الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَرِثُ مَعَهَا شَيْئًا. وَلِأَنَّ الْجَدَّةَ تُدْلِي بِالْأُمِّ، فَسَقَطَتْ بِهَا، كَسُقُوطِ الْجَدَّ بِالْأَبِ، وَابْنُ الِابْنِ بِهِ.
فَأَمَّا أُمُّ الْأَبِ، فَإِنَّهَا أَيْضًا إنَّمَا تَرِثُ مِيرَاثَ أُمٍّ؛ لِأَنَّهَا أُمٌّ، وَلِذَلِكَ تَرِثُ وَابْنُهَا حَيٌّ، وَلَوْ كَانَ مِيرَاثُهَا مِنْ جِهَتِهِ مَا وَرِثَتْ مَعَ وُجُودِهِ.
[مَسْأَلَةٌ الْجَدَّات إنْ كَثُرْنَ لَمْ يَزِدْنَ عَلَى السُّدُسِ فَرْضًا]
(4859)
مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَكَذَلِكَ إنْ كَثُرْنَ، لَمْ يَزِدْنَ عَلَى السُّدُسِ فَرْضًا) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مِيرَاثَ الْجَدَّاتِ السُّدُسُ، وَإِنْ كَثُرْنَ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْخَبَرِ، وَأَنَّ عُمَرَ شَرَكَ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فَرَوَى سَعِيدٌ، ثنا سُفْيَانُ، وَهُشَيْمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: جَاءَتْ الْجَدَّتَانِ إلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فَأَعْطَى أُمَّ الْأُمِّ الْمِيرَاثَ دُونَ أُمِّ الْأَبِ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ حَارِثَةَ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، أَعْطَيْت الَّتِي إنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا، وَمَنَعْت الَّتِي لَوْ مَاتَتْ وَرِثَهَا، فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ السُّدُسَ بَيْنَهُمَا.
وَلِأَنَّهُنَّ ذَوَاتُ عَدَدٍ لَا يُشْرِكُهُنَّ ذَكَرٌ، فَاسْتَوَى كَثِيرُهُنَّ وَوَاحِدَتُهُنَّ، كَالزَّوْجَاتِ. وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ لَمْ يَزِدْنَ عَلَى السُّدُسِ فَرْضًا. يُرِيدُ بِهِ التَّحَرُّزَ مِنْ زِيَادَتِهِنَّ بِالرَّدِّ، فَإِنَّهُنَّ يَأْخُذْنَ فِي الرَّدِّ زِيَادَةً عَلَى السُّدُسِ، عَلَى مَا قَدْ مَضَى ذِكْرُهُ.
[فَصْلٌ تَوْرِيثِ جَدَّتَيْنِ أُمِّ الْأُمِّ وَأُمِّ الْأَبِ]
(4860)
فَصْلٌ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَوْرِيثِ جَدَّتَيْنِ؛ أُمِّ الْأُمِّ، وَأُمِّ الْأَبِ. وَكَذَلِكَ إنْ عَلَتَا وَكَانَتَا فِي الْقُرْبِ سَوَاءً، كَأُمِّ أُمِّ أُمٍّ وَأُمِّ أُمِّ أَبٍ، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ لَا يُوَرِّثُ أُمَّ أُمِّ الْأَبِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُهَا فَلَا تَرِثُهُ، وَلِأَنَّهَا غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِي الْخَبَرَ. وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى ثَلَاثَ جَدَّاتٍ.
وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِنَّ أُمُّ أُمِّ الْأَبِ، أَوْ مَنْ هِيَ أَعْلَى مِنْهَا. وَمَا ذَكَرَهُ دَاوُد فَهُوَ قِيَاسٌ، وَهُوَ لَا يَقُولُ بِالْقِيَاسِ، ثُمَّ هُوَ بَاطِلٌ بِأُمِّ الْأُمِّ، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا. وَقَوْلُهُ: لَيْسَتْ مَذْكُورَةً فِي الْخَبَرِ. قُلْنَا: وَكَذَلِكَ أُمُّ أُمِّ الْأُمِّ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَوْرِيثِ مَا زَادَ عَلَيْهِمَا؛ فَذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إلَى تَوْرِيثِ ثَلَاثِ جَدَّاتٍ، مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِنَّ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ مَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوَرَّثُ أَكْثَرُ مِنْ جَدَّتَيْنِ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَطَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَوْفٍ، وَرَبِيعَةَ وَابْنِ هُرْمُزٍ، وَمَالِكٍ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ،
وَحُكِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا نَعْلَمُ وَرِثَ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا جَدَّتَيْنِ.
وَحُكِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّهُ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ، فَعَابَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ سَعْدٌ أَتَعِيبُنِي وَأَنْتَ تُوَرِّثُ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ؟ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ وَرَّثَ الْجَدَّاتِ وَإِنْ كَثُرْنَ، إذَا كُنَّ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، إلَّا مَنْ أَدْلَتْ بِأَبٍ غَيْرِ وَارِثٍ، كَأُمِّ أَبِ الْأُمِّ. قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ: وَبِهَذَا قَالَ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ إلَّا شَاذًّا.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ، رضي الله عنه وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، فَإِنَّهُ سَمَّى ثَلَاثَ جَدَّاتٍ مُتَحَاذِيَاتٍ. ثُمَّ قَالَ:" وَإِنْ كَثُرْنَ فَعَلَى ذَلِكَ ". وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الزَّائِدَةَ جَدَّةٌ أَدْلَتْ بِوَارِثٍ فَوَجَبَ أَنْ تَرِثَ، كَإِحْدَى الثَّلَاثِ. وَلَنَا، مَا رَوَى سَعِيدٌ، عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَرَّثَ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ، ثِنْتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَوَاحِدَةً مِنْ قِبَلِ الْأُمَّ.» وَأَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
وَرَوَى سَعِيدٌ أَيْضًا، عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا يُوَرِّثُونَ مِنْ الْجَدَّاتِ ثَلَاثًا، ثِنْتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَوَاحِدَةً مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْدِيدِ بِثَلَاثٍ، وَأَنَّهُ لَا يَرِثُ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْوَارِثَاتِ هِيَ أُمُّ الْأُمَّ وَإِنْ عَلَتْ دَرَجَتُهَا، وَأُمُّ الْأَبِ وَأُمَّهَاتُهَا وَإِنْ عَلَتْ دَرَجَتُهُنَّ، وَأُمُّ الْجَدِّ وَأُمَّهَاتُهَا.
وَلَا تَرِثُ أُمُّ أَبِ الْجَدِّ، وَلَا كُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ آبَاءٍ. وَهَؤُلَاءِ الْجَدَّاتُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِنَّ. وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْجَدَّةَ الْمُدْلِيَةَ بِأَبٍ غَيْرِ وَارِثٍ لَا تَرِثُ، وَهِيَ كُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِأَبٍ بَيْنَ أُمَّيْنِ، كَأُمِّ أَبِي الْأُمِّ، إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٍ وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا: تَرِثُ.
وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ، لَا نَعْلَمُ الْيَوْمَ بِهِ قَائِلًا، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّهَا تُدْلِي بِغَيْرِ وَارِثٍ، فَلَمْ تَرِثْ، كَالْأَجَانِبِ، وَأَمْثِلَةُ ذَلِكَ، أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ، السُّدُسُ بَيْنَهُمَا إجْمَاعًا، أُمُّ أُمِّ أُمٍّ، وَأُمُّ أُمِّ أَبٍ، وَأُمُّ أَبِي أَبٍ، وَأُمُّ أَبِي أُمٍّ، السُّدُسُ لِلثَّلَاثِ الْأُوَلِ، إلَّا عِنْدَ مَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ، فَإِنَّهُ لِلْأُولَيَيْنِ. وَعِنْدَ دَاوُد هُوَ لِلْأُولَى وَحْدَهَا. وَلَا تَرِثُ الرَّابِعَةُ إلَّا فِي قَوْلٍ شَاذٍّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُوَافِقِيهِ، أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمٍّ، وَأُمُّ أُمِّ أُمِّ أَبٍ، وَأُمُّ أُمِّ أَبِي أَبٍ، وَأُمُّ أَبِي أَبِي أَبٍ، وَأُمُّ أُمِّ أَبِي أُمٍّ، وَأُمُّ أَبِي أُمِّ أُمٍّ، وَأُمُّ أَبِي أَبِي أُمٍّ، وَأُمُّ أَبِي أُمِّ أَبٍ. السُّدُسُ لِلْأُولَى عِنْدَ دَاوُد وَلِلْأُولَيَيْنِ عِنْدَ مَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ. وَلِلثَّلَاثِ الْأُوَلِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَمُوَافِقِيهِ. وَلِلْأَرْبَعِ الْأُوَلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ. وَتَسْقُطُ الْأَرْبَعُ الْبَاقِيَاتُ إلَّا فِي الرِّوَايَةِ الشَّاذَّةِ. وَفِي الْجُمْلَةِ لَا يَرِثُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ إلَّا وَاحِدَةٌ.
وَلَا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ إلَّا اثْنَتَانِ، وَهُمَا اللَّتَانِ جَاءَ ذِكْرُهُمَا فِي الْخَبَرِ، إلَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ، فَإِنَّهُ كُلَّمَا عَلَوْنَ دَرَجَةً، زَادَ فِي عَدَدِهِنَّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَاحِدَةً.