الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب أكل الثوم والبصل والكراث
ش: أي هذا باب في بيان حكم أكل الثوم والبصل والكراث.
ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني طلحة بن عمر، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكل من خضراواتكم هذه ذوات الريح فلا يقربنَّا في مساجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم".
ش: إسناده معلول بطلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي، فإن أحمد قال فيه: لا شيء متروك الحديث. وعن يحيى بن معين: لا شيء ضعيف، وقال البخاري: ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بثقة. روى له ابن ماجه.
وعطاء هو ابن أبي رباح المكي.
قوله: "من خضراواتكم" جمع خضراء، والمراد منها نحو الثوم والبصل والكراث، وقيل بين ذلك بقوله:"ذوات الريح".
فإن قيل: الخضراء صفة لا اسم، فيكف جمع هذا الجمع، وقياس ما كان على هذا الوزن أن لا يجمع هذا الجمع، وإنما يجمع به ما كان اسمًا لا صفة نحوه صحراء وخنفساء؟
قلت: إنما جمع هذا الجمع باعتبار أنه صار اسمًا لهذه البقول لا صفة، تقول العرب لهذه البقول: الخضراء، لا يريدون لونها، ومن هذا القبيل ما جاء في حديث آخر (1):"أتي بقدر فيه خَضِرات" بكسر الضاد، أي يقول، واحدها خضرة.
ويستفاد منه أحكام:
الأول: أن جمهور العلماء على أن هذا النهي عام في كل مسجد، وذهب بعضهم أن هذا خاص في مسجد المدينة لأجل ملائكة الوحي وتأذيهم بذلك، ويحتج بظاهر
(1) متفق عليه من حديث جابر رضي الله عنه، البخاري (1/ 292 رقم 817)، ومسلم (1/ 394 رقم 564).
قوله: "فلا يقربنَّا في مساجدنا" وفي رواية أخرى (1): "فلا يقرب مسجدنا" وحجة الجماعة ما جاء في رواية أخرى: "فلا يقرب المساجد" ذكرها مسلم (2) وغيره، وقاسوا على هذا مجامع الصلاة في غير المساجد، كمصلى العيدين والجنائز ونحوها من مجامع العبادات.
وقال عياض: قد ذكر بعض فقهائنا أن حكم مجامع المسلمين فيهم هذا الحكم كمجالس العلم والولائم، وحلق الذكر.
الثاني: أن الملائكة تتأذى من الأشياء الكريهة كما يتأذى بنو آدم، فعل هذا يمنع الدخول بهذه الروائح إلى المسجد وإن كان خاليًا؛ لأنه محل الملائكة.
الثالث: قالوا: وفي اختصاصه النهي عن دخول المسجد إباحة دخول الأسواق وغيرها بها؛ وذلك لأنه ليس فيها حرمة المساجد ولا هي محل الملائكة لأنه إن تأذى به أحد في سوقه تنحى عنه إلى غيره وجالس سواه، ولا يمكنه ذلك في المسجد لانتظار الصلاة وإن خرج فاتته.
الرابع: قال أبو القاسم بن أبي صفرة: فيه دليل على تفضيل الملائكة على بني آدم، ولا دليل في ذلك، لاسيما مع قوله:"فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس" فقد سواهم؛ ومع قوله: "فلا يؤذينا".
الخامس: استدلت به طائفة فيما ذهبوا إليه من عدم جواز أكل الثوم والبصل ونحوهما، على ما يجيء بيانه مفصلًا إن شاء الله تعالى.
ص: حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يعقوب بن حميد، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله عليه السلام قال:"من أكل من هذه الشجرة فلا يأتي المساجد".
(1) أخرجها ابن حبان في "صحيحه"(5/ 440 رقم 2086) من حديث جابر، والطبراني في "الأوسط"(3/ 303 رقم 3230) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 393 رقم 68) بلفظ: "فلا يأتين المساجد".
حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: أنا ابن نمير، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله عليه السلام قال:"من أكل من هذه البقلة فلا يقرب المسجد حتى يذهب ريحها -يعني الثوم-".
حدثنا محمد بن خزيمة وفهد، قالا: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني ابن الهاد، عن نافع، عن ابن عمر قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن أكل الثوم بخيبر".
ش: هذه ثلاث طرق:
الأول: عن أحمد بن داود المكي، عن يعقوب بن حميد بن كاسب المدني فيه مقال، فعن يحيى: ليس بثقة، وقال النسائي: ليس بشيء. عن عبد الله بن رجاء الغداني عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وأخرجه ابن ماجه (1): نا محمد بن الصباح، نا عبد الله بن رجاء المكي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله عليه السلام: "من أكل من هذه الشجرة شيئًا فلا يأتين المسجد".
قوله: "من هذه الشجرة" إشارة إلى شجرة الثوم.
الثاني: عن فهد بن سليمان، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عبد الله بن نمير، عن عبيد الله بن عمر. . . . إلى آخره.
وأخرجه البخاري (2): حدثني عبيد بن إسماعيل، عن أبي أسامة، عن عبيد الله، عن نافع وسالم، عن ابن عمر:"أن رسول الله عليه السلام نهى يوم خيبر عن أكل الثوم، وعن لحوم الحمر الأهلية -نهى عن أكل الثوم، عن نافع وحده، ولحوم الحمر الأهلية عن سالم-".
(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 325 رقم 1016).
(2)
"صحيح البخاري"(4/ 1543 رقم 3978).
الثالث: عن محمَّد بن خزيمة بن راشد، وفهد بن سليمان، كلاهما عن عبد الله ابن صالح المصري شيخ البخاري، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي المدني، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
وأخرجه مسلم (1) وأبو داود (2) من حديث يحيى: عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر. . . . إلى آخره نحوه، وليس في رواية أبي داود ذكر خيبر.
ص: حدثنا فهد، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا قيس، عن أبي إسحاق، عن شريك بن حنبل، عن علي رضي الله عنه عن رسول الله عليه السلام قال:"من أكل من هذه البقلة فلا يقربنا -أو يؤذينا- في مسجدنا".
ش: أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي الكوفي شيخ البخاري.
وقيس هو ابن الربيع الأسدي الكوفي، ضعفه يحيى وقال: لا يكتب حديثه. قال الجوزجاني: ساقط، وقال النسائي: متروك الحديث.
وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي روى له الجماعة، وشريك بن حنبل العبسي الكوفي، وثقه ابن حبان.
وأخرجه البزار في "مسنده"(3): نا محمَّد بن عبد الله المخرمي قال: نا يحيى بن آدم، قال: نا قيس بن الربيع، عن أبي إسحاق، عن شريك بن حنبل، عن عليّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا -أو المسجد- يعني الثوم" ولا نعلم روى شريك بن حنبل عن علي إلا هذا الحديث، وقد روى يونس بن أبي إسحاق، عن عمير بن تميم، عن شريك بن حنبل، ولم يقل: عن علي. انتهى.
(1)"صحيح مسلم"(1/ 393 رقم 561).
(2)
"سنن أبي داود"(3/ 361 رقم 3825).
(3)
"مسند البزار"(3/ 50 رقم 805).
قلت: اختلف فيه على أبي إسحاق، فرواه أبو وكيع بن مليح، عن أبي إسحاق، عن شريك بن حنبل، عن علي رضي الله عنه قال:"نهي عن أكل الثوم إلا مطبوخًا".
قال مسدد، عن أبي وكيع، وخالفه قيس بن الربيع فأوصله، قال:"من أكل من هذه الشجرة. . . ." الحديث، وهو أشبه بالصواب.
وأخرجه أبو داود (1): عن مسدد، عن أبي وكيع الجراح، عن أبي إسحاق، عن شريك، عن علي قال:"نهي عن أكل الثوم إلا مطبوخًا".
وأخرجه الترمذي (2): من طريق مسدد نحوه، ثم قال: هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي، وقد روي هذا عن علي قوله، وروي عن شريك بن حنبل، عن النبي عليه السلام مرسلًا.
ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو صالح الحنفي محمَّد بن عبد الوهاب، قال: ثنا معن بن عيسى، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عباد بن تميم، عن محمَّد أن النبي عليه السلام قال:"من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن من مساجدنا -يعني الثوم-".
ش: رجاله كلهم ثقات، ومعن بن عيسى بن يحيى بن دينار الأشجعي القزاز الكوفي، روى له الجماعة.
وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي المدني نزيل بغداد، روى له الجماعة.
والزهري هو محمَّد بن مسلم.
وعباد بن تميم بن غزية الأنصاري المدني ابن أخي عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري.
وعبد الله بن زيد، له ولأبويه صحبة.
(1)"سنن أبي داود"(3/ 361 رقم 3828).
(2)
"جامع الترمذي"(4/ 262 رقم 1808).
والحديث أخرجه الطبراني: نا محمَّد بن هشام المستملي، ثنا علي بن المديني (ح).
نا محمَّد بن عبد الله الحضرمي، ثنا ضرار بن صرد أبو نعيم الطحان، قالا: نا معن بن عيسى القزاز، ثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عباد بن تميم، عن عمه قال: قال رسول الله عليه السلام: "من أكل من هاتين الشجرتين فلا يقربن مسجدنا".
ص: حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا أبو معمر، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا عبد العزيز بن صهيب، قال:"سأل رجل أنسًا: ما سمعت الرسول الله عليه السلام يقول في الثوم؟ فقال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلين معنا".
ش: أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد شيخ البخاري وأبي داود.
وعبد الوارث هو ابن سعيد العنبري روى له الجماعة، وعبد العزيز بن صهيب البناني الأعمى البصري روى له الجماعة.
وأخرجه البخاري (1): نا مسدد، نا عبد الوارث، عن عبد العزيز، قال: قيل لأنس: "ما سمعت من النبي عليه السلام في الثوم؟ فقال: من أكل فلا يقربن مسجدنا".
وأخرجه مسلم (2): نا زهير بن حرب قال: ثنا إسماعيل -يعني- ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب، قال:"سئل أنس عن الثوم؟ فقال: قال رسول الله عليه السلام من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا، ولا يصلي معنا".
ص: حدثنا محمَّد بن عمرو، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن جابر، قال: قال رسول الله عليه السلام: "من أكل من هذه البقلة فلا يقربنا في مسجدنا -أو لا يقربن مسجدنا-".
(1)"صحيح البخاري"(5/ 2076 رقم 5136).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 394 رقم 562).
ش: محمَّد بن عمرو بن يونس التغلبي.
وعبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي الكوفي شيخ البخاري.
وابن أبي ليلى هو محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قاضي الكوفة، فيه مقال. وعطاء هو ابن أبي رباح.
والحديث أخرجه الجماعة غير ابن ماجه.
فقال البخاري (1): ثنا علي بن عبد الله، ثنا أبو صفوان عبد الله بن سعد، أنا يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني عطاء، أن جابر عبد الله زعم عن النبي عليه السلام قال:"من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا -أو ليعتزل مسجدنا-".
وقال مسلم (2): نا أبو الطاهر وحرملة، قالا: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني عطاء بن أبي رباح، أن جابر بن عبد الله قال -في رواية حرملة: زعم- أن رسول الله عليه السلام قال: "من أكل ثومًا أو بصلا فليعتزلنا -أو ليعتزل مسجدنا. . . .-" الحديث.
وقال أبو داود (3): نا أحمد بن صالح، [قال: نا ابن وهب] (4)، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني عطاء بن أبي رباح، أن جابر بن عبد الله قال: إن رسول الله عليه السلام قال: "من أكل. . . ." إلى آخره نحوه.
وقال الترمذي (5): ثنا إسحاق بن منصور، قال ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن ابن جريج، قال: أنا عطاء، عن جابر، قال: قال: رسول الله عليه السلام: "من أكل من هذه -أو قال مرة: الثوم والبصل والكراث- فلا يقربنا في مسجدنا".
(1)"صحيح البخاري"(5/ 2077 رقم 5137).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 394 رقم 564).
(3)
"سنن أبي داود"(3/ 360 رقم 3822).
(4)
تكررت في "الأصل".
(5)
"جامع الترمذي"(4/ 261 رقم 1806).
وقال النسائي (1): أنا إسحاق بن منصور. . . ." إلى آخره نحوه.
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا قيس بن الربيع، عن بشر بن بشير، عن أبيه -وكان من أصحاب الشجرة- قال: قال رسول الله عليه السلام: "من أكل من هذه الشجرة فلا يناجينا".
ش: أبو الوليد: هشام بن عبد الملك الطيالسي.
وقيس بن الربيع فيه مقال وقد مَرَّ ذكره عن قريب.
وبِشْر -بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة- بن بَشِير -على وزن فعيل بفتح الباء- الأسلمي وثقه ابن حبان.
وأبوه بشير بن معبد الأسلمي الصحابي رضي الله عنه.
وأخرجه الطبراني (2): ثنا العباس بن الفضل الأسفاطي، ثنا أبو داود الطيالسي (ح).
وحدثئا محمَّد بن عثمان بن أبي شيبة، نا إبراهيم بن إسحاق الضبي (ح).
وحدثنا الحسين بن إسحاق التستري، نا يحيى الحماني، قالوا: نا قيس ابن الربيع، عن بشر بن بشير الأسلمى، عن أبيه -وكانت له صحبة مع النبي عليه السلام قال: قال رسول الله عليه السلام: "من أكل من هذه البقل فلا يقربن مسجدنا، يعني الثوم".
ص: حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا يونس بن محمَّد، قال: ثنا حكم بن عطية، عن أبي الرباب، عن معقل بن يسار قال:"كنا مع رسول الله عليه السلام في مسير له، وإنا نزلنا في مكان فيه شجر ثوم فبثّ أصحابه فيه فأكلوا منه، ثم عدوا إلى المصلى، فوجد النبي عليه السلام ريح الثوم، فقال: لا تقربوا هذه الشجرة، قال: ثم جاءوا الثانية إلى المصلى فوجد ريحها، فقال: من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن المصلى".
(1)"المجتبى"(2/ 43 رقم 707).
(2)
"المعجم الكبير"(2/ 41 رقم 1225).
ش: يونس بن محمد بن مسلم البغدادي روى له الجماعة، وحكم بن عطية العيشي -بالشين المعجمة- وثقه يحيى بن معين، وقال النسائي: ليس بالقوي. وروى له الترمذي، وقال: قد تكلم بعضهم فيه.
وأبو الرَّبَاب -بفتح الراء بعدها الباء الموحدة، وفي آخره باء موحدة أخرى- قال ابن ماكولا: أبو الرباب القشيري اسمه مطرف بن مالك روى عن أبي الدرداء، روى عنه محمَّد بن سيرين وغيره.
أبو الرباب عن معقل بن يسار قال عبد الغني: لعله الذي قبله.
وقال ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل": مطرف بن مالك أبو الرباب القشيري شهد فتح تستر مع أبي موسى الأشعري، روى عنه زرارة بن أوفى ومحمد بن سيرين، سمعت أبي يقول ذلك. وذكره ابن حبان في ثقات التابعين وقال: مطرف بن مالك أبو الرباب.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا محمَّد بن عبد الله بن الزبير، ثنا الحكم بن عطية، عن أبي الرباب قال: سمعت معقل بن يسار يقول: "كنا مع رسول الله عليه السلام في مسير له فنزلنا منزلا في مكان كثير الثوم، وإن أناسًا من المسلمين أصابوا منه، ثم جاءوا إلى المصلى يصلون مع النبي عليه السلام، فنهاهم عنها [ثم جاءوا بعد ذلك إلى المصلى فنهاهم عنها، ثم جاءوا بعد ذلك إلى المصلى فنهاهم عنها] (2)، ثم جاءوا بعد ذلك إلى المصلى فوجد ريحها منهم، فقال: من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا في مسجدنا".
ثم اعلم أن الطحاوي: أخرج أحاديث هذا الباب إلى هاهنا عن ثمانية أنفس من الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن زيد بن عاصم وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله وبشير بن معبد الأسلمي ومعقل بن يسار.
(1)"مسند أحمد"(5/ 26 رقم 20317).
(2)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "مسند أحمد"، تكررت ثلاث مرات هكذا.
ولما أخرج الترمذي (1) حديث جابر قال: وفي الباب عن عمر وأبي أيوب وأبي هريرة وأبي سعيد وجابر بن سمرة وقرة بن إياس المزني وابن عمر رضي الله عنهم.
قلت: وفي الباب أيضًا عن حذيفة وعقبة بن عامر الجهني والمغيرة بن شعبة وأبي أمامة وسفيان بن وهب الخولاني، وأم أيوب الأنصارية وعائشة رضي الله عنهم.
أما حديث عمر وأبي أيوب وجابر بن سمرة وقرة بن إياس فقد أخرجه الطحاوي في الفصل الثاني على ما سيجيء، إن شاء الله تعالى.
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم (2): حدثني محمَّد بن رافع وعبد بن حميد -قال عبد: أنا، وقال ابن رافع:[ثنا](3) - عبد الرزاق قال: أنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله عليه السلام قال:"من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا، ولا يؤذنا بريح الثوم".
وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه مسلم (4) أيضًا: حدثني عمرو الناقد قال: أنا إسماعيل بن علية، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال:"لم نعد أن فتحت خيبر، فوقعنا أصحابَ رسول الله عليه السلام في تلك البقلة: الثوم والناس جياع، فأكلنا منه أكلا شديدًا ثم رحنا إلى المسجد، فوجد رسول الله عليه السلام الريح، فقال: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئًا فلا يغشينا في المسجد، قال الناس: حرمت حرمت، فبلغ ذلك النبي، عليه السلام فقال: أيها الناس إنه ليس بي تحريم ما أحل الله، ولكنها شجرة أكره ريحها".
وأخرجه أبو داود (5) أيضًا.
(1)"جامع الترمذي"(4/ 261 رقم 1806).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 394 رقم 563).
(3)
في "الأصل، ك": "نا"، وفي "صحيح مسلم""حدثنا". وعلى ذلك فاختصارها "ثنا"، وإلا فلا فرق بين "نا"، و"أنا" فكلاهما بمعنى "أخبرنا".
(4)
"صحيح مسلم"(1/ 395 رقم 565).
(5)
"سنن أبي داود"(3/ 360 رقم 3823).
وأما حديث حذيفة:
فأخرجه أبو داود (1): ثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا جرير، عن الشيباني، عن عدي بن ثابت، عن زر بن حبيش، عن حذيفة -أظنه- عن رسول الله عليه السلام قال:"من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفلة بين عينيه، ومن أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا ثلاثًا".
وأما حديث عقبة بن عامر:
فأخرجه ابن ماجه (2): ثنا حرملة بن يحيى، نا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة، عن عثمان بن نعيم، عن المغيرة بن نهيك، عن دخين الحجري أنه سمع عقبة بن عامر الجهني يقول: إن رسول الله عليه السلام قال لأصحابه: "لا تأكلوا البصل، ثم قال كلمة خفية: النيء".
وأما حديث المغيرة بن شعبة وأبي أمامة وسفيان بن وهب، وأم أيوب الأنصارية: فأخرجه الطحاوي على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وأما حديث عائشة رضي الله عنها:
فأخرجه أبو داود (3): ثنا إبراهيم بن موسى، قال: أنا.
وثنا حيوة بن شريح، قال: ثنا بقية، عن [بحير](4) عن خالد، عن أبي زياد خيار بن سلمة:"أنه سأل عائشة عن البصل، فقالت: إن آخر طعام أكله رسول الله عليه السلام طعام فيه بصل".
(1)"سنن أبي داود"(3/ 360 رقم 3824).
(2)
"سنن ابن ماجه"(2/ 117 رقم 3366).
(3)
"سنن أبي داود"(3/ 361 رقم 3829).
(4)
في "الأصل، ك": "محمَّد"، وهو تحريف، والمثبت من "سنن أبي داود"، و"مسند أحمد"(6/ 89 رقم 24629)، و"السنن الكبرى" للنسائي (4/ 158 رقم 6680)، و"سنن البيهقي الكبرى"(3/ 77 رقم 4841)، وهو بحير بن سعد كما جاء مصرحًا به في "مسند أحمد".
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فكره قوم أكل البقول ذوات الريح أصلًا، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: شريك بن حنبل الكوفي، وعطاء، وطائفة من الظاهرية؛ فإنهم ذهبوا إلى كراهة أكل البقول ذوات الريح نحو الثوم والبصل والكراث والفجل إذا تُجُشِّيء منه، ونحو ذلك، سواء كان نيئا أو مطبوخًا، وروي ذلك أيضًا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقال ابن حزم في "المحلى"(1): وروينا عن علي بن أبي طالب، وشريك بن حنبل من التابعين: تحريم الثوم النيء.
قال عليّ (2): ليس حرامًا؛ لأن النبي عليه السلام أباحه في الأخبار.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، وقالوا: إنما نهى النبي عليه السلام عن أكلها لا لأنها حرام، ولكن لئلا يؤذي بريحها من يحضر معه المسجد.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم جماهير العلماء من السلف وأئمة الفتوى منهم الأئمة الأربعة وأصحابهم؛ فإنهم قالوا: لا يكره أكل البقول ذوات الريح، وذلك لأن نهي النبي عليه السلام عن أهلها لم يكن لأجل أنها حرام، ولكن لئلا يؤذي آكلها بريحها من يحضر معه المساجد.
قال عياض: النهي عن حضور المساجد لمن أكلها ليس بتحريم لها؛ بدليل إباحة النبي عليه السلام إياها لمن حضره من أصحابه وتخصيصه نفسه بالعلة التي ذكرها من قوله: "وإني أناجي من لا تناجي" وبقوله: "وليس لي تحريم ما أحل الله، ولكني أكرهها" وكذلك حكم أكل الفجل لمن يتجشئ منه أو غير ذلك مما تستفيح رائحته ويتأذى به.
(1)"المحلى"(4/ 49).
(2)
هو علي بن أحمد وهو ابن حزم، كما في "المحلى".
وقد ذكر أبو عبد الله بن المرابط في "شرحه": أن حكم من به داء البخر في فيه، أو به جرح له رائحة، هذا الحكم.
وقال ابن حزم في "المحلى"(1): ومن أكل ثومًا أو بصلًا أو كراثا ففرض عليه أن لا يصلي في المسجد حتي تذهب الرائحة، وفرضٌ إخراجه من المسجد إن دخله قبل انقطاع الرائحة، فإن صلى في المسجد كذلك فلا صلاة له، ولا يمنع أحد من المسجد غير من ذكرنا، لا أبخر ولا مجذوم ولا ذو عاهة.
ص: وقد جاء في ذلك آثار أُخر ما قد دل على ذلك:
حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: أنا سعيد، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:"يا أيها الناس، إنكم لتأكلون من شجرتين خبيثتين، هذا الثوم وهذا البصل، ولقد كنت أرى الرجل على عهد رسول الله عليه السلام يوجد منه ريحه، فيؤخذ بيده فيخرج إلى البقيع، فمن كان آكلهما فليطبخهما طبخًا".
فهذا عمر رضي الله عنه قد أخبر بما كانوا يصنعون بمن أكلهما على عهد رسول الله عليه السلام وقد أباح هو أكلهما بعد أن يُماتا طبخًا، فدل ذلك على أن النهي عنه لم يكن للتحريم.
ش: أي قد جاء فيما ذكرنا من أن النهي عن أكل البقول ذوات الريح لا لأنها حرام آثار أُخَر، ما قد دل على ما ذكرنا، منها حديث عمر رضي الله عنه أخرجه بإسناد صحيح.
وأخرجه مسلم (2) مطولا: ثنا محمَّد بن مثنى، قال: نا يحيى بن سعيد، قال: نا هشام، قال: ثنا قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب يوم الجمعة فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم وذكر أبا بكر رضي الله عنه
(1)"المحلى"(4/ 48).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 396 رقم 567).
قال: إني رأيت كأن ديكًا نقرني ثلاث نقرات، وإني لا أراه إلا حضور أجلي وإن أقوامًا يأمرونني أن أستخلف، وإن الله تعالى لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته، ولا الذي بعث به نبيه عليه السلام، فإن عُجِّل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفى رسول الله عليه السلام وهو عنهم راض، وإني قد علمت أن أقوامًا يطعنون في هذا الأمر، أنا ضربتهم بيدي هذه على الإِسلام فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضلال، ثم إني لا أدع بعدي شيئًا أهم عندي من الكلالة، ما راجعت رسول الله عليه السلام في شيء ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه، حتى طعن بأصبعه في صدري فقال: يا عمر ألا [تكفيك](1) آية الصيف التي في آخر سورة النساء، وإني إن أعش أقضي فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن، ومن لا يقرأ القرآن، ثم قال: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار، وإنما بعثتهم عليهم ليعدلوا عليهم، وليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم، ويقسموا فيهم فيئهم، ويرفعوا إلى ما أشكل عليهم من أمرهم، ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين: هذا البصل والثوم، ولقد رأيت رسول الله عليه السلام إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخًا".
قوله: "خبيثتين" أراد بالخبيثة النتنة، والعرب تطلق الخبيث على كل مذموم ومكروه من قول أو فعل أو مال أو طعام أو شخص.
قوله: "فليطبخهما طبخًا" وفي رواية مسلم: "فليمتهما طبخًا" ومعناهما واحد لأن المراد إذهاب رائحتهما وكسر قوة كل شيء إماتته، ومثله: قتلت الخمر إذا مزجتها بالماء فكسرتها.
قال القاضي: هذا يدل على أن النهي في النيء لأن الطبيخ يذهب ريحهما.
قال: وفيه دليل على إخراج من وجدت رائحتهما منه من المسجد، وإخراجه إلى البقيع: إبعاد له عن المسجد ورحابه، إذ حكمهما في أداء المصلين فيها حكم المسجد.
(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "صحيح مسلم".
وقال الخطابي: وقد عد قوم أن أكل الثوم من الأعذار المبيحة للتخلف عن الجماعة لهذا الحديث، ولا حجة في هذا لأن الحديث إنما ورد مورد التوبيخ والعقوبة لآكلها؛ لما حرمه من فضيلة الجماعة.
ص: وقد حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا يونس بن محمَّد، قال: ثنا خالد بن ميسرة، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، عن النبي عليه السلام قال:"من أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين فلا يقربن مسجدنا، فإن كنتم لابد آكليهما فأميتوهما طبخًا".
فهذا رسول الله عليه السلام قد أباح أكلهما بعد ذهاب ريحهما، فدل ذلك أن نهيه عن أكلهما إنما كان كراهية ريحهما لا لأنهما حرام في أنفسهما.
ش: من الآثار التي دلت على ما ذهب إليه الجمهور: حديث قرة بن إياس بن هلال بن رئاب المزني الصحابي.
أخرجه بإسناد صحيح، عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن يونس بن محمَّد بن مسلم البغدادي المؤدب، عن خالد بن ميسرة العطار البصري، عن معاوية بن قرة، عن أبيه.
وأخرجه أبو داود (1): نا عباس بن عبد العظيم، قال: ثنا عبد الملك بن عمرو أبو عامر، قال: نا خالد بن ميسرة -يعني العطار- عن معاوية بن قرة، عن أبيه:"أن النبي عليه السلام نهى عن هاتين الشجرتين، وقال: من أكلهما فلا يقربن مسجدنا، وقال: إن كنتم لابد آكليهما فأميتوهما طبخًا".
ص: وقد حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا أبو هلال الراسبي وغيره، عن حميد بن هلال، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن المغيرة بن شعبة، قال: "أكلت الثوم على عهد رسول الله عليه السلام فأتيت المسجد وقد سبقت بركعة، فدخلت معهم في الصلاة فوجد رسول الله عليه السلام ريحه، فلما سلم قال: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مصلانا حتى يذهب ريحها، فأتممت صلاتي، فلما
(1)"سنن أبي داود"(3/ 361 رقم 3827).
سلمت قلت: يا رسول الله أقسمت عليك إلا أعطيتني يدك، فناولني يده فأدخلتها في كمي حتى انتهيت إلي صدري فوجده معصوبًا فقال: إن لك عذرًا".
ففي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربنا في مسجدنا حتى يذهب ريحها" دليل على أنه إنما نهى عن أكلها لئلا يؤذي ريحها من يحضر المسجد؛ لا لأن أكلها حرام".
ش: من الآثار التي دلت على ما ذهب إليه الجمهور حديث المغيرة بن شعبة.
أخرجه بإسناد صحيح: عن علي بن شيبة بن الصلت السدوسي، عن يزيد بن هارون الواسطي شيخ أحمد، عن أبي هلال محمَّد بن سليم الراسبي وغيره، عن حميد بن هلال بن هبيرة البصري، عن أبي بردة عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري، عن المغيرة بن شعبة.
وأخرجه أبو داود (1): عن شيبان بن فروخ، عن أبي هلال الراسبي. . . . إلى آخره نحوه.
قوله: "معصوبًا" أي مشدودًا.
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا سعيد بن عامر، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل من طعام بعث بفضله إلى أبي أيوب، قال: فبعث إليه ذات يوم بقصعة لم يأكل منها، فأتاه أبو أيوب فقال: يا رسول الله، أحرام هو؟ قال: لا ولكن كرهته لريحه، قال: فأنا أكره ما كرهت".
ش: من الآثار التي دلت على ما ذهب إليه الجمهور حديث جابر بن سمرة، أخرجه بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن مرزوق، عن سعيد بن عامر الضبعي، عن شعبة بن الحجاج، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة.
(1)"سنن أبي داود"(1/ 361 رقم 3826).
وأخرجه الترمذي (1): عن محمود بن غيلان، عن أبي داود، عن شعبة. . . . إلى آخره نحوه، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
ص: حدثنا يونس قال: ثنا سفيان، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه قال:"نزلت على أم أيوب الأنصارية التي كان النبي عليه السلام نزل عليهم، فحدثتني أنهم تكلفوا له طعامًا فيه بعض هذه البقول، فأتوا به فكرهه، فقال لأصحابه: كلوه فإني لست كأحدكم، إني أخاف أن أؤذي صاحبي".
وحدثنا يونس مرة أخرى، قال: ثنا سفيان، عن عبيد الله، قال: سمعت أم أيوب الأنصارية، قالت:"نزل عليّ رسول الله عليه السلام فقربت إليه طعامًا فيه من بعض هذه البقول، فلم يأكله، وقال: إني أكره أن أؤذي صاحبي".
ش: هذان إسنادان رجالهما ثقات:
الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد المكي مولى آل قارظ، عن أبيه أبي يزيد، عن أم أيوب الأنصارية زوج أبي أيوب الأنصاري.
وأخرجه الترمذي (2): نا الحسن بن صباح، نا سفيان بن عيينة. . . . إلى آخره نحوه. وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.
وأخرجه ابن ماجه (3): عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن سفيان بن عيينة. . . . إلى آخره.
الثاني: عن يونس أيضًا، عن سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أم أيوب. من دون ذكر أبيه بينه وبين أم أيوب.
(1)"جامع الترمذي"(4/ 261 رقم 1807).
(2)
"جامع الترمذي"(4/ 262 رقم 1810).
(3)
"سنن ابن ماجه"(2/ 1116 رقم 3364).
ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا شعيب بن الليث، قال: ثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن أبي رهم السماعي، أن أبا أيوب حدثه قال:"قلت: يا رسول الله، كنت ترسل بالطعام فأنظر فيه، فإذا رأيت أثر أصابعك وضعت يدي فيه، حتى كان هذا الطعام الذي أرسلت به، فنظرت فيه فلم أر فيه أثر أصابعك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أجل إن فيه بصلًا فكرهت أن آكله من أجل الملك الذي يأتيني، وأما أنتم فكلوه".
حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري، قال: ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، قال: حدثني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب. . . . فذكر بإسناده مثله.
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عباس بن الوليد الرقام، قال: ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن إسحاق، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن يزيد بن عبد الله، عن أبي أمامة، عن أبي أيوب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله، غير أنه لم يسم الشجرة.
حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمر بن الحارث، عن بكر بن سوادة أن سفيان بن وهب حدثه عن أبي أيوب الأنصاري، عن رسول الله عليه السلام بنحوه، إلا أنه قال:"بصل أو كراث" وزاد في آخره: "ليس بمحرم".
فقد أباح رسول الله عليه السلام في هذه الآثار للناس أكل البصل والكراث، وأن ذلك غير محرم.
ش: من الآثار التي دلت على ما ذهب إليه الجمهور حديث أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري.
أخرجه من أربع طرق:
الأول: عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، عن شعيب بن الليث، عن أبيه الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري، عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني، عن أبي رهم السماعي واسمه أحزاب ذكره ابن يونس في
"تاريخ مصر"، وقال: أبو رهم السماعي وهو الجرهمي قديم الموت، روى عن أبي أيوب الأنصاري روى عنه عبد الرحمن بن شماسة وأبو الخير وغيرهما.
والحديث أخرجه أحمد (1) بأتم منه: نا يونس، نا ليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن أبي رهم السماعي، أن أبا أيوب حدثه:"أن رسول الله عليه السلام نزل بيتا الأسفل وكنت في الغرفة فأهريق ماء في الغرفة، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا نتبع الماء؛ شفقة أن يخلص الماء إلى رسول الله عليه السلام فنزلت إلى رسول الله عليه السلام، وأنا مشفق، فقلت: يا رسول الله، إنه ليس ينبغي أن نكون فوقك، انتقل إلى الغرفة، فأمر النبي عليه السلام بمتاعه فنقل، فقلت: يا رسول الله، كنت ترسل إليّ بالطعام، فأنظر، فإذا رأيت أثر أصابعك وضعت يدي فيه، حتى إذا كان هذا الطعام الذي أرسلت به إليّ، فنظرت فيه، فلم أر فيه أثر أصابعك، فقال رسول الله عليه السلام: أجل إن فيه بصلًا، فكرهت أن آكله من أجل الملك الذي يأتيني، وأما أنتم فكلوه".
الثاني: عن صالح بن عبد الرحمن، عن أبي عبد الرحمن المقرئ -واسمه عبد الله بن يزيد- شيخ البخاري، عن عبد الله بن لهيعة فيه مقال، عن يزيد بن أبي حبيب. . . . إلى آخره.
الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عياش -بالياء آخر الحروف والشين المعجمة- الرقام القطان البصري شيخ البخاري وأبي داود، عن عبد الأعلى ابن عبد الأعلى السامي البصري، عن محمَّد بن إسحاق المدني، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري، عن مرثد بن عبد الله اليزني أبي الخير المصري، عن أبي أمامة صدي بن عجلان الصحابي، عن أبي أيوب.
أخرجه الطبراني (2): نا معاذ بن المثنى، ثنا يحيي بن معين (ح).
وحدثنا محمَّد بن علي الناقد البصري ثنا نصر بن علي، قالا: ثنا وهب بن جرير،
(1)"مسند أحمد"(5/ 420 رقم 23616).
(2)
"المعجم الكبير"(4/ 119 رقم 3855).
ثنا أبي، قال: سمعت محمَّد بن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله اليزني، عن أبي أمامة، عن أبي أيوب رضي الله عنهما قال:"لما نزل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: بأبي وأمي، إني أكره أن أكون فوقك وتكون أسفل مني، فقال رسول الله عليه السلام: إن الأرفق بنا أن نكون في السفل؛ لمن يغشانا من الناس. فلقد رأيت جرة لنا انكسرت فأهريق ماؤها، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا، ما لنا لحاف غيرها، فننشف بها الماء فرقًا من أن يصل إلى رسول الله عليه السلام منه شيء يؤذيه، وكنا نصنع طعامًا فإذا رد ما بقي منه تيممنا مواضع أصابعه، فأكلنا منها [نريد] (1) بذلك البركة، فرد علينا عشاءه ليلة، وكنا جعلنا فيه ثومًا -أو بصلًا- فلم نر فيه أثر أصابعه، فذكرت له الذي كنا نصنع والذي رأينا من رده الطعام ولم يأكل، فقال: إني وجدت منه ريح هذه الشجرة وأنا رجل أناجى، فلم أحب أن يوجد مني ريحه، فأما أنتم فكلوه".
الثالث: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث المصري، عن بكر بن سوادة بن ثمامة المصري، عن سفيان بن وهب الصحابي المصري، عن أبي أيوب الأنصاري.
وأخرجه الطبراني (2): ثنا يحيي بن عثمان بن صالح، ثنا أصبغ (ح).
وحدثنا أحمد بن رشدين، ثنا أحمد بن صالح، قالا: ثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، أن سفيان بن وهب حدثه، عن أبي أيوب:"أن رسول الله عليه السلام أرسل إليه بطعام مع خضرة فيه بصل -أو كراث- لم ير فيه أثر أصابع رسول الله عليه السلام فأبى أن يأكله، فقال له رسول الله عليه السلام: ما منعك أن تأكل؟! قال: لم أر فيه أثرك يا رسول الله، قال رسول الله عليه السلام: استحي من ملائكة الله، وليس بمحرم".
(1) في "الأصل، ك": "ما نريد"، و"ما" هاهنا زائد، وليست في "المعجم الكبير".
(2)
"المعجم الكبير"(4/ 157 رقم 3996).
ص: فإن قال قائل: هذا الذي ذكرت إنما هو على ما كان منهما قد طبخ، فأما ما كان غير مطبوخ فهو داخل في النهي الذي في الآثار الأول.
قيل له: قد قال رسول الله عليه السلام فيما ذكرنا عنه من هذه الآثار: "إنما كرهته لريحه" وقد أباح أصحابه أكله، فلما كانت ريحه فيه قائمةً بعد الطبخ كان على حكمه، إذ كان إنما كره أكله فيهما جميعًا من أجل ريحه، فدل أن إباحة أكله لهم بعد الطبخ وريحه موجودة على أن أكلهم إياه قبل الطبخ مباح لهم أيضًا.
ش: تقرير السؤال أن يقال: إن الذي يُفهم من الأحاديث من الإباحة هو ما كان منهما -أي: من الثوم والبصل- مطبوخًا، فأما النيئ منهما فهو داخل في النهي المذكور في الأحاديث الأُول.
والجواب ظاهر.
قوله: "إذ كان" كلمة "إذْ" للتعليل.
ص: وقد حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني عطاء بن أبي رباح، أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إن رسول الله عليه السلام قال: "من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا -أو ليعتزل مسجدنا- فيقعد في بيته، وإنه أتي بقدر -أو ببدر- طبق فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحًا، فسأل عنها، فأُخبر بما فيها من البقول، فقال: قربوها إلى بعض أصحابه كان معه، فلما رآه كره أكله، قال: كل، فإني أناجي من لا تناجي".
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أنا ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله عليه السلام قال:"من أكل الكراث فلا يغشانا في مساجدنا حتى يذهب ريحها؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان".
حدثنا عبد العزيز بن معاوية العتابي، قال: ثنا عبد الله بن رجاء (ح).
وحدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا شبابة بن سوار، قالا: أنا إسرائيل، عن مسلم الأعور، عن حبَّة، عن علي رضي الله عنه قال:"أمرنا رسول الله عليه السلام أن نأكل الثوم، وقال: لولا أن الملك ينزل عليَّ لأكلته".
فقد دل ما ذكرنا على إباحة أكلها مطبوخًا كان أو غير مطبوخ لمن قعد في بيته، وكراهة حضور المسجد وريحه موجود؛ لئلا يؤذي بذلك من يحضره من الملائكة وبني آدم.
فبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: أخرج حديث جابر وعلي رضي الله عنهما شاهدًا لما قاله من أن أكل الثوم قبل الطبخ أيضًا مباح كما هو مباح بعده.
وأخرج حديث جابر من طريقين صحيحين رجالهما رجال الصحيح:
الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عطاء بن أبي رباح المكي، عن جابر رضي الله عنه.
أخرجه مسلم (1): عن أبي الطاهر وحرملة، كلاهما عن ابن وهب. . . . إلى آخره نحوه.
الثاني: عن يونس أيضًا، عن عبد الله بن وهب عن عبد الملك بن جريج عن أبي الزبير محمَّد بن مسلم بن تدرس المكي عن جابر.
وأخرجه مسلم (2): من حديث ابن جريج، عن عطاء، عن جابر، عن النبي عليه السلام قال:"من أكل من هذه البقلة -الثوم- وقال مرة: من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم".
وفي لفظ له (1): "من أكل من هذه الشجرة -يريد الثوم- فلا يغشينا في مسجدنا" ولم يذكر البصل والكراث.
قوله: "أو ببدر" شك من الرواي.
(1)"صحيح مسلم"(1/ 394 رقم 564).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 395 رقم 564).
قال القاضي عياض: قالوا: ولعل قولهم "قدر" تصحيف من الرواة، وذلك أن في كتاب أبي داود:"أنه عليه السلام أُتي ببدر"، والبدر هاهنا الطبق، شُبِّهَ بذلك لاستدارته كاستدارة البدر.
ثم قال: والصواب: "ببدر" أي طبق، وكذا ذكره البخاري عن أحمد بن صالح، عن ابن وهب في هذا الحديث، وقال:"أتي ببدر" وقال ابن وهب: يعني طبقًا، وذكر ابن عفير. رواه عنه "بقدر".
قلت: الصواب ما قاله القاضي أنه "ببدر" لأن في نسخة القدر قالوا: ظاهر هذا أن الكراهة باقية مع الطبخ، وهذا خلاف للحديث الذي فيه:"فمن أكلهما فليمتهما طبخًا" فإذا كانت النسخة "بدرًا" لم يكن هذا مناقضًا لحديث الطبخ؛ لأنه يحتمل حينئذ أن يكون كانت نيئة؛ فافهم.
قوله: "طبق" بالجر، عطف بيان، من قوله:"ببدر"، وهو ليس بموجود في غالب النسخ، والصواب تركه.
قوله: "خَضِرات" بفتح الخاء وكسر الضاد، جمع خَضِرة.
وأخرج حديث علي رضي الله عنه أيضًا من طريقين:
الأول: عن عبد العزيز بن معاوية بن عبد العزيز العتابي البصري، عن عبد الله ابن رجاء بن عمر الغداني شيخ البخاري، عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن مسلم بن كيسان الضبي الملائي البراد الكوفي الأعور، فيه مقال، فعن يحيي: لا شيء. وعن أبي زرعة: ضعيف الحديث. وعن النسائي: متروك. وهو يروي عن حَبَّة -بالحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة- بن جوين البجلي الكوفي، قال الطبراني: يقال: إنه رأى رسول الله عليه السلام، وفي "الميزان": حبَّة العرني الكوفي، عن عليّ، من غلاة الشيعة، وهو الذي حدث أن عليًّا رضي الله عنه كان معه بصفين ثمانون بدريًّا، وهذا غال، وقال العجلي: تابعي ثقة.
الثاني: عن علي بن حسين بن نصر بن المعارك، عن شبابة بن سوار الفزاري، عن إسرائيل. . . . إلى آخره.
وأخرجه البزار في "مسنده"(1): نا عبد الله بن سعيد، قال: نا عقبة بن خالد، عن إسرائيل، عن مسلم، عن حبَّة -يعني ابن جوين العرني- عن علي (ح).
ثنا محمد بن عمر، نا عبد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن مسلم، عن حبَّة، عن علي رضي الله عنه قال:"أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكل الثوم، وقال: لولا أن الملك ينزل عليّ لأكلته". وهو حديث لا نعلم رواه عن النبي عليه السلام إلا عليّ بهذا الإسناد.
قوله: "لا يغشينا" أي لا يقربنا.
وقوله: "أمرنا أن نأكل الثوم" الأمر به أمر إباحة. فافهم.
(1)"مسند البزار"(2/ 317 رقم 747، 748).