الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ
، فَإِنَّهُ عَمِلَ فِيهَا بِأَخْذِهَا نَاوِيًا لِلْخِيَانَةِ فِيهَا، فَوَجَبَ الضَّمَانُ بِفِعْلِهِ الْمَنْوِيِّ، لَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ. وَلَوْ الْتَقَطَهَا قَاصِدًا لَتَعْرِيفِهَا، ثُمَّ نَوَى بَعْدَ ذَلِكَ إمْسَاكَهَا لِنَفْسِهِ، كَانَتْ كَمَسْأَلَتِنَا. وَلَوْ أَخْرَجَهَا بِنِيَّةِ الِاسْتِعْمَالِ، فَلَمْ يَسْتَعْمِلْهَا، ضَمِنَهَا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَضْمَنُهَا إلَّا بِالِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهَا لِنَقْلِهَا لَمْ يَضْمَنْهَا. وَلَنَا، أَنَّهُ تَعَدَّى بِإِخْرَاجِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَعْمَلَهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا نَقَلَهَا.
[فَصْلٌ الْمُودَعُ أَمِينٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِيه مِنْ تَلَفِ الْوَدِيعَة]
(5062)
فَصْلٌ: وَالْمُودَعُ أَمِينٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ تَلَفِ الْوَدِيعَةِ. بِغَيْرِ خِلَافٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا أَحْرَزَ الْوَدِيعَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهَا ضَاعَتْ، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ. وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: مَعَ يَمِينِهِ. وَإِنْ ادَّعَى رَدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَيْضًا. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. وَإِنْ كَانَ أَوْدَعَهُ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ
وَلَنَا، أَنَّهُ أَمِينٌ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي قَبْضِهَا، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، كَمَا لَوْ أَوْدَعَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. وَإِنْ قَالَ: دَفَعْتهَا إلَى فُلَانٍ بِأَمْرِكَ. فَأَنْكَرَ مَالِكُهَا الْإِذْنَ فِي دَفْعِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْعَنْبَرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ، وَلَهُ تَضْمِينُهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ ادَّعَى دَفْعًا يَبْرَأُ بِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، كَمَا لَوْ ادَّعَى رَدَّهَا عَلَى مَالِكِهَا. وَلَوْ اعْتَرَفَ الْمَالِكُ بِالْإِذْنِ، وَلَكِنْ قَالَ: لَمْ يَدْفَعْهَا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ أَيْضًا، ثُمَّ نَنْظُرُ فِي الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ؛ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَهُ، وَكَانَ الدَّفْعُ فِي دَيْنٍ، فَقَدْ بَرِئَ الْكُلُّ، وَإِنْ أَنْكَرَ.
فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ الدَّافِعَ يَضْمَنُ؛ لِكَوْنِهِ قَضَى الدَّيْنَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَلَا يَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ مُفَرِّطٌ، لِكَوْنِهِ أَذِنَ فِي قَضَاءٍ يُبَرِّئُهُ مِنْ الْحَقِّ وَلَمْ يَبْرَأْ بِدَفْعِهِ، فَكَانَ ضَامِنًا، سَوَاءٌ صَدَّقَهُ أَوْ كَذَّبَهُ. وَإِنْ أَمَرَهُ بِدَفْعِهِ وَدِيعَةً، لَمْ يَحْتَجْ إلَى بَيِّنَةٍ، لِأَنَّ الْمُودَعَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّلَفِ وَالرَّدِّ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ. فَعَلَى هَذَا يَحْلِفُ الْمُودَعُ، وَيَبْرَأُ، وَيَحْلِفُ الْآخِرُ وَيَبْرَأُ أَيْضًا، وَيَكُونُ ذَهَابُهَا مِنْ مَالِكِهَا.
[فَصْلٌ أُودِعَ بَهِيمَةً فَأَمَرَهُ صَاحِبُهَا بِعَلْفِهَا وَسَقْيِهَا]
(5063)
فَصْلٌ: وَإِذَا أَوْدَعَ بَهِيمَةً، فَأَمَرَهُ صَاحِبُهَا بِعَلْفِهَا وَسَقْيِهَا، لَزِمَهُ ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ؛
أَحَدُهُمَا، لِحُرْمَةِ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ. وَالثَّانِي، لِحُرْمَةِ الْبَهِيمَةِ، فَإِنَّ الْحَيَوَانَ يَجِبُ إحْيَاؤُهُ بِالْعَلْفِ وَالسَّقْيِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ عَلْفُهَا. إلَّا أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا تَبَرُّعٌ مِنْهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ أَمْرِ صَاحِبِهَا، كَغَيْرِ الْوَدِيعَةِ. وَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِعَلْفِهَا، لَزِمَهُ ذَلِكَ أَيْضًا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ ذَلِكَ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحْفَظَهُ إيَّاهَا، وَلَمْ يَأْمُرْ بِعَلْفِهَا، وَالْعَلْفُ عَلَى مَالِكِهَا، فَإِذَا لَمْ يَعْلِفْهَا كَانَ هُوَ الْمُفَرِّطَ فِي مَالِهِ
وَلَنَا، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إتْلَافُهَا، وَلَا التَّفْرِيطُ فِيهَا، فَإِذَا أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ عَلْفَهَا وَسَقْيَهَا، ثُمَّ نَنْظُرُ؛ فَإِنْ قَدَرَ الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى صَاحِبِهَا أَوْ وَكِيلِهِ، طَالَبَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، أَوْ بِرَدِّهَا عَلَيْهِ، أَوْ يَأْذَنُ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا لِيَرْجِعَ بِهِ. فَإِذَا عَجَزَ عَنْ صَاحِبِهَا أَوْ وَكِيلِهِ، رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ، فَإِنْ وَجَدَ لِصَاحِبِهَا مَالًا أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَالًا فَعَلَ مَا يَرَى لَصَاحِبِهَا الْحَظَّ فِيهِ، مِنْ بَيْعِهَا، أَوْ بَيْعِ بَعْضِهَا وَإِنْفَاقِهِ عَلَيْهَا، أَوْ إجَارَتِهَا، أَوْ الِاسْتِدَانَةِ عَلَى صَاحِبِهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَيَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْمُودَعِ إنْ أَرَادَ ذَلِكَ لِيُنْفِقَهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ رَأَى دَفْعَهُ إلَى غَيْرِهِ لِيَتَوَلَّى الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا، جَازَ.
وَإِنْ اسْتَدَانَ مِنْ الْمُودَعِ، جَازَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ لِيَتَوَلَّى الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَيْهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْحَاكِمُ فِي أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ، وَيَكُونَ قَابِضًا لِنَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَكِلُ ذَلِكَ إلَى اجْتِهَادِهِ فِي قَدْرِ مَا يُنْفِقُ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى صَاحِبِهَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ إذَا ادَّعَى النَّفَقَةَ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِنْ ادَّعَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، لَمْ يَثْبُتْ لَهُ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي أَنْفَقَ فِيهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَاكِمِ، فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مُحْتَسِبًا بِالرُّجُوعِ عَلَى صَاحِبِهَا، وَأَشْهَدَ عَلَى الرُّجُوعِ، رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ، رِوَايَةً وَاحِدَةً.
لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا، وَلَا تَفْرِيطَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا. وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ إمْكَانِ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ، فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. نَصَّ عَلَيْهَا فِيمَا إذَا أَنْفَقَ عَلَى الْبَهِيمَةِ الْمَرْهُونَةِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ، وَفِي الضَّامِنِ إذَا ضَمِنَ وَأَدَّى بِغَيْرِ إذْنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، هَلْ يَرْجِعُ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، يَرْجِعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِتَرْكِ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ. وَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ، مَعَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ، أَوْ مَعَ إمْكَانِهِ، فَفِي الرُّجُوعِ وَجْهَانِ أَيْضًا كَذَلِكَ. وَمَتَى عَلَفَ الْبَهِيمَةَ أَوْ سَقَاهَا فِي دَارِهِ، أَوْ غَيْرِهَا، بِنَفْسِهِ، أَوْ أَمَرَ غُلَامَهُ أَوْ صَاحِبَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، كَمَا يَفْعَلُ فِي بَهَائِمِهِ.
عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ، فَأَشْبَهَ الْمُصَرَّحَ بِهِ.