الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَصَفَهَا إنْسَانٌ، فَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ، فَهِيَ لِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْوَصْفِ، فَإِنْ كَانَ الْوَاصِفُ قَدْ أَخَذَهَا، اُنْتُزِعَتْ مِنْهُ، وَرُدَّتْ إلَى صَاحِبِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا لَهُ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ هَلَكَتْ، فَلِصَاحِبِهَا تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْوَاصِفِ أَوْ الدَّافِعِ إلَيْهِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْمُلْتَقِطَ شَيْءٌ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ غَيْرُ مُفَرِّطٍ وَلَا مُقَصِّرٍ، فَلَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ دَفَعَهَا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ، وَلِأَنَّ الدَّفْعَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَصَارَ الدَّفْعُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا، كَمَا لَوْ أَخَذَهَا كَرْهًا.
وَلَنَا أَنَّهُ دَفَعَ مَالَ غَيْرِهِ إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ اخْتِيَارًا مِنْهُ، فَضَمِنَهُ، كَمَا لَوْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى غَيْرِ مَالِكِهَا، إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مَالِكُهَا. فَأَمَّا إنْ دَفَعَهَا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، لَمْ يَمْلِكْ صَاحِبُهَا مُطَالَبَةَ الدَّافِعِ؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا، كَمَا لَوْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ. وَمَتَى ضَمِنَ الْوَاصِفُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْعُدْوَانَ مِنْهُ وَالتَّلَفَ عِنْدَهُ. فَإِنْ ضَمِنَ الدَّافِعُ، رَجَعَ عَلَى الْوَاصِفِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبَ تَغْرِيمِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُلْتَقِطُ قَدْ أَقَرَّ لِلْوَاصِفِ أَنَّهُ صَاحِبُهَا وَمَالِكُهَا، فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ أَنَّهُ صَاحِبُهَا وَمُسْتَحِقُّهَا، وَأَنَّ صَاحِبَ الْبَيِّنَةِ ظَلَمَهُ بِتَضْمِينِهِ، فَلَا يَرْجِعُ، بِهِ عَلَى غَيْرِ مَنْ ظَلَمَهُ.
وَإِنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ قَدْ تَلِفَتْ عِنْدَ الْمُلْتَقِطِ، فَضَمَّنَهُ إيَّاهَا، رَجَعَ عَلَى الْوَاصِفِ بِمَا غَرِمَهُ، وَلَيْسَ لِمَالِكِهَا تَضْمِينُ الْوَاصِفِ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَبَضَهُ إنَّمَا هُوَ مَالُ الْمُلْتَقِطِ، لَا مَالُ صَاحِبِ اللُّقَطَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ الْعَيْنَ. فَأَمَّا إنْ وَصَفَهَا إنْسَانٌ، فَأَخَذَهَا، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَوَصَفَهَا وَادَّعَاهَا، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّهَا لِوَصْفِهِ إيَّاهَا، وَعَدَمِ الْمُنَازِعِ فِيهَا، وَثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي انْتِزَاعَهَا مِنْهُ، فَوَجَبَ إبْقَاؤُهَا لَهُ، كَسَائِرِ مَالِهِ.
[فَصْلٌ جَاءَ مُدَّعٍ لِلْقِطَّةِ فَلَمْ يَصِفْهَا وَلَا أَقَامَ بَيِّنَةً]
(4514)
فَصْلٌ: وَلَوْ جَاءَ مُدَّعٍ لِلُقَطَةٍ، فَلَمْ يَصِفْهَا، وَلَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ، لَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا إلَيْهِ، سَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ أَوْ كَذِبُهُ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا إلَى مَنْ لَمْ يُثْبِتْ أَنَّهُ صَاحِبُهَا، كَالْوَدِيعَةِ، فَإِنْ دَفَعَهَا، فَجَاءَ آخَرُ فَوَصَفَهَا، أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً لَزِمَ الْوَاصِفَ غَرَامَتُهَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَى مَالِكِهَا بِتَفْرِيطِهِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى مُدَّعِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ، وَلِصَاحِبِهَا تَضْمِينُ آخِذِهَا، فَإِذَا ضَمَّنَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ. وَإِنْ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَدَّعِيهَا فَلِلْمُلْتَقِطِ مُطَالَبَةُ آخِذِهَا بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مَجِيءَ صَاحِبِهَا، فَيُغَرِّمُهُ إيَّاهَا، وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، فَمَلَكَ أَخْذَهَا مِنْ غَاصِبِهَا، كَالْوَدِيعَةِ.
[مَسْأَلَة اللُّقَطَةَ فِي الْحَوْلِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ]
(4515)
مَسْأَلَةٌ قَالَ: (أَوْ مِثْلُهَا إنْ كَانَتْ قَدْ اُسْتُهْلِكَتْ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ اللُّقَطَةَ فِي الْحَوْلِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ، إنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ أَوْ نَقَصَتْ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَالْوَدِيعَةِ. وَمَتَى جَاءَ صَاحِبُهَا، فَوَجَدَهَا أَخَذَهَا بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ؛ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلِكِهِ. وَإِنْ
أَتْلَفَهَا الْمُلْتَقِطُ، أَوْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ، ضَمِنَهَا بِمِثْلِهَا إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَبِقِيمَتِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِثْلٌ. لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا
وَإِنْ تَلِفَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ، ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ مِثْلُهَا أَوْ قِيمَتُهَا بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلِكِهِ، وَتَلِفَتْ مِنْ مَالِهِ، وَسَوَاءٌ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ. وَإِنْ وَجَدَ الْعَيْنَ نَاقِصَةً، وَكَانَ نَقْصُهَا بَعْدَ الْحَوْلِ، أَخَذَ الْعَيْنَ وَأَرْشَ نَقْصِهَا؛ لِأَنَّ جَمِيعَهَا مَضْمُونٌ إذَا تَلِفَتْ، فَكَذَلِكَ إذَا نَقَصَتْ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ حَكَمُوا بِمِلْكِهِ لَهَا بِمُضِيِّ حَوْلِ التَّعْرِيفِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا يَمْلِكُهَا حَتَّى يَتَمَلَّكَهَا. لَمْ يُضَمِّنْهُ إيَّاهَا حَتَّى يَتَمَلَّكَهَا، وَحُكْمُهَا قَبْلَ تَمَلُّكِهِ إيَّاهَا حُكْمُهَا قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلِ التَّعْرِيفِ. وَمَنْ قَالَ: لَا تُمْلَكُ اللُّقَطَةُ بِحَالٍ
لَمْ يُضَمِّنْهُ إيَّاهَا. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَأَبُو مِجْلَزٍ وَالْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو يُوسُفَ، قَالُوا: لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ ضَاعَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ دَلِيلَ دُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ. وَقَالَ دَاوُد: إذَا تَمَلَّكَ الْعَيْنَ وَأَتْلَفَهَا، لَمْ يَضْمَنْهَا.
وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ لَوَّحَ إلَى مِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ؛ لِحَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا، وَإِلَّا فَهِيَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ»
فَجَعَلَهُ مُبَاحًا. وَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَعْرِفُهَا، وَإِلَّا فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِك» . وَفِي حَدِيثِ زَيْدٍ: «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا فَشَأْنَك بِهَا» . وَرُوِيَ: " فَهِيَ لَك ". وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِرَدِّ بَدَلَهَا. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا، وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَك، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ، فَادْفَعْهَا إلَيْهِ» . وَقَالَ الْأَثْرَمُ: قَالَ أَحْمَدُ: أَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ. جَوَّدَهُ، وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِثْلَ مَا رَوَاهُ:«إنْ جَاءَ صَاحِبُهَا بَعْدَ سَنَةٍ، وَقَدْ أَنْفَقَهَا، رَدَّهَا إلَيْهِ»
لِأَنَّهَا عَيْنٌ يَلْزَمُ رَدُّهَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً، فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا إذَا أَتْلَفَهَا، كَمَا قَبْلَ الْحَوْلِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ، فَلَمْ يَجُزْ إسْقَاطُ حَقِّهِ مِنْهُ مُطْلَقًا، كَمَا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى مَالِ غَيْرِهِ، وَإِنْ وَجَدَ الْعَيْنَ زَائِدَةً بَعْدَ الْحَوْلِ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً، أَخَذَهَا بِزِيَادَتِهَا؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْإِقَالَةِ، فَتَبِعَتْ هَاهُنَا. وَإِنْ حَدَثَ بَعْدَ الْحَوْلِ لَهَا نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ، فَهُوَ لِلْمُلْتَقِطِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ مُتَمَيِّزٌ لَا يَتْبَعُ فِي الْفُسُوخِ، فَكَانَ لَهُ، كَنَمَاءِ الْمَبِيعِ إذَا رُدَّ بِعَيْبٍ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ وَجْهًا آخَرَ، بِنَاءً عَلَى الْمُفْلِسِ إذَا اُسْتُرْجِعَتْ مِنْهُ الْعَيْنُ بَعْدَ أَنْ زَادَتْ زِيَادَةً مُتَمَيِّزَةً، وَالْوَلَدِ إذَا اسْتَرْجَعَ أَبُوهُ مَا وَهَبَهُ لَهُ بَعْدَ زِيَادَتِهِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُلْتَقِطِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَكَذَلِكَ الصَّحِيحُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا أَنَّ الزِّيَادَةَ لِمَنْ حَدَثَتْ فِي مِلِكِهِ. ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا يَضْمَنُ النَّقْصَ، فَتَكُونُ لَهُ الزِّيَادَةُ، لِيَكُونَ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ، وَثَمَّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، فَأَمْكَنَ أَنْ لَا يَكُونَ الْخَرَاجُ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَتَى اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ.