الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَدْرَ مَا يَقْضِي غُرْمَهُ، وَالْمُكَاتَبُ قَدْرَ مَا يُؤَدِّي بِهِ كِتَابَتَهُ
وَابْنُ السَّبِيلِ مَا يُبَلِّغُهُ، وَالْغَازِي مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِغَزْوِهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا. وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْغِنَى، فَقَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، فِي الرَّجُلِ يُعْطَى مِنْ الْوَقْفِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، فَقَالَ: إنْ كَانَ الْوَاقِفُ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الْمَسَاكِينَ، فَهُوَ مِثْلُ الزَّكَاةِ. وَإِنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا أَعْطَى مَا شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ. فَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى إلْحَاقِهِ بِالزَّكَاةِ، فَيَكُونُ الْخِلَافُ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي الزَّكَاةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جَمِيعِ الْأَصْنَافِ، أَوْ عَلَى صِنْفَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ، فَهَلْ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ، أَوْ يَجِبُ إعْطَاءُ بَعْضِ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى الزَّكَاةِ.
[فَصْلٌ وَقَفَ عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ وَسَبِيلِ الثَّوَابِ وَسَبِيلِ الْخَيْرِ]
(4397)
فَصْلٌ: وَإِذَا وَقَفَ عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ، وَسَبِيلِ الثَّوَابِ، وَسَبِيلِ الْخَيْرِ، فَسَبِيلُ اللَّهِ هُوَ الْغَزْوُ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيُصْرَفُ ثُلُثُ الْوَقْفِ إلَى مِنْ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ السَّهْمُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَهُمْ الْغُزَاةُ الَّذِينَ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الدِّيوَانِ، وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، وَسَائِرُ الْوَقْفِ يُصْرَفُ إلَى كُلِّ مَا فِيهِ أَجْرٌ وَمَثُوبَةٌ وَخَيْرٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يُجَزَّأُ الْوَقْفُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَجُزْءٌ يُصْرَفُ إلَى الْغُزَاةِ، وَجُزْءٌ يُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ، لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ الْجِهَاتِ ثَوَابًا، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«صَدَقَتُك عَلَى ذِي الْقَرَابَةِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» .
وَالثَّالِثُ يُصْرَفُ إلَى مَنْ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ لِحَاجَتِهِ، وَهُمْ خَمْسَةُ أَصْنَافٍ؛ الْفُقَرَاءُ، وَالْمَسَاكِينُ، وَالرِّقَابُ وَالْغَارِمُونَ لِمَصْلَحَتِهِمْ، وَابْنُ السَّبِيلِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ حَاجَةٍ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِمْ فِي الْقُرْآنِ، فَكَانَ مَنْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ سَاوَاهُ فِي الْحَاجَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ
وَلَنَا أَنَّ لَفْظَهُ عَامٌ، فَلَا يَجِبُ التَّخْصِيصُ بِالْبَعْضِ لِكَوْنِهِ أَوْلَى، كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فِي الزَّكَاةِ، لَا يَجِبُ تَخْصِيصُ أَقَارِبِهِ مِنْهُمْ بِهَا، وَإِنْ كَانُوا أَوْلَى، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ. وَإِنْ أَوْصَى فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ، صُرِفَ فِي كُلِّ مَا فِيهِ بِرٌّ وَقُرْبَةٌ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يُصْرَفُ فِي أَرْبَعِ جِهَاتٍ؛ أَقَارِبِهِ غَيْرِ الْوَارِثِينَ، وَالْمَسَاكِينِ، وَالْجِهَادِ، وَالْحَجِّ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَعَنْهُ فِدَاءُ الْأَسْرَى مَكَانَ الْحَجِّ. وَوَجْهُ الْقَوْلَيْنِ مَا تَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. (4398) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ آخِرَهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَلَمْ يَبْقَ مِمَّنْ وَقَفَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، رَجَعَ إلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ. فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، رحمه الله، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى يَكُونُ وَقْفًا عَلَى أَقْرَبِ عَصَبَةٍ الْوَاقِفِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَقْفَ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِي صِحَّتِهِ، مَا كَانَ مَعْلُومَ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، غَيْرَ مُنْقَطِعٍ، مِثْلَ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْمَسَاكِينِ، أَوْ طَائِفَةٍ لَا يَجُوزُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ انْقِرَاضُهُمْ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْلُومِ الِانْتِهَاءِ،
مِثْلَ أَنْ يَقِفَ عَلَى قَوْمٍ يَجُوزُ انْقِرَاضُهُمْ بِحُكْمِ الْعَادَةِ، وَلَمْ يَجْعَلْ آخِرَهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَلَا لِجِهَةٍ غَيْرِ مُنْقَطِعَةٍ، فَإِنَّ الْوَقْفَ يَصِحُّ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا يَصِحُّ. وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ مُقْتَضَاهُ التَّأْبِيدُ.
فَإِذَا كَانَ مُنْقَطِعًا صَارَ وَقْفًا عَلَى مَجْهُولٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَجْهُولٍ فِي الِابْتِدَاءِ. وَلَنَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَعْلُومُ الْمَصْرِفِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِمَصْرِفِهِ الْمُتَّصِلِ، وَلِأَنَّ الْإِطْلَاقَ إذَا كَانَ لَهُ عُرْفٌ، حُمِلَ عَلَيْهِ، كَنَقْدِ الْبَلَدِ وَعُرْفِ الْمَصْرِفِ، وَهَاهُنَا هُمْ أَوْلَى الْجِهَاتِ بِهِ، فَكَأَنَّهُ عَيَّنَهُمْ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ عِنْدَ انْقِرَاضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ إلَى أَقَارِبِ الْوَاقِفِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَسَاكِينِ
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ؛ لِأَنَّهُ مَصْرِفُ الصَّدَقَاتِ وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا، فَإِذَا وُجِدَتْ صَدَقَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةِ الْمَصْرِفِ، انْصَرَفَتْ إلَيْهِمْ، كَمَا لَوْ نَذَرَ صَدَقَةً مُطْلَقَةً. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، أَنَّهُ يُجْعَلُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ، فَأَشْبَهَ مَالَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَرْجِعُ إلَى الْوَاقِفِ وَإِلَى وَرَثَتِهِ، إلَّا أَنْ يَقُولَ: صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ، يُنْفَقُ مِنْهَا عَلَى فُلَانٍ وَعَلَى فُلَانٍ.
فَإِذَا انْقَرَضَ الْمُسَمَّى كَانَتْ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. لِأَنَّهُ جَعَلَهَا صَدَقَةً عَلَى مُسَمًّى، فَلَا تَكُونُ عَلَى غَيْرِهِ، وَيُفَارِقُ مَا إذَا قَالَ: يُنْفَقُ مِنْهَا عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ. فَإِنَّهُ جَعَلَ الصَّدَقَةَ مُطْلَقَةً. وَلَنَا أَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى صَرْفِهِ إلَى أَقَارِبِ الْوَاقِفِ، أَنَّهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِصَدَقَتِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«صَدَقَتُك عَلَى غَيْرِ رَحِمِك صَدَقَةٌ، وَصَدَقَتُك عَلَى رَحِمِك صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ»
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إنَّك أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» . وَلِأَنَّ فِيهِ إغْنَاءَهُمْ وَصِلَةَ أَرْحَامِهِمْ، لِأَنَّهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِصَدَقَاتِهِ النَّوَافِلِ وَالْمَفْرُوضَاتِ، كَذَلِكَ صَدَقَتُهُ الْمَنْقُولَةُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَغْنِيَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَخْتَصُّ الْفُقَرَاءَ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، تَنَاوَلَ الْفُقَرَاءَ وَالْأَغْنِيَاءَ، كَذَا هَاهُنَا. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرِ، أَنَّهُ يَخْتَصُّ الْفُقَرَاءَ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الصَّدَقَاتِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ، وَلِأَنَّا خَصَصْنَاهُمْ بِالْوَقْفِ لِكَوْنِهِمْ أَوْلَى النَّاسِ بِالصَّدَقَةِ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِالصَّدَقَةِ الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي مَنْ يَسْتَحِقُّ الْوَقْفَ مِنْ أَقْرِبَاءِ الْوَاقِفِ، فَفِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، يَرْجِعُ إلَى الْوَرَثَةِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ صَرَفَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِمْ مَالَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ، فَكَذَلِكَ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ مِنْ صَدَقَتِهِ مَا لَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَصْرِفًا، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّك