المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفصل الأول في نصاب الذهب والفضة] - بداية المجتهد ونهاية المقتصد - جـ ٢

[ابن رشد الحفيد]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزكاة]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَعْرِفَةِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزكاة مِنَ الْأَمْوَالِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّالِثَةُ فِي مَعْرِفَةُ نصابِ الزكاة]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي نصاب الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي نِصَابِ الْإِبِلِ وَالْوَاجِبِ فِيهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي نِصَابِ الْبَقَرِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي نِصَابِ الْغَنَمِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي نِصَابِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالْقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي نِصَابِ الْعُرُوضِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الرَّابِعَةُ فِي وَقْتِ الزَّكَاةِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الْخَامِسَةُ فِيمَنْ تَجِبُ لَهُ الصَّدَقَةُ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي عَدَدِ الْأَصْنَافِ الَّذِينَ تَجِبُ لَهُمُ الزَّكَاةُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي صِفَاتُ أهل الزكاة الَّتِي يَسْتَوْجِبُونَ بِهَا الصَّدَقَةَ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ قَدْرُ مَا يُعْطَى أهل الزكاة منها]

- ‌[كِتَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْم زكاة الفطر]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ زكاة الفطر وَعَنْ مَنْ تَجِبُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مِمَّاذَا تَجِبُ زكاة الفطر]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ مَتَّى تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ لِمَنْ تُصْرَفُ زكاة الفطر]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ] [

- ‌الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى أَنْوَاعُ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَرْكَان الصيام]

- ‌[الرُّكْنُ الْأَوَّلُ في الصيام هو الزَّمَانُ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّانِي في الصيام وَهُوَ الْإِمْسَاكُ]

- ‌[الرُّكْنُ الثَّالِثُ في الصيام وَهُوَ النِّيَّةُ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ وَهُوَ الْكَلَامُ فِي الْفِطْرِ وَأَحْكَامِهِ]

- ‌[قَضَاءُ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ]

- ‌[أَحْكَامُ الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ في الصيام]

- ‌[أَحْكَامُ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ إِذَا أَفْطَرَ]

- ‌[سُنَنُ الصَّوْمِ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ الثَّانِي]

- ‌[الصيام الْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ]

- ‌[الْأَيَّامُ الْمَنْهِيُّ عَنِ الصِّيَامِ فِيهَا]

- ‌[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ] [

- ‌الْجِنْسُ الْأَوَّلُ مَعْرِفَةُ وُجُوبِ الحج وَشُرُوطِهِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْجِنْسِ الثَّانِي أَرْكَانُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي شُرُوطِ الْإِحْرَامِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي مِيقَاتِ الْمَكَانِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي مِيقَاتِ الزَّمَانِ]

- ‌[مَا يَمْنَعُ الْإِحْرَامَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ لِلْحَلَالِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَنْوَاعِ هَذَا النُّسُكِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ]

- ‌[الْخُرُوجُ إِلَى عَرَفَةَ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَفْعَالِ الْمُزْدَلِفَةِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْجِنْسِ الثَّالِثِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْإِحْصَارِ في الحج]

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ جَزَاءِ الصَّيْدِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى وَحُكْمُ الْحَالِقِ رَأْسَهُ قَبْلَ مَحَلِّ الْحَلْقِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ الْمُتَمَتِّعِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي الْحَجِّ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي فَوَاتِ الْحَجِّ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي الْكَفَّارَاتِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا في الحج]

- ‌ الْقَوْلُ فِي الْهَدْيِ

- ‌[كِتَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ أَرْكَانِ الْحَرْبِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ الجهاد]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الَّذِينَ يُحَارَبُونَ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجُوزُ مِنَ النِّكَايَةِ بِالْعَدُوِّ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي شَرْطِ الْحَرْبِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي مَعْرِفَةِ الْعَدَدِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ الْفِرَارُ عَنْهُمْ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي جَوَازِ الْمُهَادِنَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ لِمَاذَا يُحَارَبُونَ]

- ‌ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ الْأَنْفَالِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي حُكْمِ مَا وُجِدَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْكُفَّارِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ مَا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْأَرْضِ عَنْوَةً]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي قِسْمَةِ الْفَيْءِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي الْجِزْيَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ ضُرُوبِ الْأَيْمَانِ وَأَحْكَامِهَا] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ الْمُبَاحَةِ وَتَمْيِيزِهَا مِنْ غَيْرِهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ اللَّغْوِيَّةِ وَالْمُنْعَقِدَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَيْمَانِ الَّتِي تَرْفَعُهَا الْكَفَّارَةُ وَالَّتِي لَا تَرْفَعُهَا]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَشْيَاءِ الرَّافِعَةِ لِلْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ وَأَحْكَامِهَا]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ النَّظَرُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْيَمِينِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ النَّظَرُ فِي الْكَفَّارَاتِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مُوجِبِ الْحِنْثِ وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي رَافِعِ الْحِنْثِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مَتَى تَرْفَعُ الْكَفَّارَةُ الْحِنْثَ وَكَمْ تَرْفَعُ]

- ‌[كِتَابُ النُّذُورِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَصْنَافِ النُّذُورِ]

- ‌الْفَصْلُ الثَّانِي: فِيمَا يَلْزَمُ مِنَ النُّذُورِ وَمَا لَا يَلْزَمُ

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ الَّذِي يَلْزَمُ عَنْ النذر وَأَحْكَام ذلك]

- ‌[المسألة الأولى الْوَاجِبُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ]

- ‌[كِتَابُ الضَّحَايَا] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الضَّحَايَا وَمَنِ الْمُخَاطَبُ بِهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي أَنْوَاعِ الضَّحَايَا وَصِفَاتِهَا وَأَسْنَانِهَا وَعَدَدِهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ الذَّبْحِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي أَحْكَامِ لُحُومِ الضَّحَايَا]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ مَحَلِّ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي الذَّكَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا تَكُونُ بِهِ الذَّكَاةُ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي شُرُوطِ الذَّكَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَنْ تَجُوزُ تَذْكِيَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ]

الفصل: ‌[الفصل الأول في نصاب الذهب والفضة]

مِثْلُ اخْتِلَافِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الزَّيْتُونِ، فَإِنَّ مَالِكًا ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، وَمَنَعَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ بِمِصْرَ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلْ هُوَ قُوتٌ أَمْ لَيْسَ بِقُوتٍ؟

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي إِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي التِّينِ أَوْ لَا إِيجَابِهَا.

وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الثِّمَارِ دُونَ الْخُضَرِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ لِقَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ -:{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} [الأنعام: 141] الْآيَةَ، وَمَنْ فَرَّقَ فِي الْآيَةِ بَيْنَ الثِّمَارِ وَالزَّيْتُونِ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ إِلَّا وَجْهٌ ضَعِيفٌ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ الَّتِي لَمْ يُقْصَدْ بِهَا التِّجَارَةُ، وَاخْتَلَفُوا فِي إيجاب الزَّكَاة فِيمَا اتُّخِذَ مِنْهَا لِلتِّجَارَةِ، فَذَهَبَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ إِلَى وُجُوبِ ذَلِكَ، وَمَنَعَ ذَلِكَ أَهْلُ الظَّاهِرِ.

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمُ: اخْتِلَافُهُمْ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِالْقِيَاسِ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِي تَصْحِيحِ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّهُ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الزَّكَاةَ مِمَّا نُعِدُّهُ لِلْبَيْعِ» . وَفِيمَا رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ: «أَدِّ زَكَاةَ الْبُرِّ» .

وَأَمَّا الْقِيَاسُ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْجُمْهُورُ: فَهُوَ أَنَّ الْعُرُوضَ الْمُتَّخَذَةَ لِلتِّجَارَةِ مَالٌ مَقْصُودٌ بِهِ التَّنْمِيَةُ، فَأَشْبَهَ الْأَجْنَاسَ الثلاثة الَّتِي فِيهَا الزَّكَاةُ بِاتِّفَاقٍ - أَعْنِي: الْحَرْثَ وَالْمَاشِيَةَ وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ -. وَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ زَكَاةَ الْعُرُوضِ ثَابِتَةٌ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَبَعْضُهُمْ يَرَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا هُوَ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ - أَعْنِي: إِذَا نُقِلَ عَنْ وَاحِدٍ قَوْلٌ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ غَيْرِهِ خِلَافُهُ -، وَفِيهِ ضَعْفٌ.

[الْجُمْلَةُ الثَّالِثَةُ فِي مَعْرِفَةُ نصابِ الزكاة]

[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي نصاب الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]

الْجُمْلَةُ الثَّالِثَةُ وَأَمَّا مَعْرِفَةُ النِّصَابِ فِي وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ الْمُزَكَّاةِ، وَهُوَ الْمِقْدَارُ الَّذِي فِيهِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا لَهُ مِنْهَا نِصَابٌ، وَمَعْرِفَةُ الْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ - أَعْنِي: فِي عَيْنِهِ وَقَدْرِهِ - فَإِنَّا نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فِي جِنْسٍ جِنْسٍ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَالْمُخْتَلَفِ فِيهَا عِنْدَ الَّذِينَ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَلْنَجْعَلِ هذا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي فُصُولٍ:

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.

ص: 15

الثَّانِي: فِي الْإِبِلِ.

الثَّالِثُ: فِي الْغَنَمِ.

الرَّابِعُ: فِي الْبَقَرِ.

الْخَامِسُ: فِي النَّبَاتِ.

السَّادِسُ: فِي الْعُرُوضِ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ

أَمَّا الْمِقْدَارُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ الْفِضَّةِ، فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ خَمْسِ أَوَاقٍ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام الثَّابِتُ:«لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» مَا عَدَا الْمَعْدِنَ مِنَ الْفِضَّةِ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ النِّصَابِ مِنْهُ، وَفِي الْمِقْدَارِ الْوَاجِبِ فِيهِ، فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذَلِكَ هُوَ رُبُعُ الْعُشْرِ - أَعْنِي: فِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ مَعًا - مَا لَمْ يَكُونَا خَرَجَا مِنْ مَعْدِنٍ.

وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي مَوَاضِعَ خَمْسَةٍ: أَحَدُهَا: فِي نِصَابِ الذَّهَبِ.

الثَّانِي: هَلْ فِيهِمَا أَوْقَاصٌ أَمْ لَا؟ - أَعْنِي: هَلْ فَوْقَ النِّصَابِ قَدْرٌ لَا تَزِيدُ الزَّكَاةُ بِزِيَادَتِهِ؟ -.

وَالثَّالِثُ: هَلْ يُضَمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ فَيُعَدَّانِ كَصِنْفٍ وَاحِدٍ؟ - أَعْنِي: عِنْدَ إِقَامَةِ النِّصَابِ -، أَمْ هُمَا صِنْفَانِ مُخْتَلِفَانِ؟ .

وَالرَّابِعُ: هَلْ مِنْ شَرْطِ النِّصَابِ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ وَاحِدًا لَا اثْنَيْنِ؟ .

الْخَامِسُ: فِي اعْتِبَارِ نِصَابِ الْمَعْدِنِ وَحَوْلِهِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ فِيهِ.

أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الأُولَى - وَهِيَ اخْتِلَافُهُمْ فِي نِصَابِ الذَّهَبِ - فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا وَزْنًا، كَمَا تَجِبُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمْ وَأَحْمَدَ وَجَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ: لَيْسَ فِي الذَّهَبِ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِينَارًا، فَفِيهَا رُبُعُ عُشْرِهَا دِينَارٌ وَاحِدٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ: لَيْسَ فِي الذَّهَبِ زَكَاةٌ حَتَّى يَبْلُغَ صَرْفُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ قِيمَتِهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ فَفِيهَا رُبُعُ عُشْرِهَا، كَانَ وَزْنُ ذَلِكَ مِنَ الذَّهَبِ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، هَذَا فِيمَا كَانَ مِنْهَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ دِينَارًا، فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ دِينَارًا كَانَ الِاعْتِبَارُ بِهَا نَفْسه لَا بِالدَّرَاهِمِ لَا صَرْفًا وَلَا قِيمَةً.

ص: 16

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي نِصَابِ الذَّهَبِ: أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي نِصَابِ الْفِضَّةِ.

وَمَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِمَارَةَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: «هَاتُوا زَكَاةَ الذَّهَبِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دِينَارٍ» . فَلَيْسَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِمَّا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ لِانْفِرَادِ الْحَسَنِ بْنِ عِمَارَةَ بِهِ.

فَمَنْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ هَذَا الْحَدِيثُ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْإِجْمَاعِ، وَهُوَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْأَرْبَعِينَ.

وَأَمَّا مَالِكٌ فَاعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعَمَلِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْمُوَطَّأ: السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا كَمَا تَجِبُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. وَأَمَّا الَّذِينَ جَعَلُوا الزَّكَاةَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ تَبَعًا لِلدَّرَاهِمِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَا عِنْدَهُمْ منْ جِنْسٍ وَاحِدٍ جَعَلُوا الْفِضَّةَ هِيَ الْأَصْلُ، إِذْ كَانَ النَّصُّ قَدْ ثَبَتَ فِيهَا، وَجَعَلُوا الذَّهَبَ تَابِعًا لَهَا فِي الْقِيمَةِ لَا فِي الْوَزْنِ، وَذَلِكَ فِيمَا دُونَ مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ، وَلما قِيلَ أَيْضًا: إِنَّ الرِّقَةَ اسْمٌ يَتَنَاوَلُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، وَجَاءَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ:«لَيْسَ فِيهَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الرِّقَةِ صَدَقَةٌ»

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ فِيهَا: فَإِنَّ الْجُمْهُورَ قَالُوا: إِنَّ مَا زَادَ عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنَ الْوَزْنِ فَفِيهِ بِحِسَابِ ذَلِكَ - أَعْنِي: رُبُعَ الْعُشْرِ - وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَجَمَاعَةٍ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَكْثَرُهُمُ أهل الْعِرَاق: لَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فَإِذَا بَلَغَتْهَا كَانَ فِيهَا رُبُعُ عُشْرِهَا وَذَلِكَ دِرْهَمٌ، وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِمَا.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمُ: اخْتِلَافُهُمْ فِي تَصْحِيحِ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عِمَارَةَ، وَمُعَارَضَةُ دَلِيلِ الْخِطَابِ لَهُ، وَتَرَدُّدُهُمَا بَيْنَ أَصْلَيْنِ فِي هَذَا الْبَابِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَهِيَ: الْمَاشِيَةُ وَالْحُبُوبُ.

أَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ بْنِ عِمَارَةَ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَق عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَدْ عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، فَهَاتُوا مِنَ الرِّقَةِ رُبُعَ الْعُشْرِ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَمِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ، وَلَيْسَ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَيْءٌ حَتَّى

ص: 17

يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ تَزِيدُ عَلَى الْعِشْرِينَ دِينَارًا دِرْهَم حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِينَارًا، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ نِصْفُ دِينَارٍ وَدِرْهَمٌ» .

وَأَمَّا دَلِيلُ الْخِطَابِ الْمُعَارِضِ لَهُ، فَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» . وَمَفْهُومُهُ أَنَّ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ الصَّدَقَةَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ.

وَأَمَّا تَرَدُّدُهُمَا بَيْنَ الْأَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا الْمَاشِيَةُ وَالْحُبُوبُ: فَإِنَّ النَّصَّ عَلَى الْأَوْقَاصِ وَرَدَ فِي الْمَاشِيَةِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا أَوَقَاصَ فِي الْحُبُوبِ، فَمَنْ شَبَّهَ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ بِالْمَاشِيَةِ قَالَ: فِيهِمَا الْأَوْقَاصُ، وَمَنْ شَبَّهَهُمَا بِالْحُبُوبِ قَالَ: لَا وَقْصَ.

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: - وَهِيَ ضَمُّ الذَّهَبِ إِلَى الْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ: فَإِنَّ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهَا تُضَمُّ الدَّرَاهِمُ إِلَى الدَّنَانِيرِ، فَإِذَا كَمُلَ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا نِصَابٌ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ: لَا يُضَمُّ ذَهَبٌ إِلَى فِضَّةٍ وَلَا فِضَّةٌ إِلَى ذَهَبٍ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجِبُ فِيها الزَّكَاةُ لِعَيْنِهِ أَمْ لِسَبَبٍ يَعُمُّهُمَا، وَهُوَ كَوْنُهُمَا كَمَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ رُءُوسَ الْأَمْوَالِ وَقِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ؟

فَمَنْ رَأَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ عَيْنُهُ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ النِّصَابُ فِيهِمَا، قَالَ: هُمَا جِنْسَانِ لَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إِلَى الثَّانِي كَالْحَالِ فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ.

وَمَنْ رَأَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِمَا هُوَ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْجَامِعُ الَّذِي قُلْنَاهُ، أَوْجَبَ ضَمَّ بَعْضِهِمَا إِلَى بَعْضٍ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَظْهَرُ اخْتِلَافَ الْأَحْكَامِ حَيْثُ تَخْتَلِفُ الْأَسْمَاءُ، وَتَخْتَلِفُ الْمَوْجُودَاتُ أَنْفُسُهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُوهِمُ اتِّحَادُهُمَا اتِّفَاقَ الْمَنَافِعِ، وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَ مَالِكٌ رحمه الله فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي بَابِ الرِّبَا.

وَالَّذِينَ أَجَازُوا ضَمَّهُمَا اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الضَّمِّ: فَرَأَى مَالِكٌ ضَمَّهُمَا بِصَرْفٍ مَحْدُودٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُنْزِلَ الدِّينَارَ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَدِيمًا، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهِمَا الزَّكَاةُ عِنْدَهُ، وَجَازَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْوَاحِدِ عَنِ الْآخَرِ.

وَقَالَ مِنْ هَؤُلَاءِ آخَرُونَ: تُضَمُّ بِالْقِيمَةِ فِي وَقْتِ الزَّكَاةِ، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَثَلًا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَتِسْعَةُ مَثَاقِيلَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهِمَا الزَّكَاةُ، وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ تُسَاوِي أَحَدَ عَشَرَ مِثْقَالًا وَتِسْعَةَ مَثَاقِيلَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ أَيْضًا فِيهِمَا الزَّكَاةُ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَبُو

ص: 18

حَنِيفَةَ، وَبِمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ قَالَ الثَّوْرِيُّ إِلَّا أَنَّهُ يُرَاعِي الْأَحْوَطَ لِلْمَسَاكِينِ فِي الضَّمِّ - أَعْنِي: الْقِيمَةَ أَوِ الصَّرْفَ الْمَحْدُودَ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُضَمُّ الْأَقَلُّ إِلَى الْأَكْثَرِ، وَلَا يُضَمُّ الْأَكْثَرُ إِلَى الْأَقَلِّ.

وَقَالَ آخَرُونَ: تُضَمُّ الدَّنَانِير بِقِيمَتِهَا أَبَدًا كَانَتِ الدَّنَانِيرُ أَقَلَّ مِنَ الدَّرَاهِمِ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا تُضَمُّ الدَّرَاهِمُ إِلَى الدَّنَانِيرِ، لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ أَصْلٌ وَالدَّنَانِير فَرْعٌ، إِذْ كَانَ لَمْ يَثْبُتْ فِي الدَّنَانِيرِ حَدِيثٌ وَلَا إِجْمَاعٌ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ أَحَدِهِمَا ضَمَّ إِلَيْهِ قَلِيلَ الْآخَرِ وَكَثِيرَهُ، وَلَمْ يَرَ الضَّمَّ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ بَلْ فِي مَجْمُوعِهِمَا.

وَسَبَبُ هَذَا الِارْتِبَاكِ مَا رَامُوهُ مِنْ أَنْ يَجْعَلُوا مِنْ شَيْئَيْنِ نِصَابُهُمَا مُخْتَلَفٌ فِي الْوَزْنِ نِصَابًا وَاحِدًا، وَهَذَا كُلُّهُ لَا مَعْنَى لَهُ، وَلَعَلَّ مَنْ رَامَ ضَمَّ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ فَقَدْ أَحْدَثَ حُكْمًا فِي الشَّرْعِ حَيْثُ لَا حُكْمَ، لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ بِنِصَابٍ لَيْسَ هُوَ بِنِصَابِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، وَيَسْتَحِيلُ فِي عَادَةِ التَّكْلِيفِ وَالْأَمْرِ بِالْبَيَانِ أَنْ يَكُونَ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمُحْتَمَلَةِ حُكْمٌ مَخْصُوصٌ، فَيَسْكُتُ عَنْهُ الشَّارِعُ حَتَّى يَكُونَ سُكُوتُهُ سَبَبًا لِأَنْ يَعْرِضَ فِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ مَا مِقْدَارُهُ هَذَا الْمِقْدَارُ، وَالشَّارِعُ إِنَّمَا بُعِثَ صلى الله عليه وسلم لِرَفْعِ الِاخْتِلَافِ.

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فَإِنَّ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ لَيْسَ يَجِبُ عَلَى أَحَدِهِمَا زَكَاةٌ حَتَّى يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ حُكْمُهُ حُكْمُ مَالِ رَجُلٍ وَاحِدٍ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمُ: الْإِجْمَاعُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» . فَإِنَّ هَذَا الْقَدْرَ يُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ أنه يَخُصُّهُ هَذَا الْحُكْمُ كَانَ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَالِكٍ وَاحِدٍ، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَفْهُومُ اشْتِرَاطِ النِّصَابِ إِنَّمَا هُوَ الرِّفْقُ فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

وَالشَّافِعِيُّ كَأَنَّهُ شَبَّهَ الشَّرِكَةَ بِالْخُلْطَةِ، وَلَكِنَّ تَأْثِيرَ الْخُلْطَةِ فِي الزَّكَاةِ غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَعْدُ.

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ - وَهِيَ اخْتِلَافُهُمْ فِي اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِي الْمَعْدِنِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ فِيهِ -: فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ رَاعَيَا النِّصَابَ فِي الْمَعْدِنِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَشْتَرِطِ الْحَوْلَ، وَاشْتَرَطَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَا سَنَقُولُ بَعْدُ فِي الْجُمْلَةِ الرَّابِعَةِ.

ص: 19