الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ممم زيادة ممم
الإهداء
إلى أصحاب الفضيلة أساتذة كلية الحديث الزملاء من الرعيل الأول الذين سعدت بمشاركتهم في بناء كلية الحديث هذا الصحرح العلمي المنير في الجامعة الأسلامية المباركة، وإلى من تلاهم من الزملاء والأبناء الذين سعدت بخدمتهم إدارة وتعليما، أحببتهم ولا زلت على ذلك، ملتمسا منهم العفو والدعاء، وليتقبلوا مني هذا الإهداء لأنهم أهل الحديث:
أهل الحديث هم الخيار من الأمم
…
الذائدون عن العقيدة والشيم
وهم الراواة لسنة نبوية
…
ينفون عنها كل قول متهم
قد زاد حبي للحديث وأهله
…
فهم الأحبة لا عدمت وجودهم
أهل الحديث هم الذين تملكوا
…
ودي فكري ليس يبرح عندهم
أنصار دين الله حين بدا الجفا
…
واسْوَدَّ أفق بالجهالة وادلهم
يجلون للأبصار كل حقيقة
…
جاءت على سنن الصراط المنتطم
لهم الثبات على العقيدة والهدى
…
ليست لهم أطوار فكرة أو تهم
تأبى النفوس الشم كل دنية
…
إذ نحوها الرعديد يسعى في نهم
صلى الإله على ندى أرواحهم
…
فلربهم نذروا الحياة وموتهم
وأقر أعينهم بصحبة أحمد
…
في جنة المأوى بها كل النعم
المقدمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، هذا أحلى ما تنطق به الأسن، وتُدونه الأقلام، وتُشنّف به الأسماع، فالحمد الله على نعمه المتواترة، والشكر الدائم له عز وجل على آلائه وفضائلة، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد المخصوص بالكرامة، وعلى آله، ومن صحبه في السفر والإقامة، والتابعين له بإحسان، ومن تبعهم إلى يوم القيامة، صلوات ربي عليهم أجمعين عدد ما حنّ غريب إلى وطنه، وغرّد عندليب على فننه، وأُدرج راحل في كفنه.
وبعد: فإن خير ما به يُشْغِل المرء نفسه عمل صالح، بدءًا من المحافظة على ما فرض الله عليه، وانتهاءًا بالأعمال الصالحة، ومن أجلِّها الانقطاع إلى البحث والنظر، وقد صدق أبو هريرة رضي الله عنه حين قال:"باب من العلم نتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوعا، وباب نعلمه عملنا به أو لم نعمل به أحب إلينا من مائة ركعة تطوعا" وقال هو وأبو ذر رضي الله عنهما: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا جاء طالبَ العلم الموتُ وهو على هذه الحال مات وهو شهيد» (1)، وأجاد المتنبي رحمه الله حين قال:
أعز مكان في الدنيا سرج سابح
…
وخير جليس في الزمان كتاب
وقد أصاب عين الحقيقة، فلا صديق أخلص من الكتاب، يُكْتَسَبُ منه خير كثير في كل الأبواب، أما البشر فالكثيرون منهم لا تجود صداقتهم إلا في اللهو والعبث، وكم شكا الأئمة الفضلاء من عدم وفاء الكثيرين من أصدقاء مقتبل العمر، وكم ندموا وتحسروا على ضياع أثمن الأوقات معهم؛ زهرة الشباب خرجوا منها بعد فوات الأوان نادمين، التزام منهج أهل الفضل والصلاح في نقد الأصدقاء وتمحيص من زعم أنه الوفي منهم، وكم نظم الأدباء والعلماء في ذلك، وصدق أبو العتاهية رحمه الله حين كتب إلى بعض إخوانه يحدد له الصديق الحق قال:
(1) تاريخ دمشق 67/ 367.
صديقي من يقاسمني همومي
…
ويرمي بالعداوة من رماني
ويحفظني إذا ما غبت عنه
…
وأرجوه لنائبة الزمان (1).
نعم هذا هو الصديق، ومن لك به في هذا العصر الذي أصبح فيه وزن الرجل ما يملك من مال، ولو كان أجهل من حمار أهله، وقد قال بعضهم نثرا: صديقي من يَصْدُقني، وتصفو نيته لي، ويريد الخير بي، لا من تسره مساءتي، وتعجبه شقاوتي، وإذا رأيت البؤس من أحبابي فأرجو الرضى من أعدائي، وإذا كان الداء من جهة الدواء تراخت أسباب الشفاء، وإلى أخيه يفزع الإنسان، وبالماء يَستظهِر الغصان، فاذا شرق بالماء فبم يستغيث، وإذا أتي المرء من أخيه فبمن يستعين" (2).
قلت: يستعين بالله، ثم بما أرشد إليه إليه المتنبي رحمه الله، وخير الكتب كتاب الله عز وجل، ونعم العوض من أصدقاء اللهو والخوض والتنابز كتاب الله عز وجل، وقد قلّ الوفاء من القريب فضلا عن البعيد، فكان ذلك خيرا لي، توجهت إلى النظر في بعض ما سطره العلماء، الذين لم يكن همهم الخوض مع الخائضين، ولا التلذذ بالألفاظ المضحكة، ولا ضياع الوقت في الملاعب الملهية عن ذكر الله عز وجل، فاستغنيت عن ماض ندمت على ضياع كثير من وقتي فيه، والحمد لله الذي هداني لهذا وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله عز وجل، وكان مما نظرت فيه كتاب معجم البلدان للإمام العلامة ياقوت الحموي رحمه الله، إنه موسوعة جمع فيه كثيرا من العلوم، يستطيع الناظر فيه استخلاص العدد الوافر من الكتب، فرأيت معايشة هذا الكتاب العظيم، واستخلاص ما ورد فيه من نسبة ومنسوب، بتصرف مني، ولم ألتزم ذكر جميع من نسب، ولا الغالب منهم، بل أكتفي بمن ذكرهم ياقوت رحمه الله، وقد لا يذكر إلا الفرد والفردين أحيانا، وكذلك لم ألتزم ذكر جميع المواضع المشتركة في اسم واحد، وهي في عدة أمصار، بل أذكر الموضع الذي تمت النسبة إليه، وليعلم أن تسمية المدن والقرى والقلاع والأودية وأوصافها هي مذكورة بما كان في عهد ياقوت رحمه الله، ومن سبقه من المؤرخين واصفي البلدان، وذلك من القرن
(1) بغية الطلب في تاريخ حلب 4/ 1789.
(2)
رسائل الثعالبي 1/ 26.
السادس وما سبقه، وقد تغيرت أسماؤها وتغيرت أحوالها وأوصافها، ومنها ما آل إلى الخراب بسبب ما لحقها من الحروب، وما ابتعلته المدن بتحولها من قرى مجاورة للمدن إلى أحياء في المدن، وقد رتبت النِّسب على حروف المعجم من الألف إلى الياء، وكل حرف ترتب المعلومات الواردة فيه على حروف المعجم أيضا، هكذا: حرف الألف مع الألف، ومع الباء، وهلم جرا إلى الياء، قاصدا بهذا العمل إفادة الغير، ليُعلم كيف صنع الفاتحون رجالا في تلك المدن والقرى التي أوصلوا إليها نور الإسلام، أو اختطوها وبنوا فيها المدن والقرى والحصون، فأناروا القلوب والعقول بدراسة العلوم وتدريسها، وتداولوها قرونا عديدة، ونحن اليوم نعيش في القرن الخامس عشر من هجرة سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم نعيش مع أولئك الجهابذة الأخيار حياتهم العلمية لحظة بلحظة، وكأننا نزاحمهم على المقاعد، وإن كان طواهم الزمن، وطوى الكثير من آثارهم وممالكهم، ومدنهم وقراهم، ومدارسهم التي قد لا يكون بقي منها إلا الاسم دون الرسم، وزالت إما بالخراب، وإما بابتلاع المدن لها حتى أصبحت من أحيائها ومحلاتها، أو بتغير أسمائها، فلم يبق منها إلا ما سطره الجهابذة من صفاتها وأحوالها، وحدودها، وتواريخها، وما مَثلي مع أولئك العلماء العظماء إلا كما قال الأديب غانم بن الوليد المخزومي:
ومن عجب أني أحنّ إليهم
…
وأسأل عنهم من لقيت وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها
…
ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي.
وكل ما سنقف عليه من النسبة والمنسوب، يتكون من أسماء مدن وقرى وقلاع، وحصون وسكك فتحها الرعيل الأول من المسلمين، أو أنشؤوها واسكنوها الجنود الفاتحين، وساد فيها الإسلام وأهله قرونا حتى نزلت بهم الفواجع ومنها فاجعة التتر، فقد جرى في سنة (617) وسنة (618) من التتر الواردين من أرض الصين ما لو استمرّوا في زحفهم لملكوا الدنيا كلها في أعوام يسيرة، فإنهم ساروا من أوائل أرض الصين إلى أن خرجوا من باب الأبواب، وقد ملكوا وخرّبوا من البلاد الإسلامية ما يقارب نصفها، لأنهم ملكوا ما وراء النهر، وخراسان، وخوارزم، وبلاد سجستان، ونواحي غزنة، وقطعة من السند، وقومس، وأرض
الجبل بأسره غير أصبهان وطبرستان وأذربيجان وأرّان وبعض أرمينية وخرجوا من الدربند، كلّ ذلك في أقل من عامين.
وقتلوا أهل كل مدينة ملكوها، ثم خذلهم الله وردهم من حيث جاءوا، ثم إنّهم بعد خروجهم من الدربند ملكوا بلاد الخزر، واللان، وروس، وسقسين، ومن ذلك الوقت المرير وقوة المسلمين تنحسر في تلك الأنحاء، وفي العالم كله (1)، ومن أبرز أسباب ضعف المسلمين، وخراب ما ملك آباؤهم وما شيدوا من المدن والقرى انغماس الولاة والقواد والمترفين في الشهوات، من النساء والشراب، والقناطير المقنطرة من الأصفر والأبيض، وكل ما هو ثمين، وقلّ العدل وانتشر الظلم، وكثرت الملل والنحل التي انتشرت بأسبابٍ سياسية وعرقية وعصبية، وأفكار بدعية يزعمون أنها من طلب الدين، بل زعم البعض أنها الدين كله، ولا حظ في الدين لمن لا يعتقدها، ويدعو إليها ويجاهد لنشرها، كما هو الحال فيما تقوم به الرافضة اليوم، وهو امتداد لأصولها من أيام معاوية رضي الله عنه، وقد خرب بسبب العصبية بين الرافضة وأتباع المذاهب الأربعة كثير من المدن والقرى المملوكة بالفتح الإسلامي، وكانت أسبابا لخرابها أو استعادتها من المسلمين، كما هو الحال في الري وغيرها كثير (2)، قال ياقوت رحمه الله عن الري: كانت مدينة عظيمة خرب أكثرها، واتفق أنّني اجتزت في خرابها في سنة (617) وأنا منهزم من التتر فرأيت حيطان خرابها قائمة ومنابرها باقية وتزاويق الحيطان بحالها لقرب عهدها بالخراب إلّا أنّها خاوية على عروشها، فسألت رجلا من عقلائها عن السبب في ذلك فقال: أمّا السبب فضعيف ولكن الله إذا أراد أمرا بلغه، كان أهل المدينة ثلاث طوائف: شافعية وهم الأقل، وحنفية وهم الأكثر، وشيعة وهم السواد الأعظم، لأن أهل البلد كان نصفهم شيعة وأما أهل الرستاق (3)
فليس فيهم إلّا شيعة وقليل من الحنفيين ولم يكن فيهم من الشافعيّة أحد، فوقعت العصبيّة بين السنّة والشيعة فتضافر عليهم الحنفية والشافعيّة وتطاولت بينهم الحروب حتى لم يتركوا من
(1) معجم البلدان 1/ 182.
(2)
معجم البلدان 3/ 117.
(3)
تقدم بيانها عند النسبة (12) ..
الشيعة من يعرف، فلمّا أفنوهم وقعت العصبيّة بين الحنفية والشافعيّة ووقعت بينهم حروب كان الظفر في جميعها للشافعيّة هذا مع قلّة عدد الشافعيّة إلّا أن الله نصرهم عليهم، وكان أهل الرستاق، وهم حنفية، يجيئون إلى البلد بالسلاح الشاك ويساعدون أهل نحلتهم فلم يغنهم ذلك شيئا حتى أفنوهم، فهذه المحالّ الخراب التي ترى هي محالّ الشيعة والحنفية، وبقيت هذه المحلة المعروفة بالشافعية وهي أصغر محالّ الرّيّ، ولم يبق من الشيعة والحنفية إلّا من يخفي مذهبه، ووجدت دورهم كلها مبنية تحت الأرض، ودروبهم التي يسلك بها إلى دورهم على غاية الظلمة وصعوبة المسلك، فعلوا ذلك لكثرة ما يطرقهم من العساكر بالغارات، ولولا ذلك لما بقي فيها أحد.
قلت: وهذا الصراع حتى لو كان سياسيا سببه عدم فهم الإسلام الصحيح، ولاسيما لدى الرافضة، فإنهم مثار كل فتنة بين المسلمين، بسبب ما يدّعون من محبة آل البيت، وولايتهم عليهم السلام، وكفّروا الصحابة رضي الله عنهم، وكل من لا يقول بوَلاية علي وذريته رضي الله عنهم، لأن الوَلاية عند الرافضة ركن في الإيمان، وقالوا بوجوب قتل من لا يقول بها، واستباحة دمه وماله وعرضه، لذلك ترى تظافر أتباع الأئمة الأربعة ضدهم، إلا من خالفهم في الاعتقاد وغالى في التشيع، فإنه يوالي الرافضة، كما حدث من بعض الحنفية إذ وقفوا مع الرافضة ضد الشافعية أهل السنة، ولو التزم مراجع الرافضة منهج آل البيت عليهم السلام في فهم الإسلام الصحيح، واقتصروا على أحقية علي رضي الله عنه بالخلافة، من غير تكفير للصحابة وسائر الأمة الذين يرون ترتيب الخلفاء الراشدين في الفضل، لو فعلوا ذلك لما انتثر عقد الوحدة الإسلامية، ولكن الرافضة أبو إلا الرفض لغاية يطلبونها طلبا حثيثا وهي استعادة أمجاد الفرس، تحت غطاء الولاية وحب آل البيت وهم برآء من ذلك، براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.
أما ما بقي من أمجاد المسلمين في تلك الديار فشيء قليل، نتعزى به حيث قصرت همم الدول عن المحافظة عليه، فلما ضاع عجز التالون عن استعادة شيء منه، فجزى الله عنا الفاتحين خير الجزاء، والحمد الله الذي أغنانا بذكرهم عن الكثيرين من الأحياء، فإنه مدبر الأمور على مر الأيام والشهور والدهو. المؤلف