الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} 1 فيه أمر بغض البصر، وهو أيضًا نهي عن النظر المحرم.
وكذلك يقال في قاعدة "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"2:
فالأمر بالجهاد أمر بلوازمه، والأمر بالعلم أمر بلوازمه، والأمر بالحج أمر بلوازمه وهكذا.
ولهذا قال المقري في القاعدة 133 من قواعده: "والتحقيق: كل ما لا يتوصل إلى المطلوب إلا به، فهو مطلوب".
والحقيقة أنه كان يكفينا ما قرره الشاطبي مرارًا من أن كل ما هو خادم مكمل للمقصود فهو مقصود، لولا ما أبداه هنا من تحفظ، مراعاة لأبي المعالي وأبي حامد.
1 سورة النور، 30.
2 ولا معنى لما يوضع على هذه القاعدة من قيود مثل أن ما لا يتم الواجب إلا به، إنما يجب إذا كان مقدورًا، لأن القدرة شرط في جميع التكاليف. ومثل تقسيمهم ما لا يتم الواجب إلا به، إلى ما يتوقف عليه الوجوب، وما يتوقف عليه الوجود. وأن الأول لا يجب، كدخول الوقت للصلاة، اكتمال النصاب والحول للزكاة، والمال للحج. فهذا خروج عن موضوع القاعدة. لأن موضوعها ما قد صار واجبًا. وبالنسبة لمن وجب عليه، لا ما يمكن أن يصير واجبا.
4-
سكوت الشارع:
ومعلوم أن الشارع قد يسكت عن أمور، وعن أحكام، لعدم توفر أسبابها ونوازلها، وهو ما فتح لأجله باب الاجتهاد والقياس، فهذا ليس هو المقصود هنا.
وإنما المقصود هنا: سكوت الشارع عن إعطاء حكم، أو وضع تشريع، مع أن "موجبه المقتضي قائم، فلم يقرر فيه حكم، عند نزول النازلة، زائد على ما كان في ذلك الزمان، فهذا الضرب، السكوت فيه كالنص على أن قصد الشارع أن لا
يزاد فيه ولا ينقص، لأنه لما كان هذا المعنى الموجب لشرع الحكم العملي موجودًا، ثم لم يشرع الحكم دلالة عليه، كان ذلك صريحًا في أن الزائد على ما كان هنالك بدعة زائدة، ومخالفة لما قصده الشارع، إذا فهم من قصده: الوقوف عندما حد هنالك، لا الزيادة عليه ولا النقصان منه1.
وواضح أن هذا المسلك من مسالك معرفة المقاصد، يتعلق -بصفة خاصة-بمجال العبادات. وبصفة أخص بمجال الابتداع في الدين وعباداته. حيث إنه بتنصيصه على هذه القاعدة، إنما يريد ضرب البدع، وإغلاق الباب أمام زحفها على العبادات وحدودها وسننها.
وقد اتكأ على هذه القاعدة، وهو يتصدى للبدع وللمبتدعة في كتابه "الاعتصام"، وذلك عند رده المطول على شيخه أبي سعيد بن لب2، حيث أعاد هناك3 ما قاله في "الموافقات" بنصه تقريبًا.
وواضح أيضًا، أن هذا المسلك أضيق مجالًا، بالنسبة للمسالك الأخرى، ولهذا فهو أقلها أهمية. ومن هنا أهمله الشيخ ابن عاشور، فلم يقل به، بل لم يذكره حتى عندما لخص كلام الشاطبي في طرق معرفة المقاصد. وهذا نص تلخيصه أورده -لوجازته- "إن مقصد الشارع يعرف من جهات: إحداها: مجرد الأمر والنهي الابتدائي التصريحي، فإن الأمر كان أمرًا لاقتضائه الفعل. فوقوع الفعل عنده مقصود للشارع. وكذلك النهي في اقتضاء الكف. الثانية: اعتبار علل الأمر والنهي، كالنكاح لمصلحة التناسل. والبيع لمصلحة الانتفاع بالمبيع، الثالثة: أن للشارع في شرع الأحكام مقاصد أصلية ومقاصد تابعة. فمنها منصوص عليه. ومنها مشار إليه، ومنها ما استقري من المنصوص فاستدللنا بذلك على أن كل ما لم ينص عليه مما ذلك شأنه هو مقصود للشارع انتهى حاصل كلامه"4.
1 الموافقات، 2/ 410.
2 راجع الفصل الأول من الباب الثاني.
3 الاعتصام، 2/ 360 وما بعدها.
4 مقاصد الشريعة الإسلامية، 19.