الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلْوَلِيِّ أَنْ يَصْرِفَ إلَى مَنْ يَحُجُّ أَكْثَرَ مِنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ التَّصَرُّفَ فِي الْمُعَاوَضَةِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ عِوَضَ الْمِثْلِ، كَالتَّوْكِيلِ فِي الْبَيْعِ. ثُمَّ لَا يَخْلُو؛ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ نَفَقَةِ الْمِثْلِ لِحَجَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَيُصْرَفَ فِيهَا. أَوْ نَاقِصًا عَنْهَا، فَيُحَجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ، فِي ظَاهِرِ مَنْصُوصِ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ قَالَ، فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، فِي رَجُلٍ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ، وَلَا تَبْلُغُ النَّفَقَةُ، فَقَالَ: يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ النَّفَقَةُ لِلرَّاكِبِ مِنْ أَهْلِ مَدِينَتِهِ. وَهَذَا قَوْلُ الْعَنْبَرِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُعَنْ بِهِ فِي الْحَجِّ. وَهُوَ قَوْلُ سَوَّارٍ الْقَاضِي، حَكَاهُ عَنْهُ الْعَنْبَرِيُّ. وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ. قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، فِي امْرَأَةٍ أَوْصَتْ بِحَجٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا: أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ ثُلُثُ مَالِهَا، فَيُعَانَ بِهِ فِي الْحَجِّ، أَوْ يُحَجُّ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ. الْحَالُ الثَّالِثُ، أَنْ يَفْضُلَ عَنْ الْحَجَّةِ، فَيُدْفَعَ فِي حِجَّةٍ ثَانِيَةٍ، ثُمَّ فِي ثَالِثَةٍ، إلَى أَنْ يَنْفَدَ، أَوْ يَبْقَى مَا لَا يَبْلُغُ حِجَّةً، فَيُحَجُّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ. وَلَا يَسْتَنِيبُ فِي الْحَجِّ مَعَ الْإِمْكَانِ إلَّا مِنْ بَلَدِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ، وَقَائِمٌ مَقَامَهُ، فَيَنُوبُ عَنْهُ مِنْ مَوْضِعٍ لَوْ حَجَّ الْمَنُوبُ عَنْهُ لَحَجَّ. مِنْهُ فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ لَا يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْحَجُّ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا، فَإِنْ كَانَ فَرْضًا أُخِذَ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ الْقَدْرِ الْكَافِي لِحَجِّ الْفَرْضِ، فَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ أَكْثَرَ، أُخِذَ، ثُمَّ يُصْرَفُ مِنْهُ فِي الْفَرْضِ قَدْرُ مَا يَكْفِيهِ، ثُمَّ يُحَجُّ بِالْبَاقِي تَطَوُّعًا حَتَّى يَنْفُذَ، كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ أَقَلَّ، تُمِّمَ قَدْرُ مَا يَكْفِي الْحَجَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَالْحَسَنُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ: كُلٌّ وَاجِبٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَدَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ: إنْ وَصَّى بِالْحَجِّ، فَمِنْ ثُلُثِهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ عَلَى وَرَثَتِهِ شَيْءٌ. فَعَلَى قَوْلِهِمْ، إنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْمُوصَى بِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ فَلَا تَلْزَمُ الْوَارِثَ، كَالصَّلَاةِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ، أَكُنْت تَقْضِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» . وَالدَّيْنُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَمَا هُوَ أَحَقُّ مِنْهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ وَاجِبٌ، فَكَانَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ. وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، أُخِذَ الثُّلُثُ لَا غَيْرُ، إذَا لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ، وَيُحَجَّ بِهِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى.
[فَصْلٌ أَوْصَى بِحَجِّ وَاجِبٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبَات]
(4760)
فَصْلٌ: وَإِذَا أَوْصَى بِحَجٍّ وَاجِبٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ، كَقَضَاءِ دَيْنٍ، وَزَكَاةٍ، وَإِخْرَاجِ كَفَّارَةٍ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ؛
أَحَدُهَا، أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ، فَهَذَا تَأْكِيدٌ لِمَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ، وَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ مَالُهُ بِذَلِكَ، أُخِذَ مَالُهُ كُلُّهُ يُدْفَعُ فِي الْوَاجِبِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوصِ. الثَّانِي، أَنْ يُوصِيَ بِأَدَاءِ الْوَاجِبِ مِنْ ثُلُثُ مَالِهِ، فَيَصِحُّ أَيْضًا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وَصِيَّةٌ غَيْرَ هَذِهِ، لَمْ تُفِدْ شَيْئًا، وَيُؤَدَّى مِنْ الْمَالِ كُلِّهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوصِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ أَوْصَى بِتَبَرُّعٍ لَجِهَةٍ أُخْرَى، قُدِّمَ الْوَاجِبُ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ فَهُوَ لِلتَّبَرُّعِ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ سَقَطَتْ، وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْوَاجِبِ أُتِمَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. هَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُزَاحَمُ بِالْوَاجِبِ أَصْحَابُ الْوَصَايَا. فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مِثْلَ مَا ذَكَرَ الْقَاضِي، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الثُّلُثَ يُقْسَمُ بَيْنَ الْوَصَايَا كُلِّهَا، الْوَاجِبُ وَالتَّبَرُّعُ بِالْحِصَصِ، فَمَا حُصِلَ لِلْوَاجِبِ أُتِمَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَيَدْخُلُهُ الدَّوْرُ، وَتَعْمَلُ بِالْجَبْرِ، فَتَقُولُ فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِحِجَّةٍ وَاجِبَةٍ، كِفَايَتُهَا عَشْرَةٌ مِنْ ثُلُثِهِ، وَوَصَّى بِصَدَقَةِ تَطَوُّعٍ عَشْرَةٌ، وَمَاتَ فَلَمْ يَخْلُفْ إلَّا ثَلَاثِينَ، فَاعْزِلْ تَتِمَّةَ الْوَاجِبِ مِنْ الْمَالِ، وَهِيَ شَيْءٌ مَجْهُولٌ، وَخُذْ ثُلُثَ الْبَاقِي عَشْرَةً إلَّا ثُلُثَ شَيْءٍ، وَاقْسِمْهُ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةٌ إلَّا سُدُسَ شَيْءٍ، اُضْمُمْ الشَّيْءَ الَّذِي عَزَلْته إلَى مَا حَصَلَ لِلْحِجَّةِ، فَصَارَ شَيْئًا وَخَمْسَةً إلَّا سُدُسَ شَيْءٍ، يَعْدِلُ عَشْرَةً، وَخُذْ مِنْ الشَّيْءِ سُدُسَهُ، فَاجْبُرْ بِهِ بَعْضَ الْخَمْسَةِ، يَبْقَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ شَيْءٍ، يَعْدِلُ خُمُسَهُ، فَالشَّيْءُ إذًا سِتَّةٌ، وَمَتَى أَخَذْت سِتَّةً مِنْ ثَلَاثِينَ، بَقِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، ثُلُثُهَا ثَمَانِيَةٌ، لِصَاحِبِ الصَّدَقَةِ نِصْفُهَا أَرْبَعَةٌ، وَلِلْوَاجِبِ أَرْبَعَةٌ مَعَ السِّتَّةَ، صَارَ الْجَمِيعُ عَشْرَةً، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا دَيْنٌ خَمْسَةٌ، عَزَلْت تَتِمَّةَ الْحَجِّ شَيْئًا، وَتَتِمَّةَ الدَّيْنِ نِصْفَ شَيْءٍ، بَقِيَ ثُلُثُ الْمَالِ عَشْرَةٌ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ، وَاقْسِمْهُ بَيْنَ الْوَصَايَا، فَيَحْصُلُ لِلْحَجِّ أَرْبَعَةٌ إلَّا خُمُسَ شَيْءٍ، اُضْمُمْ إلَيْهَا تَتِمَّتَهُ، يَصِيرُ شَيْئًا وَأَرْبَعَةً إلَّا خُمْسَ شَيْءٍ، يَعْدِلُ عَشْرَةً، وَبَعْدَ الْجَبْرِ يَصِيرُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ شَيْءٍ، تَعْدِلُ سِتَّةً، فَرُدَّ عَلَى السِّتَّةِ رُبْعَهَا، تَصِرْ سَبْعَةً وَنِصْفًا، يَعْدِلُ شَيْئًا، فَالشَّيْءُ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ، وَنِصْفُ الشَّيْءِ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ وَرُبْعٌ وَبَقِيَّةُ الْمَالِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ، ثُلُثُهَا سِتَّةٌ وَرُبْعٌ، لِلدَّيْنِ خُمُسُهَا وَاحِدٌ وَرُبْعٌ، إذَا ضَمَمْت إلَيْهِ تَتِمَّتَهُ، كَمَّلَ خَمْسَةً، وَلِلْحَجِّ اثْنَانِ وَنِصْفٌ تَكْمُلُ تَتِمَّتُهُ، وَلِلصَّدَقَةِ اثْنَانِ وَنِصْفٌ. وَفِي عَمَلِهَا طَرِيقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يُقْسَمَ الثُّلُثُ بِكَمَالِهِ بَيْنَ الْوَصَايَا بِالْقِسْطِ، ثُمَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْوَاجِبِ خُذْهُ مِنْ الْوَرَثَةِ وَصَاحِبِ التَّبَرُّعِ بِالْقِسْطِ، فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَحْصُلُ لِلْوَاجِبِ خَمْسَةٌ، يَبْقَى لَهُ خَمْسَةٌ، يَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِ التَّبَرُّعِ دِينَارًا، وَمِنْ الْوَرَثَةِ أَرْبَعَةً. وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، حَصَلَ لِلْحَجِّ أَرْبَعَةٌ، وَبَقِيَ لَهُ سِتَّةٌ، وَحَصَلَ لِلدَّيْنِ دِينَارَانِ، وَبَقِيَ لَهُ ثَلَاثَةٌ، فَيَأْخُذَانِ مَا بَقِيَ لَهُمَا مِنْ الْوَرَثَةِ ثَلَاثَةً، وَمِنْ صَاحِبِ التَّبَرُّعِ ثَلَاثَةً فَيَأْخُذُ صَاحِبُ الْحِجَّةِ مِنْ الْوَرَثَةِ أَرْبَعَةً، وَمِنْ صَاحِبِ التَّبَرُّعِ دِينَارَيْنِ، وَيَأْخُذُ صَاحِبُ الدَّيْنِ دِينَارَيْنِ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَدِينَارًا مِنْ صَاحِبِ التَّبَرُّعِ.