموك، قال: فاستقبلنا عمر رضي الله عنه وعلينا الديباج والحرير، فأمر فرمينا بالحجارة، قال: فقلنا: ما بلغه عنا؟ قال: فنزعناه وقلنا: كره زينا، فلما استقبلنا رحب بنا، فقال: إنكم جئتموني في زي أهل الشرك، إن الله لم يرضَ لمن قبلكم الديباج والحرير".

قوله: "بَرَّح الله" بالتشديد وثلاثيه: بَرَحَ بمعنى زال، ويقال أيضًا: برَّح به تبريحًا إذا شق عليه، وأصل التبريح المشقة والشدة، وحاصله أن هذا دعاء من عمر عليهم لكونهم أتوه في ثياب الأكاسرة والجبارين المترفين.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 152 رقم 24657).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 154 رقم 24678).

ص: 289

وأما ما روي عن علي رضي الله عنه فأخرجه أيضًا بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير، عن سفيان الثوري، عن إسماعيل ابن سميع الحنفي الكوفي، عن مسلم بن عمران البطين، عن أبي عمرو السيباني -بالسين المهملة- واسمه زرعة.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن إسماعيل بن سميع، عن مسلم البطين، عن أبي عمرو السيباني، قال:"جاء شيخ فسلم على عليّ رضي الله عنه وعليه جبة من طيالسة في مقدمها ديباج، فقال عليّ: ما هذا النتن تحت لحيتك؟! فنظر الشيخ يمينًا وشمالًا، فقال: ما أرى شيئًا، قال: يقول رجل: إنما يعني الديباج، قال: يقول الرجل: إذًا نلقيه ولا نعود".

قوله: "لِبْنة" بكسر اللام وسكون الباء، وهي رقعة تعمل موضع جيب القميص والجبة.

وأما ما روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فأخرجه أيضًا بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن إبراهيم بن بشار الرمادي شيخ أبي داود، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار المكي، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية.

وابن عامر هو عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي العبشمي، وه وابن خال عثمان بن عفان رضي الله عنه ولد على عهد النبي عليه السلام، وأُتي به وهو صغير، فقال: هذا يشبهنا، وجعل يتفل عليه ويعوذه، فجعل عبد الله يبتلع ريق رسول الله عليه السلام، فقال رسول الله عليه السلام:"إنه لمسقى"، فكان لا يعالج أرضًا إلا ظهر له الماء، وكان كريمًا ميمون النقيبة واستعمله عثمان رضي الله عنه على البصرة سنة تسع وعشرين، بعد أبي موسى رضي الله عنه، وولاه أيضًا بلاد فارس بعد عثمان بن أبي العاص، وكان عمره لما ولي البصرة أربعًا -أو خمسًا- وعشرين سنة، فافتتح خراسان كلها وأطراف فارس وسجستان وكرمان وزابلستان،

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 156 رقم 24697).

ص: 290

وهي أعمال غزنة، أرسل الجيوش ففتح هذه الفتوح كلها، وفي ولايته قتل كسرى يزدجرد، فأحرم ابن عامر من نيسابور بعمرة شكرًا لله -عزوجل- على ما فتح عليه، وهو الذي اتخذ السوق بالبصرة، اشترى دورًا فهدمها وجعلها سوقًا، وهو أول من لبس الخز بالبصرة، لبس جبة دكناء، فقال الناس: لبس الأمير جلد دب، فلبس جبة حمراء، وهو أول من اتخذ الحياض بعرفة وأجرى إليها العين، ولم يزل واليًا على البصرة إلى أن قتل عثمان بن عفان، ثم شهد مع عائشة رضي الله عنها وقعة الجمل، ثم سار إلى دمشق فأقام بها، وتوفي سنة سبع -وقيل: سنة ثمان- وخمسين، وأوصى إلى عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه.

والأثر المذكور أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن صفوان بن عبد الله، قال:"استأذن سعد على ابن عامر وتحته مرافق من حرير، فأمر بها فرفعت، فلما دخل سعد وعليه مطرف من خز، فقال له: استأذنت عليّ وتحتي مرافق من حرير، فأمرت بها فرفعت، فقال سعد: نعم الرجل أنت إن لم تكن ممن قال الله: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} (2) والله لئن أضطجع على جمر الغضي أحب إليّ من أن أضطجع عليها، قال: فهذا عليك شطره حرير وشطره خز؟ قال: إنما يلي جلدي منه الخز".

قوله: "مرافق" جمع مرفقة -بكسر الميم- وهي المخدة، قاله الجوهري، يقال: فلان تمرفق إذا اتخذ المرفقة.

و"المطرف" بكسر الميم وضمها وفتحها: الثوب الذي في طرفيه علمان، والميم زائدة.

قوله: "شطره" أي نصفه.

قوله: "لئن اضطجع" اللام فيه "لام" الابتداء، وهي للتأكيد، و"أن" مصدرية في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله:"أحب إليّ".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 150 رقم 24639).

(2)

سورة الأحقاف، آية:[20].

ص: 291

و"الغضى" شجر، وإنما قال جمر الغضى لكون نارها قوية، وجمرها لا يخمد في ساعة.

و"الخز" بفتح الخاء وتشديد الزاي المعجمتين: وهو الثوب المنسوج من الصوف والحرير.

قوله: "إنما يلي جلدي منه الخز" احتج به قوم على جواز لبس الحرير إذا كان من فوق القماش ولم يمس منه جلده شيئًا.

وأما ما روي عن عبد الله بن عمر فأخرجه من طريقين حسنين جيدين:

الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن إبراهيم بن بشار الرمادي، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طلق بن حبيب العنزي البصري.

الثاني: عن سليمان بن شعيب، عن الخصيب -بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة- بن ناصح الحارثي، وثقه ابن حبان، عن يزيد بن زريع، عن عبد الله بن عون، عن الحسن رضي الله عنه.

قوله: "أرأيت" معناه أخبرني.

قوله: "أشيء" الهمزة فيه للاستفهام.

قوله: "دعوه" أي اتركوه.

قوله: "قليله وكثيره" منصوبان على البدلية من الضمير المنصوب في دعوه، والباء في "بالبطحاء" للظرف، أي في البطحاء، وهو مسيل وادي مكة، وهو الذي يقال له: المحصب أيضًا.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب ذاهبون إلى [أن](1) ما حرم من ذلك، فقد دخل فيه النساء والرجال واحتجوا في ذلك بقول النبي عليه السلام:"من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" ولم يخص في ذلك الرجال دون النساء.

(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

ص: 292

ش: أراد بهؤلاء الذاهبين زيد بن وهب الجهني وسالمًا والحسن البصري في رواية، فإنهم قالوا: ما حرم من الحرير يدخل فيه الرجال والنساء جميعًا، لعموم قوله عليه السلام:"من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة"(1) ولم يخص في ذلك الرجال دون النساء.

وقال ابن العربي: اختلف العلماء في لباس الحرير على عشرة أقوال:

الأول: يحرم بكل حال.

الثاني: يحرم إلا في الحرب.

الثالث: يحرم إلا في السفر.

الرابع: يحرم إلا في المرض.

الخامس: يحرم إلا في الفرد.

السادس: يحرم إلا في العَلَم.

السابع: يحرم على الرجال والنساء.

الثامن: يحرم لبسه من فوق دون لبسه من أسفل، وهو الفرش، قاله أبو حنيفة وابن الماجشون.

التاسع: مباح بكل حال.

العاشر: يحرم وإن خلط مع غيره كالخز.

ومما احتج به من يقول بحرمته على الرجال والنساء جميعًا ما رواه مسلم (2): أن ابن الزبير رضي الله عنهما قال: "لا تلبسوا نساءكم الحرير، فإني سمعت [عمر بن الخطاب يقول: قال] (3) رسول الله عليه السلام يقول: من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" وكأن ابن الزبير فهم منه العموم، ولم ير الخصوص.

(1) تقدم.

(2)

"صحيح مسلم"(10/ 412 رقم 3856).

(3)

ليست في "الأصل"، والمثبت من "صحيح مسلم".

ص: 293

ص: وقالوا: قد رأينا آنية الذهب والفضة حرمت على المسلمين؛ لأنها آنية الكفار في الدنيا؛ فاستوى في ذلك النساء والرجال، فكذلك الحرير لما حَرُمَ على المسلمين لأنه لباس الكفار؛ استوى فيه الرجال والنساء جميعًا.

ش: أي: قال هؤلاء الذاهبون، وأشار به إلى وجه النظر والقياس في تحريم الحرير على الرجال والنساء جميعًا، وهو ظاهر.

ص: فكان من الحجة [على](1) من ذهب إلى هذا القول: أنه قد نُهي عن لبس الثياب المصبغات، وقيل: إنها لباس الكفار.

وروي عن النبي عليه السلام في ذلك: ما حدثنا محمد بن خزيمة قال: ثنا مسدد قال: ثنا يحيى، عن هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن عبد الله بن عمرو:"أن النبي عليه السلام رأي عليه ثوبين معصفرين، فقال: هذه ثياب الكفار، فلا تلبسها".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا هارون بن إسماعيل الخزاز، قال: ثنا علي بن المبارك، قال: حدثنا يحيى. . . . فذكر بإسناده مثله.

ففي هذا الحديث أن الثياب المصبغة ثياب الكفار.

ش: أشار بهذه إلى بيان مستند هؤلاء الطائفة فيما قالوا من وجه النظر والقياس، أي فكان من الدليل والبرهان لهؤلاء الذاهبين إلى هذا القول، وهو عموم التحريم للرجال والنساء جميعًا، أن النبي عليه السلام قد نهى عن لبس الثياب المصبغات، حيث قال:"هذه ثياب الكفار فلا تلبسها" وعلله بذلك، وذلك في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.

وأخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن محمد بن خزيمة، عن مسدد شيخ البخاري وأبي داود، عن يحيى القطان، عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير الطائي اليمامي، عن محمد بن

(1) في "الأصل، ك": "إلى"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

ص: 294

إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي المدني، عن خالد بن معدان الكلاعي الشامي الحمصي، عن جبير بن نفير بن مالك الحضرمي الشامي الحمصي المخضرم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

وأخرجه النسائي (1): أنا إسماعيل بن مسعود، قال: نا خالد، عن هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، أن خالد بن معدان أخبره: أن جبيرًا أخبره: أن عبد الله بن عمرو أخبره: "أنه رآه النبي عليه السلام وعليه ثوبان معصفران، فقال: هذه ثياب الكفار فلا تلبسها".

الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن هارون بن إسماعيل الخزاز -بالمعجمات- عن علي بن المبارك الهنائي البصري، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا وكيع، عن علي بن مبارك، عن يحيى ابن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير الحضرمي، عن عبد الله بن عمرو قال:"رآني النبي عليه السلام، وعليّ ثوب معصفر، فقال: ألقها؛ فإنها ثياب الكفار". انتهى.

و"الثوب المعصفر": المصبوغ بالعصفر.

قال الجوهري: العصفر صبغ، وقد عصفرت الثوب فتعصفر.

قلت: العصفر هو زهر القرطم تصبغ به الثياب وغيرها.

ص: فنظرنا في ذلك هل حرم لبسها لهذه العلة على النساء أم لا؟

فإذا سليمان بن شعيب قد حدثنا، قال: ثنا الحصيب، قال: ثنا عمارة بن زاذان، عن زياد النميري، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى النبي عليه السلام وعليه ثوب معصفر، فقال له: لو أن ثوبك هذا في تنور لكان خيرًا لك، فذهب الرجل

(1)"المجتبى"(8/ 203 رقم 5316).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 158 رقم 2430).

ص: 295

فجعله تحت القدر -أو في التنور- فأتى النبي عليه السلام قال: ما فعل ثوبك؟ قال: صنعت به ما أمرتني، فقال له رسول الله عليه السلام: ما بهذا أمرتك أَوَلَا ألقيته على بعض نسائك؟ " فكان ذلك التحريم على الرجال دون النساء.

ش: هذا إشارة إلى بيان فساد وجه قياس هؤلاء الطائفة الذي ذكروه في تعميم التحريم في حق الرجال والنساء جميعًا.

بيانه: أن قوله عليه السلام في حديث أنس: "أولا ألقيته على بعض نسائك" يدل على أن التحريم مخصوص في حق الرجال دون النساء، وأن احتجاجهم في تعميم الحرمة بالعلة المذكورة -وهي كون تلك الثياب ثياب الكفار- فاسد، وأن ذلك التحريم على الرجال خاصة.

وإسناد حديث أنس جيد.

والخَصِيب هو ابن ناصح الحارثي، ثقة.

وعمارة بن زاذان الصيدلاني البصري، عن أحمد: شيخ ثقة مأمون، وعنه: يروي عن أنس أحاديث مناكير. وعن يحيى: صالح. وقال أبو زرعة: ثقة لا بأس به. وذكره ابن حبان في "الثقات".

وزياد النميري هو: زياد بن عبد الله البصري، وثقه ابن حبان، وقال: يخطئ. وعن يحيى: ليس به بأس، وعنه: ضعيف. وروى له أبو داود والترمذي.

ص: وقد روي في ذلك عن أصحاب رسول الله عليه السلام ما حدثنا أبو حازم عبد الحميد بن عبد العزيز، قال: ثنا بندار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن إبراهيم النخعي، قال:"دخلت على عائشة رضي الله عنها فرأيت عليها ثيابًا مصبغة".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، قال: أخبرني ابن جريج، عن موسى بن عقبة، قال:"كانت أم سلمة وعائشة وأم حبيبة رضي الله عنهن يلبسن المعصفرات".

ص: 296

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، سمع جابرًا رضي الله عنه يقول:"المُهِلَّة لا تلبس ثياب الطيب، وتلبس الثياب المعصفرات من غير طيب".

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب أنَّ مالكا حدثه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها:"أنها كانت تلبس الثياب المعصفرات وهي محرمة ليس فيهن زعفران".

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت:"ما رأيت أسماء لبست إلا المعصفر حتى لقيت الله عز وجل، وإن كانت لتلبس الثوب فيقوم قيامًا من العصفر".

فما تنكرون أن يكون الحرير كذلك؛ فيكون مكروهًا لبسه للرجال، غير مكروه للنساء؟.

ش: أي قد روي عن الصحابة في جواز لبس الثياب المصبغات للنساء، ذكر هذا شاهدًا لقوله: فكان ذلك التحريم على الرجال دون النساء.

وأخرج في ذلك عن فعل عائشة وأم سلمة وأم حبيبة وأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهن وعن قول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

أما ما روي عن هؤلاء الصحابيات فأخرجه من وجوه:

الأول: بإسناد صحيح: عن أبي خازم -بالمعجمتين- عبد الحميد بن عبد العزيز القاضي، أحد الأئمة الحنفية الكبار الصيّن الديَّن الأمين، عن بندار محمد بن بشار البصري شيخ الجماعة، عن محمد بن أبي عدي وهو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي السلمي البصري شيخ أحمد، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر زياد بن كليب الحنظلي الكوفي، عن إبراهيم النخعي.

ص: 297

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا عباد بن العوام، عن سعيد، عن أبي معشر، عن إبراهيم:"أنه كان يدخل مع علقمة والأسود على أزواج النبي عليه السلام فيراهن في اللحف الحمر قال: وكان إبراهيم لا يرى بالمعصفر بأسًا".

وقد دل هذا الأثر على شيئين:

أحدهما: كون إبراهيم من التابعين؛ لأنه رأى عائشة رضي الله عنها ولكن قالوا: إنه لم يسمع منها شيئًا.

والآخر: أن الثياب المعصفرة جائزة للنساء.

الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، عن موسى بن عقبة. . . . إلى آخره.

الثالث: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك بن أنس، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق.

وأخرجه مالك في "موطئه"(2).

الرابع: عن يونس، عن عبد الله بن وهب، عن يحيى بن عبد الله بن سالم، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام القرشية الأسدية، زوجة هشام بن عروة.

وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا غندر، عن هشام، عن فاطمة بنت المنذر:"أن أسماء كانت تلبس المعصفرات وهي محرمة".

وأما ما روي من قول جابر رضي الله عنه، فأخرجه بإسناد صحيح: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد، عن عبد الملك بن جريج، عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، عن جابر رضي الله عنه.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 159 رقم 24739).

(2)

"موطأ مالك"(1/ 326 رقم 711).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 160 رقم 24745).

ص: 298

وأراد "بالمهلة" المحرمة، من الإهلال، وهو رفع الصوت بالتلبية للإحرام.

ص: فإن قالوا لنا: فَلِمَ لا تشبهون حكم لباس الحرير في هذا الباب بحكم استعمال آنية الذهب والفضة؟

قيل لهم: لأن الثياب المصبغة هي من اللباس، فكذلك الثياب الحرير والديباج؛ والذهب والفضة هما من الأواني، واللباس بعضه ببعض أشبه منه بالآنية، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: تقرير السؤال أن يقال: إنكم قد شبهتم حكم لبس الحرير بحكم لبس الثياب المصبوغة حيث حرمتموه على الرجال خاصة دون النساء، فَلِمَ لا تشبهونه بحكم استعمال آنية الذهب والفضة حتى تكون حرمته عامة كحرمة استعمال أواني الذهب والفضة؟ وما الترجيح في ذلك؟

وتقرير الجواب: أن الثياب المصبوغة مما يلبس، وكذلك الثياب الحرير والديباج، وليس لها شبه بالأواني من الذهب والفضة، وشبه ما يلبس بعضه ببعض أقرب من شبهه بالآنية؛ فهذا هو الترجيح. فافهم.

ص: وقد روي في ذلك أيضًا عن النبي عليه السلام ما حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا شعيب بن الليث، قال: ثثا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ابن أبي الصعبة، عن رجل من همدان يقال له: أفلح، عن ابن زُرَيْر أنه سمع عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول:"إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرًا في يمينه، وأخذ ذهبًا فجعله في يساره، ثم قال: إن هذين حرام على ذكور أمتي".

حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد العزيز بن أبي الصعبة، عن أبي أفلح، عن عبد الله بن زُرَيْر الغافقي، عن عليّ بن أبي طالب، عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا ابن لهيعة، قال: ثنا يزيد بن أبي حبيب، أن عبد العزيز بن أبي الصعبة القرشي حدثه. . . . ثم ذكر بإسناده مثله.

ص: 299

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عبد الرحمن بن رافع، عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا إبراهيم بن منقذ وصالح بن عبد الرحمن، قالا: أنا المقرئ، عن عبد الرحمن ابن زياد. . . . فذكر بإسناده مثله.

حدثنا ابن أبي عمران وابن أبي داود، وعلي بن عبد الرحمن، وأبو زرعة الدمشقي، قالوا: ثنا سعيد بن سليمان الواسطي، عن عباد بن العوام، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة قال: حدثني ثابت بن زيد بن ثابت بن زيد بن أرقم قال: حدثتني عمتي أنيسة بنت زيد بن أرقم، عن أبيها زيد بن أرقم، عن رسول الله عليه السلام مثله.

وزاد عليّ بن عبد الرحمن: "قالت: فقال له رجل: إنك لتقول هذا، وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ينهى عنه، وكان في يدي قلبان من ذهب، فقال: ضعيهما، وركب حُمَيرًا له، فانطلق ثم رجع فقال: أعيديهما فقد سألته، فقال: لا بأس".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أنا يحيى بن أيوب، قال: حدثني الحسن بن ثوبان وعمرو بن الحارث، عن هشام بن أبي رقية، قال: سمعت مسلمة بن مخلد يقول لعقبة بن عامر: "قم فحدث الناس بما سمعت من رسول الله عليه السلام. فقام عقبة فقال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: من كذب عليّ فليتبوأ بيته من جهنم، وسمعت رسول الله عليه السلام يقول: الحرير والذهب حرام على ذكور أمتي، حل لإناثهم".

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا الحجاج بن منهال الأنماطي، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي عليه السلام أنه قال:"الحرير والذهب حلال لإناث أمتي، حرام على ذكورها".

ص: 300

حدثنا فهد، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أنا محمد بن جعفر، قال: أخبرني عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن أبيه، عن موسى الأشعري، عن النبي عليه السلام مثله.

فبيّن في هذه الآثار من قصد إليه النهي في الآثار الأُوَل، وأنهم الرجال دون النساء.

ش: أي وقد روي في تحريم الحرير على الرجال خاصة دون النساء عن النبي عليه السلام.

وأخرج في ذلك عن خمسة أنفس من الصحابة رضي الله عنهم وهم: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وزيد بن أرقم، وعقبة بن عامر، وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهم.

أما حديثي علي رضي الله عنه فأخرجه من ثلاث طرق:

الأول: عن ربيع بن سليمان المؤذن شيخ أبي داود، عن شعيب بن الليث، عن أبيه الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري، عن عبد العزيز بن أبي الصعبة التيمي المصري، وثقه ابن حبان.

عن أفلح الهمداني، والمحفوظ فيه: أبو أفلح، وقد وقع كلاهما في رواية الطحاوي ففي هذه الرواية وقع: أفلح وفي الرواية التي تأتي وقع: أبو أفلح، وهو الصحيح.

قال الذهبي: أبو أفلح لا يُدرى من هو، وهو يروي عن عبد الله بن زرير الغافقي المصري، قال العجلي: مصري تابعي ثقة.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا قتيبة بن سعيد، قال: ثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي أفلح الهمداني، عن ابن زرير، أنه سمع علي بن أبي طالب يقول:"إن نبي الله عليه السلام أخذ حريرًا فجعله في يمينه، وأخذ ذهبًا فجعله في شماله، ثم قال: إن هذين حرام على ذكور أمتي".

(1)"سنن أبي داود"(4/ 50 رقم 4057).

ص: 301

الثاني: عن حسين بن نصر بن المعارك، عن يزيد بن هارون الواسطي، عن محمد بن إسحاق المدني. . إلى آخره.

وأخرجه ابن ماجه (1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا عبد الرحيم بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد العزيز بن أبي الصعبة، عن أبي الأفلح الهمداني، عن عبد الله بن زرير الغافقي، سمعته يقول: سمعت علي بن أبي طالب يقول: "أخذ رسول الله عليه السلام حريرًا بشماله، وذهبًا بيمينه، ثم رفع بهما يديه فقال: إن هذين حرام على ذكور أمتي، حل لإناثهم".

الثالث: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن أسد بن موسى، عن عبد الله بن لهيعة، فيه مقال، عن يزيد بن أبي حبيب. . . . إلى آخره.

وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه من طريقين:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي قاضيها، فيه مقال، فعن أحمد: ليس بشيء وعنه: منكر الحديث. وعن يحيى: ضعيف. وقال ابن خراش: متروك. عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي إفريقية، قال البخاري: في حديثه مناكير.

عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن الإفريقي، عن عبد الرحمن بن رافع، عن عبد الله بن عمرو قال:"خرج علينا رسول الله عليه السلام وفي إحدى يديه ثوب من حرير وفي الأخرى ذهب، فقال: إن هذين محرم على ذكور أمتي حل لإناثهم".

الثاني: عن إبراهيم بن منقذ العصفري، وصالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن

(1)"سنن ابن ماجه"(2/ 1189 رقم 3595).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 153 رقم 24662).

ص: 302

الحارث، كلاهما عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ شيخ البخاري، عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي. . . . إلى آخره.

وأخرجه الطبراني: نا هارون بن ملول قال: ثنا المقرئ، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الرحمن بن رافع، عن عبد الله بن عمرو، قال:"خرج علينا رسول الله عليه السلام وفي إحدى يديه ذهب وفي الأخرى حرير، فقال: هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها".

وأما حديث زيد بن أرقم: فأخرجه عن أحمد بن أبي عمران موسى الفقيه البغدادي نزيل مصر وثقه ابن يونس وغيره، وعن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، وعن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن مغيرة الكوفي نزيل مصر المعروف بِعِلَّان، وعن أبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي حافظ الشام وشيخ الطبراني، أربعتهم عن سعيد بن سليمان الضبي الواسطي المعروف بسعدويه شيخ البخاري وأبي داود، عن عباد بن العوام بن عمر بن عبد الله الواسطي روي له الجماعة، عن سعيد بن أبي عروبة روى له الجماعة عن ثابت بن زيد بن ثابت بن زيد بن أرقم الأنصاري قال أبو حاتم: له أحاديث مناكير. عن عمته أنيسة بنت زيد بن أرقم ذكرها ابن حبان في "الثقات" عن زيد بن أرقم الصحابي رضي الله عنه.

وأخرجه الطبراني (1): ثنا محمد بن الفضل السقطي، ثنا سعيد بن سليمان (ح).

وثنا أبو حصين القاضي، نا يحيى الحماني، قالا: ثنا عباد بن العوام، عن سعيد بن أبي عروبة، قال: أخبرني ثابت بن زيد بن ثابت بن زيد بن أرقم قال: حدثتني عمتي أنيسة بنت زيد بن أرقم عن أبيها زيد بن أرقم قال: قال رسول الله عليه السلام: "الذهب والحرير حل لإناث أمتي، وحرام على ذكورها".

قوله: "وزاد علي بن عبد الرحمن" أي في روايته زاد.

(1)"المعجم الكبير"(5/ 211 رقم 5125).

ص: 303

قوله: "قالت: فقال له رجل. . . ." إلى آخره أي قالت أنيسة: فقال لزيد بن أرقم رجل: إنك لتقول هذا.

قوله: "قُلبان" تثنية قُلب -بضم القاف وسكون اللام- وهو السوار.

وأما حديث عقبة بن عامر: فأخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم شيخ البخاري، عن يحيى بن أيوب الغافقي المصري روي له الجماعة، عن الحسن بن ثوبان بن عامر الهوزني المصري وثقه ابن حبان، وعن عمرو بن الحارث المصري، كلاهما عن هشام بن أبي رقية اللخمي المصري وثقه ابن حبان، عن مسلمة بن مخلد الصحابي، عن عقبة بن عامر الجهني الصحابي.

وقد أخرجه الطحاوي فيما مضى (1) بلفظ آخر، عن يونس بن عبد الأعلى وبحر ابن نصر كلاهما عن عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن هشام بن أبي رقية.

وأخرجه ابن يونس في ترجمة مسلمة: ثنا كهمس بن معمر، ثنا الحسن بن سليمان، ثنا مسكين بن عبد الرحمن، ثنا يحيى بن أيوب، عن خالد بن أبي عمران، عن هشام بن أبي رقية، عن مسلمة بن مخلد:"أنه قال وهو على المنبر: لأحدثنكم بما سمعت من رسول الله عليه السلام سمعته يقول: الذهب والحرير محرم على ذكور أمتي، حل لإناثهم".

قال أبو سعيد: وهذا حديث خطأ، والصواب فيه هشام عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.

وأما حديث أبي موسى الأشعري: فأخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن محمد بن خزيمة، عن الحجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر، عن سعيد بن أبي هند الفزاري مولى سمرة بن جندب روى له الجماعة، عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري.

(1) تقدم.

ص: 304

وأخرجه الترمذي (1): ثنا إسحاق بن منصور، عن عبد الله بن نمير، عن عبيد الله ابن عمر، عن نافع، عن سعيد، عن أبي موسى الأشعري. . . . إلى آخره نحوه، وقال: حديث حسن صحيح.

الثاني: عن فهد بن سليمان، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم المصري، عن محمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري المدني، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن أبيه سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى الأشعري.

وأخرجه النسائي (2): عن عمرو بن علي، عن يحيى القطان ويزيد بن هارون ومعمر بن سليمان وبشر بن المفضل قالوا: ثنا عبيد الله، عن نافع، عن سعيد بن أبي هند، نحوه.

وأخرجه (3): عن علي بن الحسين الدرهمي، عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى الشامي، عن سعيد، عن أيوب، عن نافع، عن سعيد بن أبي هند، نحوه.

قوله: "فبين في هذه الآثار" أراد بها الأحاديث المذكورة، وأراد بالآثار الأول: الأحاديث المذكورة في الفصل الأول.

ص: فقال الآخرون: فقد روي عن ابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم أنهما جعلا قول النبي عليه السلام: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" على الرجال والنساء، وذكروا في ذلك ما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك قال:"سألت امرأةٌ ابن عمر رضي الله عنهما قالت: أتحلى بالذهب؟ قال: نعم، قالت: ما تقول في الحرير؟ قال: يكره ذلك، قالت: ما يكره؟ أخبرني أحلال هو أم حرام؟ قال: كنا نتحدث أن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة".

(1)"الجامع الترمذي"(4/ 217 رقم 1720).

(2)

"المجتبى"(8/ 160 رقم 5147).

(3)

"المجتبى"(8/ 161 رقم 5148).

ص: 305

حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا خالد بن نزار قال: ثنا عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:"أن امرأة سألته عن لبس الحرير فكرهه، فقالت: ولمَ؟ فقال لها: أما إذْ أبيت فسأخبرك، كنا نقول: من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني أبو ذُبْيان قال: سمعت ابن الزبير رضي الله عنهما يخطب يقول: "يأيها الناس، لا تُلبسوا نساءكم الحرير؛ فإني سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، قال ابن الزبير: وأنا أقول: من لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة؛ لأن الله تعالى قال: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (1).

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: حدثني الأزرق بن قيس الحارثي، قال: "سمعت عبد الله بن الزبير يخطب يوم التروية وهو يقول: يأيها الناس لا تلبسوا الحرير ولا [تُلبسوه](2) نساءكم ولا أبناءكم فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة.

حدثنا بحر بن نصر قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا عُشانة المعافري حدثه، أنه سمع عقبة بن عامر الجهني يخبر:"أن رسول الله عليه السلام كان يمنع أهله الحلية والحرير، ويقول: إن كنتن تحببن حلية الجنة وحريرها فلا تلبسنها في الدنيا".

ش: أراد بالآخرين: الطائفة الذين قالوا بتحريم الحرير على الرجال والنساء جميعًا، وهذا إيراد منهم على من يقول بتخصيص الحرمة في حق الرجال، وذكروا في ذلك أحاديث عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعقبة بن عامر؛ فإنها تدل على أنهم عملوا بعموم النهي في الأحاديث المذكورة، ولم يحملوا ذلك على الخصوص في حق الرجال، ولهذا سووا في الحرمة بين الرجال والنساء.

(1) سورة الحج، آية:[23]، وسورة فاطر، آية:[33].

(2)

في "الأصل، ك": "تلبسوها"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

ص: 306

أما حديث عبد الله بن عمر: فأخرجه من طريقين:

الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن هشيم بن بشير، عن أبي بشر جعفر بن إياس اليشكري، عن يوسف بن ماهك المكي. . . . إلى آخره.

قوله: "قالت: ما يكره؟ أخبرني. . . .؟ " أرادت ما معنى قولك: يكره ذلك؟ أخبرني هل حلال أم حرام؟

الثاني: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن خالد بن نزار بن المغيرة الأيلي وثقه ابن حبان، عن عبد العزيز بن أبي رواد ميمون بن بدر المكي، مولى المهلب بن أبي صفرة، وثقه يحيى وغيره، وعن أحمد: رجل صالح، وكان مرجئًا. استشهد به البخاري، وروى له الأربعة.

عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما.

وأما حديث عبد الله بن الزبير فأخرجه من طريقين:

الأول: إسناده صحيح، عن أبي بكرة بكار، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة، عن أبي ذبيان -بضم الذال المعجمة وكسرها وسكون الباء الموحدة- واسمه خليفة بن كعب التميمي البصري، روى له البخاري ومسلم والنسائي.

وأخرجه البخاري (1): ثنا علي بن الجعد، أنا شعبة، عن أبي ذبيان خليفة بن كعب، قال: سمعت ابن الزبير يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: قال النبي عليه السلام: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة".

وأخرجه مسلم (2): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا عبيد الله بن سعيد، عن شعبة، عن خليفة بن كعب بن ذبيان، قال: سمعت عبد الله بن الزبير يخطب

(1)"صحيح البخاري"(5/ 2194 رقم 5496).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1641 رقم 2069).

ص: 307

يقول: "ألا لا تلبسوا نساءكم الحرير؛ فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله عليه السلام: لا تلبسوا الحرير؛ فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة".

قوله: "قال ابن الزبير: وأنا أقول. . . ." إلى آخره استنباط ابن الزبير هذا الحكم بطريق القياس من قوله عليه السلام: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" ووقع في رواية أبي يعلى (1) هذا الكلام منسوبًا إلى ابن عمر رضي الله عنهما حيث قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا حماد بن زيد، عن هشام، عن حفصة بنت سيرين، عن أبي ذبيان قال:"سمعت ابن الزبير وهو يخطب قال: قال محمد صلى الله عليه وسلم: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، قال: وإلى جنبه ابن عمر فقال: إذن والله لا يدخل الجنة؛ يقول الله -عزوجل-: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (2) ".

الثاني: على شرط البخاري موقوف على ابن الزبير، عن محمد بن خزيمة عن حجاج بن المنهال، عن حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس الحارثي، عن عبد الله ابن الزبير.

ويستفاد منه أحكام:

تحريم الحرير على الرجال وعلى النساء، وعدم جواز إلباسه الصبيان كعدم جواز لبسه للبالغين، وهذا حجة لأصحابنا في منعهم إلباس الوالدين الحرير للصبي، وأباح ذلك الشافعي، والحديث حجة عليه.

وأما حديث عقبة: فأخرجه بإسناد صحيح: عن بحر بن نصر، عن عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي عشانة واسمه حي بن يؤمن بن جميل المصري المعافري -بفتح الميم وكسر الفاء- نسبة إلى المعافر بن يعفر قبيل ينسب إليه كثير عامتهم بمصر

(1)"مسند أبي يعلى"(12/ 195 رقم 6817).

(2)

سورة الحج، آية:[23]، وسورة فاطر، آية:[33].

ص: 308

وأخرجه الطبراني (1): ثنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا أصبغ بن الفرج (ح).

وحدثنا أحمد بن رشدين، ثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي عشانة عن عقبة بن عامر:"أن رسول الله عليه السلام كان يمنع أهله الحلية والحرير، ويقول: إن كنتن تحببن حلية الجنة وحريرها، فلا تمسوها في الدنيا".

ص: قيل لهم: أما قول النبي عليه السلام: "من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة".

فقد روي ذلك، وقد يجوز أن يكون النبي عليه السلام أراد به الرجال خاصة، ويجوز أن يكون أراد به الرجال والنساء، وما ذكرنا من حديث عليّ وعبد الله بن عمرو وزيد بن أرقم، وأبي موسى رضي الله عنهم يخبرون أن النبي عليه السلام إنما أراد به الرجال دون النساء فهو أولى، وهذا المعنى أولى أن يُحمل عليه وجه هذا الحديث حتى لا يضاد ما ذكرنا قبله، ولئن كان ما ذكروه عن ابن عمر وابن الزبير في ذلك حجة فإن ما ذكرناه عن علي رضي الله عنه مما يخالف ذلك أحرى أن يكون حجة.

ش: أي قيل لهؤلاء الآخرين، وهذا جواب عما قال هؤلاء، وهو ظاهر. وجواب آخر: أن ابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم لم يبلغهما الحديث المخصص لعموم الحرمة في قوله: "من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" ولهذا سَوَّيَا في الرجال والنساء في الحرمة، وأما حديث عقبة فيحتمل أن يكون قبل حديث عليّ رضي الله عنه.

ص: وقد روي في هذا أيضًا عن ابن عمر عن النبي عليه السلام خلاف ذلك.

حدثنا يزيد بن سنان وابن مرزوق، قالا: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا أبي، قال: سمعت نافعًا يحدث، عن ابن عمر قال: "رأى عمر رضي الله عنه عطاردًا التميمي يقيم في السوق حلة سيراء، فقال عمر: يا رسول الله، لو اشتريتها لوفد العرب إذا وفدوا عليك؟ فقال رسول الله عليه السلام: إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في

(1)"المعجم الكبير"(17/ 302 رقم 835).

ص: 309

الآخرة، فلما كان بعد ذلك أُتي رسول الله عليه السلام بحلل سيراء فبعث إلي عمر بحلة، وإلي أسامة بحلة، وأعطى عليَّا حلة فأمره أن يشقها خمرًا بين نسائه، قال: وراح أسامة بحلته، فنظر إليه رسول الله عليه السلام نظرًا عرف أنه كره ما صنع، فقال: إني لم أبعث بها إليك لتلبسها، إنما بعثت بها إليك لتشققها خُمرًا بين نسائك".

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا حامد بن يحيى، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا أيوب بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر قال:"أبصر رسول الله عليه السلام حلة سيراء على عطارد، فكرهها له ونهاه عنها، ثم إنه كَسَى عمر رضي الله عنه مثلها، فقال: يا رسول الله، قلت في حلة عطارد ما قلت، وتكسوني هذه؟ فقال: إني لم أكسكها لِتَلْبَسَهَا إنما أعطيتكها لِتُلْبِسَهَا النساء".

فأخبر ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي عليه السلام في هذا الحديث أن قوله: "إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له" إنما قصد به الرجال دون النساء.

ش: أي قد روي في حكم لبس الحرير عن عبد الله بن عمر، عن النبي عليه السلام خلاف ما روي عنه من تعميم كراهة الحرير في حق الرجال والنساء جميعًا، بيان ذلك: أن ابن عمر رضي الله عنهما قد روي عنه أيضًا ما يدل على أنه عليه السلام قصد من قوله: "من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" الرجال دون النساء، وهذا خلاف ما روي عنه من تعميم ذلك، الذي احتج به من يذهب إلى عموم التحريم في حق الرجال والنساء جميعًا، والأخذ بهذه الرواية التي فيها تخصيص التحريم بالرجال أولى؛ لموافقتها الأحاديث القاصرة للتحريم على الرجال دون النساء.

وأخرج هذه الرواية من طريقين صحيحين:

الأول: عن يزيد بن سنان وإبراهيم بن مرزوق، كلاهما عن وهب بن جرير، عن أبيه جرير بن حازم، عن نافع، عن ابن عمر.

ص: 310

وأخرجه أبو داود (1) والنسائي (2) وابن ماجه (3) مطولًا ومختصرًا.

قوله: "عطاردًا" وهو عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي، وقد ذكرناه عن قريب.

قوله: "سِيَراء" بكسر السين وفتح الياء آخر الحروف وبالمد، وهو نوع من البرود يخالطه حرير كالسيور، وهو فعلاء من السير، وهو القِدُّ، وهو هكذا يروى على أنه صفة للحلة، وقال بعضهم: حلة سيراء على الإضافة، واحتج بأن سيبويه قال: لم تأت فعلاء صفة، لكن اسمًا، وشرح السيراء بالحرير الصافي، ومعناه حلة حرير.

وفي "سنن أبي داود"(4): السيراء: المضلع بالقَزِّ.

قوله: "من لا خلاق له" أي: من لا نصيب له.

قوله: "خُمُرًا" بضم الخاء المعجمة: جمع خمار المرأة، وهو الذي يتغطى به وجهها ورأسها.

الثاني: عن روح بن الفرج، عن حامد بن يحيى بن هانئ البلخي نزيل طرسوس شيخ أبي داود، وثقه ابن حبان، عن سفيان بن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن نافع. . إلى آخره.

وأخرجه أحمد (5): من حديث سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما نحوه.

ص: وقد وري هذا أيضًا عن علي رضي الله عنه عن النبي عليه السلام.

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يعقوب بن حميد، قال: ثنا وكيع، عن مسعر،

(1)"سنن أبي داود"(1/ 350 رقم 1076).

(2)

"المجتبى"(8/ 196 رقم 5295).

(3)

"سنن ابن ماجه"(2/ 1187 رقم 3591).

(4)

"سنن أبي داود"(2/ 448 رقم 4058).

(5)

"مسند أحمد"(2/ 114 رقم 5951).

ص: 311

عن أبي عون عن أبي صالح الحنفي، عن علي رضي الله عنه أن:"أكيدر دومة أهدى للنبي عليه السلام ثوب حرير، فأعطاه إياه، وقال: اشققه خُمرًا بين النساء".

ش: أي قد روي هذا الذي روي عن ابن عمر من الحديث المذكور؛ عن علي بن أبي طالب أيضًا.

أخرجه عن أحمد بن داود المكي، عن يعقوب بن حميد بن كاسب المدني، فيه مقال.

عن وكيع، عن مسعر بن كدام، عن أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي الأعور الكوفي، عن أبي صالح الحنفي، واسمه عبد الرحمن بن قيس، ويقال: ابن ماهان، وقال النسائي: قال إسحاق بن إبراهيم: أبو صالح الحنفي اسمه ماهان. والصواب عبد الرحمن بن قيس أخو طلق بن قيس، روى له مسلم.

وقد مر ضبط أكيدر وتفسيره، وتفسير دومة.

قوله: "اشققه": أمر من شَقَّ يَشُقُّ، وقد علم أنه يجوز في نحوه الإدغام مع الحركات الثلاث والحلّ.

ص: وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ذلك ما حدثنا أبو بكرة، وابن مرزوق، قالا: ثنا أبو داود الطيالسي، قال: ثنا شعبة، عن أبي عون الثقفي، قال: سمعت أبا صالح الحنفي يقول: سمعت عليَّا رضي الله عنه يقول: "أهدي لرسول الله عليه السلام حلة سيراء من حرير، فبعث بها إليّ، فلبستها، فرأيت الكراهة في وجهه فأطرتها خُمرًا بين نسائي".

حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني أبو عون. . . . فذكر بإسناده مثله.

حدثنا سليمان، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن يزيد بن وهب، عن عليّ رضي الله عنه. . . . فذكر مثله.

ص: 312

حدثنا يونس، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، أن إبراهيم بن عبد الله بن حنين حدثه، أن أباه حدثه، أنه سمع عليّ بن أبي طالب يقول: "كساني رسول الله عليه السلام حلة سيراء، فرحت فيها، فقال: يا علي، إني لم أكسكها لتلبسها، فرجعت إلى فاطمة عليها السلام فأعطيتها طرفها كأنها تطوي معي، فشققتها، فقالت: تربت يداك يا ابن أبي طالب، ماذا جئت به؟

قلت: نهاني رسول الله عليه السلام أن ألبسها، فَالْبسِيها واكسي نساءَكِ".

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يعقوب بن حميد، قال: ثنا عمران بن عيينة، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي فاختة، عن جعدة، عن علي رضي الله عنه قال:"أهدى أمير أذربيجان إلى النبي عليه السلام حلة مُسَيَّرة بحرير، إمَّا سَدَاها وإمَّا لُحْمَتُهَا، فبعث بها إليّ، فأتيته، فقلت: يا رسول الله، ألبسها؟ قال: لا، أكره لك ما كره لنفسي، اجعلها خُمُرًا بين الفواطم، قال: فقطعت منها أربع خمر: خمارًا لفاطمة بنت أسد بن هاشم، أم عليّ بن أبي طالب، وخمارًا لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخمارًا لفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، وخمارًا لفاطمة أخرى قد نسيتها".

حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا القعنبي، قال: ثنا عبد العزيز بن مسلم عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي فاختة، عن جعدة بن هبيرة، عن علي رضي الله عنه:"أن رسول الله عليه السلام أهديت له حلة، لُحْمَتُها أو سَدَاهَا إبريسم، فقلت يا رسول الله، ألبسها؟ قال: أكره لك ما أكره لنفسي؛ ولكن اقطعها خُمرًا لفلانة وفلانة، وذكر فيهن فاطمة، قال: فشققتها أربع خمر".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، قال: سمعت مجاهد يحدث عن ابن أبي ليلى، قال: سمعت عليَّا رضي الله عنه يقول: "أتي رسول الله عليه السلام بحلة حرير، فبعث بها إليّ فلبستها، فرأيت الكراهة في وجهه، فأطرتها خُمرًا بين النساء".

ص: 313

ش: هذه سبع طرق صحاح ما خلا الطريق الذي فيه يعقوب بن حميد؛ فإنه ضعيف، ويزيد بن أبي زياد كذلك:

الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، وإبراهيم بن مرزوق، كلاهما عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة، عن أبي عون محمد بن عبيد الله، عن أبي صالح عبد الرحمن بن قيس، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا شعبة، عن أبي عون، قال: سمعت أبا صالح، عن علي رضي الله عنه، قال:"أهديت إلى رسول الله عليه السلام حلة سيراء، فأرسل بها إليّ، فلبستها فأتيته، فرأيت الغضب في وجهه، وقال: لم أرسل بها إليك لتلبسها، وأمرني فأطرتها بين نسائي".

قوله: "أطرتها" أي قطعتها وشققتها، وقال الخطابي: معناه قسمتها، يقال: طار لفلان في القسمة سهم كذا، أي صار له، ووقع في حصته، ويقال: معناه: قسمتها بينهن بالقرعة.

قلت: مادته: "همزة وطاء وراء"، وعلى تفسير الخطابي تكون مادته:"طاء وياء وراء". فافهم.

الثاني: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن عبد الرحمن بن زياد الثقفي الرصاصي، عن شعبة، عن أبي عون محمد بن عبيد الله، عن أبي صالح عبد الرحمن ابن قيس الحنفي، عن علي بن أبي طالب.

وأخرجه مسلم (2): عن عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة، عن أبي عون. . إلى آخره نحوه.

الثالث: عن سليمان أيضًا، عن عبد الرحمن بن زياد الثقفي، عن شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة الهلالي الكوفي، عن زيد بن وهب الجهني المخضرم، عن عليّ رضي الله عنه.

(1)"سنن أبي داود"(4/ 47 رقم 4043).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1644 رقم 2071).

ص: 314

وأخرجه مسلم (1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا غندر، عن شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن زيد بن وهب، عن علي بن أبي طالب، قال:"كساني رسول الله عليه السلام حلة سيراء [فرجعت] (2) فيها، فرأيت الغضب في وجهه، قال: فشققتها بين نسائي".

الرابع: عن يونس بن عبد الأعلى. . إلى آخره.

ورجاله كلهم رجال الصحيح.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(3): ثنا يعقوب، عن أبي إسحاق، حدثني إبراهيم ابن عبد الله بن حنين، عن أبيه، قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: "نهاني رسول الله عليه السلام، -لا أقول: نهاكم- عن تختم الذهب، ولبس القسي والمعصفر، وقراءة القرآن وأنا راكع، وكساني حلة من سيراء فخرجت فيها، فقال: يا علي: إني لم أكسكها لتلبسها، قال: فرجعت بها إلى فاطمة رضي الله عنها فأعطيتها ناحيتها، فأخذت بها لتطويها معي، فشققتها شقين، قال: فقالت: تَرِبَت يداك يا ابن أبي طالب، ماذا صنعت؟ قال: فقلت لها: نهاني رسول الله عليه السلام عن لبسها، فالبسي واكسي نساءك".

قوله: "تربت يداك" من ترب الرجل إذا افتقر، أي لصق بالتراب، وأترب إذا استغنى، وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب، لا يريدون بها الدعاء على المخاطب، ولا وقوع الأمر بها، كما يقولون: قاتله الله.

وقيل معناها: لله درك.

وقيل: أراد به المثل ليرى المأمور بذلك الحد، وأنه إن خالفه فقد أساء.

وقيل: إنها تستعمل في الدعاء عليه.

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1644 رقم 2071).

(2)

كذا في "الأصل"، وفي "صحيح مسلم": فخرجت.

(3)

"مسند أحمد"(1/ 92 رقم 710).

ص: 315

قلت: المعنى هاهنا على ما ذكرناه أولًا، وليست هي هاهنا بمعنى الدعاء عليه. فافهم.

الخامس: عن أحمد بن داود المكي، عن يعقوب بن حميد بن كاسب المدني فيه مقال.

عن عمران بن عيينة، أخي سفيان بن عيينة، قال أبو زرعة: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: لا يحتج بحديثه، لأنه يأتي بالمناكير. وذكره ابن حبان في "الثقات".

وهو يروي عن يزيد بن أبي زياد القرشي الكوفي، فيه مقال، فعن أحمد: ليس بذاك، وعن يحيى: لا يحتج بحديثه. وقال أبو زرعة: لين، يكتب حديثه ولا يحتج به. وروى له الأربعة ومسلم مقرونا بغيره.

وهو يروي عن أبي فَاختة سعيد بن علاقة الهاشمي الكوفي، قال العجلي والدارقطني: ثقة.

عن جعدة بن هبيرة المخزومي، وأمه أم هانئ بنت أبي طالب، أخت علي بن أبي طالب، ذكره ابن حبان في التابعين، وذكره صاحب "التهذيب" في الصحابة.

والحديث أخرجه النسائي في "مسند علي" رضي الله عنه.

قوله: "حلة مسيرة بحرير" أي فيها خطوط من إبريسم كالسيور.

و"خمارا لفاطمة أخرى قد نسيتها"، قال عياض: لعلها فاطمة امرأة عقيل بن أبي طالب، وهي بنت شيبة بن ربيعة، وقيل: بنت عتبة بن ربيعة.

السادس: عن يزيد بن سنان شيخ النسائي، عن عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي شيخ البخاري، عن عبد العزيز بن مسلم القسملي المروزي، عن يزيد بن أبي زياد. . إلى آخره.

قوله: "إبريسم" بكسر الهمزة، لفظ معرب.

ص: 316

قوله: "لا" أي لا تلبسها.

وقوله: "أكره لك" ابتداء كلام.

السابع: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة، عن أبي بشر بيان بن بشر الأحمسي الكوفي، عن مجاهد، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى يسار.

وأخرجه البزار في "مسنده"(1): ثنا محمد بن مرزوق، قال: ثنا أبو داود، عن شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي رضي الله عنه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهديت له حلة حرير فأرسل بها إلى، فرآها عليّ فقال: إني لا أرضى لك ما أكره لنفسي، فأمرني فشققتها بين النساء".

وهذا الحديث لا نعلم رواه عن أبي بشر، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي بن أبي طالب؛ إلا شعبة.

ص: وقد روي في ذلك عن أنس بن مالك رضي الله عنه ما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو اليمان، قال: أنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن أنس:"أنه رأى على أم كلثوم بنت النبي عليه السلام برد حرير سيراء".

حدثنا محمد بن حميد، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا يحيى بن حمزة عن الزبيدي، عن الزهري، عن أنس مثله.

حدثنا أبو أمية، قال: ثنا عبد الرحمن بن جعفر الرقي، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي ومعمر، عن الزهري، عن أنس مثله.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الخطاب بن عثمان وحيوة بن شريح، قالا: ثنا بقية، عن الزبيدي، عن الزهري، عن أنس مثله. قال: والسيراء: المضلع بالقزِّ.

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا ابن المبارك،

(1)"مسند البزار"(2/ 222 رقم 618).

ص: 317

عن معمر، عن الزهري، عن أنس بن مالك، قال:"رأيت على زينب بنت النبي عليه السلام بردًا سيراء من حرير".

ش: أي قد روي في إباحة الحرير للنساء عن أنس بن مالك.

وأخرجه من خمس طرق صحاح:

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي اليمان الحكم بن نافع شيخ البخاري، عن شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن مسلم الزهري، عن أنس.

وأخرجه البخاري (1): نا أبو اليمان، قال: ثنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني أنس بن مالك: "أنه رأى على أم كلثوم بنت رسول الله عليه السلام برد حرير سيراء".

الثاني: عن محمد بن حميد بن هشام، عن عبد الله بن يوسف التنيسي شيخ البخاري، عن يحيى بن حمزة بن واقد الحضرمي الدمشقي، عن محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي، عن محمد بن مسلم الزهري، عن أنس.

وأخرجه النسائي (2): أنا عمرو بن عثمان، عن بقية، حدثني الزبيدي، عن الزهري، عن أنس بن مالك أنه حدثني:"أنه رأى على أم كلثوم بنت رسول الله عليه السلام برد سيراء، والسيراء: المضلع بالقز".

الثالث: عن أبي أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي، عن عبد الله بن جعفر الرقي، مولى آل عقبة بن أبي معيط، عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ومعمر بن راشد، كلاهما عن محمد بن مسلم الزهري، عن أنس.

وأخرجه النسائي (3): عن الحسين بن حريث، عن عيسى بن يونس. . إلى آخره نحوه.

(1)"صحيح البخاري"(5/ 2196 رقم 5504).

(2)

"المجتبى"(8/ 197 رقم 5297).

(3)

"المجتبى"(8/ 197 رقم 5296).

ص: 318

الرابع: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن الخطاب بن عثمان الطائي الفوزي شيخ البخاري، وعن حيوة بن شريح الحمصي، كلاهما عن بقية بن الوليد الحمصي، عن محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي، عن الزهري، عن أنس.

وأخرجه أبو داود (1): نا عمرو بن عثمان وكثير بن عبيد الحمصيان، قالا: ثنا بقية، عن الزبيدي، عن الزهري، عن أنس بن مالك:"أنه حدثه أنه رأى على أم كلثوم بنت رسول الله عليه السلام بردًا سيراء، قال: والسيراء: المضلع بالحرير".

قلت: المضلع: الذي فيه سيور وخطوط من الإبريسم وغيره، شبه الأضلاع.

وقيل: هو الثوب الذي نسج بعضه وترك البعض.

الخامس: عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور الخرساني، شيخ مسلم وأبي داود، عن عبد الله بن المبارك. . إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): نا عيسى بن يونس، عن معمر، أخبره عن الزهري، عن أنس، قال:"رأيت على زينب بنت رسول الله عليه السلام قميص حرير سيراء".

قوله: "بردًا سيراء" على طريق الوصفية، وفي بعض الرواية على طريق الإضافة وقد ذكرناه.

ص: فقد ثبت بهذه الآثار مع ما قدمنا في ذلك من النظر؛ إباحة لبس الحرير للنساء، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

وقد حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا مسعر، عن عبد الملك بن ميسرة، عن عمر بن دينار:"أن جابر بن عبد الله نزع الحرير عن الغلام وتركه على الجواري، قال مسعر: وسألت عنه عَمرو بن دينار، فلم يعرفه".

(1)"سنن أبي داود"(2/ 448 رقم 4058).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 154 رقم 24679).

ص: 319

ش: أراد بهذه الآثار: الأحاديث التي رواها عن علي وأنس بن مالك، وأراد بالنظر: وجه القياس الذي ذكره فيما مضى، الذي يقتضي إباحة الحرير للنساء.

قوله: "وقد حدثنا. . . ." إلى آخره، ذكره شاهدًا لما ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه ومن تبعهم في إباحة الحرير للإناث دون الذكور.

وأخرجه بإسناد صحيح، عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري الكوفي، عن مسعر بن كدام. . إلى آخره.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا نصر بن علي، قال: ثنا أبو أحمد -يعني الزبيري- قال: ثنا مسعر، عن عبد الملك بن ميسرة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله قال:"كنا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجواري، قال مسعر: فسألت عمرو بن دينار عنه، فلم يعرفه".

قوله: "قال مسعر. . . ." إلى آخره أراد أن مسعرًا سمع الحديث عن عبد الملك بن ميسرة الزراد الكوفي، عن عمرو بن دينار، ثم لقي مسعر عمرو بن دينار فسأله عن الحديث، فلم يعرفه، فلعله نسيه، والله أعلم.

قوله: "على الجواري" بفتح الجيم: جمع جارية، وهي البنت.

(1)"سنن أبي داود"(4/ 50 رقم 4059).

ص: 320