الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأَبَوَيْنِ]
(4830)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا كَانَ زَوْجٌ وَأَبَوَانِ، أُعْطِيَ الزَّوْجُ النِّصْفَ، وَالْأُمُّ ثُلُثَ مَا بَقِيَ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأَبِ. وَإِذَا كَانَتْ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ، أُعْطِيت الزَّوْجَةُ الرُّبُعَ، وَالْأُمُّ ثُلُثَ مَا بَقِيَ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأَبِ. هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ تُسَمَّيَانِ الْعُمَرِيَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَضَى فِيهِمَا بِهَذَا الْقَضَاءِ، فَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ عُثْمَانُ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، رضي الله عنهم، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَجَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُلُثَ الْمَالِ كُلَّهُ لِلْأُمِّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ لَهَا الثُّلُثَ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَالْإِخْوَةِ، وَلَيْسَ هَاهُنَا وَلَدٌ وَلَا إخْوَةٌ. وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ. وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ شُرَيْحٌ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ كَقَوْلِ الْجَمَاعَةِ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ، وَكَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ؛ لِأَنَّنَا لَوْ فَرَضْنَا لِلْأُمِّ ثُلُثَ الْمَالِ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ، لَفَضَّلْنَاهَا عَلَى الْأَبِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ، لَا يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ.
وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] . وَبِقَوْلِهِ عليه السلام: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» . وَالْأَبُ هَاهُنَا عَصَبَةٌ؛ فَيَكُونُ لَهُ مَا فَضَلَ عَنْ ذَوِي الْفُرُوضِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَكَانَهُ جَدٌّ، وَالْحُجَّةُ مَعَهُ لَوْلَا انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ؛ وَلِأَنَّ الْفَرِيضَةَ إذَا جَمَعَتْ أَبَوَيْنِ وَذَا فَرْضٍ، كَانَ لِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُمْ بِنْتٌ وَيُخَالِفُ الْأَبُ الْجَدَّ؛ لِأَنَّ الْأَبَ فِي دَرَجَتِهَا، وَالْجَدَّ أَعْلَى مِنْهَا.
وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ سِيرِينَ تَفْرِيقٌ فِي مَوْضِعٍ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى التَّسْوِيَةِ فِيهِ، ثُمَّ إنَّهُ مَعَ الزَّوْجِ يَأْخُذُ مِثْلَيْ مَا أَخَذَتْ الْأُمُّ، كَذَلِكَ مَعَ الْمَرْأَةِ، قِيَاسًا عَلَيْهِ.
[مَسْأَلَةٌ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَإِخْوَةً مِنْ أُمٍّ وَإِخْوَةً لِأَبٍ وَأُمٍّ]
قَالَ: (4831) مَسْأَلَةٌ (وَإِذَا كَانَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَإِخْوَةٌ مِنْ أُمٍّ وَإِخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْأُخُوَّةِ مِنْ الْأُمِّ الثُّلُثُ،
وَسَقَطَ الْإِخْوَةُ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ) . هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى الْمُشْرَكَةَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَسْأَلَةٍ اجْتَمَعَ فِيهَا زَوْجٌ وَأُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ وَاثْنَانِ فَصَاعِدًا مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ وَعَصَبَةٌ مِنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْمُشْرَكَةَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ شَرَكَ فِيهَا بَيْنَ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ وَوَلَدِ الْأُمِّ فِي فَرْضِ وَلَدِ الْأُمِّ، فَقَسَمَهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، وَتُسَمَّى الْحِمَارِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ يُرْوَى أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَسْقَطَ وَلَدَ الْأَبَوَيْنِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَبْ أَنَّ أَبَانَا كَانَ حِمَارًا أَلَيْسَتْ أُمُّنَا وَاحِدَةً؟ فَشَرَكَ بَيْنَهُمْ. وَيُقَالُ: إنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ قَالَ ذَلِكَ فَسُمِّيَتْ الْحِمَارِيَّةَ لِذَلِكَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا، فَذَهَبَ أَحْمَدُ رضي الله عنه فِيهَا إلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسَ، وَلِلْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ الثُّلُثَ، وَسَقَطَ الْإِخْوَةُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ وَقَدْ تَمَّ الْمَالُ بِالْفُرُوضِ. وَيُرْوَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي مُوسَى رضي الله عنهم. وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالْعَنْبَرِيُّ، وَشَرِيكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، وَنُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، رضي الله عنهم، أَنَّهُمْ شَرَكُوا بَيْنَ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ وَوَلَدِ الْأُمِّ فِي الثُّلُثِ، فَقَسَّمُوهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ رضي الله عنهما، وَإِسْحَاقُ؛ لِأَنَّهُمْ سَاوَوْا وَلَدَ الْأُمِّ فِي الْقَرَابَةِ الَّتِي يَرِثُونَ بِهَا، فَوَجَبَ أَنْ يُسَاوُوهُمْ فِي الْمِيرَاثِ؛ فَإِنَّهُمْ جَمِيعًا مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ، وَقَرَابَتُهُمْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ إنْ لَمْ تَزِدْهُمْ قُرْبًا وَاسْتِحْقَاقًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُسْقِطَهُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَبَعْضُ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ لِعُمَرَ وَقَدْ أَسْقَطَهُمْ: هَبْ أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ حِمَارًا، فَمَا زَادَهُمْ ذَلِكَ إلَّا قُرْبًا فَشَرَكَ بَيْنَهُمْ. وَحَرَّرَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِيهَا قِيَاسًا، فَقَالَ: فَرِيضَتُهُ جَمَعَتْ وَلَدَ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَوَلَدَ الْأُمِّ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ فَإِذَا وَرِثَ وَلَدُ الْأُمِّ، وَجَبَ أَنْ يَرِثَ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا زَوْجٌ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] . وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَدُ الْأُمِّ عَلَى الْخُصُوصِ، فَمَنْ شَرَكَ بَيْنَهُمْ فَلَمْ يُعْطِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ، فَهُوَ مُخَالَفَةٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ ظَاهِرِ الْآيَةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ قَوْلُهُ:{وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] . يُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ سَائِرُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَهُمْ يُسَوُّونَ بَيْنَ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ، بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» . وَمَنْ شَرَكَ فَلَمْ يُلْحِقْ الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ وَلَدَ الْأَبَوَيْنِ عَصَبَةٌ لَا فَرْضَ لَهُمْ، وَقَدْ تَمَّ الْمَالُ بِالْفُرُوضِ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطُوا، كَمَا لَوْ كَانَ مَكَانَ وَلَدِ الْأُمِّ ابْنَتَانِ. وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاحِدٌ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ، وَمِائَةٌ مِنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ، لَكَانَ لِلْوَاحِدِ السُّدُسُ، وَلِلْمِائَةِ السُّدُسُ الْبَاقِي، لِكُلِّ وَاحِدٍ عُشْرُ عُشْرِهِ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَفْضُلَهُمْ الْوَاحِدُ هَذَا الْفَضْلَ كُلَّهُ، لِمَ لَا يَجُوزُ لِاثْنَيْنِ إسْقَاطُهُمْ؟ وَقَوْلُهُمْ: تَسَاوَوْا فِي قَرَابَةِ الْأُمِّ. قُلْنَا: فَلِمَ لَمْ يُسَاوُوهُمْ فِي الْمِيرَاثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ وَعَلَى أَنَّا نَقُولُ: إنْ سَاوَوْهُمْ فِي قَرَابَةِ الْأُمِّ فَقَدْ فَارَقُوهُمْ فِي كَوْنِهِمْ عَصَبَةً مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْفُرُوضِ. وَهَذَا الَّذِي افْتَرَقُوا فِيهِ هُوَ الْمُقْتَضِي لِتَقْدِيمِ وَلَدِ الْأُمِّ، وَتَأْخِيرِ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ. فَإِنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِتَقْدِيمِ ذَوِي الْفُرُوضِ، وَتَأْخِيرِ الْعَصَبَةِ، وَلِذَلِكَ يُقَدَّمُ وَلَدُ الْأُمِّ عَلَى وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ فِي الْقَدْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَشِبْهِهَا، فَكَذَلِكَ يُقَدَّمُ وَإِنْ سَقَطَ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ كَغَيْرِهِ،