الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: الثوب يكون فيه علم الحرير أو يكون فيه من الحرير
ش: أي هذا باب في بيان حكم لبس الثوب الذي يكون فيه علم حرير، أو يكون فيه شيء من الحرير، هل يجوز لبسه أم لا؟
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: قد روينا في غير هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهى عن الحرير، فذهب قوم إلى أن ذلك النهي قد وقع على قليله وكثيره فكرهوا بذلك لبس الثوب المعلَّم بعلم الحرير، والثوب الذي لحمته غير حرير.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: الحسن البصري ومحمد بن سيرين وسليمان الأعمش وهشام بن عروة، فإنهم قالوا: يكره لبس الثوب المعلم بالحرير، وكذا الثوب الذي سداه حرير ولحمته غير حرير، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب (1) وحذيفة بن اليمان (2) وعبد الله بن عمر (3) وجابر بن عبد الله (4) وقيس بن عباد (5) رضي الله عنهم.
ذكر ذلك كله ابن أبي شيبة في مصنفه بأسانيده إليهم.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: وقع النهى من ذلك على ما جاوز الأعلام، وعلى ما كان سداه غير حرير لا على غير ذلك، واحتجوا في ذلك بما قد روينا في باب: لبس الحرير، عن عمر رضي الله عنه في استثنائه مما حرم عليهم من الحرير؛ الأعلام.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: عطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي وقتادة والشعبي والثوري وأبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد، فإنهم
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 156 رقم 24697).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 156 رقم 24698).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 156 رقم 24700).
(4)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 156 رقم 24702).
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 156 رقم 24701).
قالوا: العلم الحرير قدر ثلاثة أصابع أو أربعة أصابع مباح، وعن مالك روايتان في أربع أصابع، ومشهور مذهبه ثلاثة أصابع؛ لأنه لم يرد قدر أربعة أصابع.
وأما ما كان سَدَاهُ قطن أو كتان أو نحوهما ولحمته حرير فإنه يحرم لبسه بالإجماع، وأما ما كان سَدَاهُ حرير ولُحْمَتُه غير حرير؛ فإنه يباح لبسه في الحرب عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف ومحمد والشافعي ومالك وأحمد: لا يحل في الحرب أيضًا.
قوله: "واحتجوا في ذلك" أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي ذكر في باب: لبس الحرير.
وهو الذي رواه الشعبي، عن سويد بن غفلة:"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب بالجابية فقال: نهى نبي الله عن لبس الحرير، إلا موضع إصبعين أو ثلاثة أو أربع".
ص: وبما حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا القاسم ابن مالك المزني، عن داود بن أبي هند، عن حميد بن عبد الرحمن، عن سعد بن هشام، قال: حدثتني عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت لنا قطيفة علمها حرير، فكنا نلبسها".
ش: أي واحتجوا أيضًا بما حدثنا روح بن الفرج. . . . إلى آخره.
وهذا إسناد صحيح، ورجاله رجال الصحيح، ما خلا روحًا.
وسعد بن هشام بن عامر الأنصاري ابن عم أنس بن مالك رضي الله عنه، روى له الجماعة إلا البخاري.
قوله: "قطيفة" بفتح القاف، وهي كساء له خمل.
ص: حدثنا يونس، قال: ثنا يحيى بن حسان، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن المغيرة بن زياد، عن أبي عمر مولى أسماء، قال: "رأيت ابن عمر رضي الله عنهما اشترى جبة فيها خيط أحمر فردها، فأتيت أسماء، فذكرت ذلك [لها] (1) فقالت: بؤسًا لابن
(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
عمر، يا جارية ناوليني جبة رسول الله عليه السلام، فأخرجت إلينا جبة مكفوفة الجيب والكمين والفروج بالديباج".
ش: إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
ويحيى بن حسان بن حيان التنيسي في المصري شيخ الشافعي، روى له الجماعة سوى ابن ماجه.
وعيسى بن يونس بن إسحاق السبيعي، أحد أصحاب أبي حنيفة، روى له الجماعة.
والمغيرة بن زياد البجلي أبو هشام الموصلي، وثقه يحيى والعجلي، وروى له الأربعة.
وأبو عمر مولى أسماء، واسمه عبد الله بن كيسان القرشي التميمي، روى له الجماعة.
وأسماء هي بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما.
وأخرجه أبو داود (1): [حدثنا مسدد](2)، نا عيسى بن يونس، قال: نا المغيرة بن زياد، قال: نا عبد الله أبو عمر مولى أسماء بنت أبي بكر، قال:"رأيت ابن عمر في السوق، فاشترى ثوبًا شاميًّا فيه خيط أحمر، فرَدَّه، فأتيت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما فذكرت ذلك لها، فقالت: يا جارية ناوليني جبة رسول الله عليه السلام، فأخرجت له جبة طيالسة مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج".
وأخرجه مسلم (3) والنسائي (4) وابن ماجه (5) مختصرًا.
قوله: "بؤسًا لابن عمر رضي الله عنه" بضم الباء الموحدة وسكون الواو بالسين المهملة.
(1)"سنن أبي داود"(4/ 49 رقم 4054).
(2)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "سنن أبي داود".
(3)
"صحيح مسلم"(3/ 1641 رقم 2069).
(4)
"السنن الكبرى"(5/ 473 رقم 9619).
(5)
"سنن ابن ماجه"(2/ 942 رقم 2819).
قال الجوهري: البؤس: الداهية، يقال يومُ بؤسٍ ويومُ نُعمٍ، والمعنى هنا: ألزمه الله بؤسًا، والمعنى في الحقيقة الإنكار الشديد وليس بدعاء عليه حقيقة.
ص: حدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور، قال: ثنا الهيثم بن جميل، (ح). وحدثنا فهد، قال: ثنا محمد بن سعيد، قالا: أنا شريك، عن خصيف، عن عكرمة عن ابن عباس، قال:"إنما نهى رسول الله عليه السلام عن الثوب المصمت، وأما السدا والعلم فلا".
حدثنا فهد، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا زهير بن معاوية، عن خصيف. . . .، فذكر بإسناده مثله.
ش: هذه ثلاث طرق حسان جياد:
الأول: عن الحسن بن عبد الله بن منصور البالسي الأنطاكي، عن الهيثم بن جميل البغدادي الحافظ نزيل أنطاكية، عن شريك بن عبد الله النخعي القاضي، عن خصيف بن عبد الرحمن الجزري الأموي مولى عثمان بن عفان، عن عكرمة، عن ابن عباس.
الثاني: عن فهد بن سليمان، عن محمد بن سعيد الأصبهاني، عن شريك بن عبد الله. . . . إلى آخره.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا ابن نفيل، قال: ثنا زهير، قال: ثنا خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:"إنما نهى رسول الله عليه السلام عن الثوب المصمت من الحرير، فأما العلم من الحرير وسَدَا الثوب فلا بأس".
الثالث: عن فهد أيضًا، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري، عن زهير. . إلى آخره.
قوله: "المصمت" بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح الميم الثانية وفي آخره تاء مثناة من فوق، وهو الذي جميعه حرير، لا يخالطه قطن فيه ولا غيره.
(1)"سنن أبي داود"(4/ 49 رقم 4055).
قوله: "وأما السَّدَا" بفتح السين مقصور، ويقال: ستى بالتاء المثناة من فوق، لغتان بمعنى واحد، وهو خلاف اللُّحَمَة.
ص: ففي هذه الآثار إباحة لبس الثوب من غير الحرير، إذا كان فيه الحرير مثل العلم، أو كانت لحمته غير حرير، إذا كان سداه حريرًا.
ش: أراد بهذه الآثار: أحاديث عائشة وأسماء وابن عباس رضي الله عنهم التي تدل على إباحة لبس الثوب القطن أو الكتان إذا كان فيه العلم من الحرير، وعلى إباحة لبس الثوب الذي سداه حرير ولحمته غزل أو قطن أو نحوهما.
ص: ومما دل على صحة ما قالوا من ذلك ما قد روي عن أصحاب رسول الله عليه السلام في لبسهم الخز.
حدثنا فهد، قال: نا أبو نعيم، قال: ثنا إسماعيل بن المهاجر، قال: سمعت أبي يذكر عن الشعبي، قال:"رأيت على الحسين بن علي رضي الله عنهما جبة خز".
حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث، قال:"رأيت على الحسين بن علي رضي الله عنهما مطرف خَزٍّ".
حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا بكر بن مضر، عن عمر بن الحارث، عن بكير بن عبد الله، أن بسر بن سعيد حدثه:"أنه رأى على سعد بن أبي وقاص جبة شامية قيامها قزٌّ، قال بسر: ورأيت على زيد بن ثابت خمائص معلمة".
حدثنا علي، قال: ثنا يحيى بن معين، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا عبد الله ابن عمر، عن وهب بن كيسان، قال:"رأيت سعد بن أبي وقاص وأبا هريرة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك رضي الله عنهم يلبسون الخزَّ".
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها:"أنها كست عبد الله بن الزبير مطرف خزٍّ، كانت عائشة تلسبه".
حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا يحيى بن حسان، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم، قال:"قدمت على مروان بن الحكم مطارف خز، فكساها ناسًا من أصحاب رسول الله عليه السلام، فكأني أنظر إلى أبي هريرة وعليه منها مِطْرَفٌ أَغْبَرُ، كأني أنظر إليه وإلى طرائف إبريسم فيه".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا صالح بن حاتم بن وردان، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: حدثني عبد الله بن عون، قال:"رأيت على أنس بن مالك جبة خز ومطرف خز وعمامة خز".
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا مهدي بن ميمون، عن شعيب بن الحبحاب، قال:"رأيت على أنس بن مالك جبة خز ومطرف خز، قال: وبرنس خز".
حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا شعبة، عن محمد بن زياد:"أنه رأى على أبي هريرة مطرف خز".
ش: أي ومن الذي دلَّ على صحة ما قاله أهل المقالة الثانية: ما قد روي عن الصحابة من لبسهم الخزَّ، والخز: ثياب تنسج من صوف وإبريسم.
فإن قيل: قد نهى رسول الله عليه السلام عن ركوب الخز والجلوس عليه.
قلت: الخزُّ المعروف أولًا ما ذكرناه، وهي مباحة قد لبسها الصحابة والتابعون، فيكون النهي عنها لأجل التشبه بالعجم، وزي المترفين، وإن أريد بالخز النوع الآخر، وهو المعروف الآن، فهو حرام؛ لأنه جميعه معمول من الإبريسم، وعليه يحمل الحديث الآخر:"قوم يستحلون الخز والحرير"(1).
(1) رواه أبو داود في سننه (4/ 46 رقم 4039) من حديث أبي مالك أو أبي عامر الأشعري، وقال أبو داود بعده: وعشرون نفسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أكثر لبسوا الخز، منهم أنس والبراء بن عازب. والحديث عند البخاري بلفظ آخر، وهو حديث المعازف المشهور.
وأخرج في ذلك عن ثمانية أنفس من الصحابة وهم: الحسين بن علي، وسعد بن أبي وقاص، وزيد بن ثابت، وأبو هريرة، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعبد الله بن الزبير، وعائشة.
أما عن الحسين بن علي: فأخرجه من طريقين:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري، عن إسماعيل بن إبراهيم البجلي الكوفي فيه مقال، عن أبيه إبراهيم بن المهاجر البجلي الكوفي، عن عامر الشعبي.
الثاني: عن علي بن شيبة بن الصلت، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن يونس ابن أبي إسحاق، عن العيزار بن حُريث العبدي الكوفي.
وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث قال:"رأيت الحسين بن علي وعليه كساء خز، وكان يخضب بالحناء والكتم".
قوله: "مُطْرف" بضم الميم وفتحها (2) وسكون الطاء وفتح الراء: الثوب الذي في طرفيه علمان، والميم زائدة.
وأما عن سعد بن أبي وقاص وفي أثره أبو هريرة وجابر وزيد بن ثابت وأنس أيضًا؛ فأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن علي بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن صالح شيخ البخاري. . إلى آخره.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 149 رقم 24624).
(2)
وكذا فيها الكسر، كما في "النهاية" (3/ 121): بكسر الميم وفتحها وضمها، واقتصر الجوهري في الصحاح (1/ 164) على الضم والكسر.
وبُسْر -بضم الباء الموحدة، وسكون السين المهملة- بن سعيد المدني العابد، روى له الجماعة.
الثاني: عن علي بن شيبة، عن يحيى بن معين الحجة، عن وهب بن جرير، عن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أخي عبيد الله بن عمر، روى له مسلم -مقرونًا بغيره- والأربعة، وعن أحمد: ليس به بأس.
قوله: "قز" بالقاف وتشديد الزاي، قال الجوهري:"القز" من الإبريسم معرب.
قلت: القزُّ: الحرير النيّ.
و"الخمائص" جمع خميصه، وهي كساء أسود مربع له علمان، وإن لم يكن معلمًا فليس بخميصة.
وأما عن عائشة وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم؛ فأخرجه من طريق صحيح:
عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب. . إلى آخره.
وأخرجه مالك في "موطإه"(1).
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة:"أنه كان لها كساء خزٍّ، فكسته ابن الزبير".
وأما عن أبي هريرة أيضًا؛ فأخرجه من طريقين:
الأول: بإسناد صحيح: عن سليمان بن شعيب، عن يحيى بن حسان. . إلى آخره. وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" (3): ثنا أبو داود الطيالسي، عن عمران القطان، قال: أخبرني عمار قال: "رأيت على أبي قتادة مطرف خزٍّ، ورأيت على أبي هريرة مطرف خز، ورأيت على ابن عباس مالا أحصي".
والثاني: أيضًا بإسناد صحيح: عن علي بن شيبة. . . . إلى آخره.
(1)"موطأ مالك"(2/ 912 رقم 1624).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 149 رقم 24628).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 150 رقم 24631).
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرني شعبة، عن محمَّد بن زياد قال:"رأيت على أبي هريرة مطرف خزٍّ قد ثناه".
وأما عن أنس؛ فأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن صالح بن حاتم بن وردان البصري شيخ مسلم، عن يزيد بن زريع، عن عبد الله بن عون المزني.
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): عن إسماعيل بن علية، عن يحيى بن أبي إسحاق، قال:"رأيت على أنس بن مالك مطرف خز، ورأيت على القاسم مطرف خز، ورأيت على عبيد الله بن عبد الله خزًّا".
الثاني: عن محمد بن خزيمة، عن حجاج بن منهال، عن مهدي بن ميمون الأزدي المعولي البصري، عن شعيب بن الحبحاب المعولي البصري.
قوله: "وبرنس خز" البرنس كل ثوب رأسه منه ملتزق به من ذراعه، أو جبة، أو ممطر أو غيره.
قال الجوهري: هو القلنسوة طويلة، كان النُّسَّاك يلبسونها في صدر الإِسلام، وهو من البرس، وهو القطن، والنون زائدة، وقيل: إنه غير عربي.
ص: فهؤلاء أصحاب رسول الله عليه السلام قد كانوا يلبسون الخز وقيامُهُ حرير.
ش: أراد بهؤلاء: الصحابة المذكورين، فإنهم كانوا يلبسون مطارف خز وبرانس خز، وكان قيامها حرير.
ص: فكان من الحجة الأخرى على أهل هذه المقالة، أن الخز يومئذ لم يكن فيه حرير.
فيقال لهم: وما دليلكم على ما ذكرتم، وقد ذكرنا في بعض هذه الآثار أن جبة سعد كان قيامها قز، وروينا عنه في كتابنا هذا في غير هذا الباب: أنه دخل على ابن عامر
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 151 رقم 24640).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(5/ 149 رقم 24623).
وعليه جبة شطرها خز وشطرها حرير، فكلمه ابن عامر في ذلك، فقال: إنما يلي جلدي منه الخز، فدل ذلك أن خزهم كان كخزِّ الناس من بعدهم فيه حرير وفيه خز.
ففي ثبوت ذلك ثبوت ما ذهب إليه من أباح لبس الثوب من غير الحرير المعلم ولبس الثوب الذي قيامه حرير وظاهره غيره.
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: هذا اعتراض من أهل المقالة الأولى وهم الذين ذهبوا إلى أن النهي عن لبس الحرير وقع على قليله وكثيره، على ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية الذين ذهبوا إلى إباحة لبس ما كانت لحمته غير حرير، مستدلين بلبس الصحابة أكسية ومطارف من خز.
وجه الاعتراض أن يقال: استدلالهم بهذا غير صحيح؛ وذلك لأن الخز يومئذ لم يكن فيه حرير، فلا يدل على صحة ما قالوه.
فأجاب عنه بقوله: "فيقال لهم" أي لهؤلاء الآخرين المعترضين، وما دليلكم على ما ذكرتم؟. . . . إلى آخره، وهو ظاهر.
قوله: "في غير هذا الباب" أراد به باب: لبس الحرير المتقدم على هذا الباب، وقد حققنا الكلام فيه هناك.