الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: المقاصد والاجتهاد
مدخل
…
الفصل الثاني: المقاصد والاجتهاد
تقدمت إشارات وتوضيحات فيما يخص أهمية نظرية المقاصد عند الشاطبي: سواء أثناء عرض النظرية، أو أثناء بيان امتداداتها وأبعادها في مختلف المباحث الأصولية، أو من خلال مناقشة قضاياها الأساسية، أو من خلال إبراز جوانب التجديد فيها.
غير أننا الآن بصدد أهم ما في نظرية المقاصد، وهي الغاية القصوى لها، والفائدة الكبرى منها وأعني بذلك أثرها في فهم الشريعة والاجتهاد في أحجامها، والاهتداء بهديها، والسير في ضوء مقاصدها.
وههنا فإن "الشاطبي النجم"1 فلقد فتح الباب واسعًا لأهل الشريعة وفقهها، للتطلع إلى أسرارها وحكمها، ومهد لهم طريق التعامل مع مقاصدها وكلياتها، جنبًا إلى جنب مع نصوصها وجزئياتها، فأعطي بذلك للفقه الإسلامي، وللفكر الإسلامي مصدر انبعاث وتجدد، كان قد افتقده إلى حد كبير.
وقد تحدث أحد المشتغلين بهذا المجال -وهو الشيخ مصطفى الزرقاء- تحدث عن الدور الكبير الذي أصبح الشاطبي يؤديه اليوم لعلماء الشريعة وطلابها، فقال:
"ومنذ أن نشر كتابه "الاعتصام" في البدع، وكتابه الآخر: "الموافقات في أصول الشريعة"2، وكانا من الكنوز الدفينة، أخذ اسم الشاطبي يدور على ألسنة.
1 على غرار قول الإمام الشافعي في شيخه الإمام مالك: "إذا ذكر العلماء فمالك النجم"، ترتيب المدارك، 1/ 149.
2 سبق التنبيه على أن الزيادة في اسم كتاب الموافقات أمر شاع اليوم، ولم أجد له أصلًا، لا عند المؤلف، ولا عند من يذكرونه من السابقين.
العلماء والفقهاء، وأصبح الكتابان -ولا سيما الموافقات- من ركائز التراث الأساسية التي يلجأ إليها أساتذة الشريعة وطلابها المتقدمون، تفهمًا في دراساتهم، وعزوًا وتوثيقًا لأفهامهم فيما يكتبون. ولمع نجم الشاطبي منذئذ بالمشرق في هذا الأفق العلمي، ثم أخذ يزداد سطوعًا حتى أصبح يستضاء في بحوث أصول الشريعة ومقاصدها، وتوضح به الحجة، وتقام بما فيه المحجة1.
وتذكرني الكلمات الأخيرة للشيخ الزرقاء، بكلمات أخرى للشاطبي، ومن غريب الأقدار أنها -فيما يظهر- هي آخر ما كتبه رحمه الله، وأعني بذلك الكلمات التي وقف عندها -وتوفي بعدها- من كتابه "الاعتصام" وهي:"إذا ثبت أن الحق هو المعتبر دون الرجال، فالحق أيضًا لا يعرف دون وسائطهم، بل بهم يتوصل إليه. وهو الأدلاء على طريقه"2.
وبمقتضى هذه الحقيقة الثابتة في التاريخ البشري عامة، وفي الميدان العلمي خاصة، فقد أصبح الشاطبي حجة من حجج الشريعة وعلمًا من أعلام مقاصدها، ودليلًا من الأدلاء على حكمها وأسرارها. يقول الشيخ محمد الفاضل بن عاشور، عن كتاب الموافقات: "لقد بنى الشاطبي -حقا- بهذا التأليف هرمًا شامخًا للثقافة الإسلامية، استطاع أن يشرف منه على مسالك وطرق لتحقيق خلود الدين وعصمته، قل من اهتدى إليه قبله. فأصبح الخائضون في معاني الشريعة وأسرارها عالة عليه، وظهرت مزية كتابه ظهورًا عجيبًا في قرننا الحاضر والقرن قبله، لما أشكلت على العالم الإسلامي -عند نهضته من كبوته- أوجه الجمع بين أحكام الدين ومستجدات الحياة العصرية، فكان كتاب الموافقات للشاطبي هو المفزع، وإليه المرجع3.
1 من تقدميه لفتاوي الإمام الشاطبي، ص8.
2 هذه آخر كلمات الكتاب. وقد كتب بعدها: "انتهى القدر الذي وجد من هذا التأليف، ولم يكمله المؤلف رحمه الله". ومن هنا ملت إلى اعتقاد أن هذه آخر كلمات كتبها الشاطبي، في مؤلفاته على الأقل.
3 أعلام الفكر الإسلامي، 76 "عن مقدمة الأستاذ أبي الأجفان، لكتاب الإفادات والإنشادات، للشاطبي، ص91