الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
هذا هو الكتاب الخامس الذي وفق الله إلى جمعه مما تركه علي الطنطاوي منثوراً غيرَ منشور من مقالات وأحاديث، بعضها قرأه الناس ذات يوم في مجلة أو صحيفة، ثم طوى المجلةَ أو الصحيفةَ النسيانُ وغابت المقالةُ عن عين كل إنسان، وبعضها سمعه الناس ذات يوم مُذاعاً من دمشق أو من مكة من إذاعة صوت الإسلام، ثم أنسى الناسَ هذه الأحاديثَ بُعْدُ العهدِ وذهب بها كَرُّ الأيام.
وإني لأرجو أن ينفع الله بهذا الكتاب وأن يجعله -بكرمه- من الصدقة الجارية لمؤلفه رحمه الله. ولقد وفق الله فجاء على غير سابق خطة، فقد علمتم (أو علم منكم من قرأ مقدمة الجزء الثاني من «مقالات في كلمات») أن جدّي رحمه الله كانت بين يديه كتب يعتزم نشرها، يجمع فيها مقالات من مقالاته التي نشرها في بعض الصحف والمجلات ثم لم تجد طريقها إلى أيٍّ من كتبه المنشورة، ثم طال به الزمن وضَعُفت الهمّة وتبعثرت المقالات ولم تصدر الكتب.
فلما جئت أجمعها من جديد وجدت مقالات لم يُشِرْ إليها ولم يقترح إدراجها في أي من الكتب التي اعتزم نشرها، ووجدت
أيضاً أوراقاً كثيرة تضم مدوَّنات أو مسوَّدات لأحاديث إذاعية (يوم كان يكتب أحاديثه)، بعضها مجموع وبعضها مفرَّق. فاشتغلت أسابيع في فرز هذه الأوراق وضمّ الأمثال إلى الأمثال، حتى اكتملت بين يديّ مقالاتٌ وأحاديثُ كاملاتٌ أو شبهُ كاملات، ثم أنفقت أسابيع أُخَر في فرز هذه الأحاديث والمقالات، حتى انتهيت أخيراً إلى جمع كتب كاملة هذا أوّلها، وهو واحد من ثلاثة كتب ستصدر تِباعاً واحداً بعد واحد إن شاء الله، وزّعت فيها المقالات الإسلامية. أولها هذا الذي سرقتُ اسمه من برنامج الشيخ الأشهر، والثاني سمّيته «فصول في الدعوة والإصلاح» ، واسمه يدلّ عليه، وسمّيت الثالث «مباحث إسلامية» وجعلت فيه الموضوعات الفقهية والمسائل العلمية التي لا تدخل في باب الدعوة العامة.
* * *
ولسوف يجد القارئ تشابهاً في الأفكار أو في الأمثلة في بعض فصول هذا الكتاب، والعذر أنها مقالات كُتبت أو أحاديث أذيعت في أزمنة متباعدات. بل إن الشيخ نفسه قد أدرك أن كثرة الحديث تضطره إلى تكرار المثال؛ فاعتذر من ذلك فقال في واحدة من مقالات هذا الكتاب:"وأنا أعتذر إلى القراء من ذكر مثل سأسوقه كنت قد ذكرته من قبل، وعذري أن من المعاني ما لا بد من تكراره لتكرر مناسباته، وأنا أكتب من خمس وثلاثين سنة وأخوض في موضوعات كنت خضت فيها من قبل، فآتي بما كان القراء قرؤوا لي مثله".
ولقد ترددت أمام كل مقالة فيها شيء من التكرار في الفكرة أو في المثال: أأحذفها أم أبقيها؟ ثم أبقيتها ما دمت قد وجدت فيها طرحاً جديداً أو عرضاً مفيداً تمتاز به من المقالات الأخريات. على أني استبعدت ما كان أقرب إلى التكرار الكامل، وقد ضحيت -من أجل ذلك- بالكثير.
* * *
وبعد، فبعد شهرين يُتِمّ جدي سبعَ سنين من رحلته إلى عالَم الآخرة، أسأل الله له الرحمة، وأسأله أن يثيبه بهذا الكتاب نوراً في قبره مثل النور الذي أراد أن ينشره بين الناس، حين لبث من عمره سنين وسنين وهو يحدّثهم حديث «النور والهداية» من رائي المملكة، ويجيب عن «مسائلهم» ويحل «مشكلاتهم» من إذاعتها.
وإني لأحسّ وأنا أقدم هذا الكتاب بالخجل من جدّي رحمه الله ومن القرّاء؛ إذ أنظر فأرى ما بقي أمامي مما لم أصنع أكثرَ مما صنعت، والسنواتُ تمضي سِراعاً وأنا أدبّ دبيب السلحفاة، لا أكاد أتم في العام كتاباً أو بعض كتاب. فمتى أنهي الكتب كلها وأضعها بين أيدي الناس؟
فأنا أعتذر من جدّي الذي لم أوفِّه من حقه وفضله عليّ إلا أقل القليل، وأعتذر من القراء الذين صبروا على ضعفي وبطء سَيري، وأعتذر من زوج خالتي، نادر حتاحت، الذي ينشر هذا الكتاب كما نشر سائر كتب الشيخ، فوصل بِرَّه به ميتاً ببِرّه به حياً حين كان له كما يكون الولد للوالد. أعتذر منه وأحمد له صبره
عليّ، فما أكثر ما وعدته بالكتب وما أقل ما وفيت بالوعد! أرجو أن يسامحني الله وأن لا يجعلني في زمرة المنافقين الذين حدّثنا نبيه المعصوم صلى الله عليه وسلم أنهم يَعِدون فيُخلفون!
هذا اعتذاري أضعه بين أيدي القرّاء راجياً أن يقبلوه، أما عذري فأبقيته لنفسي ولم أبسطه لأحد من الناس، وماذا يفيدني أن يعرفه الناس والوقت لا يُهدى ولا يوهَب ولا يُعار ولا يُباع؟
فحسبي أن يدعو لي كل محب بأن يبارك الله لي في وقتي. وإنْ ألهمَ الله قارئاً يقرأ هذه الكلمات فسأل الله مخلصاً أن ييسّر لي إنجاز ما بقي وأن يطويَ بين يديّ صفحات الكتب الآتيات، فعسى أن يجعله الله شريكاً في الأجر، وأن لا يحرمني منه، والله أكرم الأكرمين.
مجاهد مأمون ديرانية
جدة: ربيع الأول 1427