المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌يا شباب الإسلام

‌يا شباب الإسلام

حديث أذيع سنة 1972

رأيت مرّةً في الترام في الشام رأسَ راكب من وراء الحاجز، تأملته فما عرفت أهو لرجل أو امرأة، ثم تكلم فإذا هو شاب، مصقول الوجه حليق الشعر، يلبس قميصاً فيه ألوان زاهية مما يلبس النساء.

وكان يقف متثنّياً متخلّعاً يكاد ينهدم، كأنه خُلِق بلا عظام أو كأن عظامه من شُكلاطة. وإذا بامرأة كهلة شديدة تزاحم لتمرّ، فدفعته في صدره فهوى. فرجعَت ووقفت تتأمله كما يتأمل زائرُ الحديقة حيواناً غريباً، ثم وضعت يدها في خصرها وقالت: يوه! وقعت؟ تعوا شوفوا شباب آخر زمان! فزُلزل الترام من الضحك.

هذا النمط من الشباب موجود في كثير من البلاد المسلمة. لا أقول إن الشبان عندنا كلهم من هذا النمط، ولا نصفهم ولا ربعهم ولا عشرهم، ولكنْ عندنا من هذا النمط عددٌ إذا كان اليومَ قليلاً فإنه يُخشى أن يكثر؛ لأن المرض يُعدي والفسادَ يغلب الصلاح. مريضٌ واحد يعدي عشرةَ أصحّاء، وبرتقالةٌ واحدة فاسدة في الصندوق تفسد برتقالَ الصندوق.

ص: 243

ومن يوم ظهر هذا النمط من الشبّان بدأنا نفقد بعض سلائق النّضال وإرث البطولة؛ فإياكم -يا شباب الإسلام- أن يكون فيكم مثل هؤلاء.

إننا نريد شباناً أقوياء الأجسام، قاماتهم مشدودة وعضلاتهم بارزة، يمشون مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يمشي كأنّما يَنْحَطّ عن صبَب؛ أي مِشيةَ مَن ينزل إلى الطريق الهابط من الجبل، مرفوعَ الرأس منتصبَ الظهر.

لا نريد مَن يمشي متخاذلاً، رأسه بين كتفيه وظهره منحنٍ وبطنه بارز ورجلاه ملتويتان، فلقد كان عمر إذا رأى مَن هذا شأنه ضربه بالدِّرّة وقال له: انتصب لا تُمِتْ علينا دينَنا.

نريد شباناً أقوياء في الجسد، أقوياء في اللسان، أقوياء الجنان، يقحمون الأهوال في سبيل الحق، قد تمرّسوا بالصعاب وأَلِفوا الجهاد. فلقد ولى زماننا نحن الكهول ومضت أيامنا، وعملنا ما استطعنا فأصبنا وأخطأنا، وهذا زمان الشباب.

* * *

فيا أيها الشبان، لقد فسد الزمان وتزعزع الإيمان، وضلّت قافلة البشرية في بَيداء الفِتَن والشهوات والإلحاد والفساد، وعمّ الكونَ ليلٌ أسود مظلم، ولا يهدي القافلةَ الضالّةَ ولا يحمل المنارَ الهادي في هذا الليل المُدلَهِمّ إلا أنتم، أنتم يا شباب المسلمين. لا أعني شاب الترام الذي لم أعرف أرجل هو أم امرأة، بل الشباب الذين امتلأت بالإيمان قلوبهم، وسارت على نهج الإسلام أعمالهم، وتحققت معاني الرجولة والقوة فيهم.

ص: 244

فأعدّوا أنفسكم يا شبابُ لحمل هذه الأعباء. قَوّوا أنفسكم وأجسادكم، فلا جمال للرجل إلا بالقوة. وروضوا ألسنتكم وأقلامكم على البيان، فلا تنجح دعوة لا تَمُدّها الألسنة والأقلام. وتعلموا حقائق الإسلام لتدعوا إليه على هدى وبصيرة، فإن الجاهل إذا دعا أخطأ وهو يريد الصواب. وصحّحوا نياتكم، وكونوا مع الله بقلوبكم، فإن من كان مع الله كان الله معه، ومن كان الله معه لا تغلبه جبابرة الأرض.

يا شباب، خذوا الأمثلة من شباب الصحابة، من الذين كانوا يتزاحمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبلهم جنوداً في الجيش الذي يمشي إلى المعركة، وكان أحدهم يتطاول ويقف على رؤوس أصابعه ليجيزه رسول الله. هؤلاء الشباب الذين تخرجوا من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، فضربوا للناس في البطولات أروع الأمثال. لقد مشى محمد بن القاسم، ابن الطائف، من العراق إلى أقصى المشرق في فتح الهند وهو في سن السابعة عشرة، بسنّ تلميذ في السنة الثانوية الأولى!

كونوا مثل أولئك الذين صُبَّت عضلاتهم صَبّ الفولاذ، واشتملت صدورهم على قلوب فيها النور، وكانت مطامحهم أوسعَ من الدنيا لأنها لم تقنع بها، وإنما رمت إلى الجنة التي عرضها السماوات والأرض.

هؤلاء، لا مثل شاب الترام الذي خُلقت عظامه من الشكلاطة أو الذي خُلق بلا عظام!

* * *

ص: 245