المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١٣

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ص: باب من أوجب أضحية في أيام العشر أو عزم على أن يضحي هل له أن يقص شعره أو أظفاره

- ‌ص: باب الذبح بالسن أو الظفر

- ‌ص: باب أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام

- ‌ص: باب أكل الضبع

- ‌ص: باب صيد المدينة

- ‌ص: باب أكل الضباب

- ‌ص: باب أكل لحوم الحمر الأهلية

- ‌ص: باب أكل لحم الفرس

- ‌ص: كتاب الكراهة

- ‌ص: باب حلق الشارب

- ‌ص: باب استقبال القبلة بالفروج للغائط والبول

- ‌ص: باب أكل الثوم والبصل والكراث

- ‌ص: باب الرجل يمر بالحائط أله أن يأكل منه أم لا

- ‌ص: باب: لبس الحرير

- ‌ص: باب: الثوب يكون فيه علم الحرير أو يكون فيه من الحرير

- ‌ص: باب الرجل يتحرك سِنُّه هل يَشُدُّها بالذهب أم لا

- ‌ص: باب: التختم بالذهب

- ‌ص: باب نقش الخواتيم

- ‌ص: باب لبس الخاتم لغير ذي سلطان

- ‌ص: باب البول قائمًا

- ‌ص: باب القَسَم

- ‌ص: باب الشرب قائمًا

- ‌ص: باب: وضع إحدي الرجلين على الأخري

- ‌ص: باب: الرجل يتطرق في المسجد بالسهام

- ‌ص: باب: المعانقة

- ‌ص: باب: الصور تكون في الثياب

- ‌ص: باب: الرجل يقول: أستغفر الله وأتوب إليه

- ‌ص: باب: البكاء علي الميت

الفصل: ‌ص: باب أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام

‌ص: باب أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام

ش: أي هذا باب في بيان الأكل من لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام هل يباح أم لا؟

ص: حدثنا أحمد بن داود قال: ثنا يعقوب بن حميد قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن:"أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول يوم الأضحى: أيها النَّاس إن النبي عليه السلام قد نهى أن تأكلوا نسككم بعد ثلاث، فلا تأكلوها بعدها".

حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا أبو صالح قال: حدثني الليث قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: حدثني أبو عبيد مولى ابن أزهر قال: "صليت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه العيد وعثمان بن عفان رضي الله عنه محصور فصلى ثم خطب فقال: لا تأكلوا من لحوم أضاحيكم بعد ثلاثة أيام، فإن رسول الله عليه السلام أمر بذلك".

ش: هذان طريقان:

الأول: عن أحمد بن داود المكي شيخ الطبراني، عن يعقوب بن حميد بن كاسب المدني شيخ ابن ماجه فيه مقال.

عن عبد الرزاق، عن معمر بن راشد، عن محمد بن مسلم الزهري، عن أبي عبيد سعد بن عبيد الزهري المدني مولى عبد الرحمن بن أزهر روى له الجماعة.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(1).

وأخرجه مسلم (2): عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق. . . إلى آخره نحوه.

الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي صالح عبد الله بن صالح شيخ

(1)"مصنف عبد الرزاق"(3/ 281 رقم 5636).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1561 رقم 1970).

ص: 20

البخاري، عن الليث بن سعد، عن عُقيل -بضم العين- بن خالد الأيلي، عن محمد بن مسلم الزهري، عن أبي عبيد سعد بن عبيد.

وأخرجه مسلم (1): حدثني حرملة بن يحيى قال: أنا ابن وهب قال: حدثني يونس عن ابن شهاب قال: حدثني أبو عبيد مولى ابن أزهر: "أنه شهد العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم قال: ثم صليت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: فصلى لنا [قبل] (2) الخطبة ثم خطب الناس فقال: إن رسول الله عليه السلام قد نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث ليال فلا تأكلوا".

قوله: "أن تأكلوا نسككم" بضم النون والسين وهو جمع نسيكة وهي الأضحية.

قوله: "بعد ثلاث" أي بعد ثلاثة أيام.

ص: حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا يحيى بن صالح الوحاظي قال: ثنا إسحاق ابن يحيى الكلبي، عن الزهري عن سالم، عن أبيه قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "كلوا منها ثلاثًا، يعني لحوم الأضاحي".

حدثنا ربيع المؤذن قال: ثنا شعيب بن الليث قال: ثنا الليث، عن نافع، عن ابن عمر عن رسول الله عليه السلام أنه كان يقول:"لا يأكل أحدكم من أضحيته فوق ثلاثة أيام".

ش: هذان طريقان صحيحان:

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عي يحيى بن صالح الوحاظي شيخ البخاري، عن إسحاق بن يحيى الكلبي الحمصي قال: محمد بن يحيى الذهلي: مجهول لم يرو عنه إلا يحيى الوحاظي.

عن محمد بن مسلم الزهري، عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1560 رقم 1969).

(2)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "صحيح مسلم".

ص: 21

الثاني: إسناده صحيح عن ربيع بن سليمان المؤذن عن شعيب بن الليث، عن أبيه الليث بن سعد. . . إلى آخره.

وأخرجه مسلم (1): ثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا ليث.

وحدثني محمد بن رمح قال: أنا الليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي عليه السلام أنه قال: "لا يأكل أحدكم من لحم أضحيته فوق ثلاثة أيام".

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذا فحرموا لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وجماعة من الظاهرية؛ فإنهم حرموا لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام، واحتجوا في ذلك بالأحاديث المذكورة.

وقال الحازمي: وممن ذهب إلى هذا القول: علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام رضي الله عنهما.

وقال ابن حزم: فإن نزل بأهل بلد المضحي جَهْدٌ أو نزل به طائفة من المسلمين في جهد؛ جاز للمضحي أن يأكل من أضحيته من حين يضحي بها إلى انقضاء ثلاث ليال كاملة مستأنفة يبتدئها بالعدد من بعد تمام التضحية ثم لا يحل له أن يصبح في منزله منها بعد تمام الثلاث ليال شيء أصلا، لا ما قل ولا ما كثر، فإن ضحى ليلاً فلا يعد تلك الليلة في الثلاث؛ لأنه قدم منها شيء، فإن لم يكن شيء من هذا فليدخر منها ما شاء.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بأكلها وادخارها بأسًا واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس قال: ثنا معن بن عيسى، عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير عن ثوبان قال:"ذبح رسول الله عليه السلام أضحيته ثم قال: يا ثوبان أصلح لحم هذه الأضحية، فما زلت أطعمه منها حتى قدم المدينة".

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1560 رقم 1970).

ص: 22

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون وأراد بهم جماعة العلماء وفقهاء الأمصار منهم: الأئمة الأربعة وأصحابهم، فإنهم لم يروا بأكل لحوم الأضاحي وادخارها بأسًا، واحتجوا في ذلك بحديث ثوبان.

أخرجه بإسناد صحيح، عن يونس بن عبد الأعلى، عن معن بن عيسى بن يحيى الأشجعي المدني، عن معاوية بن صالح بن حُدير الحمصي قاضي الأندلس، عن أبي الزاهرية حُدير بن كريب الحضرمي الحمصي عن جبير بن نفير الحضرمي الحمصي عن ثوبان رضي الله عنه.

وأخرجه مسلم (1): حدثني زهير بن حرب قال: ثنا معن بن عيسى قال: نا معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية. . . إلى آخره نحوه.

وأخرجه أبو داود (2) عن النفيلي، عن حماد بن خالد الخياط عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية. . . إلى آخره نحوه.

وأخرجه النسائي (3): عن عمرو بن علي عن ابن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية. . . إلى آخره نحوه.

ص: حدثنا ابن مرزوق قال: ثنا أبو عامر العقدي قال: ثنا زهير بن محمد، عن شريك بن أبي نمر، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه وعمه قتادة أن النبي عليه السلام قال:"كلوا لحوم الأضاحي وادخروا".

ش: إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح ما خلا إبراهيم بن مرزوق شيخ الطحاوي وأبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي.

وأبو سعيد اسمه سعد بن مالك.

وعمه قتادة بن النعمان وكان قتادة هذا أخا أبي سعيد الخدري لأمه.

(1)"صحيح مسلم"(63/ 1563 رقم 1975).

(2)

"سنن أبي داود"(3/ 100 رقم 2814).

(3)

"السنن الكبرى"(2/ 458 رقم 4156).

ص: 23

وأخرجه مسلم (1) من طريق آخر: نا أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا عبد الأعلى، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله عليه السلام:"يا أهل المدينة لا تأكلوا لحم الأضاحي فوق ثلاث، فشكوا إلى رسول الله عليه السلام أن لهم عيالا وحشمًا وخدمًا، فقال: كلوا وأطعموا واحبسوا وادخروا".

وأخرجه البزار في "مسنده" بإسناد الطحاوي: نا محمد بن بشار وعمرو بن علي قالا: نا أبو عامر، نا زهير بن محمد عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، وعن عمه قتادة بن النعمان أن النبي عليه السلام قال:"كلوا من لحوم الأضاحي وادخروا".

ص: حدثنا ابن مرزوق قال: ثنا أبو عامر قال: ثنا شعبة، عن جابر بن يزيد عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"إن كنا لنأكله بعد عشرين، تعني لحم الأضاحي".

ش: جابر بن يزيد الجعفي فيه مقال كثير، والشعبي هو عامر بن شراحيل.

وأخرج البخاري (2): من حديث الثوري، عن عبد الرحمن بن عابس أخبرني أبي، عن عائشة:"قال: سألتها أكان رسول الله عليه السلام نهى أن تؤكل الأضاحي فوق ثلاث؟ قالت: ما نهى عنه إلا مرة في عام جاع الناس فيه، فأراد أن يطعم الغني الفقير، ولقد كنا نخرج الكراع بعد خمس عشرة فنأكله، فقلت: ولم يفعلون؟ فضحكت وقالت: ما شبع آل محمد عليه السلام من خبز بر مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق بالله عز وجل".

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فاحتمل أن يكون أحد هذين المعنيين اللذين ذكرناهما حجة لأحد هذين القولين ناسخًا للمعنى الآخر فنظرنا في ذلك، فإذا

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1562 رقم 1973).

(2)

"صحيح البخاري"(5/ 2068 رقم 5107).

ص: 24

ابن أبي داود قد حدثنا قال: ثنا أبو معمر قال: ثنا عبد الوارث قال: حدثني علي بن زيد قال: حدثني النابغة بن مخارق بن سليم قال: حدثني أبي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي، أن [تؤخروها] (1) فوق ثلاثة أيام، فادخورها ما بدا لكم".

حدثنا ربيع المؤذن قال: ثنا أسد (ح).

وحدثنا محمد بن خزيمة قال: ثنا حجاج قالا: ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن ربيعة بن النابغة، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا يونس قال: ثنا ابن وهب قال: أخبرني ابن جريج، عن أيوب بن هانئ عن مسروق بن الأجدع عن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا عمرو بن خالد قال: ثنا زهير بن معاوية، عن زُبيد، عن محارب بن دثار عن ابن بريدة، عن أبيه عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا فهد قال: ثنا أبو نعيم (ح).

وحدثنا ابن أبي داود قال: ثنا أحمد بن يونس قالا: ثنا مُعَرِّف بن واصل قال: ثنا محارب بن دثار ثم ذكر بإسناده مثله.

حدثنا ابن مرزوق قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا يونس قال: ثنا ابن وهب قال: حدثني أسامة بن زيد الليثي أن محمد ابن يحيى بن حبان أخبره أن واسع بن حبان أخبره أن أبا سعيد الخدري حدثه عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا أيوب بن سليمان بن بلال قال: ثنا أبو بكر بن

أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن عبد الرحمن بن عبد الله عن عطاء بن أبي رباح

(1) كذا في "الأصل، ك"، وفي "شرح معاني الآثار":"تدخروها".

ص: 25

سمعه يحدث عن جابر عبد الله: "أنهم كانوا يأكلون الضحايا في عهد رسول الله عليه السلام ثلاثًا لا يزيدون عليها، ثم إن رسول الله عليه السلام أذن لهم بَعْدُ أن يأكلوا ويتزودوا".

حدثنا فهد قال: ثنا علي بن معبد قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عطاء عن جابر نحوه.

حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا عمرو بن خالد قال: ثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن زُبيد أن أبا سعيد الخدري أخبره:"أنه أتى أهله فوجد عندهم قصعة ثريد ولحم من لحم الأضحي فأبي أن يأكله فأتى قتادة بن النعمان أخاه فحدثه أن رسول الله عليه السلام عام الحج قال: إني كنت نهيتكم أن لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام، وإني أحله لكم فكلوا منه ما شئتم".

حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا الحماني قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي المليح، عن نبيشه أن النبي عليه السلام قال:"إنا نهيناكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام؛ كي تسعكم فقد جاد الله بالسعة، فكلوا وادخروا، فإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل".

حدثنا يونس قال: أنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث ومالك، عن أبي الزبير، عن جابر:"أن رسول الله عليه السلام نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم أذن فيه فقال: كلوا وتزودوا وادخروا، فقال عمرو: قال أبو الزبير: قال جابر: فتزودنا منها إلى المدينة".

حدثنا إبراهيم بن منقذ قال: ثنا إدريس بن يحيى عن بكر بن مضر قال: أخبرني خالد بن يزيد عن أبي الزبير عن جابر قال: "ضحينا مع رسول الله عليه السلام بمنى وتزودنا منها إلى المدينة".

حدثنا يونس قال: أخبرني أنس بن عياض، عن سعد بن إسحاق، عن زينب بنت كعب عن أبي سعيد الخدري: "أن النبي عليه السلام نهى أن ندخر لحم

ص: 26

الأضاحي فوق ثلاث، [أمرنا](1) أن نأكل منها ونتصدق منها، ولا نأكلها بعد ثلاث، فأقمنا على ذلك ما شاء الله، ثم بدا لرسول الله عليه السلام أن يأمرنا بأكلها والصدقة منها وأن يدخر من أحب ذلك".

حدثنا ربيع المؤذن قال: ثنا شعيب بن الليث قال: ثنا الليث، عن الحارث بن يعقوب عن يزيد الأنصاري، عن امرأته "أنها: سألت عائشة عن لحوم الأضاحي فقالت: قدم علي بن أبي طالب من سفره فقدمنا إليه منه، فقال: لا آكل حتى أسال رسول الله عليه السلام، فسأله فقال: كلوا من ذي الحجة إلى ذي الحجة".

حدثنا بحر عن شعيب، عن أبيه، عن الحارث بن يعقوب عن يزيد بن أبي يزيد مولى الأنصار ثم ذكر بإسناده مثله.

قال: أبو جعفر رحمه الله: ففي هذه الآثار ما يدل على نسخ ما رويناه في أول هذا الباب عن رسول الله عليه السلام من النهي عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام.

ش: أراد بالمعنيين:

المعنى الذي هو حجة لأهل المقالة الأولى وهو جواز أكل لحوم الأضاحي في ثلاثة أيام لا غير.

والمعنى الذي هو حجة لأهل المقالة الثانية، وهو جواز الأكل والادخار مطلقًا.

وتقرير ذلك: أن الأحاديث لما رويت بالمعنين المذكورين، احتمل أن يكون أحدهما ناسخًا للآخر، فوجدنا أحاديث أخرى وردت ودلت على أن المعنى الذي هو حجة لأهل المقالة الأول منسوخ، وأن حكمه مرفوع، وذلك لأنه هو الآخر من أمر رسول الله عليه السلام، وقد علم أن آخر الأمرين ناسخ لما قد تقدمه إذا لم يمكن استعماله، وصح تعارضه.

وقال أبو عمر (2): لا خلاف فيما علمته بين العلماء في إجازة أكل لحوم الأضاحي

(1) كذا في "الأصل، ك"، وفي "شرح معاني الآثار":"وأمرنا".

(2)

"التمهيد"(3/ 216) بتصرف.

ص: 27

بعد ثلاث، وقيل: قبل ثلاث، وأن النهي عن ذلك منسوخ ولا خلاف بين فقهاء المسلمين في ذلك.

وأخرج أحاديث النسخ عن جماعة من الصحابة وهم:

علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وبريدة بن الخصيب وأبو سعيد الخدري وقتادة بن النعمان وجابر بن عبد الله ونبيشة الهذلي وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم.

أما حديث علي رضي الله عنه: فأخرجه من ثلاث طرق:

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي عن أبي معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد شيخ البخاري وأبي داود عن عبد الوارث بن سعيد عن علي بن زيد بن جدعان البصري المكفوف عن النابغة بن مخارق بن سليم عن أبيه مخارق بن سليم عن علي رضي الله عنه.

والنابغة ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، ولم يتعرض إليه بشيء، ومخارق بن سليم وثقه ابن حبان، وعبد الوراث وعلي بن زيد من رجال الصحيح.

الثاني: عند ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي عن أسد بن موسى عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن ربيعة بن النابغة عن أبيه عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم".

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا يزيد أنبا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن ربيعة بن النابغة عن أبيه عن علي: "أن رسول الله عليه السلام نهى عن زيارة القبور وعن الأوعية وأن نحبس لحوم الأضاحي بعد ثلاث ثم قال: إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة، ونهيتكم عن الأوعية فاشربوا فيها، واجتنبوا كل ما أسكر ونهيتكم عن لحوم الأضاحي أن تحبسوها بعد ثلاث فاحبسوا ما بدا لكم".

(1)"مسند أحمد"(1/ 145 رقم 1235).

ص: 28

فإن قيل: ما حال هذا الإِسناد؟

قلت: قال الذهبي: ربيعة بن النابغة عن أبيه عن علي في الأضحية لم يصح قاله البخاري، وقال ابن حبان: ربيعة روى عن أبيه عن علي عداده في أهل الكوفة وهو ثقة.

الثالث: عن محمد بن خزيمة عن الحجاج بن منهال عن حماد بن سلمة. . . إلى آخره.

وأخرجه أبو يعلى في "مسنده"(1): عن أبي خيثمة عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة. . . إلى آخره نحوه.

وأما حديث عبد الله بن مسعود: فأخرجه عن يونس بن عبد الأعلى عن عبد الله بن وهب، عن عبد الملك بن جريج المكي، عن أيوب بن هانئ الكوفي عن مسروق بن الأجدع عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

وأخرجه ابن ماجه (2): عن يونس بن عبد الأعلى. . . إلى آخره نحوه سواء، إلا أنه لم يذكر فيه حكم الأضحية.

وقال الذهبي: أيوب بن هانئ عن مسروق وعنه ابن جريج: ضعفه ابن معين وقال أبو حاتم: صالح.

وأما حديث بريدة: فأخرجه من أربع طرق صحاح:

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عمرو بن خالد الحراني نزيل مصر وشيخ البخاري، عن زهير بن معاوية بن حديج، عن زبيد بن الحارث اليامي، عن محارب بن دثار بن كردوس السدوسي أحد مشايخ أبي حنيفة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة -بضم الباء الموحدة- ابن حصيب -بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين- الأسلمي.

(1)"مسند أبي يعلى"(1/ 240 رقم 278).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 501 رقم 1571).

ص: 29

وأخرجه النسائي (1): أنا محمد بن معدات بن عيسى بن معدان الحراني نا الحسن بن أعين، نا زهير، نا زبيد، عن محارب، عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرًا".

الثاني: عن فهد بن سليمان عن أبي نعيم النضل بن دكين شيخ البخاري عن مُعَرِّف بن واصل السعدي الكوفي عن محارب بن دثار عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي عليه السلام.

وأخرجه مسلم (2): نا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى قالا: ثنا محمد بن فضيل قال أبو بكر: عن أبي سنان وقال ابن مثنى: عن ضرار بن مرة عن محارب بن دثار عن ابن بريدة، عن أبيه.

وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: ثنا محمد بن فضيل قال: نا ضرار بن مرة أبو سنان عن محارب بن دثار عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرًا".

الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي عن أحمد بن عبد الله بن يونس شيخ البخاري وأبي داود عن مُعَرِّف بن واصل عن محارب عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه أبو داود (3): ثنا أحمد بن يونس ثنا معرف بن واصل قال: ثنا محارب

(1)"المجتبى"(8/ 311 رقم 5653).

(2)

"صحيح مسلم"(2/ 672 رقم 977).

(3)

"سنن أبي داود"(3/ 332 رقم 3689).

ص: 30

ابن دثار عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما نهيتكم عن ثلاث، وأنا آمركم بهن: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإن في زيارتها تذكرة، ونهيتكم عن الأشربة أن تشربوا إلَاّ في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرًا، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث فكلوا واستمتعوا بها في أسفاركم".

الرابع: عن إبراهيم بن مرزوق عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد الحضرمي الكوفي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي عليه السلام.

وأخرجه مسلم (1): حدثني الحجاج بن الشاعر قال: ثنا الضحاك بن مخلد عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كنت نهيتكم. . ." الحديث، فذكر بمعنى حديث ضرار بن مرة عن محارب عن ابن بريدة عن أبيه المذكور آنفًا.

وأما حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: فأخرجه من ثلاث طرق ولكنه لم يرتبها ونحن نذكرها مرتبة:

الأول: رجاله كلهم رجال الصحيح: عن يونس بن عبد الأعلى المصري عن عبد الله بن وهب المصري عن أسامة بن زيد الليثي المدني عن محمد بن يحيى بن حبان بن منقذ الأنصاري المدني عن عمه واسع بن حبان -بفتح الحاء وتشديد الباء الموحدة- المدني عن أبي سعيد سعد بن مالك الخدري رضي الله عنه.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا يحيى بن آدم نا ابن المبارك عن أسامة، عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن فيها عبرة، ونهيتكم عن النبيذ فاشربوا ولا أحل مسكرًا ونهيتكم عن الأضاحي فكلوا".

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1564 رقم 1977).

(2)

"مسند أحمد"(3/ 38 رقم 11347).

ص: 31

الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عمرو بن خالد الحراني نزيل مصر وشيخ البخاري، عن عبد الله بن لهيعة المصري فيه مقال، عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، عن أبي سعيد الخدري.

وأخرجه الطبراني (1): ثنا المقدام بن داود، ثنا أسد بن موسى، ثنا ابن لهيعة، نا أبو الزبير، عن زبيد أن أبا سعيد الخدري أخبره:"أنه أتى أهله من سفر فوجد عندهم قصعة ثريد من لحم الأضاحي فأبى أن يأكله فأتى قتادة بن النعمان فأخبره أن رسول الله عليه السلام قال للناس زمن الحج: إني كنت أمرتكم أن لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاث: ليتسع للناس وإني أحله لكم فكلوا ما شئتم".

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا حجاج، عن ابن جريج قال: ثنا سليمان بن موسى أخبرني زبيد: "أن أبا سعيد الخدري أتى أهله فوجد قصعة من قديد الأضحى فأبى أن يأكله، فأتى قتادة بن النعمان فأخبره أن النبي عليه السلام قام فقال: إني كنت أمرتكم أن لا تأكلوا الأضاحي فوق ثلاث أيام؛ ليسعكم وإني أحله لكم فكلوا منه ما شئتم، ولا تبيعوا لحوم الهدي والأضاحي وكلوا وتصدقوا واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوها وإن أطعمتم من لحمها فكلوا إن شئتم".

وقال في هذا الحديث: عن أبي سعيد الخدري عن النبي عليه السلام: "والآن كلوا واتجروا وادخروا".

حدثنا (3) حجاج عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر. . . نحو حديث زبيد هذا عن أبي سعيد ولم يبلغه كله ذلك عن النبي عليه السلام.

الثالث: عن يونس بن عبد الأعلى، عن أنس بن عياض بن ضمرة المدني، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة القضاعي المدني عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة زوجة أبي سعيد الخدري، عن زوجها أبي سعيد الخدري.

(1)"المعجم الكبير"(19/ 5 رقم 7).

(2)

"مسند أحمد"(4/ 15 رقم 16256).

(3)

"مسند أحمد"(4/ 15 رقم 16257).

ص: 32

وهذا إسناد صحيح ورجاله ثقات.

وأما حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه فأخرجه من أربع طرق صحاح ولكنها غير مرتبة ونحن نذكرها مرتبة:

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أيوب بن سليمان بن بلال القرشي المدني شيخ البخاري، عن أبي بكر بن أويس واسمه عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني الأعشى، عن سليمان بن بلال القرشي التيمي المدني، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، عن عطاء بن أبي رباح عن جابر رضي الله عنه.

وأخرج البزار في "مسنده": عن عمرو بن علي، عن أبي عاصم عن ابن جريج، عن عطاء سمع جابر بن عبد الله قال:"كنا لا نأكل من البُدن إلا ثلاث بمنى فاستأذنا النبي عليه السلام، فرخص لنا أن نأكل ونتزود، فأكلنا وتزودنا".

وأخرجه العدني في "مسنده": عن عبد المجيد، عن ابن جريج. . . إلى آخره.

الثاني: عن فهد بن سليمان عن علي بن معبد بن شداد العبدي، عن عبيد الله بن عمرو الرقي، عن زيد بن أبي أنيسة الجزري عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله.

وأخرجه مسلم (1): نا إسحاق بن إبراهيم قال: أنا زكريا بن عدي، عن عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله قال:"كنا لا نمسك لحوم الأضاحي فوق ثلاث؛ فأمرنا رسول الله عليه السلام أن نتزود منها ونأكل منها يعني فوق ثلاث".

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1562 رقم 1972).

ص: 33

الثالث: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث المصري ومالك بن أنس، عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي عن جابر.

وأخرجه مسلم: نا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، عن أبي الزبير، عن جابر عن النبي عليه السلام:"أنه نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، ثم قال بعد: كلوا وتزودوا وادخروا".

الرابع: عن إبراهيم بن منقذ العصفري، عن إدريس بن يحيى بن إدريس بن يحيى الخولاني المصري وثقه ابن حبان، عن بكر بن مضر بن محمد المصري، روى له الجماعة سوى ابن ماجه عن خالد بن يزيد الإسكندراني روى له الجماعة، عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي، عن جابر.

وأما حديث نبيشة الهذلي الصحابي رضي الله عنه فأخرجه بإسناد صحيح عن إبراهيم ابن أبي داود البرلسي عن يحيى بن عبد الحميد الحماني عن خالد بن عبد الله الطحان الواسطي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، عن أبي المليح بن أسامة الهذلي، قيل: اسمه عامر، وقيل: زيد بن أسامة، وقيل غير ذلك عن نبيشة الخير الهذلي.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا مسدد قال: ثنا يزيد بن زريع قال: نا خالد الحذاء، عن أبي المليح، عن نبيشة قال: قال رسول الله عليه السلام: "إنا كنا نهيناكم عن لحومها أن تأكلوها فوق ثلاث لكي يسعكم، جاء الله بالسَّعة فكلوا وادخروا واتجروا، ألا وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل".

وأخرجه ابن ماجه (2): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن خالد الحذاء، عن أبي المليح عن نبيشة، أن النبي عليه السلام قال:"كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام؛ فكلوا وادخروا".

(1)"سنن أبي داود"(3/ 100 رقم 2813).

(2)

"سنن ابن ماجه"(2/ 1055 رقم 3160).

ص: 34

قوله: "بالسعة" بفتحتين أي: بالجده والطاقة. قال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} (1).

قوله: "اتجروا" لم تقع في رواية الطحاوي، وإنما هو من رواية أبي داود.

قال البيهقي: معناه: ابتغوا أجرها وليس هو من باب التجارة.

وقال الخطابي: أصله إئتجروا على وزن افتعلوا، يريد الصدقة التي يبتغى أجرها وثوابها، ثم يقال: اتجروا كما قيل: اتخذت الشيء وأصله ائتخذت وهذا من الأجر كهو من الأخذ وليس هو من باب التجارة؛ لأن البيع من الضحايا فاسد، إنما يؤكل ويتصدق منها.

قوله: "فإن هذه الأيام أيام أكل وشرب" فيه دليل على أن صوم أيام التشريق غير جائز لأنه قد وسمها بالأكل والشرب كما وسم يوم العيد بالفطر، فكما لا يجوز صيامه فكذلك صيام أيام التشريق سواء كان تطوعًا أو نذرًا أو صامها الحاج عن التمتع والله أعلم.

وأما حديث عائشة رضي الله عنها فأخرجه من طريقين:

الأول: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن شعيب بن الليث، عن أبيه الليث بن سعد، عن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري، عن يزيد بن أبي يزيد الأنصاري، عن امرأته عن عائشة وهؤلاء ثقات غير أن امرأة يزيد الأنصاري مجهولة.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا حجاج، نا ليث حدثني الحارث بن يعقوب الأنصاري، عن يزيد بن أبي يزيد الأنصاري عن امرأته:"أنها سألت عائشة عن لحوم الأضاحي فقالت عائشة رضي الله عنها قدِم علينا عليٌّ رضي الله عنه من سفر فقَدَّمنا إليه منه فقال: لا آكله حتى أسأل عنه رسول الله عليه السلام قالت: فسأله علي، فقال رسول الله عليه السلام: كلوه من ذي الحجة إلى ذي الحجة".

(1) سورة الطلاق، آية:[7].

(2)

"مسند أحمد"(6/ 155 رقم 25259).

ص: 35

الثاني: عن بحر بن نصر الخولاني، عن شعيب بن الليث عن أبيه الليث بن سعد، عن الحارث بن يعقوب. . . إلى آخره.

ص: فإن قال قائل: فقد رويتم عن علي رضي الله عنه في هذا الفصل عن النبي عليه السلام أنه أباح لحوم الأضاحي بعدما قد كان نهى عنه ثم رويتم عنه -في الفصل الذي قبل ذلك الفصل- أنه خطب الناس، وعثمان رضي الله عنه محصور فقال: لا تأكلوا من لحوم أضاحيكم بعد ثلاثة أيام، وإن رسول الله عليه السلام كان يأمر بذلك، فقد دل ذلك على أن رسول الله عليه السلام قد كان نهى عن ذلك بعدما قد أباحه حتى تتفق معاني ما رويتموه عن علي رضي الله عنه مِنْ هذا.

قيل له: ما في هذا دليل على ما ذكرت؛ لأنه قد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نهى عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام؛ لشدة كان الناس فيها ثم ارتفعت تلك الشدة فاباح لهم لذلك، ثم عاد ذلك في وقت ما خطب علي رضي الله عنه بالناس فأمرهم بما كان رسول الله عليه السلام أمر به في مثل ذلك والدليل على ما ذكرنا من هذا:

أن ابن مرزوق حدثنا قال: ثنا أبو حذيفة قال: ثنا سفيان، ثنا عبد الرحمن بن عابس، عن أبيه قال:"دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: يا أم المؤمنين أَحَرَّم رسول الله عليه السلام أن تؤكل لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام؟ فقالت: إنما فعل ذلك في عام جاع الناس فيه، فأراد أن يطعم الغني الفقير قالت: ولقد كنا نرفع الكراع خمس عشرة ليلة".

فدل هذا الحديث أن ذلك النهي إنما كان من رسول الله عليه السلام للعارض المذكور في هذا الحديث، فلما ارتفع ذلك العارض أباح لهم رسول الله عليه السلام ما قد كان حظره عليهم على ما ذكرناه في الآثار الأُول التي في الفصل الذي قبل هذا فكذلك ما فعله علي رضي الله عنه في زمن عثمان رضي الله عنه وأمر به الناس بعد علمه بإباحة رسول الله عليه السلام ما قد نهاهم هو عنه إنما كان ذلك منه -عندنا والله أعلم- لضيق كانوا فيه مثل ما كانوا في زمن رسول الله عليه السلام في الوقت الذي نهاهم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام فأمرهم في أيامهم بمثل ما كان رسول الله عليه السلام أمر به الناس في مثلها.

ص: 36

ش: تقرير السؤال: أن يقال: قد رويتم في هذا الباب حديثين عن علي رضي الله عنه:

الأول: رويتم ها هنا عنه عن النبي عليه السلام أنه أباح لحوم الأضاحي فوق الثلاث بعدما كان نهى عنه، ورويتم قبل هذا في أول الباب أنه خطب الناس حين كان عثمان بن عفان رضي الله عنه محصورًا، وقال:"لا تأكلوا من لحوم أضاحيكم بعد ثلاثة أيام"، وقال:"إن رسول الله عليه السلام كان يأمر بذلك".

وبين الحديثين تعارض ودفعه واجب مهما أمكن، وقد أمكن ها هنا، بأن يكون ما كان نهى عنه رسول صلى الله عليه وسلم إنما كان بعدما قد أباحه فبهذا يرتفع التضاد ويتفق معنى الحديثين ويثبت المدعى وهو أن الأكل من لحوم الأضاحي فوق الثلاث ممنوع.

وتقرير الجواب: أن يقال: لا نسلم ما ذكرتم؛ لأنه قد يجوز أن يكون نهيه عليه السلام عن ذلك فيما فوق الثلاث إنما كان لأجل شدة كان الناس فيها ثم لما ارتفعت الشدة أباح لهم ذلك لحصول السعة للناس ثم لما عادت الشدة في الوقت الذي خطب فيه عليٌّ رضي الله عنه وهو الوقت الذي كان عثمان رضي الله عنه محصورًا فيه أمر علي رضي الله عنه الناس بما كان أمر به النبي عليه السلام في الوقت الذي كانت فيه الشدة لأجل أن يطعم الغني الفقير ويواسي به إياه فلما ارتفعت الشدة عادت الإباحة أيضًا والدليل على ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها.

أخرجه بإسناد صحيح: عن إبراهيم بن مرزوق عن أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي شيخ البخاري عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن عابس النخعي الكوفي عن أبيه عابس بن ربيعة النخعي الكوفي عن أم المؤمنين عائشة.

وأخرجه البخاري (1): من حديث الثوري. . . إلى آخره بأتم منه، وقد ذكرناه فيما مضى.

(1)"صحيح البخاري"(5/ 2068 رقم 5107).

ص: 37

فإنها صرحت في حديثها بعلة النهي حيث قالت: "إنما فعل ذلك في عام جاع الناس فيه؛ فأراد أن يطعم الغني الفقير" فدل الحديث أن النهي منه عليه السلام إنما كان لأجل هذا العارض فلما ارتفع هذا العارض -الذي هو علة النهي- ارتفع حكم النهي وهو المنع عن تناول لحوم الأضاحي فيما فوق الثلاث، وعادت الإباحة.

قوله: "أحرم" الهمزة فيه للاستفهام.

قوله: "كنا نرفع الكراع" قال الجوهري: الكراع في الغنم والبقر بمنزلة الوظيف في الفرس والبعير وهو مستدق الساق يُذكَّر ويؤنث، والجمع أكرع ثم أكارع.

ص: وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله عليه السلام إنما كان نهى عن ذلك؛ لأجل دافة دفت عليهم.

حدثنا ابن مرزوق قال: ثنا عثمان بن عمر قال: أنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة قالت:"دفت ناس من أهل البادية حضرة الأضحى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادخروا الثلاث وتصدقوا بما بقي، قالت: فلما كانت بعد قلت: يا رسول الله قد كان الناس ينتفعون بضحاياهم يجملون منها الودك، ويتخذون منها الأسقية، قال: وما ذاك؟ قلت: نهيت عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث، قال: إنا كنت نهيتكم للدافة التي دفت فكلوا وتصدقوا وتزودوا".

حدثنا يونس قال: أنا ابن وهب أن مالكَّاَ حدثه. . . بإسناد مثله.

فأخبرت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله عليه السلام لم يكن حَرَمَها ولكنه أراد التوسعة على الدافة التي دفت عليهم، فقد عاد معنى هذا الحديث إلى معنى حديث عابس عن عائشة رضي الله عنها.

ش: ذكر هذا شاهدًا لما ذكره من أن نهيه عليه السلام عن أكل لحوم الأضاحي فيما فوق الثلاث إنما كان لأجل عارض فلما ارتفع العارض ارتفع النهي، وذلك لأن عائشة رضي الله عنها قد أخبرت في هذا الحديث أنه عليه السلام لم يكن حرم لحوم الأضاحي بعد ثلاث وإنما نهى عنه لأجل التوسعة على الدافة التي دفت عليهم، فقد صار معنى حديثي عائشة سواء.

ص: 38

وأخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق عن عثمان بن عمر بن فارس عن مالك. . . إلى آخره.

والثاني: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك. . . إلى آخره.

وأخرجه مسلم (1): نا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: أنا روح قال: ثنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الله بن واقد قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، قال عبد الله بن أبي بكر: فذكرت ذلك لعمرة، فقالت: صدق؛ سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: دفَّ أهل أبيات من البادية حضرة الأضحى زمن رسول الله عليه السلام، وقال رسول الله عليه السلام: ادخروا ثلاثاً ثم تصدقوا بما بقي. فلما كان بعد ذلك قالوا: يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويجملون منها الودك، فقال رسول الله عليه السلام: وما ذاك؟ قالوا: نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال: إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت، فكلوا وادخروا وتصدقوا".

قوله: "دف ناس" معناه: جاءوا إلينا وأتونا وأصله من دفيف الطائر إذا حرك جناحيه ورجلاه في الأرض يقال فيه: دَفَّ يَدِفُّ دفيفًا.

قال الخليل: والدافة قوم يدفون أي يسيرون سيرًا لينًّا، وتداف القوم إذا ركب بعضهم بعضًا في قتالٍ أو نحوه.

وفي "النهاية": الدافة: القوم يسيرون جماعة سيرًا ليس بالشديد يقال: هم يدفون دفيفًا، والدافة: قوم من الأعراب يردون المصر، يريد أنهم قوم قدموا المدينة عند الأضحى، فنهاهم عن ادخار لحوم الأضاحي، ليفرقوها ويتصدقوا بها، فينتفع بها أولئك القادمون.

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1561 رقم 1971).

ص: 39

قوله: "حضرة الأضحى" معناه: وقت الأضحى، وفي حين الأضحى.

قوله: "يجملون منها الودك" أي يذيبون منها الشحم يقال: جملت الشحم -بالجيم- وأجملته إذا أذبته واستخرجت دهنه، وجملت أفصح من أجملت والودك -بفتح الواو والدال- الشحم.

قال الجوهري: "الودك" دسم اللحم.

و"الأسقية" جمع -سقاء بكسر السين - وهو الدلو.

ص: وقد روي هذا الحديث عن عابس عن عائشة رضي الله عنها على غير ذلك اللفظ.

حدثنا فهد قال: ثنا أبو غسان قال: ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عابس ابن رييعة قال:"أتيت عائشة رضي الله عنها فقلت: يا أم المؤمنين أكان رسول الله عليه السلام حَرَّم لحوم الأضاحي فوق ثلاث؟ فقالت: لا، لكنه لم يكن ضحى منهم إلا قليل، ففعل ذلك ليُطعم من ضحى منهم من لم يضح، ولقد رأيتنا نخبئ الكراع ثم نأكلها بعد ثلاث".

فقد يجوز أن تكون تلك الدافة كانت كثيرة، فكان الناس الذين يضحون معها قليلاً فأمرهم رسول الله عليه السلام بما أمرهم به من الصدقة؛ من أجل ذلك فقد عاد معنى هذا أيضًا إلى معنى ما قبله.

ش: أراد بـ"هذا الحديث": الحديث الذي رواه عبد الرحمن بن عابس عن أبيه عن عائشة، وحاصله: أن حديث عابس عن عائشة روي على وجهين:

أحدهما: ما رواه سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن عابس عن أبيه عن عائشة.

والآخر: ما رواه أبو إسحاق السبيعي عن عابس عن عائشة.

وعند التحقيق يرجع معناهما إلى معنى واحد، وقد بينه الطحاوي.

وأخرج الحديث الثاني أيضًا بإسناد صحيح:

عن فهد بن سليمان عن أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني.

ص: 40

وأخرجه الترمذي (1): ثنا قتيبة قال: ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عابس بن ربيعة قال:"قلت لأم المؤمنين: كان رسول الله عليه السلام ينهى عن لحوم الأضاحي؟ قالت: لا، ولكن قلَّ من كان يضحي في الناس، فأحب أن يطعم من لم يكن يضحي ولقد كنا نرفع الكراع فنأكله بعد عشرة أيام".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وأم المؤمنين هي عائشة زوج النبي عليه السلام.

قوله: "ليطعم مَنْ ضحى منهم مَنْ لم يضح" فقوله ليطعم: من الإطعام، و"مَنْ" الأولى في محل الرفع على الفاعلية و"مَنْ" الثانية في محل النصب على المفعولين.

قوله: "ولقد رأيتنا" بضم التاء أي: لقد رأيت أنفسنا.

ص: وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أيضًا: أن ذلك القول من رسول الله عليه السلام لم يكن على العزيمة، ولكنه كان على الترغيب منه لهم في الصدقة.

حدثنا فهد قال: ثنا أبو صالح قال: حدثني الليث قال: ثنا عبيد الله، عن أبي الأسود، عن هشام بن عروة، عن يحيى بن سعيد عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت في لحوم الأضاحي:"كنا نصلح منه، فيقدم به الناس إلى المدينة فقال: لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام" ليست بالعزيمة ولكن أراد أن يطعموا منه فلم يخل نهي رسول الله عليه السلام عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام من أحد وجهين: إما أن يكون ذلك على التحريم أو يكون ذلك على الحض منه لهم على الصدقة والخير، فإن كان ذلك على الحض منه لهم على الصدقة لا على التحريم، فذلك دليل على أن لا بأس بادخار لحوم الأضاحي وأكلها بعد الثلاث، وإن كان ذلك كان من رسول الله عليه السلام على التحريم فقد كان منه بعد ذلك ما قد نسخ وأوجب التحليل، فثبت بما ذكرنا إباحة ادخار لحوم الأضاحي وأكلها في الثلاث وبعدها، وهذا قول أبي حنفية وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

(1)"جامع الترمذي"(4/ 95 رقم 1511).

ص: 41

ش: هذا جواب آخر عن الأحاديث التي احتجت بها أهل المقال الأولى فيما ذهبوا إليه من عدم جواز أكل لحوم الأضاحي فيما فوق الثلاث، بيانه: أن ما روي عن النبي عليه السلام من نهيه عن ذلك فيما فوق الثلاث لم يكن ذلك عنه عليه السلام على العزيمة يعني التأكيد في المنع والحظر، ولكن كان ذلك نهي شفقة وإرشاد؛ ترغيبًا لهم في الصدقة، وحثًّا عليهم بها في مثل هذه الأيام الشريفة ليطعم الذي ضحى من لم يضح ويواسي به الغني الفقير وقد صرحت بذلك عائشة في هذا الحديث حيث قالت: فقال: "لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام ليست بالعزيمة ولكن أراد أن يطعموا منه" فإذا كان كذلك بطل استدلال أهل المقالة الأولى بتلك الأحاديث فيما ذهبوا إليه.

قوله: "فلم يخل نهي رسول الله عليه السلام. . ." إلى آخره ظاهر غني عن البيان.

وإسناد هذا الحديث صحيح، وأبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث وشيخ البخاري.

وعبيد الله هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم القرشي العدوي العمري المدني روى له الجماعة.

وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي المدني يتيم عروة روى له الجماعة.

وعمرة هي بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية روى لها الجماعة.

وأخرجه البخاري (1): نا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي أبو بكر عن سليمان -هو ابن بلال- عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت:"الضحية كنا نملح منها فنقدم به إلى النبي عليه السلام بالمدينة فقال: لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام وليست بعزيمة ولكن أراد أن يُطعم منه".

(1)"صحيح البخاري"(5/ 2116 رقم 5250).

ص: 42