الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ: لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ وَالْوِلَايَةَ لَا تَتَبَعَّضُ، فَمَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِانْفِرَادَ بِهَا كَالْأَخَوَيْنِ فِي تَزْوِيجِ أُخْتِهِمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ يُسْتَحْسَنُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَيُبِيحُ أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبْعَةِ أَشْيَاءَ: كَفَنِ الْمَيِّتِ، وَقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَإِنْفَاذِ وَصِيَّتِهِ، وَرَدِّ الْوَدِيعَةِ بِعَيْنِهَا، وَشِرَاءِ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ مِنْ الْكُسْوَةِ وَالطَّعَامِ، وَقَبُولِ الْهِبَةِ لَهُ، وَالْخُصُومَةِ عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا يُدَّعَى لَهُ أَوْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ يَشُقُّ الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهَا وَيَضُرُّ تَأْخِيرُهَا، فَجَازَ الِانْفِرَادُ بِهَا. وَلَنَا، أَنَّهُ شَرَكَ بَيْنَهُمَا فِي النَّظَرِ، فَلَمْ يَكُنْ لَأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ، كَالْوَكِيلَيْنِ. وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ نَقُولُ بِهِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الْوِلَايَةَ إلَيْهِمَا بِاجْتِمَاعِهِمَا، فَلَيْسَتْ مُتَبَعِّضَةً، كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ، أَوْ صَرَّحَ لِلْوَصِيَّيْنِ بِأَنْ لَا يَتَصَرَّفَا إلَّا مُجْتَمِعَيْنِ. ثُمَّ يَبْطُلُ مَا قَالَهُ بِهَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ، وَيَبْطُلُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَة بِهِمَا أَيْضًا، وَإِذَا تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا، أَقَامَ الْحَاكِمُ أَمِينًا مُقَامَ الْغَائِبِ.
[فَصْلٌ فِي مَنْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ وَمَنْ لَا تَصِحُّ]
(4773)
فَصْلٌ: فِي مَنْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ، وَمَنْ لَا تَصِحُّ، تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى الرَّجُلِ الْعَاقِلِ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ الْعَدْلِ إجْمَاعًا. وَلَا تَصِحُّ إلَى مَجْنُونٍ، وَلَا طِفْلٍ، وَلَا وَصِيَّةُ مُسْلِمٍ إلَى كَافِرٍ. بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ وَالطِّفْلَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِمَا، فَلَا يَلِيَانِ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَالْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى مُسْلِمٍ. وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ شُرَيْحٍ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَإِسْحَاقُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَمْ يُجِزْهُ عَطَاءٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ قَاضِيَةً، فَلَا تَكُونُ وَصِيَّةً، كَالْمَجْنُونِ. وَلَنَا، مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَوْصَى إلَى حَفْصَةَ. وَلِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، فَأَشْبَهَتْ الرَّجُلَ، وَتُخَالِفُ الْقَضَاءَ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ لَهُ الْكَمَالُ فِي الْخِلْقَةِ وَالِاجْتِهَادِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ. وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى الْأَعْمَى. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ، بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ، فَلَا يُوجَدُ فِيهِ مَعْنَى الْوِلَايَةِ. وَهَذَا لَا يُسَلَّمُ لَهُمْ، مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّوْكِيلُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ، وَالْوِلَايَةِ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ كَالْبَصِيرِ. وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ، فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ نَصًّا عَنْ أَحْمَدَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ إلَّا بِإِذْنٍ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَلِأَنَّهُ مَوْلًى عَلَيْهِ، فَلَا يَكُونُ وَالِيًا، كَالطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَهُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَدْ نَصَّ عَلَى صِحَّةِ وَكَالَتِهِ. وَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَاوَزَ الْعَشْرَ. وَأَمَّا الْكَافِرُ، فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ مُسْلِمٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي
عَلَى مُسْلِمٍ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَلَا الْعَدَالَةِ، فَلَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ، كَالْمَجْنُونِ وَالْفَاسِقِ. وَأَمَّا وَصِيَّةُ الْكَافِرِ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا فِي دِينِهِ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْعَدَالَةِ فِي الْمُسْلِمِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ. فَمَعَ الْكُفْرِ أَوْلَى. وَإِنْ كَانَ عَدْلًا فِي دِينِهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ يَلِي بِالنَّسَبِ، فَيَلِي الْوَصِيَّةَ، كَالْمُسْلِمِ. وَالثَّانِي، لَا تَصِحُّ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ، فَلَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ، كَفَاسِقِ الْمُسْلِمِينَ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ كَهَذَيْنِ. وَأَمَّا وَصِيَّةُ الْكَافِرِ إلَى الْمُسْلِمِ، فَتَصِحُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ تَرِكَتُهُ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا. وَأَمَّا الْعَبْدُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ عَبْدَ نَفْسِهِ أَوْ عَبْدَ غَيْرِهِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ، وَلَا تَصِحُّ إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَصِحُّ إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي وَرَثَتِهِ رَشِيدٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى عَبْدٍ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ وَلِيًّا عَلَى ابْنِهِ بِالنَّسَبِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلِيَ الْوَصِيَّةَ، كَالْمَجْنُونِ. وَلَنَا أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِنَابَتُهُ فِي الْحَيَاةِ، فَصَحَّ أَنْ يُوصَى إلَيْهِ كَالْحُرِّ. وَقِيَاسُهُمْ يَبْطُلُ بِالْمَرْأَةِ. وَالْخِلَافُ فِي الْمَكَاتِبِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ كَالْخِلَافِ فِي الْعَبْدِ الْقِنِّ. وَقَدْ نَصَّ الْخِرَقِيِّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ إلَى أُمِّ وَلَدِهِ جَائِزَةٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ حُرَّةً عِنْدَ نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ. وَأَمَّا الْفَاسِقُ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ إلَيْهِ لَا تَصِحُّ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: إذَا كَانَ مُتَّهَمًا، لَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ. وَقَالَ الْخِرَقِيِّ: إذَا كَانَ الْوَصِيُّ خَائِنًا ضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ، وَيَضُمُّ الْحَاكِمُ إلَيْهِ أَمِينًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ، وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ، وَعَلَى الْحَاكِمِ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بَالِغٌ عَاقِلٌ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ، كَالْعَدْلِ، وَوَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْوَصِيَّةِ، فَلَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ، كَالْمَجْنُونِ. وَعَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ، فَأَشْبَهَ مَا ذَكَرْنَا.
(4774)
فَصْلٌ: وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي الْوَصِيِّ حَالَ الْعَقْدِ وَالْمَوْتِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يُعْتَبَرُ حَالَ الْمَوْتِ حَسْبُ، كَالْوَصِيَّةِ لَهُ. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَلَنَا، أَنَّهَا شُرُوطٌ لِعَقْدٍ، فَتُعْتَبَرُ حَالَ وُجُودِهِ، كَسَائِرِ الْعُقُودِ. فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ لَهُ، فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَ وَارِثًا، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ الْإِرْثِ، وَخُرُوجُهَا مِنْ الثُّلُثِ لِلنُّفُوذِ وَاللُّزُومِ، فَاعْتُبِرَتْ حَالَةَ اللُّزُومِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّهَا شُرُوطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، فَاعْتُبِرَتْ حَالَةَ الْعَقْدِ، وَلَا يَنْفَعُ وُجُودُهَا بَعْدَهُ. وَعَلَى الْوَجْهِ