الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَهُوَ سَهْمٌ مَشْهُورٌ لَهُ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ شَيْءٌ كَانَ يَصْطَفِيهِ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ فَرَسٌ أَوْ أَمَةٌ أَوْ عَبْدٌ) . وَرُوِيَ أَنَّ صَفِيَّةَ كَانَتْ مِنَ الصَّفِيِّ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الصَّفِيَّ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا أَبَا ثَوْرٍ فَإِنَّهُ قَالَ: يَجْرِي مَجْرَى سَهْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ]
ِ أَجْمَعَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ لِلْغَانِمِينَ إِذَا خَرَجُوا بِإِذْنِ الْإِمَامِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَارِجِينَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ، وَفِيمَنْ يَجِبُ لَهُ سَهْمُهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَمَتَى يَجِبُ، وَكَمْ يَجِبُ، وَفِيمَا يَجُوزُ لَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ؟
فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ لِلَّذِينِ غَنِمُوهَا، خَرَجُوا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ. وَقَالَ قَوْمٌ: إِذَا خَرَجَتِ السَّرِيَّةُ، أَوِ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ - فَكُلُّ مَا سَاقَ نَفْلٌ يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ. وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ يَأْخُذُهُ كُلَّهُ الْغَانِمُ.
فَالْجُمْهُورُ تَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَهَؤُلَاءِ كَأَنَّهُمُ اعْتَمَدُوا صُورَةَ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ مِنْ ذَلِكَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ السَّرَايَا إِنَّمَا كَانَتْ تَخْرُجُ عَنْ إِذْنهِ عليه الصلاة والسلام، فَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ إِذْنَ الْإِمَامَ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَأَمَّا مَنْ لَهُ السَّهْمُ مِنَ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى الذُّكْرَانِ الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَضْدَادِهِمْ أَعْنِي: فِي النِّسَاءِ، وَالْعَبِيدِ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنَ الرِّجَالِ مِمَّنْ قَارَبَ الْبُلُوغَ. فَقَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ لِلْعَبِيدِ، وَلَا لِلنِّسَاءِ حَظٌّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَلَكِنْ يُرْضَخُ لَهُمْ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُرْضَخُ، وَلَا لَهُمْ حَظُّ الْغَانِمِينَ. وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ لَهُمْ حَظٌّ وَاحِدٌ مِنَ الْغَانِمِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ.
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُقْسَمُ لَهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَمِنْهُمْ مَنِ اشْتَرَطَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُطِيقَ الْقِتَالَ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٌ. وَمِنْهُ مَنْ قَالَ: يُرْضَخُ لَهُ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْعَبِيدِ هُوَ هَلْ عُمُومُ الْخِطَابِ يَتَنَاوَلُ الْأَحْرَارَ وَالْعَبِيدَ مَعًا؟ أَمِ الْأَحْرَارَ فَقَطْ دُونَ الْعَبِيدِ؟ وَأَيْضًا فَعَمَلُ الصَّحَابَةِ مُعَارِضٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ انْتَشَرَ فِيهِمْ رضي الله عنهم أَنَّ الْغِلْمَانَ لَا سَهْمَ لَهُمْ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُمَا.
قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَصَحُّ مَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.
وَإِنَّمَا صَارَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُقْسَمُ لَهَا وَيُرْضَخُ بِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ الثَّابِتِ، قَالَتْ:«كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنُدَاوِي الْجَرْحَى، وَنُمَرِّضُ الْمَرْضَى، وَكَانَ يَرْضَخُ لَنَا مِنَ الْغَنِيمَةِ» .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي تَشْبِيهِ الْمَرْأَةِ بِالرَّجُلِ فِي كَوْنِهَا إِذَا غَزَتْ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْحَرْبِ؟ أَمْ لَا؟ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ مُبَاحٌ لَهُنَّ الْغَزْوُ، فَمَنْ شَبَّهَهُنَّ بِالرِّجَالِ أَوْجَبَ لَهُنَّ نَصِيبًا فِي الْغَنِيمَةِ. وَمَنْ رَآهُنَّ نَاقِصَاتٍ عَنِ الرِّجَالِ فِي هَذَا الْمَعْنَى إِمَّا لَمْ يُوجِبْ لَهُنَّ شَيْئًا، وَإِمَّا أَوْجَبَ لَهُنَّ دُونَ حَظِّ الْغَانِمِينَ، وَهُوَ الْأَرْضَاخُ، وَالْأَوْلَى اتِّبَاعُ الْأَثَرِ. وَزَعَمَ الْأَوْزَاعِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْهَمَ لِلنِّسَاءِ بِخَيْبَرَ.
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي التُّجَّارِ وَالْأُجَرَاءِ هَلْ يُسْهَمُ لَهُمْ؟ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُسْهَمُ لَهُمْ إِلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا. وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ يُسْهَمُ إِذَا شَهِدُوا الْقِتَالَ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هُوَ تَخْصِيصُ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] بِالْقِيَاسِ الَّذِي يُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَسَائِرِ الْغَانِمِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ رَأَى أَنَّ التُّجَّارَ وَالْأُجَرَاءَ حُكْمُهُمْ حُكْمُ خِلَافِ سَائِرِ الْمُجَاهِدِينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا الْقِتَالَ، وَإِنَّمَا قَصَدُوا إِمَّا التِّجَارَةَ وَإِمَّا الْإِجَارَةَ - اسْتَثْنَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ. وَمَنْ رَأَى أَنَّ الْعُمُومَ أَقْوَى مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ أَجْرَى الْعُمُومَ عَلَى ظَاهِرِهِ.
وَمِنْ حُجَّةِ مَنِ اسْتَثْنَاهُمْ مَا خَرَّجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ «أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمْ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَوَعَدَهُ. فَلَمَّا حَضَرَ الْخُرُوجُ دَعَاهُ فَأَبَى أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ، وَاعْتَذَرَ لَهُ بِأَمْرِ عِيَالهِ وَأَهْلِهِ، فَأَعْطَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ. فَلَمَّا هَزَمُوا الْعَدُوَّ سَأَلَ الرَّجُلُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ نَصِيبَهُ مِنَ الْمَغْنَمِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: سَأَذْكُرُ أَمْرَكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَهُ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " تِلْكَ الثَّلَاثَةُ دَنَانِيرَ حَظُّهُ وَنَصِيبُهُ مِنْ غَزْوِهِ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ» . وَخَرَّجَ مِثْلَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُنَبِّهٍ.
وَمَنْ أَجَازَ لَهُ الْقَسْمَ شَبَّهَهُ بِالْجَعَائِلِ أَيْضًا، وَهُوَ أَنْ يُعِينَ أَهْلُ الدِّيوَانِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، أَعْنِي: يُعِينُ الْقَاعِدُ مِنْهُمُ الْغَازِيَ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَعَائِلِ، فَأَجَازَهَا مَالِكٌ، وَمَنَعَهَا غَيْرُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ مِنَ السُّلْطَانِ فَقَطْ، أَوْ إِذَا كَانَتْ ضَرُورَةً، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ.
وَأَمَّا الشَّرْطُ الَّذِي يَجِبُ بِهِ لِلْمُجَاهِدِ السَّهْمُ مِنَ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا شَهِدَ الْقِتَالَ وَجَبَ لَهُ السَّهْمُ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَأَنَّهُ إِذَا جَاءَ بَعْدَ الْقِتَالِ فَلَيْسَ لَهُ سَهْمٌ فِي الْغَنِيمَةِ. وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ قَوْمٌ: إِذَا لَحِقَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَجَبَ لَهُ حَظُّهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ إِنِ اشْتَغَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْبَابِهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ سَبَبَانِ: الْقِيَاسُ وَالْأَثَرُ. أَمَّا الْقِيَاسُ فَهُوَ هَلْ يُلْحَقُ تَأْثِيرُ الْغَازِي فِي الْحِفْظِ بِتَأْثِيرِهِ فِي الْأَخْذِ؟ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي شَهِدَ الْقِتَالَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْأَخْذِ، أَعْنِي: فِي أَخْذِ الْغَنِيمَةِ. وَبِذَلِكَ اسْتَحَقَّ السَّهْمَ، وَالَّذِي جَاءَ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إِلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْحِفْظِ؛ فَمَنْ شَبَّهَ التَّأْثِيرَ فِي الْحِفْظِ بِالتَّأْثِيرِ فِي الْأَخْذِ قَالَ: يَجِبُ لَهُ السَّهْمُ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرِ الْقِتَالَ. وَمَنْ رَأَى أَنَّ الْحِفْظَ أَضْعَفُ لَمْ يُوجِبْ لَهُ.
وَأَمَّا الْأَثَرُ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ أَثَرَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «بَعَثَ أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ عَلَى سَرِيَّةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ قِبَلَ نَجْدٍ، فَقَدِمَ أَبَانٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ بَعْدَمَا فَتَحُوهَا، فَقَالَ أَبَانٌ: اقْسِمْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» .
وَالْأَثَرُ الثَّانِي: مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: «إِنَّ عُثْمَانَ انْطَلَقَ فِي حَاجَةِ اللَّهِ وَحَاجَةِ رَسُولِهِ، فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَهْمٍ، وَلَمْ يَضْرِبْ لِأَحَدٍ غَابَ عَنْهَا» . قَالُوا: فَوَجَبَ لَهُ السَّهْمُ؛ لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ كَانَ بِسَبَبِ الْإِمَامِ.
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ: وَثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقِيعَةَ.
وَأَمَّا السَّرَايَا الَّتِي تَخْرُجُ مِنَ الْعَسَاكِرِ فَتَغْنَمُ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْعَسْكَرِ يُشَارِكُونَهُمْ فِيمَا غَنِمُوا، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا الْغَنِيمَةَ وَلَا الْقِتَالَ، وَذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«وَتُرَدُّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَعَدَتِهِمْ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلِأَنَّ لَهُمْ تَأْثِيرًا أَيْضًا فِي أَخْذِ الْغَنِيمَةِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِذَا خَرَجَتِ السَّرِيَّةُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ مِنْ عَسْكَرِهِ خَمَّسَهَا، وَمَا بَقِيَ فَلِأَهْلِ السَّرِيَّةِ. وَإِنْ خَرَجُوا بِغَيْرِ إِذْنِهِ خَمَّسَهَا، وَكَانَ مَا بَقِيَ بَيْنَ أَهْلِ الْجَيْشِ كُلِّهِ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ خَمَّسَ مَا تَرُدُّ السَّرِيَّةُ، وَإِنْ شَاءَ نَفَّلَهُ كُلَّهُ.
وَالسَّبَبُ أَيْضًا فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ هُوَ تَشْبِيهُ تَأْثِيرِ الْعَسْكَرِ فِي غَنِيمَةِ السَّرِيَّةِ بِتَأْثِيرِ مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ بِهَا، وَهُمْ أَهْلُ السَّرِيَّةِ، فَإِذَنِ الْغَنِيمَةُ إِنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِلْمُجَاهِدِ بِأَحَدِ شَرْطَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ حَضَرَ الْقِتَالَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رِدْءًا لِمَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ.
وَأَمَّا كَمْ يَجِبُ لِلْمُقَاتِلِ؟ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْفَارِسِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لَهُ، وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ: سَهْمٌ لِفَرَسِهِ، وَسَهْمٌ لَهُ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ اخْتِلَافُ الْآثَارِ وَمُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ لِلْأَثَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ خَرَّجَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْهَمَ لِرَجُلٍ وَفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمَانِ لِلْفَرَسِ، وَسَهْمٌ لِرَاكِبِهِ» ". وَخَرَّجَ أَيْضًا عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ حَارِثَةَ الْأَنْصَارِيِّ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَأَمَّا الْقِيَاسُ الْمُعَارِضُ لِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ سَهْمُ الْفَرَسِ أَكْبَرَ مِنْ سَهْمِ الْإِنْسَانِ. هَذَا الَّذِي اعْتَمَدَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَرْجِيحِ الْحَدِيثِ الْمُوَافِقِ لِهَذَا الْقِيَاسِ عَلَى الْحَدِيثِ الْمُخَالِفِ لَهُ، وَهَذَا الْقِيَاسُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ سَهْمَ الْفَرَسِ إِنَّمَا اسْتَحَقَّهُ الْإِنْسَانُ الَّذِي هُوَ الْفَارِسُ بِالْفَرَسِ، وَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ تَأْثِيرُ الْفَارِسِ بِالْفَرَسِ فِي الْحَرْبِ ثَلَاثَةَ أَضْعَافِ تَأْثِيرِ الرَّاجِلِ، بَلْ لَعَلَّهُ وَاجِبٌ، مَعَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ أَثْبَتُ.
وَأَمَّا مَا يَجُوزُ لِلْمُجَاهِدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ الْغُلُولِ؛ لِمَا ثَبَتَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«أَدِّ الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ؛ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي إِبَاحَةِ الطَّعَامِ لِلْغُزَاةِ مَا دَامُوا فِي أَرْضِ الْغَزْوِ، فَأَبَاحَ ذَلِكَ الْجُمْهُورُ، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ قَوْمٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ شِهَابٍ. وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ مُعَارَضَةُ الْآثَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي تَحْرِيمِ الْغُلُولِ لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي إِبَاحَةِ أَكْلِ الطَّعَامِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الْمُغَفَّلِ وَحَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى. فَمَنْ خَصَّصَ أَحَادِيثَ تَحْرِيمِ الْغُلُولِ بِهَذِهِ أَجَازَ أَكْلَ الطَّعَامِ لِلْغُزَاةِ، وَمَنْ رَجَّحَ أَحَادِيثَ تَحْرِيمِ الْغُلُولِ عَلَى هَذَا لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ.
وَحَدِيثُ ابْنِ مُغَفَّلٍ هُوَ قَالَ: «أَصَبْتُ جِرَابَ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقُلْتُ: لَا أُعْطِي مِنْهُ شَيْئًا، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْتَسِمُ» خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.