الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ قَالَ: لَا تُخْرِجْهَا وَإِنْ خِفْت عَلَيْهَا. فَأَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ ضَمِنَهَا، وَإِنْ أَخْرَجَهَا عِنْدَ خَوْفِهِ عَلَيْهَا، أَوْ تَرَكَهَا فَتَلِفَتْ، لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّ نَهْيَهُ مَعَ خَوْفِ الْهَلَاكِ نَصٌّ فِيهِ، وَتَصْرِيحٌ بِهِ، فَيَكُونُ مَأْذُونًا فِي تَرْكِهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِامْتِثَالِهِ أَمْرَ صَاحِبِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَتْلِفْهَا. فَأَتْلَفَهَا. وَلَا يَضْمَنُ إذَا أَخْرَجَهَا؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ خَيْرٍ وَحِفْظٍ، فَلَمْ يَضْمَنْ بِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَتْلِفْهَا. فَلَمْ يُتْلِفْهَا حَتَّى تَلِفَتْ.
[فَصْلٌ أَوْدَعَهُ وَدِيعَةً وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مَوْضِعَ إحْرَازِهَا]
(5050)
فَصْلٌ: وَإِنْ أَوْدَعَهُ وَدِيعَةً، وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مَوْضِعَ إحْرَازِهَا، فَإِنَّ الْمُودَعَ يَحْفَظُهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ. فَإِنْ وَضَعَهَا فِي حِرْزٍ، ثُمَّ نَقَلَهَا عَنْهُ إلَى حِرْزِ مِثْلِهَا، لَمْ يَضْمَنْهَا، سَوَاءٌ نَقَلَهَا إلَى مِثْلِ الْأَوَّلِ أَوْ دُونَهُ؛ لِأَنَّ رَبَّهَا رَدَّ حِفْظَهَا إلَى رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ، وَأَذِنَ لَهُ فِي إحْرَازِهَا بِمَا شَاءَ مِنْ إحْرَازِ مِثْلِهَا، وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَهَا فِي هَذَا الثَّانِي أَوَّلًا لَمْ يَضْمَنْهَا، فَكَذَلِكَ إذَا نَقَلَهَا إلَيْهِ. وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي بَيْتِ صَاحِبِهَا فَقَالَ لِرَجُلٍ: احْفَظْهَا فِي مَوْضِعِهَا. فَنَقَلَهَا عَنْهُ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُودَعٍ، إنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ فِي حِفْظِهَا، وَلَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ مِلْكِ صَاحِبِهَا، وَلَا مِنْ مَوْضِعٍ اسْتَأْجَرَهُ لَهَا، إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهَا.
فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا، وَقَدْ تَعَيَّنَ حِفْظُهَا فِي إخْرَاجِهَا، وَيَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَوْ حَضَرَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ لَأَخْرَجَهَا، وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا عَلَى صِفَةٍ، فَإِذَا تَعَذَّرَتْ الصِّفَةُ، لَزِمَهُ حِفْظُهَا بِدُونِهَا، كَالْمُسْتَوْدَعِ إذَا خَافَ عَلَيْهَا.
[فَصْلٌ أَخْرَجَ الْوَدِيعَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْ إخْرَاجِهَا فَتَلِفَتْ وَادَّعَى أَنَّهُ أَخْرَجَهَا لِغَشَيَانِ نَارٍ]
(5051)
فَصْلٌ: إذَا أَخْرَجَ الْوَدِيعَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْ إخْرَاجِهَا، فَتَلِفَتْ، وَادَّعَى أَنَّهُ أَخْرَجَهَا لِغَشَيَانِ نَارٍ أَوْ سَيْلٍ، أَوْ شَيْءٍ ظَاهِرٍ، فَأَنْكَرَ صَاحِبُهَا وُجُودَهُ، فَعَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا تَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ ظَاهِرٌ. فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي التَّلَفِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ، لِأَنَّهُ تَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، فَلَمْ يُطَالَبْ بِهَا، كَمَا لَوْ ادَّعَى التَّلَفَ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَالْحُكْمُ فِي إخْرَاجِهَا مِنْ الْخَرِيطَةِ وَالصُّنْدُوقِ، حُكْمُ إخْرَاجِهَا مِنْ الْبَيْتِ، عَلَى مَا مَضَى مِنْ التَّفْصِيلِ فِيهِ.
[فَصْلٌ أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْوَدِيعَة فِي مَنْزِلِهِ فَتَرَكَهَا فِي ثِيَابِهِ وَخَرَجَ بِهَا]
(5052)
فَصْلٌ: وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي مَنْزِلِهِ، فَتَرَكَهَا فِي ثِيَابِهِ، وَخَرَجَ بِهَا، ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ أُحْرِزَ لَهَا. وَإِنْ جَاءَهُ بِهَا فِي السُّوقِ، فَقَالَ: احْفَظْهَا فِي بَيْتِكَ. فَقَامَ بِهَا فِي الْحَالِ، فَتَلِفَتْ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَإِنْ تَرَكَهَا فِي دُكَّانِهِ أَوْ ثِيَابِهِ،
وَلَمْ يَحْمِلْهَا إلَى بَيْتِهِ مَعَ إمْكَانِهِ، فَتَلِفَتْ، ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّ بَيْتَهُ أُحْرِزَ لَهَا. هَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَتَى تَرَكَهَا عِنْدَهُ إلَى وَقْتِ مُضِيِّهِ إلَى مَنْزِلِهِ فِي الْعَادَةِ فَتَلِفَتْ، لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَوْدَعَ شَيْئًا وَهُوَ فِي دُكَّانِهِ، أَمْسَكَهُ فِي دُكَّانِهِ أَوْ فِي ثِيَابِهِ إلَى وَقْتِ مُضِيِّهِ إلَى مَنْزِلِهِ
فَيَسْتَصْحِبُهُ مَعَهُ، وَالْمُودِعُ عَالِمٌ بِهَذِهِ الْحَالَةِ رَاضٍ بِهَا، وَلَوْ لَمْ يَرْضَ بِهَا لَشَرَطَ عَلَيْهِ خِلَافَهَا، وَأَمَرَهُ بِتَعْجِيلِ حَمْلِهَا، فَإِمَّا أَنْ يَقْبَلَهَا بِهَذَا الشَّرْطِ أَوْ يَرُدَّهَا. وَإِنْ قَالَ: اجْعَلْهَا فِي كُمِّك. فَجَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ، لَمْ يَضْمَنْهَا لِأَنَّ الْجَيْبَ أُحْرِزَ لَهَا، لِأَنَّهُ رُبَّمَا نَسِيَ، فَيَسْقُطُ الشَّيْءُ مِنْ كُمِّهِ بِخِلَافِ الْجَيْبِ. وَإِنْ قَالَ: اجْعَلْهَا فِي جَيْبِكَ. فَتَرَكَهَا فِي كُمِّهِ، ضَمِنَهَا لِذَلِكَ. وَإِنْ جَعَلَهَا فِي يَدِهِ، ضَمِنَ أَيْضًا، كَذَلِكَ. وَإِنْ قَالَ: اجْعَلْهَا فِي كُمِّك. فَتَرَكَهَا فِي يَدِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الشَّيْءِ مِنْ الْيَدِ مَعَ النِّسْيَانِ أَكْثَرُ مِنْ سُقُوطِهِ مِنْ الْكُمِّ
وَالثَّانِي، لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا يَتَسَلَّطُ عَلَيْهَا الطَّرَّارُ بِالْبَطِّ، وَالْكُمُّ بِخِلَافِهِ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُحْرِزَ مِنْ وَجْهٍ، فَيَتَسَاوَيَانِ. وَلِمَنْ نَصَرَ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ أَنْ يَقُولَ: مَتَى كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحْرَزَ مِنْ وَجْهٍ، وَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْوَجْهَ الْمَأْمُورَ بِالْحِفْظِ بِهِ، وَأَتَى بِمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، فَضَمِنَ لِمُخَالَفَتِهِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ أَمَرَ بِتَرْكِهَا فِي يَدِهِ، فَجَعَلَهَا فِي كُمِّهِ، ضَمِنَ لِذَلِكَ. وَقَالَ الْقَاضِي: الْيَدُ أَحْرَزُ عِنْدَ الْمُغَالَبَةِ، وَالْكُمُّ أَحْرَزُ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُغَالَبَةِ. فَعَلَى هَذَا، إنْ أُمِرَ بِتَرْكِهَا فِي يَدِهِ، فَشَدَّهَا فِي كُمِّهِ عِنْدَ غَيْرِ الْمُغَالَبَةِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُغَالَبَةِ ضَمِنَ وَإِنْ أَمَرَهُ بِشَدِّهَا فِي كُمِّهِ، فَأَمْسَكَهَا فِي يَدِهِ عِنْدَ الْمُغَالَبَةِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِ الْمُغَالَبَةِ ضَمِنَ. وَإِنْ أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا مُطْلَقًا، فَتَرَكَهَا فِي جَيْبِهِ، أَوْ شَدَّهَا فِي كُمِّهِ، لَمْ يَضْمَنْهَا. وَإِنْ تَرَكَهَا فِي كُمِّهِ غَيْرَ مَشْدُودَةٍ، وَكَانَتْ خَفِيفَةً لَا يَشْعُرُ بِهَا إذَا سَقَطَتْ، ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ، وَإِنْ كَانَتْ ثَقِيلَةً يَشْعُرُ بِهَا، لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّ هَذَا عَادَةُ النَّاسِ فِي حِفْظِ أَمْوَالِهِمْ. وَإِنْ شَدَّهَا عَلَى عَضُدِهِ، لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَحْفَظُ لَهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ شَدَّهَا مِنْ جَانِبِ الْجَيْبِ، لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ شَدَّهَا مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، ضَمِنَهَا
لِأَنَّ الطَّرَّارَ يَقْدِرُ