الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحَدُهُمَا لَا يُقَرُّ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي بَلَدِهِ أَرْجَى لِكَشْفِ نَسَبِهِ، فَلَمْ يُقَرَّ فِي يَدِهِ الْمُنْتَقِلُ عَنْهُ، قِيَاسًا عَلَى الْمُنْتَقِلِ بِهِ إلَى الْبَادِيَةِ.
وَالثَّانِي، يُقَرُّ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ، وَالْبَلَدُ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ فِي الرَّفَاهِيَةِ، فَيُقَرُّ فِي يَدِهِ، كَمَا لَوْ انْتَقَلَ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْ الْبَلَدِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَفَارَقَ الْمُنْتَقِلَ بِهِ إلَى الْبَادِيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهِ بِتَفْوِيتِ الرَّفَاهِيَةِ عَلَيْهِ. وَإِنْ الْتَقَطَهُ مِنْ الْبَادِيَةِ فَلَهُ نَقْلُهُ إلَى الْحَضَرِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُهُ مِنْ أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالشَّقَاءِ إلَى الرَّفَاهِيَةِ وَالدَّعَةِ وَالدِّينِ. وَإِنْ أَقَامَ بِهِ فِي حِلَّةٍ يَسْتَوْطِنُهَا، فَلَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ يَنْتَقِلُ بِهِ فِي الْمَوَاضِعِ، احْتَمَلَ أَنْ يُقَرَّ فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ ابْنُ بَدَوِيَّيْنِ، وَإِقْرَارُهُ فِي يَدَيْ مُلْتَقِطِهِ أَرْجَى لِكَشْفِ نَسَبِهِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ، فَيُدْفَعَ إلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَهُ لَهُ، وَأَخَفُّ عَلَيْهِ. وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: يُنْزَعُ مِنْ مُلْتَقِطِهِ. فَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا وُجِدَ مَنْ يُدْفَعُ إلَيْهِ، مِمَّنْ هُوَ أَوْلَى بِهِ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَقُومُ بِهِ، أُقِرَّ فِي يَدَيْ مُلْتَقِطِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ فِي يَدَيْهِ مَعَ قُصُورِهِ، أَوْلَى مِنْ إهْلَاكِهِ. وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مِثْلُ مُلْتَقِطِهِ، فَمُلْتَقِطُهُ أَوْلَى بِهِ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي نَزْعِهِ مِنْ يَدِهِ، وَدَفْعِهِ إلَى مِثْلِهِ.
[فَصْلٌ لَيْسَ لِلْعَبْدِ الْتِقَاطُ الطِّفْلِ الْمَنْبُوذِ إذَا وُجِدَ مِنْ يَلْتَقِطُهُ سِوَاهُ]
(4567)
فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْتِقَاطُ الطِّفْلِ الْمَنْبُوذِ، إذَا وُجِدَ مَنْ يَلْتَقِطُهُ سِوَاهُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لِسَيِّدِهِ؛ فَلَا يُذْهِبُهَا فِي غَيْرِ نَفْعِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَى اللَّقِيطِ إلَّا الْوِلَايَةُ، وَلَا وِلَايَةَ لِعَبْدٍ. فَإِنْ الْتَقَطَهُ لَمْ يُقَرَّ فِي يَدَيْهِ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ السَّيِّدُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ، أُقِرَّ فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعَانَ بِهِ فِي ذَلِكَ، فَصَارَ كَمَا لَوْ الْتَقَطَهُ بِيَدِهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَصَارَ كَمَا لَوْ الْتَقَطَهُ. وَالْحُكْمُ فِي الْأَمَةِ كَالْحُكْمِ فِي الْمُكَاتَبِ. فَأَمَّا إنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَلْتَقِطُهُ سِوَاهُ، وَجَبَ الْتِقَاطُهُ؛ لِأَنَّهُ تَخْلِيصٌ لَهُ مِنْ الْهَلَاكِ، فَأَشْبَهَ تَخْلِيصَهُ مِنْ الْغَرَقِ
وَالْمُدَبَّرُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، كَالْقِنِّ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّبَرُّعُ بِمَالِهِ، وَلَا بِمَنَافِعِهِ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي ذَلِكَ.
[فَصْلٌ لَيْسَ لِلْكَافِرِ الْتِقَاطُ مُسْلِمٍ]
(4568)
فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِلْكَافِرِ الْتِقَاطُ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَفْتِنَهُ وَيُعَلِّمَهُ الْكُفْرَ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرَبِّيه عَلَى دِينِهِ، وَيَنْشَأُ عَلَى ذَلِكَ، كَوَلَدِهِ. فَإِنْ الْتَقَطَهُ لَمْ يُقَرَّ فِي يَدِهِ. وَإِنْ كَانَ الطِّفْلُ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ، فَلَهُ الْتِقَاطُهُ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ.
[فَصْلٌ الْتَقَطَهُ اثْنَانِ وَتَنَاوَلَاهُ تَنَاوُلًا وَاحِدًا]
(4569)
فَصْلٌ: وَإِنْ الْتَقَطَهُ اثْنَانِ، وَتَنَاوَلَاهُ تَنَاوُلًا وَاحِدًا، لَمْ يَخْلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُقَرُّ فِي يَدَيْهِ، كَالْمُسْلِمِ الْعَدْلِ الْحُرِّ، وَالْآخَرُ مِمَّنْ لَا يُقَرُّ فِي يَدَيْهِ، كَالْكَافِرِ
إذَا كَانَ اللَّقِيطُ مُسْلِمًا، وَالْفَاسِقِ، وَالْعَبْدِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ، وَالْمُكَاتَبِ، فَإِنَّهُ يُسَلَّمُ إلَى مَنْ يُقَرُّ فِي يَدِهِ، وَتَكُونُ مُشَارَكَةُ هَؤُلَاءِ لَهُ كَعَدَمِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ الْتَقَطَهُ وَحْدَهُ لَمْ يُقَرَّ فِي يَدِهِ، فَإِذَا شَارَكَهُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الِالْتِقَاطِ أَوْلَى.
الثَّانِي، أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا مِمَّنْ لَا يُقَرُّ فِي يَدَيْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ يُنْزَعُ مِنْهُمَا، وَيُسَلَّمُ إلَى غَيْرِهِمَا.
الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّنْ يُقَرُّ فِي يَدِهِ لَوْ انْفَرَدَ، إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَحْظُ لِلَّقِيطِ مِنْ الْآخَرِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا، فَالْمُوسِرُ أَحَقُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَحْظُ لِلطِّفْلِ، وَإِنْ الْتَقَطَ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ طِفْلًا مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ، فَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: هُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ لِلْكَافِرِ وِلَايَةً عَلَى الْكَافِرِ، وَيُقَرُّ فِي يَدِهِ إذَا انْفَرَدَ بِالْتِقَاطِهِ، فَسَاوَى الْمُسْلِمَ فِي ذَلِكَ
وَلَنَا أَنَّ دَفْعَهُ إلَى الْمُسْلِمِ أَحْظُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا، فَيَسْعَدُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيَنْجُو مِنْ النَّارِ، وَيَتَخَلَّصُ مِنْ الْجِزْيَةِ وَالصَّغَارِ، فَالتَّرْجِيحُ بِهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِالْيَسَارِ الَّذِي إنَّمَا يُتَعَلَّقُ بِهِ تَوْسِعَةً عَلَيْهِ فِي الْإِنْفَاقِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُوسِرُ بَخِيلًا، فَلَا تَحْصُلُ التَّوْسِعَةُ. فَإِنْ تَعَارَضَ التَّرْجِيحَانِ، فَكَانَ الْمُسْلِمُ فَقِيرًا وَالْكَافِرُ مُوسِرًا، فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّفْعَ الْحَاصِلَ لَهُ بِإِسْلَامِهِ أَعْظَمُ مِنْ النَّفْعِ الْحَاصِلِ بِيَسَارِهِ مَعَ كُفْرِهِ. وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمْ فِي تَقْدِيمِ الْمُوسِرِ، يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ الْجَوَادُ عَلَى الْبَخِيلِ؛ لِأَنَّ حَظَّ الطِّفْلِ عِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي يَحْصُلُ لَهُ الْحَظُّ فِيهَا بِالْيَسَارِ، وَرُبَّمَا تَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِهِ، وَتَعَلَّمَ مِنْ جُودِهِ.
الرَّابِعُ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي كَوْنِهِمَا مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ حُرَّيْنِ مُقِيمَيْنِ، فَهُمَا سَوَاءٌ فِيهِ، فَإِنْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ، وَتَسْلِيمِهِ إلَى صَاحِبِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِيثَارِ بِهِ. وَإِنْ تَشَاحَّا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44] . وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. وَإِنْ تَهَايَآهُ، فَجُعِلَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، أَضَرَّ بِالطِّفْلِ؛ لِأَنَّهُ تَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الْأَغْذِيَةُ وَالْأُنْسُ وَالْإِلْفُ.
وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا مُتَسَاوٍ، فَتَعْيِينُ أَحَدِهِمَا بِالتَّحَكُّمِ لَا يَجُوزُ، فَتَعَيَّنَ الْإِقْرَاعُ بَيْنَهُمَا، كَمَا يُقْرَعُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي تَعْيِينِ السِّهَامِ فِي الْقِسْمَةِ، وَبَيْنَ النِّسَاءِ فِي الْبِدَايَةِ بِالْقِسْمَةِ، وَبَيْنَ الْعَبِيدِ فِي الْإِعْتَاقِ. وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ، وَلَا تُرَجَّحُ الْمَرْأَةُ هَا هُنَا، كَمَا تُرَجَّحُ فِي حَضَانَةِ وَلَدِهَا عَلَى أَبِيهِ؛ لِأَنَّهَا رُجِّحَتْ ثَمَّ لِشَفَقَتِهَا عَلَى وَلَدِهَا، وَتَوَلِّيهَا لِحَضَانَتِهِ بِنَفْسِهَا، وَالْأَبُ يَحْضُنُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ، فَكَانَتْ أُمُّهُ أَحْظَ لَهُ وَأَرْفَقَ بِهِ، أَمَّا هَا هُنَا، فَإِنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْ اللَّقِيطِ، وَالرَّجُلُ يَحْضُنُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ فَاسْتَوَيَا. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ جَمِيعِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ
فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَسْتُورَ الْحَالِ، وَالْآخَرُ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ، احْتَمَلَ أَنْ يُرَجَّحَ الْعَدْلُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ