الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْجُمْلَةُ الرَّابِعَةُ فِي وَقْتِ الزَّكَاةِ]
ِ وَأَمَّا وَقْتُ الزَّكَاةِ: فَإِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ يَشْتَرِطُونَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَاشِيَةِ الْحَوْلَ، لِثُبُوتِ ذَلِكَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَلِانْتِشَارِهِ فِي الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَلِانْتِشَارِ الْعَمَلِ بِهِ، وَلِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الِانْتِشَارِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ. وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» . وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَلَيْسَ فِيهِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ خِلَافٌ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ.
وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ: أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ. وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي مَسَائِلَ ثَمَانِيَةٍ مَشْهُورَةٍ:
إِحْدَاهَا: هَلْ يُشْتَرَطُ الْحَوْلُ فِي الْمَعْدِنِ إِذَا قُلْنَا إِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ؟ .
الثَّانِيَةُ: فِي اعْتِبَارِ حَوْلِ رِبْحِ الْمَالِ.
الثَّالِثَةُ: حَوْلُ الْفَوَائِدِ الْوَارِدَةِ عَلَى مَالٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
الرَّابِعَةُ: فِي اعْتِبَارِ حَوْلِ الدَّيْنِ إِذَا قُلْنَا إِنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ.
الْخَامِسَةُ: فِي اعْتِبَارِ حَوْلِ الْعُرُوضِ إِذَا قُلْنَا إِنَّ فِيهَا الزَّكَاةَ.
السَّادِسَةُ: فِي حَوْلِ فَائِدَةِ الْمَاشِيَةِ.
السَّابِعَةُ: فِي حَوْلِ نَسْلِ الْغَنَمِ إِذَا قُلْنَا إِنَّهَا تُضَمُّ إِلَى الْأُمَّهَاتِ، إِمَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يَشْتَرِطُ أَنْ تَكُونَ الْأُمَّهَاتُ نِصَابًا، وَهُوَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَإِمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ.
وَالثَّامِنَةُ: فِي جَوَازِ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ.
أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: وَهِيَ الْمَعْدِنُ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رَاعَى فِيهِ الْحَوْلَ مَعَ النِّصَابِ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَرَاعَى فِيهِ النِّصَابَ دُونَ الْحَوْلِ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: تَرَدُّدُ شَبَهِهِ بَيْنَ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَبَيْنَ التِّبْرِ وَالْفِضَّةِ الْمُقْتَنَيَيْنِ، فَمَنْ شَبَّهَهُ بِمَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ لَمْ يَعْتَبَرِ الْحَوْلَ فِيهِ، وَمَنْ شَبَّهَهُ بِالتِّبْرِ وَالْفِضَّةِ الْمُقْتَنَيَيْنِ أَوْجَبَ الْحَوْلَ، وَتَشْبِيهُهُ بِالتِّبْرِ وَالْفِضَّةِ أَبْيَنُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَأَمَّا اعْتِبَارُ حَوْلِ رِبْحِ الْمَالِ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
فَرَأَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ حَوْلَهُ يُعْتَبَرُ مِنْ يَوْمِ اسْتُفِيدَ، سَوَاءٌ كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ أَنْ لَا يُعَرِّضَ لِأَرْبَاحِ التِّجَارَةِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: حَوْلُ الرِّبْحِ هُوَ حَوْلُ الْأَصْلِ ; أَيْ إِذَا كَمُلَ لِلْأُصُولِ حَوْلٌ زَكَّى الرِّبْحَ مَعَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ إِذَا بَلَغَ الْأَصْلَ مَعَ رِبْحِهِ نِصَابًا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَّا أَصْحَابُهُ.
وَفَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ الْحَائِلُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ نِصَابًا أَوْ لَا يَكُونُ فَقَالُوا: إِنْ كَانَ نِصَابًا زَكَّى الرِّبْحَ مَعَ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُ نِصَابًا لَمْ يُزَكِّ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: تَرَدُّدُ الرِّبْحِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ أَوْ حُكْمَ الْأَصْلِ، فَمَنْ شَبَّهَهُ بِالْمَالِ الْمُسْتَفَادِ ابْتِدَاءً قَالَ: يُسْتَقْبَلُ بِهِ الْحَوْلُ، وَمَنْ شَبَّهَهُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ قَالَ: حُكْمُهُ حُكْمُ رَأْسِ الْمَالِ، إِلَّا أَنَّ مِنْ شُرُوطِ هَذَا التَّشْبِيهِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ قَدْ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا كَانَ نِصَابًا، وَلِذَلِكَ يَضْعُفُ قِيَاسُ الرِّبْحِ عَلَى الْأَصْلِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ مَالِكٌ رضي الله عنه فِي ذَلِكَ هُوَ تَشْبِيهُ رِبْحِ الْمَالِ بِنَسْلِ الْغَنَمِ، لَكِنَّ نَسْلَ الْغَنَمِ مُخْتَلَفٌ أَيْضًا فِيهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ حَوْلُ الْفَوَائِدِ، فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَالَ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ، وَاسْتُفِيدَ إِلَيْهِ مَالٌ مِنْ غَيْرِ رِبْحِهِ يَكْمُلُ مِنْ مَجْمُوعِهِمَ نِصَابٌ، أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ الْحَوْلَ مِنْ يَوْمِ كَمُلَ.
وَاخْتَلَفُوا إِذَا اسْتَفَادَ مَالًا وَعِنْدَهُ نِصَابُ مَالٍ آخَرَ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، فَقَالَ مَالِكٌ: يُزَكِّي الْمُسْتَفَادَ إِنْ كَانَ نِصَابًا لِحَوْلِهِ، وَلَا يُضَمُّ إِلَى الْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَبِهَذَا الْقَوْلِ فِي الْفَوَائِدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ: الْفَوَائِدُ كُلُّهَا تُزَكَّى بِحَوْلِ الْأَصْلِ إِذَا كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا، وَكَذَلِكَ الرِّبْحُ عِنْدَهُمْ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَالِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ؟ أَمْ حُكْمُهُ حُكْمُ مَالٍ لَمْ يَرِدْ عَلَى مَالٍ آخَرَ؟ فَمَنْ قَالَ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَالٍ لَمْ يَرِدْ عَلَى مَالٍ آخَرَ - أَعْنِي مَالًا فِيهِ زَكَاةٌ - قَالَ: لَا زَكَاةَ فِي الْفَوَائِد، وَمَنْ جَعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ الْوَارِدِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ مَالٌ وَاحِدٌ قَالَ: إِذَا كَانَ الْوَارِدُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِكَوْنِهِ نِصَابًا اعْتَبَرَ حَوْلَهُ بِحَوْلِ الْمَالِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ.
وَعُمُومُ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» يَقْتَضِي أَنْ لَا يُضَافَ مَالٌ إِلَى مَالٍ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَكَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اعْتَمَدَ فِي هَذَا قِيَاسَ النَّاضِّ عَلَى الْمَاشِيَةِ، وَمِنْ أَصْلِهِ الَّذِي يَعْتَمِدُهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْحَوْلِ أَنْ يُوجَدَ الْمَالُ نِصَابًا فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، بَلْ أَنْ يُوجَدَ نِصَابًا فِي طَرَفَيْهِ فَقَطْ وَبَعْضًا مِنْهُ فِي كُلِّهِ، فَعِنْدَهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَالٌ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ نِصَابًا، ثُمَّ هَلَكَ بَعْضُهُ فَصَارَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ، ثُمَّ اسْتَفَادَ مَالًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ صَارَ بِهِ نِصَابًا أَنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَهَذَا عِنْدَهُ مَوْجُودٌ فِي هَذَا الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَكْمِلِ الْحَوْلَ، وَهُوَ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ مَالٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ، بَلْ زَادَ وَلَكِنْ أُلْفِيَ فِي طَرَفَيِ الْحَوْلِ نِصَابًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَوْلَ الَّذِي اشْتُرِطَ فِي الْمَالِ إِنَّمَا هُوَ فِي مَالٍ مُعَيَّنٍ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ لَا بِرِبْحٍ وَلَا بِفَائِدَةٍ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، إِذْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِالْحَوْلِ هُوَ كَوْنُ الْمَالِ فَضْلَةً مُسْتَغْنًى عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا بَقِيَ حَوْلًا عِنْدَ الْمَالِكِ لَمْ يَتَغَيَّرْ عِنْدَهُ فَلَيْسَ بِهِ حَاجَةٌ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ فِيهِ الزَّكَاةَ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا هِيَ فُضُولُ الْأَمْوَالِ.
وَأَمَّا مَنْ رَأَى أَنَّ اشْتِرَاطَ الْحَوْلِ فِي الْمَالِ إِنَّمَا سَبَبُهُ النَّمَاءُ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: تُضَمُّ الْفَوَائِدُ فَضْلًا عَنِ الْأَرْبَاحِ إِلَى الْأُصُولِ، وَأَنْ يُعْتَبَرَ النِّصَابُ فِي طَرَفَيِ الْحَوْلِ مَاشِيَةٌ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ ثُمَّ بَاعَهَا وَأَبْدَلَهَا فِي آخِرِ الْحَوْلِ بِمَاشِيَةٍ مِنْ نَوْعِهَا أَنَّهَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ أَيْضًا طَرَفَيِ الْحَوْلِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَخَذَ أَيْضًا مَا اعْتَمَدَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي فَائِدَةِ النَّاضِّ الْقِيَاسَ عَلَى فَائِدَةِ الْمَاشِيَةِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَهِيَ اعْتِبَارُ حَوْلِ الدَّيْنِ إِذَا قُلْنَا إِنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ -: فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ أَوَّلِ مَا كَانَ دَيْنًا يُزَكِّيهِ لِعِدَّةِ ذَلِكَ، إِنْ كَانَ حَوْلًا فَحَوْلٌ، وَإِنْ كَانَ أَحْوَالًا فَأَحْوَالٌ - أَعْنِي: أَنَّهُ إِنْ كَانَ حَوْلًا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنَّ أَحْوَالًا وَجَبَتَ فِيهِ الزَّكَاةُ لِعِدَّةِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ. -
وَقَوْمٌ قَالُوا: يُزَكِّيهِ لِعَامٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ أَقَامَ الدَّيْنَ أَحْوَالًا عِنْدَ الَّذِي عِنْدَهُ الدَّيْنُ.
وَقَوْمٌ قَالُوا: يُسْتَقْبَلُ بِهِ الْحَوْلُ.
وَمَنْ قَالَ: فِيهِ الزَّكَاةُ بِعَدَدِ الْأَحْوَالِ الَّتِي أَقَامَ فَمَصِيرًا إِلَى تَشْبِيهِ الدَّيْنِ بِالْمَالِ الْحَاضِرِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: الزَّكَاةُ فِيهِ لِحَوْلٍ وَاحِدٍ وَإِنْ أَقَامَ أَحْوَالًا، فَلَا أَعْرِفُ لَهُ مُسْتَنَدًا فِي وَقْتِي هَذَا، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مَا دَامَ دَيْنًا أَنْ يَقُولَ: إِنْ فِيهِ زَكَاةً أَوْ لَا يَقُولُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زَكَاةٌ فَلَا كَلَامَ بَلْ يُسْتَأْنِفُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ زَكَاةٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهَا الْحَوْلُ أَوْ لَا يُشْتَرَطَ ذَلِكَ،
فَإِنِ اشْتَرَطْنَا وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ عَدَدُ الْأَحْوَالِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ كُلَّمَا انْقَضَى حَوْلٌ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَدَائِهِ سَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ الْحَقُّ اللَّازِمُ فِي ذَلِكَ الْحَوْلِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ بِشَرْطَيْنِ: حُضُورِ عَيْنِ الْمَالِ، وَحُلُولِ الْحَوْلِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا حَقُّ الْعَامِ الْأَخِيرِ، وَهَذَا يُشَبِّهُهُ مَالِكٌ بِالْعُرُوضِ الَّتِي لِلتِّجَارَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ عِنْدَهُ فِيهَا زَكَاةٌ إِلَّا إِذَا بَاعَهَا وَإِنْ أَقَامَتْ عِنْدَهُ أَحْوَالًا كَثِيرَةً، وَفِيهِ شُبِّهَ مَا بِالْمَاشِيَةِ الَّتِي لَا يَأْتِي السَّاعِي أَعْوَامًا إِلَيْهَا ثُمَّ يَأْتِي فَيَجِدُهَا قَدِ انْقَضَتْ، فَإِنَّهُ يُزَكِّي عَلَى مَذْهَبِ مَالَكٍ الَّذِي وُجِدَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ إِذْ كَانَ مَجِيءُ السَّاعِي شَرْطًا عِنْدَهُ فِي إِخْرَاجِهَا مَعَ حُلُولِ الْحَوْلِ سَقَطَ عَنْهُ حَقُّ ذَلِكَ الْحَوْلِ الْحَاضِرِ وَحُوسِبَ بِهِ فِي الْأَعْوَامِ السَّالِفَةِ، كَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ إِذَا كَانَتْ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَهُوَ شَيْءٌ يَجْرِي عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ مَالِكٌ فِيهِ الْعَمَلَ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ: فَيَرَاهُ ضَامِنًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَجِيءُ السَّاعِي شَرْطًا عِنْدَهُ فِي الْوُجُوبِ، وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ رَأَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ مَالِهِ إِلَّا بِأَنْ يَدْفَعَهَا إِلَى الْإِمَامِ فَعُدِمَ الْإِمَامُ، أَوْ عُدِمَ الْإِمَامُ الْعَادِلُ إِنْ كَانَ مِمَّنْ شَرَطَ الْعَدَالَةَ فِي ذَلِكَ، أَنَّهُ إِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ دَفْعِهَا إِلَى الْإِمَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَمَالِكٌ تَنْقَسِمُ عِنْدَهُ الدُّيُونِ لِهَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ - أَعْنِي: أَنَّ مِنَ الدُّيُونِ عِنْدَهُ مَا يُزَكَّى لِعَامٍ وَاحِدٍ فَقَطْ مِثْلُ دُيُونِ التِّجَارَةِ، وَمِنْهَا مَا يُسْتَقْبَلُ بِهَا الْحَوْلُ مِثْلُ دُيُونِ الْمَوَارِيثِ وَالثَّالِثُ دَيْنُ الْمُدِيرِ - وَتَحْصِيلُ قَوْلِهِ فِي الدُّيُونِ لَيْسَ بِغَرَضِنَا.
الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ
وَهِيَ حَوْلُ الْعُرُوضِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا عِنْدَ الْقَوْلِ فِي نِصَابِ الْعُرُوضِ.
; وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ - وَهِيَ فَوَائِدُ الْمَاشِيَةِ -: فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ فِيهَا خِلَافُ مَذْهَبِهِ فِي فَوَائِدِ النَّاضِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَبْنِي الْفَائِدَةَ عَلَى الْأَصْلِ إِذَا كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا كَمَا يَفْعَلُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي فَائِدَةِ الدَّرَاهِمِ وَفِي فَائِدَةِ الْمَاشِيَةِ، فَأَبُو حَنِيفَةَ مَذْهَبُهُ فِي الْفَوَائِدِ حُكْمٌ وَاحِدٌ - أَعْنِي: أَنَّهَا تُبْنَى عَلَى الْأَصْلِ إِذَا كَانَتْ نِصَابًا، كَانَتْ فَائِدَةَ غَنَمٍ أَوْ فَائِدَةَ نَاضٍّ، وَالْأَرْبَاحُ عِنْدَهُ وَالنَّسْلُ كَالْفَوَائِدِ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَالرِّبْحُ وَالنَّسْلُ عِنْدَهُ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ فَوَائِدِ النَّاضِّ وَفَوَائِدِ الْمَاشِيَةِ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَالْأَرْبَاحُ وَالْفَوَائِدُ عِنْدَهُ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ بِاعْتِبَارِ حَوْلِهِمَا بِأَنْفُسِهِمَا، وَفَوَائِدُ الْمَاشِيَةِ وَنَسْلُهَا وَاحِدٌ باعْتِبَارِ حَوْلِهِمَا بِالْأَصْلِ إِذَا كَانَ نِصَابًا. فَهَذَا هُوَ حَصِيلُ مَذَاهِبِ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا فَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ الْمَاشِيَةِ وَالنَّاضِّ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ، وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ فِيهِمَا وَاحِدٌ - أَعْنِي: أَنَّ الرِّبْحَ شَبِيهٌ بِالنَّسْلِ وَالْفَائِدَةَ بِالْفَائِدَةِ -. وَحَدِيثُ عُمَرَ هَذَا هُوَ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يَعُدَّ عَلَيْهِمْ بِالسِّخَالِ وَلَا يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي بَابِ النِّصَابِ.