الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَعْنِي عَطِيَّتَهَا مِنْ الثُّلُثِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٌ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: إذَا أَثْقَلَتْ لَا يَجُوزُ لَهَا إلَّا الثُّلُثُ. وَلَمْ يَحِدْ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَقَتَادَةُ: عَطِيَّةُ الْحَامِلِ مِنْ الثُّلُثِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: عَطِيَّةُ الْحَامِلِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، مَا لَمْ يَضْرِبْهَا الْمَخَاضُ، فَإِذَا ضَرَبَهَا الْمَخَاضُ، فَعَطِيَّتُهَا مِنْ الثُّلُثِ
وَبِهَذَا قَالَ النَّخَعِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْعَنْبَرِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ ضَرْبِ الْمَخَاضِ لَا تَخَافُ الْمَوْتَ، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَخَافُ الْمَوْتَ إذَا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ، فَأَشْبَهَتْ صَاحِبَ الْأَمْرَاضِ الْمُمْتَدَّةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ صَاحِبَ فِرَاشٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ: عَطِيَّتُهَا كَعَطِيَّةِ الصَّحِيحِ. وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ سَلَامَتُهَا. وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ سِتَّةَ الْأَشْهُرِ وَقْتٌ يُمْكِنُ الْوِلَادَةُ فِيهِ، وَهِيَ مِنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ
وَالصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنَّهَا إذَا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ، كَانَ مَخُوفًا؛ لِأَنَّهُ أَلَمٌ شَدِيدٌ يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ، فَأَشْبَهَتْ صَاحِبَ سَائِرِ الْأَمْرَاضِ الْمَخُوفَةِ. وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَا أَلَمَ بِهَا، وَاحْتِمَالُ وُجُودِهِ خِلَافُ الْعَادَةِ، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِاحْتِمَالِهِ الْبَعِيدِ مَعَ عَدَمِهِ، كَالصَّحِيحِ، فَأَمَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ، فَإِنْ بَقِيَتْ الْمَشِيمَةُ مَعَهَا، فَهُوَ مَخُوفٌ، وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ مَعَهَا، فَهُوَ مَخُوفٌ؛ لِأَنَّهُ يَصْعُبُ خُرُوجُهُ، وَإِنْ وَضَعَتْ الْوَلَدَ، وَخَرَجَتْ الْمَشِيمَةُ، وَحَصَلَ ثَمَّ وَرَمٌ أَوْ ضَرْبَانِ شَدِيدٌ، فَهُوَ مَخُوفٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي النُّفَسَاءِ: إنْ كَانَتْ تَرَى الدَّمَ، فَعَطِيَّتُهَا مِنْ الثُّلُثِ
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَهُ أَلَمٌ لِلُزُومِهِ لِذَلِكَ فِي الْغَالِبِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ تَرَى الدَّمَ، كَانَتْ كَالْمَرِيضِ، وَحُكْمُهَا بَعْدَ السَّقْطِ كَحُكْمِهَا بَعْدَ وَضْعِ الْوَلَدِ التَّامِّ. وَإِنْ أَسْقَطَتْ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً، فَلَا حُكْمَ لَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مَرَضٌ أَوْ أَلَمٌ. وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّ مُجَرَّدَ الدَّمِ عِنْدَهُ لَيْسَ بِمَخُوفٍ.
[فَصْلٌ يُحَصِّل الْخَوْف فِي مَوَاضِع خَمْسَة تَقُوم مَقَام الْمَرَض فِي تَصْرِف الْمَرِيض الْمُوصِي]
(4708)
فَصْلٌ: وَيَحْصُلُ الْخَوْفُ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَاهُ، فِي مَوَاضِعَ خَمْسَةٍ، تَقُومُ مَقَامَ الْمَرَضِ؛ أَحَدُهَا، إذَا الْتَحَمَ الْحَرْبُ، وَاخْتَلَطَتْ الطَّائِفَتَانِ لِلْقِتَالِ، وَكَانَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مُكَافِئَةً لِلْأُخْرَى أَوْ مَقْهُورَةً. فَأَمَّا الْقَاهِرَةُ مِنْهُمَا بَعْدَ ظُهُورِهَا، فَلَيْسَتْ خَائِفَةً. وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَخْتَلِطُوا، بَلْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزَةً، سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا رَمْيٌ بِالسِّهَامِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَلَيْسَتْ حَالَةَ خَوْفٍ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الطَّائِفَتَيْنِ مُتَّفِقَتَيْنِ فِي الدِّينِ أَوْ مُفْتَرِقَتَيْنِ
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ. وَنَحْوُهُ عَنْ مَكْحُولٍ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا، كَقَوْلِ الْجَمَاعَةِ. وَالثَّانِي، لَيْسَ بِمَخُوفٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَرِيضٍ.
وَلَنَا، أَنَّ تَوَقُّعَ التَّلَفِ هَاهُنَا كَتَوَقُّعِ الْمَرَضِ أَوْ أَكْثَرَ، فَوَجَبَ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ، وَلِأَنَّ الْمَرَضَ إنَّمَا جُعِلَ مَخُوفًا لِخَوْفِ صَاحِبِهِ التَّلَفَ، وَهَذَا كَذَلِكَ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا حَضَرَ الْقِتَالَ، كَانَ عِتْقُهُ مِنْ الثُّلُثِ
وَعَنْهُ: إذَا الْتَحَمَ الْحَرْبُ، فَوَصِيَّتُهُ مِنْ الْمَالِ كُلِّهِ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا رِوَايَةً ثَانِيَةً، وَتُسَمَّى الْعَطِيَّةُ وَصِيَّةً تَجَوُّزًا؛ لِكَوْنِهَا فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ، وَلِكَوْنِهَا عِنْدَ الْمَوْتِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْمَالِ كُلِّهِ. لَكِنْ يَقِفُ الزَّائِدُ عَلَى الثُّلُثِ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنَّ حُكْمَ وَصِيَّةِ الصَّحِيحِ وَخَائِفِ التَّلَفِ وَاحِدٌ. الثَّانِيَةُ، إذَا قُدِّمَ لِيُقْتَلَ، فَهِيَ حَالَةُ خَوْفٍ، سَوَاءٌ أُرِيدَ قَتْلُهُ لِلْقِصَاصِ، أَوْ لِغَيْرِهِ.
وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَخُوفٌ.
وَالثَّانِي: إنْ جُرِحَ فَهُوَ مَخُوفٌ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ صَحِيحُ الْبَدَنِ، وَالظَّاهِرُ الْعَفْوُ عَنْهُ
وَلَنَا، أَنَّ التَّهْدِيدَ بِالْقَتْلِ جُعِلَ إكْرَاهًا يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، وَصِحَّةَ الْبَيْعِ، وَيُبِيحُ كَثِيرًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، وَلَوْلَا الْخَوْفُ لَمْ تَثْبُتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ، وَإِذَا حُكِمَ لِلْمَرِيضِ وَحَاضِرِ الْحَرْبِ بِالْخَوْفِ مَعَ ظُهُورِ السَّلَامَةِ، وَبَعْدَ وُجُودِ التَّلَفِ، فَمَعَ ظُهُورِ التَّلَفِ وَقُرْبِهِ أَوْلَى، وَلَا عِبْرَةَ بِصِحَّةِ الْبَدَنِ فَإِنَّ الْمَرَضَ لَمْ يَكُنْ مُثْبِتًا لِهَذَا الْحُكْمِ لِعَيْنِهِ، بَلْ لِخَوْفِ إفْضَائِهِ إلَى التَّلَفِ، فَثَبَتَ الْحُكْمُ هَاهُنَا بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ، لِظُهُورِ التَّلَفِ. الثَّالِثَةُ، إذَا رَكِبَ الْبَحْرَ، فَإِنْ كَانَ سَاكِنًا فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ، وَإِنْ تَمَوَّجَ وَاضْطَرَبَ وَهَبَّتْ الرِّيحُ الْعَاصِفُ، فَهُوَ مَخُوفٌ.
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ، بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [يونس: 22] . الرَّابِعَةُ، الْأَسِيرُ وَالْمَحْبُوسُ، إذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ الْقَتْلُ، فَهُوَ خَائِفٌ، عَطِيَّتُهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْحَسَنُ لَمَّا حَبَسَ الْحَجَّاجُ إيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ: لَيْسَ لَهُ مِنْ مَالِهِ إلَّا الثُّلُثُ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَطِيَّةُ الْأَسِيرِ مِنْ الثُّلُثِ. وَلَمْ يُفَرِّقْ. وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ. وَتَأَوَّلَ الْقَاضِي مَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ ابْتِدَاءً. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، وَمَالِكٌ: الْغَازِي عَطِيَّتُهُ مِنْ الثُّلُثِ. وَقَالَ