المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌التجارة الرابحة حديث أذيع من مكة سنة 1968   هذا الحديث دعاية تجارية - نور وهداية

[علي الطنطاوي]

الفصل: ‌ ‌التجارة الرابحة حديث أذيع من مكة سنة 1968   هذا الحديث دعاية تجارية

‌التجارة الرابحة

حديث أذيع من مكة سنة 1968

هذا الحديث دعاية تجارية مجانية أذيعها لمصلحتكم أنتم. لو أُسِّسَت شركة جديدة حكم الخبراء أنها رابحة مئة بالمئة وطُرحت أسهمها في الأسواق لمدة محدودة، هل يتأخر مَن معه مال بشرائها أم يسرع إليها ويسابق عليها؟

إن أمامكم أسهماً معروضة بالبيع، إذا اشتريتم السهم منها بمئة ريال يصير بعد قليل بسبعين ألف ريال، وربما ارتفعت الأسعار فزاد ثمنها على ذلك أضعافاً، والمدة ثلاثة أيام فلا تتأخروا عن الشراء.

والأرباح مضمونة مؤمَّن عليها، والذي يضمنها ليس شركة تأمين وليس المصرف ولا الحكومة، ولكنْ ربّ العالمين. إي والله يا أيها الإخوان والأخوات، وهذا هو الموسم فلا تضيّعوه. وإذا كان في الزراعة موسم للبِذار وفي التجارة موسم للاستيراد وفي السنة المدرسية موسم للاستعداد للامتحان، ففي سوق الصدقات موسم تزيد فيه الأرباح، وهو هذه الأيام من رمضان، فاغتنموها.

ولست أقصد بهذا الكلام الأغنياء الذين يملكون الملايين

ص: 51

وحدهم، بل أقصد السامعين جميعاً. وإذا كان معك ثلاثة آلاف ريال فأنت غني بالنسبة لمن معه خمسمئة وعنده خمسة أولاد لا يعرف كيف يسدّد بها نفقاتهم في العيد، فلو أعطيته مئة لفرح بها. وهو غني بالنسبة لمن معه مئة فقط وله خمسة أولاد مثله، فلو أعطاه عشرين لفرح بها.

وإذا كان عندك ثوب لا يزال صالحاً وكنت تقدر على شراء غيره، فأعطِه لمن يفرح به ويجده ثوب العيد واشترِ غيره، تلبس جديداً وتكسب الثواب. وإذا فتشت عن بيّاع للقماش صالح قليل المورد وقصدت بشرائك منه مساعدته، وبحثت عن خيّاط صالح قليل الزبائن وقصدت معونته، كان لك بهذا وبذاك صدقة.

وابدأ في الصدقة بأقربائك، فإن إعطاءَ الفقير الغريب حسنةٌ وإعطاءَ القريب الفقير حسنتان، لأنه صدقة وصلة رحم، ولا يقبل الله صدقة عبد وفي قرابته مَحاويج. ثم بجيرانك، فمَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر لا يبيت شبعانَ على مائدته عشرة ألوان وجارُه جائع أو محروم ما عنده إلا صحن الفول. وفضّل الولد اليتيم والشيخ العاجز وطالب العلم، أما هؤلاء الشحادون الذين يتخذون السؤال حرفة وهم أقوياء أصحّاء يستطيع الواحد منهم أن يجرّ عربة فلا تُعطِهم، فإن إعطاءهم يشجعهم على هذه المهنة التي يأباها الإسلام.

* * *

إن صدقة الفطر التي لا بد منها لاستكمال العبادة في هذا الشهر تكاد تكون واجبة على أكثر الناس، فلا تقتصر فيها على

ص: 52

الحد الأدنى (وهو صاع من تمر أو صاع من بُرّ) بل أعطِ بمقدار طاقتك. فلو أوجبت الحكومة عليك أن تشتري من أسهم الشركة الرابحة سهماً واحداً على الأقل ثمنه مئة ريال، وكنت تملك مليوناً، هل تكتفي بهذا السهم الواحد أم تشتري آلاف الأسهم أملاً بربحها؟

فلماذا لا يُخرج كلّ واحد منا صدقةَ الفطر عن نفسه وعمّن يجب عليه إخراجها عنه واردَ يوم واحد من أيام الشهر؟ السنة ثلاثمئة وخمسة وستون يوماً، فهل يصعب عليك أن تتصدق كل سنة في عيد الفطر بمورد يوم واحد منها؟ قد يكون مورد اليوم عشرةَ ريالات عند ناس وقد يكون عشرة آلاف عند آخرين، فليُعطِ كلٌّ بمقدار ما أعطاه الله يَزِد عليه اللهُ نعمَه ويضاعِفْ له عطاءه.

وأنا لا أقول إن هذا المقدار واجبٌ شرعاً ولا أوجب ما لم يوجبه الشرع، بل أرغّب فيه لأن الشرع رغّب في الصدقة، والصدقة في كل الأزمان، ولا سيما في ختام رمضان.

* * *

ص: 53