الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الْقَاضِي: يَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّفَ جِنْسَهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَنَوْعَهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثِيَابًا عَرَّفَ لِفَافَتَهَا وَجِنْسَهَا، وَيُعَرِّفُ قَدْرَهَا بِالْكَيْلِ، وَبِالْوَزْنِ أَوْ بِالْعَدَدِ، أَوْ الذَّرْعِ، وَيُعَرِّفُ الْعَقْدَ عَلَيْهَا، هَلْ هُوَ عَقْدٌ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ، أُنْشُوطَةٌ أَوْ غَيْرُهَا، وَيُعَرِّفُ صِمَامَ الْقَارُورَةِ الَّذِي تَدْخُلُ رَأْسَهَا، وَعِفَاصَهَا الَّذِي تَلْبَسُهُ.
[فَصْلٌ يُشْهِدُ عَلَى اللُّقَطَةِ حِين يَجِدُهَا]
(4511)
فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهَا حِينَ يَجِدُهَا. قَالَ أَحْمَدُ، رحمه الله: لَا أُحِبُّ أَنْ يَمَسّهَا حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهَا. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا ضَمِنَهَا؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً، فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ، أَوْ ذَوِي عَدْلٍ» . وَهَذَا أَمْرٌ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُشْهِدْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ. وَلَنَا خَبَرُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنَّهُ أَمَرَهُمَا بِالتَّعْرِيفِ دُونَ الْإِشْهَادِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سِيَّمَا وَقَدْ سُئِلَ عَنْ حُكْمِ اللُّقَطَةِ فَلَمْ يَكُنْ لِيُخِلَّ بِذَكَرِ الْوَاجِبِ فِيهَا، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْأَمْرِ فِي حَدِيثِ عِيَاضٍ عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَلِأَنَّهُ أَخْذُ أَمَانَةٍ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى الْإِشْهَادِ، كَالْوَدِيعَةِ
وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ إذَا حَفِظَهَا وَعَرَّفَهَا فَلَمْ يَأْخُذْهَا لِنَفْسِهِ، وَفَائِدَةُ الْإِشْهَادِ صِيَانَةُ نَفْسِهِ عَنْ الطَّمَعِ فِيهَا، وَكَتْمُهَا وَحِفْظُهَا مِنْ وَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ، وَمِنْ غُرَمَائِهِ إنْ أَفْلَسَ. وَإِذَا أَشْهَدَ عَلَيْهَا، لَمْ يَذْكُرْ لِلشُّهُودِ صِفَاتِهَا، لِئَلَّا يَنْتَشِرَ ذَلِكَ فَيَدَّعِيَهَا مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا، وَيَذْكُرَ صِفَاتِهَا، كَمَا قُلْنَا فِي التَّعْرِيفِ، وَلَكِنْ يَذْكُرُ لِلشُّهُودِ مَا يَذْكُرُهُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَقَدْ سَأَلَهُ: إذَا أَشْهَدَ عَلَيْهَا هَلْ يُبَيِّنُ كَمْ هِيَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يَقُولُ: قَدْ أَصَبْت لُقَطَةً. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ صِفَاتِهَا؛ لِيَكُونَ أَثْبَتَ لَهَا مَخَافَةَ أَنْ يَنْسَاهَا إنْ اقْتَصَرَ عَلَى حِفْظِهَا بِقَلْبِهِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ عُرْضَةُ النِّسْيَانِ.
[مَسْأَلَة جَاءَ رَبُّ اللُّقَطَةِ فَوَصَفَهَا لَهُ]
(4512)
مَسْأَلَةٌ قَالَ: (فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَوَصَفَهَا لَهُ، دُفِعَتْ إلَيْهِ بِلَا بَيِّنَةٍ) يَعْنِي إذَا وَصَفَهَا بِصِفَاتِهَا الْمَذْكُورَةِ، دَفَعَهَا إلَيْهِ، سَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ أَوْ لَمْ يَغْلِبْ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَدَاوُد، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيَجُوزُ لَهُ دَفْعُهَا إلَيْهِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ. قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إنْ شَاءَ دَفَعَهَا إلَيْهِ وَأَخَذَ كَفِيلًا
بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي»
وَلِأَنَّ صِفَةَ الْمُدَّعِي لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا كَالْمَغْصُوبِ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنْ جَاءَك أَحَدٌ يُخْبِرُك بِعَدَدِهَا وَوِعَائِهَا وَوِكَائِهَا، فَادْفَعْهَا إلَيْهِ» . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هَذَا الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِهِ أَقُولُ. وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَصَّارِ: " فَإِنْ جَاءَ بَاغِيَهَا، وَوَصَفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا، فَادْفَعْهَا إلَيْهِ ". وَفِي حَدِيثِ زَيْدٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ «اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ، فَاسْتَنْفِقْهَا، وَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ، فَأَدِّهَا إلَيْهِ» . يَعْنِي إذَا ذَكَرَ صِفَاتِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَيِّنَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحَدِيثِ، وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا لِلدَّفْعِ، لَمْ يَجُزْ الْإِخْلَالُ بِهِ، وَلَا أَمَرَ بِالدَّفْعِ بِدُونِهِ، وَلِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى اللُّقَطَةِ تَتَعَذَّرُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا سَقَطَتْ حَالَ الْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ، فَتَوْقِيفُ دَفْعِهَا مَنْعٌ لِوُصُولِهَا إلَى صَاحِبِهَا أَبَدًا، وَهَذَا يُفَوِّتُ مَقْصُودَ الِالْتِقَاطِ، وَيُفْضِي إلَى تَضْيِيعِ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْبَيِّنَةِ فِيهِ، كَالْإِنْفَاقِ عَلَى الْيَتِيمِ. وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَبَيْنَ تَفْضِيلِ الِالْتِقَاطِ عَلَى تَرْكِهِ مُتَنَاقِضٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الِالْتِقَاطَ حِينَئِذٍ يَكُونُ تَضْيِيعًا لِمَالِ الْمُسْلِمِ يَقِينًا، وَإِتْعَابًا لِنَفْسِهِ بِالتَّعْرِيفِ الَّذِي لَا يُفِيدُ، وَالْمُخَاطَرَةِ بِدِينِهِ بِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ مِنْ تَعْرِيفهَا، وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا، فَكَيْفَ يَكُونُ فَاضِلًا. وَعَلَى هَذَا نَقُولُ: لَوْ لَمْ يَجِبْ دَفْعُهَا بِالصِّفَةِ، لَمْ يَجُزْ الْتِقَاطُهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» . يَعْنِي إذَا كَانَ ثَمَّ مُنْكِرٌ؛ لِقَوْلِهِ فِي سِيَاقِهِ: «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» . وَلَا مُنْكِرَ هَاهُنَا، عَلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ تَخْتَلِفُ، وَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيِّنَةَ مُدَّعِي اللُّقَطَةِ وَصْفَهَا، فَإِذَا وَصَفَهَا فَقَدْ أَقَامَ بَيِّنَتَهُ. وَقِيَاسُ اللُّقَطَةِ عَلَى الْمَغْصُوبِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّ النِّزَاعَ ثَمَّ فِي كَوْنِهِ مَغْصُوبًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَقَوْلُ الْمُنْكِرِ يُعَارِضُ دَعْوَاهُ، فَاحْتِيجَ إلَى الْبَيِّنَةِ، وَهَا هُنَا قَدْ ثَبَتَ كَوْنُ هَذَا الْمَالِ لُقَطَةً، وَأَنَّ لَهُ صَاحِبًا غَيْرَ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَلَا مُدَّعِيَ لَهُ إلَّا الْوَاصِفُ، وَقَدْ تَرَجَّحَ صِدْقُهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ.
(4513)
فَصْلٌ: فَإِنْ وَصَفَهَا اثْنَانِ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ وَقَعَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ حَلَفَ أَنَّهَا لَهُ، وَسُلِّمَتْ إلَيْهِ. وَهَكَذَا إنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ وَقَعَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ حَلَفَ، وَدُفِعَتْ إلَيْهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِيمَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الدَّفْعُ، فَتَسَاوَيَا فِيهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا. وَاَلَّذِي قُلْنَاهُ أَصَحُّ وَأَشْبَهُ بِأُصُولِنَا، فِيمَا إذَا تَدَاعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، وَلِأَنَّهُمَا تَدَاعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، وَتَسَاوَيَا فِي الْبَيِّنَةِ، أَوْ فِي عَدَمِهَا، فَتَكُونُ لِمَنْ وَقَعَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، كَمَا لَوْ ادَّعَيَا وَدِيعَةً فِي يَدِ إنْسَانٍ، فَقَالَ: هِيَ لِأَحَدِكُمَا، لَا أَعْرِفُهُ عَيْنًا. وَفَارَقَ مَا إذَا كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا؛ لِأَنَّ يَدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى نِصْفِهِ فَرَجَحَ قَوْلُهُ فِيهِ. وَإِنْ