الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَبْلَ الْحَوْلِ، وَيَمْلِكُهَا بَعْدَ إتْمَامِ التَّعْرِيفِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْحَوْلِ، وِرْثَهَا الْوَارِثُ، كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْمَيِّتِ، وَمَتَى جَاءَ صَاحِبُهَا، أَخَذَهَا مِنْ الْوَارِثِ، كَمَا يَأْخُذُهَا مِنْ الْمَوْرُوثِ، فَإِنْ كَانَتْ مَعْدُومَةَ الْعَيْنِ، فَصَاحِبُهَا غَرِيمٌ لِلْمَيِّتِ بِمِثْلِهَا إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، أَوْ بِقِيمَتِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، فَيَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ اتَّسَعَتْ لِذَلِكَ، وَإِنْ ضَاقَتْ التَّرِكَةُ زَاحَمَ الْغُرَمَاءُ بِبَدَلِهَا، سَوَاءٌ تَلِفَتْ بَعْدَ الْحُلُولِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ بِمُضِيِّ الْحَوْلِ
وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِهَا؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا، كَالْوَدِيعَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ تَلِفَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ تَمَلُّكِهَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، عَلَى رَأْيِ مِنْ رَأَى أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يَتَمَلَّكَهَا. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ. فَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ تَلَفَهَا، وَلَمْ يَجِدْهَا فِي تَرِكَتِهِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ صَاحِبَهَا غَرِيمٌ بِهَا، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْمُلْتَقَطِ شَيْءٌ، وَيَسْقُطَ حَقُّ صَاحِبِهَا، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُلْتَقِطِ مِنْهَا
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ قَدْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ، فَلَا تُشْغَلُ ذِمَّتُهُ بِالشَّكِّ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَوْتُ قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَمَانَةً عِنْدَهُ، وَلَمْ تُعْلَمْ جِنَايَتُهُ فِيهَا، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْهَا. وَإِنْ مَاتَ بَعْد الْحَوْلِ، فَهِيَ فِي تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا إلَى مَا بَعْدَ الْحَوْلِ، وَدُخُولُهَا فِي مِلْكِهِ، وَوُجُوبُ بَدَلِهَا عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قُلْتُمْ إنَّ صَاحِبَهَا لَوْ جَاءَ بَعْدَ بَيْعِ الْمُلْتَقِطِ لَهَا، أَوْ هِبَتِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا بَدَلُهَا، فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهَا إذَا انْتَقَلَتْ إلَى الْوَارِثِ يَمْلِكُ صَاحِبُهَا أَخْذَهَا؟ قُلْنَا: لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمَوْرُوثِ
، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِمَوْرُوثِهِ، وَمِلْكُ مَوْرُوثِهِ فِيهَا كَانَ مُرَاعَاةً مَشْرُوطًا بِعَدَمِ مَجِيءِ صَاحِبِهَا، فَكَذَلِكَ مِلْكُ وَارِثِهِ، بِخِلَافِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَالْمُتَّهَبِ، فَإِنَّهُمَا يَمْلِكَانِ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا.
[مَسْأَلَة كَانَ صَاحِبُ اللُّقَطَة جَعَلَ لِمَنْ وَجَدَهَا شَيْئًا مَعْلُومًا]
(4527)
مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا جَعَلَ لِمَنْ وَجَدَهَا شَيْئًا مَعْلُومًا، فَلَهُ أَخْذُهُ إنْ كَانَ الْتَقَطَهَا بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُ الْجُعْلُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْجَعَالَةَ فِي رَدِّ الضَّالَّةِ وَالْآبِقِ وَغَيْرِهِمَا جَائِزَةٌ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] . وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ «أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَوْا حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَلَمْ يُقْرُوهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ لُدِغَ سَيِّدُ أُولَئِكَ، فَقَالُوا: هَلْ فِيكُمْ رَاقٍ؟ فَقَالُوا: لَمْ تُقْرُونَا، فَلَا نَفْعَلُ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعَ شِيَاهٍ، فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفُلُ، فَبَرَأَ الرَّجُلُ، فَأَتَوْهُمْ بِالشَّاءِ، فَقَالُوا: لَا نَأْخُذُهَا حَتَّى نَسْأَلَ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَسَأَلُوا النَّبِيَّ
- صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ خُذُوهَا، وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعَمَلَ قَدْ يَكُونُ مَجْهُولًا، كَرَدِّ الْآبِقِ وَالضَّالَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا تَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ فِيهِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى رَدِّهِمَا، وَقَدْ لَا يَجِدُ مَنْ يَتَبَرَّعُ بِهِ، فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى إبَاحَةِ بَذْلِ الْجُعْلِ فِيهِ، مَعَ جَهَالَةِ الْعَمَلِ
؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِجَارَةَ لَمَّا كَانَتْ لَازِمَةً، افْتَقَرَتْ إلَى تَقْدِيرِ مُدَّةٍ، وَالْعُقُودُ الْجَائِزَةُ كَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ لَا يَجِبُ تَقْدِيرُ مُدَّتِهَا، وَلِأَنَّ الْجَائِزَةَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَرْكُهَا، فَلَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَلْزَمَهُ مَجْهُولٌ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ اللَّازِمَةِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِذَا قَالَ: مَنْ رَدَّ عَلَيَّ ضَالَّتِي أَوْ عَبْدِي الْآبِقَ، أَوْ خَاطَ لِي هَذَا الْقَمِيصَ، أَوْ بَنَى لِي هَذَا الْحَائِطَ، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا. صَحَّ، وَكَانَ عَقْدًا جَائِزًا، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ فِيهِ قَبْلَ حُصُولِ الْعَمَلِ. لَكِنْ إنْ رَجَعَ الْجَاعِلُ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالْعَمَلِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِهِ، فَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَمِلَ بِعِوَضٍ، فَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ
وَإِنْ فَسَخَ الْعَامِلُ قَبْلَ إتْمَامِ الْعَمَلِ، فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ، حَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِمَا شَرَطَ عَلَيْهِ الْعِوَضَ، وَيَصِيرُ كَعَامِلِ الْمُضَارَبَةِ إذَا فَسَخَ قَبْلَ ظُهُورِ الرِّبْحِ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَمَلِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى كَوْنِ الْعَمَلِ مَجْهُولًا، بِأَنْ لَا يَعْلَمَ مَوْضِعَ الضَّالَّةِ وَالْآبِقِ، وَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إلَى جَهَالَةِ الْعِوَضِ
وَالثَّانِي أَنَّ الْعَمَلَ لَا يَصِيرُ لَازِمًا، فَلَمْ يَجِبْ كَوْنُهُ مَعْلُومًا، وَالْعِوَضُ يَصِيرُ لَازِمًا بِإِتْمَامِ الْعَمَلِ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ مَعْلُومًا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجُوزَ الْجَعَالَةُ مَعَ جَهَالَةِ الْعِوَضِ إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ لَا تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ، نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي الْآبِقَ فَلَهُ نِصْفُهُ، وَمَنْ رَدَّ ضَالَّتِي فَلَهُ ثُلُثُهَا. فَإِنَّ أَحْمَدَ قَالَ: إذَا قَالَ الْأَمِيرُ فِي الْغَزْوِ: مَنْ جَاءَ بِعَشَرَةِ رُءُوسٍ فَلَهُ رَأْسٌ. جَازَ وَقَالُوا: إذَا جَعَلَ جُعْلًا لِمَنْ يَدُلُّهُ عَلَى قَلْعَةٍ، أَوْ طَرِيقٍ سَهْلٍ، وَكَانَ الْجُعْلُ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ، جَازَ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا، كَجَارِيَةٍ يُعَيِّنُهَا الْعَامِلُ
فَيُخَرَّجُ هَاهُنَا مِثْلُهُ. فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ، لَمْ تَصِحَّ الْجَعَالَةُ، وَجْهًا وَاحِدًا. وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ مَعْلُومًا، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي مِنْ الْبَصْرَةِ، أَوْ بَنَى لِي هَذَا الْحَائِطَ، أَوْ خَاطَ قَمِيصِي هَذَا، فَلَهُ كَذَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ مَعَ الْجَهَالَةِ فَمَعَ الْعِلْمِ أَوْلَى. وَإِنْ عَلَّقَهُ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، فَقَالَ: مَنْ رَدَّ لِي عَبْدِي مِنْ الْعِرَاقِ فِي شَهْرٍ، فَلَهُ دِينَارٌ. أَوْ مَنْ خَاطَ قَمِيصِي هَذَا فِي الْيَوْمِ، فَلَهُ دِرْهَمٌ. صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا جَازَتْ مَجْهُولَةً، فَمَعَ التَّقْدِيرِ أَوْلَى
فَإِنْ قِيلَ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَجُوزُ فِي الْإِجَارَةِ، فَكَيْفَ أَجَزْتُمُوهُ فِي الْجَعَالَةِ؟ قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وُجُوهٍ، أَحَدُهَا أَنَّ الْجَعَالَةَ يُحْتَمَلُ فِيهَا الْغَرَرُ، وَتَجُوزُ مَعَ جَهَالَةِ الْعَمَلِ وَالْمُدَّةِ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ.